الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


(25) حبيب الله!

محمود شاهين
روائي

(Mahmoud Shahin)

2020 / 9 / 8
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


فصل من رواية قصة الخلق.
استيقظت من النوم في حدود الثامنة صباحا .. لم يكن محمود نائما إلى جانبي . هل يعقل أن يكون قد نام على الأرجوحة في الحديقة ؟ أو أنه ما يزال غارقا في تأملاته الصوفية مع الله .. لا أعتقد .. سأعمل قهوة وأذهب لأوقظه .
عملت القهوة.. فتحت الباب المؤدي إلى الحديقة ودخلت إليها.. يا إلهي ! لم يكن محمود على الأرجوحه ! أين ذهب في هذا الوقت المبكر دون أن يعلمني .. أو يترك لي ورقة أو رسالة على الهاتف .. لعله نام تحت شجرة ما .. نظرت تحت الأشجار.. لا أحد .. عدت إلى الداخل لأرى الهاتف ، فربما ترك لي رسالة .. تنبهت إلى ملابسة معلقة على الحائط .. لا يمكن أن يخرج بملابس النوم .. ربما غير ملابسه .. لكن الحذاء الذي يرتديه ما يزال مكانه . أخذت الهالتف .. لا رسائل عليه .. هل أتصل به .. اتصلت .. هاتفه يرن في الصالون حيث أمضينا سهرتنا على التلفاز .. اللعنة. انتابني احساس أنني لم أنظر جيدا إلى الأرجوحة .. سخرت من نفسي .. هل أصبح محمود نملة بحيث لم أتمكن من رؤيته على الأرجوحة . ومع ذلك عدت إلى الحديقة دون أن تفارقني السخرية من نفسي.
" يا إلهي! وأنا أقترب من المرجوحة شاهدت محمود مستلقيا عليها. اقتربت منه . كان نائما باطمئنان شديد وطيف ابتسامة ولا أجمل يرتسم على شفتيه ، وتفوح منه رائحة عطر نفاذة لم أشم ما هو أزكى منها .. هل يعقل أنني لم أره .. مستحيل ! لم يكن على الأرجوحة . من أين جاء؟ وأين كان ؟ لا أظن أنني جننت "
- محمود حبيبي ! همست ببطء!
اتسع طيف الابتسامة.
- حبيبي..
شقشق عينية باسما. وما أن رأى وجهي حتى هتف :
- أهلا حبيبتي!
- أين كنت حبيبي؟
- كنت سهران أجمل سهرة مع أجمل حبيب وأجمل معشوق حبيبتي !
- أكيد تقصد الله ؟
- طبعا وهل هناك معشوق لي خارج الدنيا غيره ؟
- عن جد ؟
- طبعا عن جد!
- كنت سهران بجسمك أم بروحك ؟
- ماذا تقصدين حبيبتي؟ طبعا بجسمي وروحي ؟!
- لكن السهرة الاولى كانت مجرد تأملات روحانية ، ولم تغادر السرير كما قلت لي.
- وهل غادرت السرير هذه المرة ؟
- أنت لم تكن في السرير قبل قليل ! وهذا يعني أنك غادرته وعدت إليه قبل لحظات!
- شكرا لله .. في الحقيقة لا أشعر أن جسدي يفارقني سواء في التأملات أو اللقاءات، بحيث لا أكاد أميز بينهما .. ما أنا متأكد منه أنني كنت مع الله وأنه ألقى رأسه على حضني وأوقف الزمن ، وقد ألقيت خدي على شعر رأسه وغفونا معا وأنا أتنسم رائحة طيبه.. وربما أعادني إلى أرجوحتي قبل لحظات ..
- وهل هذا العطر الذي تفوح رائحته منك هو الطيب الذي شممته ؟
- أجل إنه عطر الله حبيبتي!
ورحت أبسمل وأذكر اسم الله أكثر من مرة وأنا أتلمس خدي محمود ورأسه .. أحس أنني غير مصدقة أو متخوفة مما يقوله ، فقال لي :
- لا تخافي يا حبيبتي والله لم أجن ، وكنت مع الله فعلا لا قولا !
يا إلهي .. يا إلهي ! لم يعد أمامي إلا أن أصدق ، فأنا على الأقل أعرف محمود أكثر من أي انسان آخر على وجه الأرض ، وأعرف مدى صدقه وعمق إيمانه ، وإن لم أتوقع يوما أن يظهر له الله ويدعوه إليه ، أما وقد جرى الأمر فليس أمامي إلا أن أصدق . ألقيت رأسي على صدر محمود . قبلت عنقه وهتفت :
