الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القصيمي و دايروش شايغان.. مقدمة اولية(1)

داود السلمان

2020 / 9 / 8
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


بعد نومة شبه ابدية، استيقظ القصيمي، ليرى اطلال ينعب عليها الغراب، خراب داكن، ارضا لا تصلح لإنبات كل شيء من اجل شيء، فهو كان مخدوعًا، أو قُل كان يسير على نهج اسلافه، اذ قد اوهموه بعبقرية واحقية اولئك الاسلاف، وهو، بعدُ، مقلّد لغيره ممن يدعون العلم والادب والمعرفة، ويحملون بين اياديهم شعلة المعرفة، لينيروا بها دهاليز الدجى، كما يدعون، فقد فتح عينيه على تلك الثقافة الهابطة وعاش على اطلالها، واعتقد انها هي الحقيقة بعينها (اول امره).
وحين صحا من مفعول ذلك المخدّر، صُدم، وأي صدمة تلك التي تلقاها، انها اعادته الى رشده ووعيه، وكأنه كان في عالم غير عالمه، فذُهل وكاد أن يجن جنونه، بل فعلا جن جنونه.
(هذه هي الاغلال) إذن، انتبه، بأم وعيه، على أن الشعوب العظيمة اخذت تتطور وتتقدم، وتقفز قفزة نوعية على كل المستويات، بما فيها العلمية والتكنولوجية، بل وحتى الانسانية. بينما الشعوب العربية والاسلامية تتراجع للوراء، وتغفو في ظلام دامس، ما يعني انها ترجع الى عصور الظلام، عصور التخلف والجهل، وترضى بالعبودية مقابل الحرية.
فطفق يضحك طويلا، ويبكي كثيرًا، لماذا يحدث كل ذلك؟، اين ابن النفيس، اين ابن رشد، بل اين ابن سينا، وامثال اولئك العظماء الذين خدموا العلم والمعرفة حتى ارتقى الانسان بتلك العلوم، واقتبس من ذلك الشعاع من اقتبس.
(كلا) هذا لا يمكن أن يجري، ولا يصح أن يجري البتة.. فلمْ ينم القصيمي، وراح يتصارع مع الليل، فتارة هو الذي يصرع الليل، وطورًا هو الذي يقع تحت سيوف الليل التي لا ترحم. لكن كان جبلا اشم، لا تحركه ريح.
-ما هذا؟.
-أنها الاغلال،
- يا الهي؟.
الاغلال تفعل بنا كل ذلك؟. نعم، واكثر، والاغلال لها من اسبابها ما لها حيث جعلتها أن تستفحل، بل وتصبح كشرطي يضرب بعصاه الغليظة ظهور من يخالفوا تلك القوانين، أو التعاليم، ولا يوجد من يردعه، ويحمي الناس من تلك العصا!.
وكأن دايروش شايغان، يستمع، بل ويشاهد ما يفعله عبد الله القصيمي، فصحا هو الآخر من ذهوله، وطفق يناغم القصيمي في قبره، فيبكي لبكائه، ويتمنى من كل قلبه لو كان موجودا بجانبه في تلك الاوقات الحرجة، ليشاركه الاسى، ويعينه على آلامه فيداوي جراحه التي لا تندمل.
للأسف أن القصيمي لا يسمع بكاء وحزنه وتضرع شايغان، لأن الموت قد باعد بين الاثنين، (مالك ايها الموت تباعد بين الاحبة)؟.
القواسم المشتركة، التي تجمع بين القصيمي وشايغان، عديدة، والاطر التي بينهما كثيرة، والافكار التي يحملها الاول ازاء الثاني، متشابهة كتوأمين سياميين.
وحتى إن كانت لغة الاول بعيدة عن لغة الثاني، لكن الافكار متشابهة، والمشكلة واحدة، والمرارة نفسها التي تذوقها الطرفين، مرارة لا يمكن أن يستسيغها فم الانسان الذي يحمل بذرة الانسانية بين جنبيه كقلب ينبض بالمحبة للناس على حد سواء، ويؤمن كل واحد منهما: أن يعيش الناس الحياة بكرامة، وبصفاء، وبحرية، من دون أن يمس كرامتهم أحد، كائن من يكون، لاسيما رجال الدين، من الذين حرفوا الواقع وتعكزوا على القضايا التاريخية والتراثية (وحدهم الذين يفهونها وقد لا يفهمونها) وتناسوا أن الانسان له كرامة لا تقاس بثمن، (لمَ لمْ يعوا: وكرمنا الانسان) وحق العيش الطبيعي، بصرف النظر عن كل المسميات.
وهذا لا يمكن.. لأن - رجال الدين هذه هي بضاعتهم- التي يتكسبون بها، بل ويتسيدون على الناس من خلالها، ومن يقف بالضد منهم، فأن مصيره الاقصاء، أو التكفير والخروج من الملة!.
اذن ثمة اغلال تقيّد التقدم والحضارة، والارتقاء بالإنسان الى انسانيته، حتى يعيش عيشة راضية.
شايغان تيقن بذلك، ووافق على الاطروحة التي قدمها القصيمي، لكنه هو الآخر انصدم بنفس تلك (الاغلال)، فراح يكتب، ينتقد ويشجب، ويوضح للناس ما تفعله تلك الاغلال، (من سنين عددا) والتي اعاقت التقدم والانفتاح. لكن اللغة التي كتب بها شايغان هي ليست نفس اللغة التي كتب بها من قبله القصيمي صاحبه، بمعنى آخر، أن القصيمي كتب بصورة مباشرة، وبلغة تكاد أن تكون سلسة، بحيث يفهما الجميع: علماء والمثقفين ومتعلمين، وسوقة، على حد سواء. وشايغان طفق يكتب باللغة التي تفها النخبة، والنخبة فحسب، لكن الرسالة واحدة والهدف مشترك.
وللمقال بقية.. ملاحظة// اعدتُ نشر هذا المقال بعد الهفوات اللغوية والمطبعية التي باغتتني لضعف بصري، ولقلة حيلتي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل تتواصل الحركة الوطنية الشعبية الليبية مع سيف الإسلام القذ


.. المشهديّة | المقاومة الإسلامية في لبنان تضرب قوات الاحتلال ف




.. حكاية -المسجد الأم- الذي بناه مسلمون ومسيحيون عرب


.. مأزق العقل العربي الراهن




.. #shorts - 80- Al-baqarah