الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اتفاقيَّات تَذْويب السُّودان ..!

فيصل عوض حسن

2020 / 9 / 7
مواضيع وابحاث سياسية


انخرطَ السُّودانِيُّون في جَدلٍ واسعٍ حول اتفاقات جوبا بين (العَسْكَر/المدنيين) وتُجَّار الحرب، وازدادَ الجَدَلُ سخونةً عقب إعلان كلٍ من عبد الله حمدوك وعبد العزيز الحلو، عن اتِّفاقهم (الثُنائي)، المُتقاطع مع اتفاقات جوبا جَملةً وتفصيلاً. وفي الحالتين، سواء اتفاق جوبا أو أديس أبابا، تُوجد مجموعة من الثُقوب والقنابل السيادِيَّة والأخلاقِيَّة/الإنسانِيَّة والقانونِيَّة والاقتصادِيَّة لم تجد حَظَّها من النقاش، بفعل العبارات الثورِيَّة والمُضلِّلة التي حَوَتها تلك الاتفاقات، ومن الأهمِّيَّة تناوُلها بهدوءٍ وتَدَبُّر، تنبيهاً وتوثيقاً للتاريخ.
من القنابل الموقوتة التي تَغَافلت عنها اتِّفاقات جوبا، تَعَاظُم مخاطر (الأجانب) الذين جَلَبَهم الكيزان بمجموعاتٍ كبيرةٍ ومنحوهم الجنسيات السُّودانِيَّة، واستوعبوهم في جميع مرافق الدولة بما في ذلك المناصب السيادِيَّة والمليشيات المُختلفة، ووجود هؤلاء يُهدِّد السيادة الوطنِيَّة، ويحول دون التَحَوُّل الديمُقراطي وبناء دولة القانون، ويمنع (عودة النَّازحين) وضحايا الحرب لمناطقهم الأصيلة، حيث تمَّ توطين أُولئك (المُجنَّسين) في غالبِيَّة أراضينا، خاصَّةً بدارفور والشرق. كما يقف (المُجَنَّسون) حجر عَثْرَة أمام تحقيق العدالة، كتعويض ضحايا الحرب وتحقيق رغبتهم (المشروعة) في القصاص من المتُاسلمين وأزلامهم، وعلى رأسهم البرهان والمُرتزق حميدتي ومليشياته. والمُؤلم والصادم في آنٍ واحد، أنَّ (المُجنَّسين) شاركوا باسم السُّودانيين في (مُفاوضات/اتفاقيَّات) جوبا، بعلم ومُوافقة جميع الأطراف، وهذه (خِيانة عُظمى) في حق السُّودان، ما كان ينبغي لها أن تكون، ولا يجوز السكوت عليها تحت أي ظرفٍ كان لتبعاتها الكارثِيَّة، ويجب توثيقها للتاريخ الذي تمَّ تشويهه بإقحام أمثال هؤلاء في ماضينا، لـ(شَرْعَنَة) وجودهم في حاضرنا وتهديد مُستقبل أجيالنا القادمة!
هناك أيضاً استفهامات كبيرة بشأن الفراغ الأمني الماثل، والتقاطعات/التشابُكات الكبيرة بين الميليشيات الإسْلَامَوِيَّة المُختلفة (الجيش، الشرطة، الأمن والمُخابرات، الجنجويد، الأمن الشعبي/الطُلَّابي ... إلخ)، وكيفيَّة استيعاب القادمين الجُدد وفقاً لبروتوكول الترتيبات الأمنيَّة، وإعادة تهيئتهم جميعاً كقُوَّاتٍ وطنِيَّةٍ وشرعِيَّةٍ (مُحترمة). بخلاف عدم وجود (آليات) واضحة لتنفيذ مضامين اتفاقيات جوبا، أو الضمانات القانونِيَّة (الموثوقة) لمُتابعة التنفيذ وتقييمه وتقويمه، مع إقصاء نَّوعي وسيطرة مناطِقِيَّة/جُغرافِيَّة و(إثنِيَّة) وعائِليَّة/أُسريَّة واضحة! نُضيف لذلك الانتهازِيَّة الطَّاغِية على جميع الأطراف، سواء العَسْكَر (أزلام المُتأسلمين) أو القحتيين أو القادمين الجُدُدْ من تُجَّار الحرب، حيث لم يُخفِ أياً منهم رغبته المحمومة في السُلْطَةِ والمال، مما يُنبئ بصراعاتٍ لا تخلو من الدِماء، التي لم يتوقَّف تَدَفُّقها منذ قبل ما يُسمَّى استقلال وحتَّى الآن!
