الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دراسة مقارنة في خيارات اليوم الوطني العراقي وإرتداداتها السياسية والمجتمعية, الحلقة السادسة: قراءة تحليلية ومقاربة نقدية في الأيام المعتمدة في الدولة العراقية المعاصرة ومعطياتها

هيثم الحلي الحسيني

2020 / 9 / 7
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


المقدمة ونطاق الدراسة: جرى في عرض المباحث السابقة, تغطية موجزة لمجمل الوقائع التي شهدها العراق, في تأريخ دولته المعاصرة, والهندسة السياسية التي اتبعتها أنظمة حكمه المتعاقبة, من خلال المحطات الرئيسة والتحولات الحاكمة والحاسمة فيه، تمهيداً لإلقاء الضوء على الأيام التي اعتمدت عيداً وطنياً للدولة, في حقبتيه الملكية والجمهورية, وتبيان الأسباب في اختيارها ومسبباتها.
وسيشمل نطاق الدراسة الزماني, عرض المناسبات الوطنية الرسمية المقرة في الدولة العراقية, في العهدين الملكي والجمهوري, بجمهورياته المتعاقبة، التي جرى الاحتفاء بها, واتخاذها أياماً وأعياداً وطنية، مع دراسة الأسباب المباشرة, والنتائج والتحولات السياسية المؤثرة فيها ومتغيراتها، في ظل المقدمات والنتائج التاريخية, للوقائع والأحداث, المستعرضة في الحلقات المتقدمة من الدراسة.
وستجري مقاربة المقدمات التأريخية, لإختيار اليوم الوطني, للدولة العراقية المعاصرة, ورمزيته في العهدين الملكي والجمهوري, مع عرض لليوم الوطني الذي جرى الإحتفاء فيه, في ظل الجمهوريات الأولى, بمناسبة ذكرى الجمهورية ويوم تأسيسها, في الرابع عشر من تموز, ومقاربة المعوقات الإجتماعية والعقائدية, التي منعت الإستمرار به, وإقراره يوما وطنيا للدولة العراقية المعاصرة, لتكون مقدمة للدراسة, في الحلقة القادمة والأخيرة, في مقاربة الخيارات والبدائل المتاحة, لليوم الوطني العراقي, وفرص إختيارها, نسبة للجهات التي تفضلها, وأسبابها في ذلك.
رمزية اليوم الوطني في العهد الملكي: كانت الدولة العراقية في العهد الملكي, أسوة بجميع الأنظمة الملكية, تحتفل سنوياً بيوم تتويج الملك فيصل الأول ملكاً للعراق في يوم 23 آب1921م، فكان يعد عيداً وطنياً للعراق، كونه عيد الجلوس على العرش، ويضاف له عيد الجلوس للملكين الخلفين له نجله ومن بعده حفيده في تاريخي تتويجهما، حيث تعاقب على عرش العراق ثلاثة ملوك، فيصل الأول، غازي، وفيصل الثاني, الذي تولى وصايته خاله الأمير عبد الإله[1] بن الملك علي[2]، حتى بلوغه السن القانونية للعرش, غير أن يوم تتويج الملك فيصل الأول, يعد العيد الرسمي, لكونه كان يوم بيعته, ويوم تدشين العهد الملكي في العراق, الى جانب يوم الإستقلال, الذي يصادف إنهاء الإنتداب البريطاني, ودخول العراق عضوا في عصبة الأمم.
كما كان يحتفى أيضا, بيوم الثورة العربية الكبرى, التي أعلنها الشريف الملك حسين, والد الملك فيصل الأول, ضد الإحتلال التركي العثماني في الحجاز, في النصف من شعبان, المصادف حزيران من العام 1916, وحضي بتأييد سائر العرب, ومنهم العراقيين, بهدف تحرير البلاد العربية, من نير الإستعمار التركي, وتأسيس دولة عربية موحدة, وفق عهود البريطانيين له, والتي لم تتحقق, فدارت الدائرة عليه, وجرى نفيه الى قبرص, ثم سمح له بالإقامة في العقبة, حيث ولده الأمير عبد الله, في إمارة شرق الأردن, ثم المملكة الأردنية الهاشمية, حتى توفي فيها.