- هنيئا لك حبيبي بلقاء الله ، وهنيئا لي بان جعلني الله محبوبة وزوجة لأحب البشر إليه .
ونظرا لأنني لا أستطيع أن أبلغ السماء لأقبلها ، فقد انحنيت إلى الأرض وقبلتها وأنا أشكر الله .
- آمل أن تحدثني عن هذا اللقاء حبيبي.
- سأحدثك .
- والآن هيا إلى الصالون لنشرب القهوة فقد بردت !
*****
رن هاتف محمود . كانت أسيل :
- هلا أسيلو! كيفك روحي ؟!
- مشتاءة حبيبي!
- تشتاء لك العافية ؟
- كيفها أحلى لمى ؟
- بتسلم عليك .
- الله يسلمك ويسلمها .. بدي أمر لعندك لنتحاور حول الحوار.
- هل طرأ ما هو جديد ؟
- أجل . سأقول لك عندما أحضر.
- ليكن .
- هل في الامكان أن أحضر بعد قليل ؟
- طبعا ممكن ..
- إلى اللقاء.
****
- أظن أنك تطرقت لكل شيء حبيبي ! وآن الأوان لأن تفرغوا من هذه اللقاءات . هتفت لمى .
- والله لا أعرف ، أنا في الغالب مقيد بالإجابة عن أسئلة أسيل ، ولا أعرف إلى أي حد شملت أسئلتها الجوانب المختلفة لفلسفتي، وحتى أكاد أشك في أنني أجبت كما يجب.
حضرت أسيل . عانقتها لمى على الباب . وعانقها محمود في الصالون. اشتمت العطر الفريد الذي يفوح منه . هتفت :
- يا ألله شو هالعطر محمود ؟ بحياتي ما شميت متله !
وجد محمود نفسه محرجا . فقد لا تصدق أسيل أنه التقى الله وأنهما تحاضنا وتعانقا بحيث علق عطره النفاذ بجسد وملابس محمود. نظر إلى لمى لعلها تنقذه بحل ما، لكنها فعلت العكس حين قالت :
- أعتقد حبيبي أن أسيل خبيرة في العطور وقد لا تصدق أي كذبة نختلقها!
- شو الحكاية يا جماعة فعلا هذا العطر فريد ؟
وقربت رأسها من عنق محمود وراحت تشتم المزيد .
- يا الله كأنه عطر من عطور الجنة !
ضحكوا.. قال محمود :
- هل لديك خبرة بعطور الجنة؟
- يقولون انها فريدة ، لكن لماذا لا تريدان أن تبوحا لي بسر هذا العطر؟
سكبت لمى كأس قهوة لها . قالت :
- - لأنك قد لا تصدقين أسيل !
- وهل يعقل أن لا أصدق محمود ، شو بك حبيبي ؟
- وإن قلت لك إن هذا عطر الله نفسه وليس عطر الجنة!؟
- نعم ؟! هتفت أسيل متسائلة !
أجابت لمى :
- محمود التقى الله في السماء أسيل ، وأمضى معه سهرة ممتعة . وتعانقا طويلا ليعلق عطره به .
- يا الله يا ألله يا ألله !
وراحت تتلمس رأس محمود وكتفيه وتقبل ذراعيه.
- لا يليق لقاء الله إلا لأمثالك حبيبي ، فلم لا أصدق ؟
- أشكرك !
وراحت لمى تحدثها عما حصل معها حين ذهبت إلى الحديقة لإيقاظ محمود فلم تجده في الأرجوحة.
- يا إلهي قصة العمر . يجب أن تدون للتاريخ . ويجب أن ترويها لنا بكل تفاصيلها .
سأفعل في سهرة قادمة.. لكن ليس اليوم .
- هل تعدنا بذلك ؟
- أعدكما.والآن ماذا لديك ؟
- قبل أن أبدأ الحديث عمّا جئت من أجله سأتحدث عن أمرين . الأول . سمعت أخبار الصباح تتحدث عن القاء القبض على الداعشي الذي وضع الحنش أمام باب بيتك!
- ممتاز ! لقد اكتشف النشامى كل من وضع شيئا مرعبا أمام بيتي !