بخلاف عجز السُّودان عن (الإيفاء) المالِيَّة التي حَوَتها اتفاقيات جوبا، هناك (قُنبلة) نُظُم/أشكال الحُكم المُتقاطعة مع (ثوابت) الإدارة العلميَّة الرَّصينة، لأنَّ نظام/شكل الحُكم السليم، أياً كان نوعه (فيدرالي/مركزي/لامركزي وغيره)، لا يتحدَّد بـ(الرغبات/الأماني) وإنَّما بمدى تَوفُّر مُقومات أو مُتطلَّبات النجاح، سواء كانت (إداريَّة، اقتصاديَّة/ماليَّة، ثقافيَّة/معرفيَّة، اجتماعيَّة وسياسيَّة)، بعيداً عن الارتجال و(دَغْدَغَة) المشاعر. وكمثالٍ توضيحي، تمَّ الاتفاق على نظام الحكم الذَّاتي في المنطقتين دون تَوَفُّر أيٍ من مُقوِّماته الأساسيَّة، كضرورة وجود فوائض نقديَّة وافرة، وأمن سياسي وسِلْم اجتماعي واضح، وموارد بشريَّة ذات مُستويات ثقافيَّة ومعرفيَّة مُتنوِّعة، لتدعم القدرة على الإدارة والتسيير، وهذه مُتطلَّبات لا تتوفَّر حالياً في السُّودان بكامله دعكم المنطقتين وحدهما، فنحن لا نملك مُجرَّد إحصائِيَّة (موثوقة) بأعداد السُّودانيين، ناهيك القادرين على العمل والمُصنَّفين حسب النَّوع (إناث/ذكور) والمجالات والتخصُّصات والدرجات العلميَّة والمِهَنِيَّة، مما يُؤكِّد دون شك فشل (خياراتهم/اتفاقاتهم) لأنَّها بعيدة عن العلمِيَّة والواقعيَّة!
إنَّ اختيار النِّظام السياسي لأي دولة أو إقليم/منطقة داخلها، لا ينفصل عن مبادئ الإدارة العلميَّة الرَّصينة أو أدبيَّات الاجتماع والاقتصاد، وينبغي استصحاب كل هذه المضامين عند اختيار شكل/نظام الحكم المعني، وهذا لم يحدث في جوبا، مما يجعلني أقول وبالفم المليان أنَّ تلك الاتفاقات (مُدمِّرة)! فتحديد/اختيار نظام/شكل الحكم الذاتي يجب أن يستند على معايير عديدة، وغالِبِيَّة الدول التي طَبَّقت هذا النَّوع من أشكال الحكم تمتلك إمكانيات مهولة، لا يتوفَّر عُشرها في سوداننا الماثل، ومع ذلك عَانَت تلك الدول كثيراً ولا تزال نتيجة لاختيار هذا النَمَط الإداري (المُكلِّف)، فهو يعني تقسيم المناطق المَعنِيَّة لأقاليم/وحدات إدارِيَّة، تتكَفَّل بتهيئة خدمات التعليم ومُرافقه المُختلفة (مدارس، معاهد، جامعات، معامل ...إلخ)، بجانب الخدمات الصِحِّيَّة والاجتماعيَّة، والتنمية الحَضَرِيَّة والرِّيفيَّة، والمسئوليات الأمنِيَّة وغيرها.
لا يختلف اتفاق حمدوك والحلو عن اتفاقات جوبا، فهو يحمل بين طَيَّاته مجموعة من القنابل والألغام، رغم العبارات (البَرَّاقة) التي حَوَتها بنوده المُعْلَنَة، لكن جوهرها بعيدٌ عن الموضوعِيَّة المُفْضِية للتطبيق العملي. والاتفاق يشبه نسبياً ما تمَّ مُنتصف التسعينات، بين المُتأسلمين والحركة الشعبِيَّة التي اشترطت وقتها، إمَّا فصل الدِّين عن الدولة كأساسٍ للديمقراطِيَّةِ في السُّودان أو حق تقرير المصير للجنوب، حيث أصَرَّ الكيزان على ما أسموه شريعة وتَمَسَّكَت الحركة بمطالبها، وسارت الأمور على ذلك حتَّى انفصال الجنوب فعلياً، وهذا ما يجري تكراره حرفياً الآن وبصورةٍ أخطر وأسوأ. فلو تجاوزنا عن الجدل (السَّابق لأوانه) عن العلمانِيَّة/الشريعة، هناك مُعطيات عديدة تُشير لـ(فشل) اتفاق حمدوك والحلو، لعلَّ أبرزها هل سيقبل الحلو بوجود (المُجرم) حميدتي على هرم السُلطة، بعدما رفض (التَفاوُض) معه بشكلٍ قاطع قبل أيَّام، باعتباره قائد مليشيات القتل والتخريب؟ وهل سيُوافق الحلو على دَمج قُوَّات حركته مع مليشيا الجنجويد؟! ماذا سيحدث إذا (اشترط) الحلو إبعاد حميدتي وكيان الأُمَّة وغيره من الكيانات الرَّافضة لفصل الدين عن الدولة؟! وكيف يُحقِّق حمدوك (التَوازُن) بين اتفاقه مع الحلو، المُتقاطع جُملةً وتفصيلاً مع اتِّفاقات جوبا؟! والأخطر والأهمَّ، هل يملك الطرفان (حمدوك والحلو)، تفويضات أو إحصاءات (مُوثَّقة) ليتفقوا على قضايا محوريَّة ومصيريَّة كالتي أعلنوا عنها؟ فالمنطقتين تسكنها مجموعات سُكَّانِيَّة عديدة، من أبرزها النُّوبة والفونج، فَمِمَّن يطلبون تحقيق المصير وهم من شعوب السُّودان (الأصيلة)!