اليوم الوطني في العهد الجمهوري: بعد تأسيس العهد الجمهوري، تحول العيد الوطني للدولة العراقية, إلى تاريخ قيام الثورة في 14 تموز 1958، التي أسقطت الملكية وأعلنت العهد الجمهوري، بعد الاعتراف والإجماع الدولي بالجمهورية العراقية الناشئة, وقد استمرت الدولة في اعتمادها ليوم 14 تموز عيداً وطنياً, حتى بعد قيام الجمهورية الثانية في 8شباط 1963, والثالثة[3] في 18ت2 1963, والرابعة في 17 تموز 1968, والتي سقطت في التاسع من نيسان من العام 2003, حيث بدأت إجراءات بناء العملية السياسية, وفق آلياتها المتعاقبة, والتي أفضت الى الجمهورية الحالية.
وفي فترة متأخرة من عهد الجمهورية الرابعة, تم الإعلان عن اعتماد يوم 17 تموز عيداً وطنياً رسميا للدولة، وأبلغت بذلك جميع البعثات الدبلوماسية المعتمدة في الدول الأجنبية, وكذا بعثاتها المعتمدة في بغداد، غير أن قرب الفترة الزمنية بين التاريخين من جهة وعدم إلغاء يوم 14 تموز كعطلة رسمية لمناسبة وطنية، كانت الاحتفالات الوطنية الرسمية تغطي الفترة بين التاريخين لتمتد لعدة أيام، لذا لم يكن التغير محسوساً.
وقد لوحظت في تلك الحقبة, أن الكثير من الدول الصديقة للنظام السياسي السابق, وخاصة الدول الاشتراكية، تحرص على إرسال رسائل التهنئة باليوم الوطني في يوم 14 تموز، أو أن ترسل التهنئة, في هذا التأريخ, دون ذكر للعيد الوطني بيوم محدد, وقد كان الكثير من العراقيين غير منتبه لهذا التغيير, لأنه لم يشكل فارقاً لديه, لجهة أن اليومين هما عطلة رسمية وتقام بهما احتفالات رسمية.
كما أن قيادة الجيش العراقي, استمرت بإصدار جدول الترقية للضباط النصف السنوي الثاني, في يوم 14 تموز, والذي يطلق عليه جدول 14 تموز لترقية الضباط، وكان الجدول النصف السنوي الأول, يصدر يوم 6 ك2, من كل عام, وهو ذكرى ويوم "عيد الجيش", الذي استمر عيداً وطنياً, بذكرى تأسيس الجيش العراقي, منذ العام 1921, ولا زالت الدولة العراقية تحتفل به، وقد كانت المناسبة الوطنية الأولى, التي احتفي بها في ظل النظام السياسي الحالي, اعتباراً من المرور الأول لها، وقد أقر اعتمادها عطلة وطنية, ويجري الاحتفاء بها سنوياً، إذ احتفي بالمناسبة بدءاً من 6 ك2 2004، بشكل رسمي, وباحتفال رسمي في إحدى قاعات بغداد, بحضور رفيع[4], ولم يكن بعد قد أعيد تشكيل قطعات الجيش ووزارة الدفاع العراقية.
مقدمات اختيار العيد الوطني في العهد الحالي: في ضوء إعادة بناء مؤسسات الدولة والحكومة العراقية, بعد تأسيس مجلس الحكم، دأبت بعض مؤسسات الدولة والهيئات السياسية والمجتمعية, على اعتماد يوم 9 نيسان عيداً وطنياً للعراق, باعتباره يوم إسقاط النظام السابق، والبدء بعهد جديد لتشكيل نظام جديد، فيشكل هذا اليوم نقطة التحول التاريخي فيه، وقد ارتبط هذا الإجراء باعتماد تشريع في الجمعية الوطنية العراقية "المجلس التشريعي الانتقالي السابق", ليقر هذا اليوم لتلك المناسبة، وقد أرسلت الدولة بذلك إشعارات إلى سفارات الدول المعتمدة في بغداد والهيئات الدبلوماسية الوطنية في الخارج.
غير أن ارتباط ذكرى إسقاط النظام السياسي السابق, بحدث مؤثر عند الكثير بالشعور الوطني, ومحرج للتفاخر التاريخي به عند السواد من ابناء الشعب، لتعلقه باحتلال عسكري أجنبي للعاصمة التاريخية، والحاضرة العربية الإسلامية, وإن كانت القوات الأجنبية التي دخلت العراق, قد يختلف البعض في توصيفها, بصرف النظر عن تقييم الأسباب, واختلاف الرؤى السياسية لجهة الحدث ومقدماته ونتائجه, لكنه يعد إحتلال عسكري في المطلق, في المتبنيات السياسية والعسكرية, فضلا إن الولايات المتحدة ذاتها, والأسرة الدولية, قد أقرت بذلك في مجلس الأمن الدولي.
