الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


زمن موناليزا الحزينة: الفصل الخامس/ 2

دلور ميقري

2020 / 9 / 7
الادب والفن


باءت بالفشل، المحاولةُ الأولى لاسترجاع بيروزا إلى حضانة أمها. إذاك، لم يكن صالح قد ظهرَ بعدُ في حياة هذه الأخيرة. إنه آكو، مَن سافر مع شقيقته إلى ماردين على أمل اقناع أبناء رجلها الراحل بالتنازل عن الصغيرة، وكانت هذه آنذاك في نحو الخامسة من عُمرها. الأم ريما، سبقَ أن عادت إلى الشام من موطن الأسلاف، الذي غادرته وهيَ في سنّ السابعة. لا غرو أن تدهشَ تلقاء عظمة المدينة وسحرها، وكأنما تراها للمرة الأولى وليست مسقط رأسها. ابن زوجها البكر، وكان يماثلها في العُمر، هوَ مَن تعهّدَ ايصالها إلى أهلها عندما رفضت البقاء في ماردين عقبَ ترمّلها. وكان هذا قد عبّرَ بدَوره عن إعجابه الشديد بمشهد الشام، الذي بدا عن بُعد من مكان مرتفع على الطريق العام.
قالت ريما لابن رجلها، الجالس بقربها في المقعد الخلفيّ للسيارة: " لِمَ لا تجرب حظك وتقيم هنا مع عائلتك، ولن يدخر أقاربي وسعاً في مد يد العون لكم؟ ". قالت ذلك، أملاً في استمالته كي يوافق على التنازل لها عن ابنتها، التي بقيت في ماردين. هزّ الشابُ رأسه بحركة غامضة، ولم ينطق بكلمة. استأنفت إغراءه بجدوى العيش في دمشق، فقالت: " المرحوم والدك امتلك منزلاً في عامودا، فضلاً عن أرضٍ كبيرة، ومن الممكن أن يستولي الغرباء عليهما. أما في حالة انتقالك للعيش هنا في الشام، فإنك تعود متى شئت لذلك المنزل، وفي الآن نفسه، تعهد الأرضَ لمن يزرعها، فتستفيد من دخل المواسم عاماً بعد الآخر "
" سأفكّرُ بالأمر، يا خالة، معتمداً على مشيئة الله "، تمتم الشابُ دونما حماسة. فيما بعد، كررَ كلاماً مشابهاً حينَ طلبَ منه آكو إعادة البنت الصغيرة إلى أمها. بقيَ الشابُ ثلاثة أيام في ضيافة شقيق امرأة أبيه، وكانت هيَ قد حلّت في منزله. على الأرجح، أن عدم حماسة الشاب للاستقرار في الشام قد غدت قناعة لديه، لما عاينه من الحال العسرة للأسرة المضيفة. على أثر سفر ابن زوجها، حالت ريما إلى كتلة من القهر والعذاب بسبب بُعدها عن ابنتها الوحيدة. مع سقوطها طريحة الفراش من السَقَم، لم يرَ آكو بداً من وعدها بالسفر إلى ماردين لمحاولة حمل أخوة بيروزا على التنازل عنها.

***
في خريف العام نفسه، وصلت سيارة تحمل ريما وشقيقها الكبير إلى مركز مدينة ماردين. من هناك استأجرا سيارة أخرى، مضت بهما إلى بلدة الأسلاف، وذلك بغيَة زيارة قبور الأهل وقراءة الفاتحة على أرواحهم. مكثا ليلة واحدة في ضيافة أسرة ابن عمهما، وهناك صادفَ وجود قريبهما، المدعو ملا عشير. في نهار اليوم التالي، عندما آبا إلى ماردين، كان الملا برفقتهما في العربة المشدودة بالخيل، والتي استبدلت بسيارة آجرة في ديريك. كون هذا القريب يملك منزلاً في ماردين، فإن الشقيقين حلّا فيه ريثما يذهب هوَ لإبلاغ أخوة بيروزا بوجودهما في المدينة. لكن الرجل بقيَ معهما لتناول الغداء. لما نهضَ بعدئذٍ لتنفيذ المهمة، إذا بأم الطفلة تعرب عن رغبتها في مرافقته.
" في هذه الحالة، ليسَ من المناسب بقائي وحدي في البيت "، قالها آكو وهوَ يستقيمُ واقفاً. هكذا اتجه ثلاثتهم إلى المنزل المطلوب، وكان يقع في حي الشهيدية، المتربع في سفح الجبل ببأبنيته الحجرية ذات الطابع العثمانيّ. وقد أظهرَ الملا خفّته في ارتقاء الدرب الوعر، وصولاً إلى المنزل، هوَ مَن يكبر قريبته ريما بعقدٍ من الأعوام على الأقل. منزل الزوج الراحل، كان من السعة أنّ أسواره تغيب عن الأنطار في نهايته، كذلك امتلك مدخلاً مهيباً ومرتفعاً، يُرقى إليه بعدد من الأدراج الحجرية. ثمة في فناء المنزل، هُرعت ريما في لهفة لمعانقة ابنتها حتى قبل أن تسلّم على المضيفين. هؤلاء، وكانوا أولاد الزوج الراحل ونساءهم، استقبلوا المرأة الملولة بتقبيل يدها؛ على العادة المحلية، المألوفة. بنفس الطريقة، رحبوا بالملا عشير، وكانوا قبلاً يتبركون بحضوره من حينٍ لآخر.

***
غبَّ مضي ثلاثة أيام على حلولها في منزل رجلها الراحل، افترضت ريما على مسمع من مرافقَيْها أن من المحال ثني المضيفين عن عزمهم الاحتفاظ بالطفلة. وكانت بحاجةٍ للانفراد معهما، ما جعلها تتحجج بالرغبة في زيارة السوق لشراء هدايا للأهل في الشام. برغم ما حفل به السوق من الذخائر النفيسة، فإن عينيها ما كانتا تبصران سوى صورة الصغيرة، التي عزلها أخوتها احتياطاً لحين انتهاء الزيارة.
" إذاً لا مجال في هذه الحالة سوى خطف الطفلة، لأنهم يحتجزونها دون وجه حق "، ردّ الملا بنبرة قوية. الشقيقان، فوجئا ولا غرو بحميّة قريبهما، ولعلمهما أرجعاها لكسر خاطره من لدُن أخوة بيروزا، الذين ركبوا رؤوسهم برغم ما أظهروه من احترام لمقامه الدينيّ. أراد آكو أن يعلّق على كلام قريبه، لكن هذا الأخير مضى يقول بطريقة من أعدّ خطة متكاملة: " ستودّعان الجماعة اليومَ، بإيهامهم أنكما ستعودان مباشرةً إلى الشام. غير أنكما تودّان أيضاً توديعَ عائلتي، وذلك كيلا يقوم أحدٌ من أخوة بيروزا بمرافقتكما إلى سيارة الأجرة. مفهوم كلامي، إلى هذا الحد؟ "
" نعم، ولكن ماذا في رأسك بخصوص الصغيرة؟ "، تساءل آكو وقد فهمَ تقريباً ما يفكّر به الملا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج


.. الفيلم اللبنانى المصرى أرزة يشارك فى مهرجان ترايبيكا السينما




.. حلقة #زمن لهذا الأسبوع مليئة بالحكايات والمواضيع المهمة مع ا


.. الذكاء الاصطناعي يهدد صناعة السينما




.. الفنانة السودانية هند الطاهر: -قلبي مع كل أم سودانية وطفل في