- الأمر الثاني أن أحد الجيران قتل ابنته بدواعي الشرف . سمعت صراخ الفتاة وأنا أفطر. هرعت إلى النافذة . كانت الفتاة قد خرجت بملابس النوم وراحت تعدو في الشارع وهي تصرخ ، وشاهدت رجلا عرفت فيما بعد أنه أبوها يهرع خلفها وهو يجاهد ليحشو مسدسه ، وما أن حشاه حتى أطلق النار عليها ، غير أنها كانت بعيدة نسبياعنه، فلم يصبها.. سارع من عدوه ليلحق بها ، لكنه لم يلحقها ، وحين أدرك أنه لن يلحقها توقف وسدد جيدا وأطلق النار.. يبدو أنه أصابها في ظهرها فقد تعثرت دون أن تقع ، أطلق الأب النار ثانية وثالثة .. راحت الفتاة تتعثر ومن ثم تترنح إلى أن وقعت على طولها .. لحق بها الأب وأفرغ كامل طلقات مسدسه في جسدها .
جلس الأب على مقربة من رأس ابنته مزهوا بجريمته، فيما امتلأت شرفات المنازل بالناس .. وحال نفوس كثيرين منهم، والفتيات والنساء منهم بشكل خاص ، تهتف بلوعة وأسى " إلى متى يستمر هذا الحال ، إلى متى ؟ هل المرأة رخيصة ومهدورة الدم إلى هذا الحد ؟ " وعدت لإكمال فطوري الذي لم يعد لي فيه رغبة ..
- مأساة .. مأساة حقيقية . هتف محمود .
- هل لي أن أسألك سؤالا كإنسان مختلف وصاحب فلسفة انسانية .
- لكن لا تصعبي السؤال أسيل !!
- لا أظن أنه صعب عليك لكنه قد يكون صادما.
- اسألي :
- ما ذا تفعل إن اكتشفت أن ابنتك أو زوجتك على علاقة غرامية مع أخر؟
- أسيل هل أنت واثقة أنك استوعبت بعض فلسفتي ولو بالحدود الدنيا؟
- يفترض أن يكون الأمر كذلك !
- ولهذا يفترض أنك تعرفين إجابتي!
- ربما لأستنير أكثر على ضوء تجربتك في الحياة .
- لا شيء . فقد سبق لي أن اكتشفت أن لابنتي علاقة غرامية مع آخر .. خطبته وتخلت عنه إلى غيره ، كما تخلت عن الثاني أيضا بعد الزواج.. هي كانت مسؤولة عن حياتها بعد أن بلغت سن الرشد ، وما تزال .
- وماذا عن زوجتك ؟
- زوجتي أم زوجاتي؟
- في الحقيقة لا أعرف الكثير عن ماضيك مع الزوجات والنساء.
- تزوجت مرتين قبل زواجي من لمى . عربية وأوروبية. الأوروبية كانت حرة قبل الزواج وبعده بحدود كما كنت أنا .. ويمكن القول أن زواجنا كان حرا نسبيا .. لم ننجب إلى أن افترقنا.. العربية استطاعت ان تمارس حريتها رغم أميتها ، تم ذلك بموافقتي طبعا ، أو بغض الطرف من قبلي، لأنني كنت في بعض أوقاتي على علاقة ما بامرأة ما ، وأدرك أن زوجتي انسانة مثلي وقد لا تقل رغباتها عن رغباتي. خاصة وأنها تعرف عدم التزامي زوجيا!
- ألم يكن الأمر صعبا عليك ؟
- كان صعبا ومؤلما إلى حد فظيع ، فالتربية الذكورية مسألة ليس من السهل التخلص منها أو تجاهلها أو التخلي عنها ، ومع ذلك احتملت لفترة طويلة انسجاما مع مبادئي ، وكان لا بد من الطلاق في النهاية. فأن تعيش المرأة الشرقية تحررا، في مجتمع غير متحرر، مسألة لا يمكن لعقل سوي أن يستوعبها.. للتحرر شروط وظروف يجب أن تتوفر. وخاصة حين لا يرى الذكرالآخر في المرأة المتحررة تحررا وحقوقا مشروعة ، بل زنى وعهر ودعارة !!
- وما هي الخلاصة التي خرجت بهاعبر تجربتك في الحياة ؟
- خرجت بأن المؤسسة الزوجية بالظروف القائمة عليها مؤسسة فاشلة. ولا أحد يعرف بالضبط ما هو الحل الأفضل . لذلك ليس أمام البشر حتى اليوم إلا هذه المؤسسة . طرقت الأمر في بعض رواياتي ، وتخيلت مجتمعات تنتج الأطفال صناعيا !
- وماذا عن زواجك الحالي بلمى؟
- هذا الزواج تم برغبة لمى بالدرجة الاولى ، ووافقت عليه من أجلها ولمحبتي لها. وبالتأكيد أنا لم أعد في حاجة إلى علاقات غرامية خارج المؤسسة الزوجية ، وفي الوقت الذي تشعر فيه أنها في حاجة ماسة إلى علاقة ما خارج زواجنا قد اوافق لها، وإن لم أستطع قد نفترق لأساعدها على تحقيق رغباتها..