وقد تجلّى هذا الإتجاه, بعد أن جرى الإحتفاء رسميا, بيوم جلاء قوات الإحتلال الأمريكي عن العراق, وقد أطلق عليه "يوم العراق", في آخر أيام العام 2011, مع مطالب باعتماده يوما وطنيا رسميا, وقد أقر عطلة رسمية, ويحتفى به سنويا, فكان دليلا شاخصا, على إنتفاء إمكانية الإحتفاء بنقيضه, وهو يوم الإحتلال العسكري, الذي أقر دوليا بهذا الوصف.
فتعطل العمل بهذا الإجراء، وألغي الإحتفاء بيوم التاسع من نيسان, خاصة أن مكونات سياسية وإجتماعية واسعة, دأبت على تسيير مسيرات وتظاهرات إستنكارية, لهذا الحدث, وقد أنهي الإحتفاء تماماً في هذه الذكرى في السنوات الأخيرة، وبالتالي لم يكن ممكناً الاستمرار باعتباره يوما وطنيا، فأسرع مجلس النواب, لاختيار يوم جامع, ويتفق عليه الجميع، ويمثل المشترك بين الإتجاهات والتبنيات السياسية والفكرية والمجتمعيةز
فاتخذ مجلس الوزراء قراره باعتبار يوم إلغاء الانتداب البريطاني للعراق, وانتهاء حقبته, وحصول العراق على الاستقلال الرسمي, ودخوله عصبة الأمم يوم 3 ت1 1932، هو العيد الوطني لدولة العراق. وهي مناسبة لا خلاف إيديولوجي أو فكري سياسي أو ديني أو اجتماعي عليها, ومن جميع مشارب المجتمع العراقي, وبذا تثبت أرجحيتها لهذا الإختيار دون سواها.
الاحتفال بذكرى الجمهورية عيدا وطنيا: لقد اقر الاحتفال بذكرى الثورة في 14 تموز في الدولة العراقية, يوماً وطنياً, منذ الذكرى الأولى له, وإقراره رسمياً ودبلوماسياً, واستمر ذلك حتى بعد سلسلة الحركات العسكرية اللاحقة لها، التي تعاقبت فيها الأنظمة السياسية المختلفة، أو الجمهوريات اللاحقة، والتي كانت المؤسسة العسكرية فيها, لاعبا أساسا في السياسية[5], وذلك يعبّر عن تبني الحدث من قبل تلك الأنظمة, بصفتها مشارك فاعل فيه, في التخطيط والتنفيذ.
غير أن الموقف الحالي, بدأ يستقطب بقايا أنصار الاتجاه الأول "اليساري الوطني", ويلاحظ محاولتهم سحب الحدث لساحتهم حصراً، فتشهد الذكرى من قبلهم الآن استذكاراً واسعا, لقائد الثورة الزعيم الفريق الركن عبد الكريم قاسم، والانجازات التي شهدتها الثورة في عهده حصراً، وخاصة لجهة التمثيل الإجتماعي الواضح, الذي أولته الثورة, للطبقات المحرومة, التي لم تكن في النظام الملكي, تحضى بنفس الرعاية, أو بامتيازات غيرها من الطبقات, سواء في الوظائف العامة أو مواقع الدولة الأخرى, فضلا عن المواقف الوطنية, التي ارتبطت بتلك الحقبة, في رفض أشكال الإستعمار والوصاية, والإنتماء للأحلاف الإقليمية, يضاف لها عامل النزاهة الحكومية, التي أصبحت في الزمن الحالي, بضاعة مفقودة, فكانت جهود هذا التيار, تسعى لإعادة إعتماد يوم الرابع عشر من تموز, عيدا وطنيا رسميا, للدولة العراقية.
وقد أصبح ملحوظا, على مستوى الدولة والإعلام, أن الحديث في كل ذكرى لثورة تموز, والذي لازال يعد يوما وطنيا, عطلة رسمية, منذ قيام الجمهورية الأولى, يتعمد تجاهل دور رفيق الزعيم قاسم في الثورة, بالتخطيط والتنفيذ, ونائبه في مسؤولية الحكم، الذي كان دوره, رئيسا ومحوريا في التنفيذ خاصة, من خلال اللواء الذي قاده باتجاه بغداد ليلة التنفيذ, وهو الرئيس لاحقا, المشير الركن عبد السلام عارف.