الواقع أنَّ العَسْكَر وحمدوك وغيرهم، يُنفِّذون سيناريو أسوأ بكثير من (مُثلَّث حمدي) الإسْلَامَوِي، الذي استهدف تقسيم السُّودان لدويلاتٍ قد تَتَّحد، أو على الأقل تتكامل أو تتعاون مُستقبلاً، بينما يَفضي سيناريو هؤلاء العُملاء لـ(تذويب) السُّودان بكامله، وهو أمرٌ حَذَّرت منه في مقالاتٍ عديدة، آخرها مقالتي (أزمةُ الشَرْقِ حَلَقةٌ مِنْ حَلَقَاتِ تَذويبِ اَلسُّودان) بتاريخ 18 أغسطس 2020. ولقد استعدُّوا ومَهَّدوا لهذه (الخيانة) بإجراءاتٍ عديدة، كتكثيف جلب الأجانب وتجنيسهم وتوطينهم، خاصةً دارفور والشرق، مع تَصَاعُد إجرامهم ضد المُواطنين السُّودانيين، وأحياناً يصنع العَسْكَر وحمدوك الأزمة من العددم ليحتدم الصِّراع أكثر، دون أن يتحرَّكوا لحسمه وعلاجه حتَّى نغرق في هذه المتاهات ولا ننتبه لعَمَالتهم وخياناتهم المُتلاحقة، ويجد العالم الخارجي فرصته للانقضاض على السُّودان والتهامه. ولنسترجع خطاب حمدوك (الكارثي) للأُمَّم المُتَّحدة الذي طلب فيه (وِصايتها) على السُّودان، وسَلَّمَ مجلس الأمن إدارة وتنظيم جميع شئوننا (الدَّاخِليَّة والخارجِيَّة)، وجعله رقيباً وحسيباً ومُنتشراً – عبر بعثاته/عملائه – بطول البلد وعرضها، ومَكَّنهم من كل شيئ دون حدودٍ أو استثناء. والأُمم المُتَّحدة تحتفظ بذلك الخطاب وتُشاهد المآسي التي يتعرَّض لها السُّودانِيُّون، سواء من العالم الخارجي أو بفعل أبنائه دون أن تُحرِّك ساكناً، لأنَّ هذا يخدم مرامي أربابها، وبمُجرَّد شعورهم بأي تَحَرُّكات شعبيَّة (خالِصة) لإنقاذ البلد ستتدخَّل الأُمم المُتَّحدة بآلياتها وأزلامها، لقطع الطريق أمام أي ثورة سودانِيَّة حقيقيَّة، استناداً لـ(تفويض) حمدوك الكتابي الذي تناساه السُّودانِيُّون واستسهلوه، لذلك وَصَفتُ حمدوك (وقتها) بالعَمَالة عبر مقالتي (مَتَى يَنْتَبْهْ اَلْسُّوْدَانِيُّون لِعَمَالَةِ حَمدوك؟!) بتاريخ 10 فبراير 2020، وهو وَصْفٌ صَدَّقته أفعال حمدوك الماثلة!
إنَّ السلامَ والأمن والعَدالة مَطالِبٌ حتمِيَّةٌ نبيلة، لكنها (مُستحيلة) التَحَقُّق مع قَتَلَة ومُجرمين كالبُرهان وحِمِيْدْتِي وأزلامهم (المُجنَّسين)، أو عبر عُملاء كحمدوك والقحتيين و(تُجَّار) الحرب، بخلاف أنَّهم (غير مُفوَّضين) أساساً من قِبَل الذين يتحدَّثون باسمهم، سواء في الشرق أو دارفور أو المنطقتين أو غيرها من بقيَّة أجزاء السُّودان، فلنقاوم ولا ننكسر أو نقبل بحلولهم الكارِثيَّة التي سنتحمَّل تبعاتها وحدنا، وسيختفي الجميع مع أُسَرِهم بالخارج ولنا في نيفاشا عِظَةٌ وعِبْرَة.. وللحديثِ بَقِيَّة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. موريتانيا - مالي: علاقات على صفيح ساخن؟ • فرانس 24 / FRANCE


.. المغرب - إسبانيا: لماذا أعيد فتح التحقيق في قضية بيغاسوس للت




.. قطر تؤكد بقاء حماس في الدوحة | #غرفة_الأخبار


.. إسرائيل تكثف القصف بعد 200 يوم من الحرب | #غرفة_الأخبار




.. العرب الأميركيون مستاؤون من إقرار مجلس النواب حزمة مساعدات ج