- لكن المراة الشرقية في مجتمعاتنا ما تزال في حاجة إلى حماية ، ولا تستطيع أن تمارس حريتها المطلقة أو شبه المطلقة دونها .
- تستطيع بقدر كبير إذا كانت مستقلة اقتصاديا كما هي الحال مع لمى ، ليبقى دور الحامي ثانويا أو شبه ثانوي ، وهذا لم يكن متوفرا لزوجتي العربية مثلا ، لذلك دمرت تماما بعد أن طلقتها ، لتعود من منتهى التحرر إلى منتهى التخلف حيث البيئة التي نشأت فيها : الحجاب والجلباب والصوم والصلاة ولو أمام الناس ، بعد أن كانت تعيش ذروة التحرر.
- ألا يؤدي هذا إلى انفصام في الشخصية ؟
- المجتمعات الشرقية معظمها إن لم يكن كلها تعيش شكلا ما من الإنفصام بين ظاهر حياتها وبين باطنها .
- بماذا تنصح الأجيال الآن ؟
- المشكلة معقدة جدا ، لأن المعتقدات بالإضافة إلى الثقافة المجتمعية ، عقدت الحياة إلى درجة فظيعة وخاصة بالنسبة للمرأة . وأعتقد أن أفضل الممكن هومحاولة الاكتفاء بهذا المتيسر ، وكبح الرغبات وعدم الانجرار وراء الأهواء ، شريطة أن يلتزم الرجل بذلك أيضا ، ولو بحدود . هذا الأمر قد يؤدي نسبيا إلى تأسيس أسرة متماسكة اجتماعيا ..
- يا إلهي .. الحياة تبدو كما لو أنها معركة كل يخوضها على طريقته . ولا بد من شحذ الهمم لخوضها . ما رأيك حبيبتي لمى ، لم تدلي برأيك ؟
- أنا مستمعة جيدة ، أعجبتني جرأتك في طرح الأسئلة وجرأة محمود في الإجابة عليها .
- هل توافقينه على آرائه ؟
- أكيد .
- هل لديك رغبات غرامية خارج علاقتك الزوجية ؟
- لا أعتقد ذلك . أنا لا أستطيع تخيل نفسي في وضع غرامي مع رجل لا أعرفه . ويمكن القول أن رغباتي معدومة في هذه المسألة . لا أعرف غراميا إلا محمود ومكتفية بعلاقتي معه .
شعر محمود أن حديث أسيل قد ابتعد عما جاءت من اجله . قال .
- تحدثنا كثيرا عن مسائل غير التي جئت من أجلها. ماذا جرى بشأن الحوار؟
- أيوه . يا عزيزي المدير يرى أن ننهي الحلقات بحلقة أخيرة يكون من ضمنها الرد على أسئلة المشاهدين !
- كما ترون. لا مانع دي.
- هل ترى أننا أعطينا الموضوع حقه ؟
- أعتقد إلى حد ما !
- أليس هناك أشياء مهمة لم نتناولها أو لم نتطرق إليها ؟
- أظن أننا تطرقنا ولو باختصار إلى معظم المسائل الهامة. ويمكن للإجابة عن أسئلة المشاهدين أن تغطي جوانب لم نتطرق إليها ..
- إذن سأعود لمراجعة الحلقات . وآمل أن أعثر على ما هو ضروري للتطرق إليه ..
وسأخبرك عن موعد الحلقة حين أنتهي .. وثمة حلقة لم تبث بعد .. سنعلن في نهايتها عن الحلقة الأخيرة القادمة. ونطلب إلى من يرغب من المشاهدين أن يحضر نفسه لطرح الأسئلة عليك .
- هذا جيد . وفقك الله .
- بالإذن .. سأنصرف .
- ابق لنتغدى معا .
- الوقت مبكر على الغداء ، قد أعمل بعض الأشياء قبل ذلك .
- حسنا . إذا أحببت خبرينا .
- تشكروا .. إلى اللقاء.
*******








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عام على حرب السودان.. كيف يعرقل تنظيم الإخوان جهود الحل؟ | #


.. خالد الجندي: المساجد تحولت إلى لوحة متناغمة من الإخلاص والدع




.. #shorts yyyuiiooo


.. عام على حرب السودان.. كيف يعرقل تنظيم الإخوان جهود الحل؟ | #




.. يهود #بريطانيا يعتصمون أمام البرلمان في العاصمة #لندن للمطال