كما ويلاحظ يتجاهل حتى الأعضاء الآخرين في التنظيم القائم بالثورة والذي عرف بالضباط الأحرار، بمن فيهم المؤسسين للتنظيم, والسابقين فيه, من أمثال المؤسس العقيد رفعت الحاج سري, أو الذين كان لهم الدور البارز في عملية التنفيذ, وذلك لأسباب سياسية وعقائدية, تهدف لإبراز الدور التأريخي للزعيم قاسم حصرا, من خلال تيار مريديه.
وبرغم إن أنصار التيار الآخر, لهم قراءة ثانية للأحداث, فقد ظهرت دراسات ومباحث مقابلة وبالضد منها تماماً، مستفيدة من المرحلة القائمة, في إثبات معطيات بعيدة عن المصداقية, وتميل الى العاطفة والمتبنيات الذاتية والرؤى المسبقة, وهو ما يسقط الموضوعية عن مثيلاتها من الأبحاث التاريخية, لأنها تفتقد المنهجية والعلمية, وإن السبب في ذلك, يعود إلى آثار الخلاف الفكري والسياسي, الذي انسحب مجتمعيا, بين الشريكين في الثورة, الزعيم قاسم, ومريديه من الوطنيين الديمقراطيين واليساريين, والرئيس عارف, ومريديه من القوميين العروبيين, والتي انتهت نهاية مأساوية دموية, يوم 8 شباط 1963.
كما أن الرئيس عارف نفسه, ومن موقعه رئيسا للجمهورية, الذي عرف بتجاربه الناجحة في الحركات والانقلابات العسكرية، قاد حركة عسكرية مسلحة أخرى, يوم 18 ت2 1963 على الأقطاب الذين شاركوه في حركة 8 شباط لنفس العام، وخاصة البعثيين, من المدنين والضباط صغار الرتب، قبل أن يقضي في حادث طائرة في البصرة في العام 1966.
وتولى الرئاسة بعده, أخوه الفريق عبد الرحمن عارف, رئيس أركان الجيش, زمام السلطة بعده، إثر اختياره من قبل مجلس الوزراء وكبار الضباط, في القيادات العسكرية, متفوقا على منافسه الإصلاحي المدني, الدكتور عبد الرحمن البزاز, إذ لم تعتد الأنظمة العربية "الراديكالية" حينها, تنصيب رئيس للجمهورية, من خارج المؤسسة العسكرية, فكانت الدولة حينها, تحتفي بما يسمى بذكرى "الثورات الثلاث", ويعنى بها 14 تموز 1958، 8 شباط 1963، 18 ت2 1963، في ذلك العهد, أو بقائد الثورات الثلاث, ويقصد به الرئيس المشير عارف, غير أن التأريخ الأول, هو يعد العيد الرسمي للدولة, أو اليوم الوطني فيها.
وعليه فقد استمر العيد الوطني الرسمي للدولة العراقية, هو يوم ذكرى الثورة, في 14 تموز, إلى ما بعد سقوط حكم الرئيس عبد الرحمن عارف, يوم 17 تموز1968، حيث ألغي الاحتفال بذكرى 18 ت2 1963, باعتباره يوم "ردة تشرين", وفق تقييم السلطة الجديدة، واستبدل الاحتفال بدلاً عنه بيوم 17 تموز، ولم يتغير العيد الوطني الرسمي في يوم 14 تموز, لحين العقد التسعيني، حيث اعتبر يوم "17 تموز", عيداً وطنياً رسمياً للدولة، مع استمرار الاحتفال بالأيام الأخرى, كمناسبات وطنية, بما فيها ذكرى الثورة في 14 تموز.
إن هذا المبحث يؤشر عدم تحمس أنصار التيار القومي العروبي, لخيار اعتماد يوم 14 تموز عيداً وطنياً، فضلاً عن أنه أصبح التيار الأكثر انحساراً, في الساحة السياسية في عهد الحكومة الحالية، حيث لم يشغل رموزه وقادته, على اختلاف عناوينهم وإنتماءاتهم الجغرافية, مواقع ملموسة في المجلس النيابي أو الحكومة.
