الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السودان

محمد أبو قمر

2020 / 9 / 7
مواضيع وابحاث سياسية


لم يطرح السودانيون قضية إصلاح الخطاب الديني وإنما دخلوا مباشرة إلي أصل المشكلة ، فسخوا العلاقة المشبوهة الغير شرعية بين الدين والسياسة ، بين ما هو ثابت وما هو متغير ، تلك العلاقة التي نتج عنها تقسيم السودان ، والانخراط في حرب أهلية أكلت أرواح الأبرياء وشردت الكثيرين وحولتهم إلي لاجئين في بلادهم ، فضلا عن كثير من حالات القهر والعسف والنصب والتدليس والاحتيال السياسي والديني وانتشار الخرافات وإذلال المرأة وتوطين التخلف إلي درجة الخروج من مسيرة الحضارة الإنسانية خروجا مشينا ومذلا.

اكتشف السودانيون أن قضبة إصلاح الخطاب الديني قضية عبثية ، إذ هي تعني فقط تعديل بعض التشوهات التي تسيء إلي سمعة الدين ، بينما يظل الدين مختلطا بالسياسة ، يظل الثابت المقدس ممزوجا بالمتغير الذي يتحرك ويتغير ويتطور في كل لحظة ، الأمر الذي يفرز تلقائيا دولة مشوهة تتناطج فيها الخرافة مع العلم فيفسد العلم وتصير الخرافة علما ويكتسب رجل الدين بذلك قدسية مزيفة وتصير سلطته فوق سلطة القانون وأعلي من سلطة الدولة .

الدولة التي يتداخل الدين في دستورها تضطرب قوانينها ويصبح من المستحيل النظر في تطور هذه القوانين تبعا لتطور الحياة وتطور وتنوع العلاقات ، الدولة المشوهة التي يمتزج فيها الثابت بالمتغير تنهار ثقافاتها وتتفسخ فنونها وتتجمد معارفها ويتجاوزها التاريخ .

اكتشف السودانيون أن المزج بين الدين والسياسة يفرز خطابا عنصريا يؤسس للكراهية والتكفير والارهاب وينكر العقل والعلم وحركة الزمن ، ويحتقر المرأة ويحولها إلي مجرد وعاء جنسي ، ويجعل الرجل مجرد ذكر تحركه فقط شهواته ورغباته الجنسية ، اكتشفوا أن الخطاب الذي تفرزه العلاقة الآثمة بين الثابت والمتغير هو في الأساس خطاب سياسي يتم تغليفه بالنصوص المقدسة ويتشارك رجال الدين ورجال السياسة معا في استخدامه واستغلاله للاستحواذ علي عقل وضمير ووجدان ووعي وروح الأمة لهدف واحد هو البقاء في صدارة المشهد والدوران حول السلطة.

كم من المآسي والجرائم والمساخر نتجت عن تلك العلاقة الغير شرعية بين الدين والسياسة!! ، وأهم من ذلك كله فإن هذا المزج المتعمد والمشين أفسد الاثنين معا ، فلا الدين أصلح السياسة ولا السياسة أصلحت الدين ، والاثنان معا شوها وعي الناس وصارت الممارسة الدينية شكلية خالية من الضمير ، وصار الدين بضاعة قابلة للبيع ، وكم من رجال الدين والدعاة الذين غلفوا المساخر والمفاسد والأضاليل بالدين ، وصارت السياسة ضربا من العشوائية التي يعتريها الاضطراب والتوهان ، وكم من رجال السياسة الذين تمترسوا خلف الدين وغلفوا به القهر والكذب والتدليس والغش.

السودان لم يلجأ إلي ذلك الإجراء الذي لا جدوي من حدوثه ، وإنما نفذوا إلي أصل المشكلة فقالوا : الدين لله والوطن للجميع ، حرية العقيدة ، حرية الممارسة الدينية ، لا سلطة سياسية بعد الآن لرجل الدين ، ولا سلطة دينية لرجل السياسة .
هل أقول إن ما أعلنه السودانيون هو اختيار فعلي حقيقي أم هو مجرد إعلان من الإعلانات العربية التي سرعان ما تزول آثارها وتعود ريمة إلي الضياع الذي تغرق فيه الأمة العربية بكاملها حتي أنوفها؟؟!!.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تظاهرات في جامعات أميركية على وقع الحرب في غزة | #مراسلو_سكا


.. طلبوا منه ماء فأحضر لهم طعاما.. غزي يقدم الطعام لصحفيين




.. اختتام اليوم الثاني من محاكمة ترمب بشأن قضية تزوير مستندات م


.. مجلس الشيوخ الأميركي يقر مساعدات بـ95 مليار دولار لإسرائيل و




.. شقيقة زعيم كوريا الشمالية: سنبني قوة عسكرية ساحقة