والمفارقة أن التيار اليساري ذاته, ومن بينهم أنصار الحزب الشيوعي وتفريعاته الحالية, قد تبع التيار القومي العروبي, بنفس الحضورالسياسي المنحسر, خاصة في الدورات النيابية الأخيرة, رغم كونه مؤهل لدور أكبر حضورا وتأثيرا, لجهة قواعده التأريخية والشعبية, وكونه لم يحمل حرجا سياسيا, كما يحمله سواه من الأحزاب التقليدية المعروفة في التأريخ السياسي العراقي, وقد كانت له مشاركة فاعلة, في معارضة النظام السابق, سياسيا وميدانيا.
ومن الجهات الرافضة أيضا لهذا الخيار، هي التيارات الليبرالية والعلمانية, المؤيدة للعملية الديمقراطية التعددية, وتداول السلطة, التي ترفض بالمبدأ حدث "الحركة العسكرية", التي أنتجت ثورة الرابع عشر من تموز, حيث تعده إنقلابا عسكريا، تعبيرا عن مبدأ رفض استخدام القوة والعنف, طريقاً لاستلام السلطة, بدلاً عن الوسائل الدستورية والبرلمانية الشرعية، مختلفة في تقييم الحدث كثورة, لجهة اعتباره انقلابا على الدستورية.
وإلى جانب هذا الفريق, يلاحظ عدم التحمس لهذا الخيار أيضاً, من قبل التنظيمات السياسية الدينية, على خلاف تقييمها للحدث وتفسيرها له, ثورة أو انقلاب عسكري، وهي لاعتبارات مختلفة, في مقدمتها الخلاف الأيديولوجي, المتقاطع مع التيار اليساري, الذي برز للحياة السياسية, متفوقاً على الساحة, إبان الثورة واعتبارها رمزاً لأنشطته, فيما كان يعد تحالفا قائما, بين الزعيم قاسم والتيار اليساري, خاصة في الشيوعي, والوطني الديمقراطي, برغم عدم التأييد الكلي, لهذا المسار, في الكثير من شواهد التأريخ المعاصر.
إن الرفض الأقوى لهذا الخيار، في إعتماد يوم 14 تموز, عيدا وطنيا للدولة, يمثله أنصار الملكية[6], ودعاتها في الحركات الدستورية الملكية[7], بشكل عاطفي كبير، الذين يعدّونه يوم حزن, نتج عنه وفق رؤيتهم, إسقاط السلطة الشرعية, بقوة السلاح وفوق الدستور والقانون، وشهد تصفية الرمز الشرعي للبلاد, والعائلة المالكة, مع ما تمثله من جانب روحي وعاطفي, وأن المنفذين لها, قد أرسوا سابقة تأريخية, في اتخاذ القوة العسكرية, وسيلة للوصول إلى السلطة, بدلاً عن التعددية السياسية, والتداول السلمي الدستوري لها.
والمفارقة أن أنصار الملكية ودعاتها وحلفاءها, في الكثير من التنظيمات الليبرالية, تقوم بتأبين الملك الفقيد, فيصل الثاني, وأسرته المغدورة, في كل عام, في ذكرى تصفيته, صبيحة الرابع عشر من تموز, فتعقد مجالس اعزاء التأبينية, وتتلقى فيها التعازي, من أصدقائهم ومريديهم, في الوقت الذي يحتفل به, أنصار ذكرى الثورة, ويعدّونه يوما وطنيا سعيدا, وهذا قد يؤشر صعوبة, إتخاذه يوما وطنيا رسميا, لعدم الإجماع المجتمعي بصدده.
وبذا سقط هذا الخيار "يوم الجمهورية", من البدائل المرشحة لاعتماده يوماً للعيد الوطني، رغم الاستمرار بالاحتفال الرسمي به, كيوم عطلة رسمية ومناسبة وطنية، على اعتباره, ذكرى قيام النظام الجمهوري, فيما يمثل نظام الحكم الحالي, إستمرارا للجمهورية, التي قد تعد الرابعة, والرئاسة السادسة في السلسلة، مما يكون منطقيا ومعقولا, إستمرار الإحتفاء به, يوما وطنيا.
دهيثم الحلي الحسيني, باحث في الدراسات الإستراتيجية والتاريخ العسكري المعاصر
هوامش الدراسة: [1] الأمير عبد الإله، نجل الملك علي بن الشريف الملك الحسين، انتقل الى بغداد مع أبيه, بعد خلعه من مملكة الحجاز وإسقاطها، من قبل الملك عبد العزيز آل سعود, وبقي في واجهة الحكم والمملكة, متقلداً الوصاية على عرش بن أخته فيصل الثاني, بعد وفاة أبيه الملك غازي, بحادث غامض, ولحين تنصيبه ملكا, بعد بلوغه السن القانونية، واستمر في ولاية العهد, حتى مقتله مع الملك فيصل الثاني, وسائر الأسرة الملكية الهاشمية, صبيحة 14 تموز 1958.
فيما نجت من حادثة قصر الرحاب, كل من الأميرة هيام, زوجة الأمير عبد الإله, ونجلة أمير ربيعة, محمد الحبيب, إذ أصيبت في الحادث بجروح, وجرى إخلاءها من الموقع, من قبل أحد المراتب من آل ربيعة بني عمها, ثم أقامت في عمان, في كنف الأسرة المالكة الهاشمية.
ونجت وأسرتها الأميرة بديعة خالة الملك, وزوجة الشريف حسين, مستشار الملك, وأنجالهم الثلاثة, ومنهم الشريف علي بن الحسين, راعي الملكية الدستورية في العراق, إذ كانوا يقيمون خارج القصر الملكي, في بيتهم العائلي في حي المنصور, القريب من القصر الملكي.
كما نجا الأمير زيد بن الشريف الملك حسين, وهو الأخ الأصغر للملك فيصل الأول, حيث كان سفيرا للعراق في لندن, إبان قيام الثورة, ثم غادر وأسرته الى عمان, للإقامة والعمل فيها, ضمن موقعه في الأسرة المالكة الأردنية الهاشمية, كونه الأخ الأصغر للملك المؤسس عبد الله الأول.
[2] الملك الشريف علي بن الحسين, ملك الحجاز بعد أبيه الشريف الملك حسين, آخر الأشراف الحسنية الهاشمية, الذين تعاقبوا على إمارته منذ القرن الثالث الهجري، والملك علي, هو الشقيق الأكبر للملك فيصل الأول، خلع عن عرش مملكة الحجاز, باحتلال المدينة المنورة, آخر معاقلها، وإسقاط الحكم الهاشمي فيها، على يد أمير نجد عبد العزيز آل سعود في العام1924، الذي وحدها مع إمارته والمنطقة الشرقية, من شبه الجزيرة العربية، ليؤسس إمارة ثم مملكة نجد والحجاز، التي غيرت إلى المملكة العربية السعودية, نسبة لجد الأسرة الأعلى، ونودي به أول ملك عليها. وقد انتقل الملك علي, بعد خلعه من مملكة الحجاز, إلى بغداد, وتوفي فيها, ودفن في مقبرة الأسرة الهاشمية في الاعظمية.
[3] يعتبر بعض المحللين والمؤرخين, الجمهورية التي قامت في 18 ت2 1963, امتدادا للجمهورية السابقة لها, باعتبار عدم تغيير رئيس الجمهورية، وبذا تكون الجمهورية المتشكلة في العام 1968 هي الثالثة، غير أن هذه الدراسة, اعتمدت الرأي الأول, لجهة التغيير السياسي الحاصل في النخب والتنظيمات السياسية بين المرحلتين، والانتقال من نظام سياسي إلى آخر، فضلا عن اختلاف التقييم للوقائع والأحداث بينهما, وهو اهتمام ونطاق البحث.
[4] جرى الاحتفال في قاعة نادي العلوية, بحضور عدد كبير من الضباط, ومثل الجيش العراقي فيه, بكلمة مؤثرة, الفريق الركن إبراهيم فيصل الأنصاري, رئيس أركان الجيش الأسبق، مطلع السبعينات, وممثلين عن الدولة العراقية, والقيادة متعددة الجنسيات.
[5] هيثم الحلي الحسيني, الدور السياسي للمؤسسة العسكرية العراقية, بين الأعوام 1958_ 1978, بحث, منشورات مؤسسة بيت الحكمة, بغداد, 2004.
[6] وقد انتشرت في الساحة السياسية العراقية بعد التغيير, الكثير من التنظيمات السياسية والمجتمعية, التي تدعو للعودة للملكية, بشكلها الدستوري, وبعاهل كما تطلق عليه, أدبيات هذه الحركات, "حكم لا حاكم", ومن بينها الإتحاد الدستوري الملكي, الذي دعا الى الأمير طلال بن زيد بن الملك الشريف حسين, الذي كان والده الأمير زيد, آخر سفير للعراق في لندن, في العهد الملكي, وتولى مهام نائب الملك قبلها, وقد نشط الإعلامي نبيل الجنابي, في هذا التنظيم, متخذا بناية قصر الرحاب, مقرا له, قبل أن يأفل ويتراجع.
وهنالك بعض المريدين للملكية العراقية, وخاصة في المنافي, في الأردن وبريطانيا, مدعومة من جهات عربية وأجنبية, ترى ترشيح الأمير الحسن بن طلال بن عبد الله بن الملك الشريف الحسين, الذي يتولى أنشطة بحثية, ضمن مركز الفكر العربي, بعد خلعه من موقع ولاية العهد في الأردن, ولم يبد الأمير الحسن, إعتراضه على هذا المشروع أو الترشيح, في العديد من المناسبات الثقافية والحوارات الإعلامية.
[7] تمثل الحركة الدستورية الملكية, التيار الملكي السياسي الأبرز في الساحة السياسية العراقية, والتي يرعاها الشريف علي بن الشريف حسين, فهو نجل الشريف حسين, مستشار الملك غازي ثم الملك فيصل, ومن أشراف الأسرة الهاشمية, ونجل الأمير الشريف علي بن الشريف عبد الله آل عون, أمير الحجاز, وبن عم الشريف الملك حسين بن علي, وخال أنجاله الملوك الثلاثة, علي وعبد الله وفيصل, والذي نافسه على الإمارة, ثم جرى نفيه الى مصر, مطلع القرن الماضي, حيث نشأ نجله الشريف حسين فيها, "والد الشريف علي بن الحسين, راعي الملكية الدستورية", قبل حضوره للعراق, وزواجه بالأميرة بديعة, كريمة الملك علي بن الحسين, شقيق الملك فيصل الأول, وخالة الملك فيصل الثاني.
ثم غادرت الأسرة العراق, بعد سقوط الملكية, إذ نجت من معركة قصر الرحاب أو النهاية, كونها لم تكن تقيم فيه, وذلك عبر لجوئها الى السفارة السعودية في بغداد, وقد أقامت في بيروت, ثم استقرت في لندن, إذ تجمع حولها مريدوا الملكية, من المتنفذين إجتماعيا في عهدها, والنخب السياسية التي هاجرت الى المنافي, حيث أقرت الشريف علي بن الحسين, وصيا وريثا على العرش, بصفته بن خالة الملك فيصل, ومن ذراري الأسرة الهاشمية, والأكثر تأهيلا في الأسرة لهذه المهمة, وهو سبط الملك علي, الذي يؤهله للعرش وفق الدستور الملكي العراقي.
لجهة أن الدستور الملكي العراقي, وفق وثائق ومقررات الأسرة المالكة العراقية, كان يحصر مسؤولية العرش, بأنجال الملك فيصل الأول, ومن بعده أنجال شقيقه الملك علي, دون سواهما, من أنجال الملك الشريف حسين, والذي سيق مبررا في وصاية الأمير عبد الإله بن الملك علي, خال الملك فيصل الثاني, وولايته للعهد, في حين أبعد الأمير زيد بن الحسين, الأخ الأصغر للملك فيصل الأول, من الوصاية, ثم جرى إبعاده الى لندن, سفيرا للملكة العراقية في المملكة المتحدة.
نشط الشريف علي بن الحسين, في المجالات السياسية والإجتماعية, وهو حاصل على شهادة الماجستير في الإقتصاد السياسي, من لندن, أسس الحركة الملكية الدستورية, وعاد بها الى العراق, بعد التغيير في العام 2003, وقد ترشح في الدورة الإنتخابية النيابية الأولى, ضمن قائمة متحالفة مع المؤتمر الوطني, ثم في الدورة الثانية, ضمن قائمة التحالف الوطني العراقي, ولم يحصل على مقعد نيابي فيهما.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السودان الآن مع عماد حسن.. هل سيؤسس -الدعم السريع- دولة في د


.. صحف بريطانية: هل هذه آخر مأساة يتعرض لها المهاجرون غير الشرع




.. البنتاغون: لا تزال لدينا مخاوف بخصوص خطط إسرائيل لتنفيذ اجتي


.. مخاوف من تصعيد كبير في الجنوب اللبناني على وقع ارتفاع حدة ال




.. صوت مجلس الشيوخ الأميركي لصالح مساعدات بقيمة 95 مليار دولار