الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حقيقة الصراع بين الإعجاز العلمي والإصلاح الديني

محمد ياسين

2020 / 9 / 8
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


في هذا العصر الذي أذعن فيه العالم بأمجاد العلم ولامست الأمم نتائجه المبهرة، حيث غدت الشعوب المتشبعة بالقيم العلمية تعيش فعليا حالة من اليودايمونيا، وكلما زاد تأثير العلم في مجتمع من المجتمعات زاد دنو ذلك المجتمع من الرافهية، وكلما زاد ابتعادا عن قيمه ازداد غرقا في البؤس والتعاسة والجهل وكل الآفات .
في هذا العصر، استذوق العالم مجد العلم وتعرفوا إليه، ولما تعرفوا على العلم تعرفوا كذلك على كلمة "عالم" ، هذه الكلمة التي كان يستعلمها بعض رجال الدين التقليديين (الشيوخ) لتقديم أنفسهم للمجتمع، أما اليوم فلم تعد هذه الكلمة من متعلقات الفقيه التقليدي الذي رفض التطور تزامنا مع تطور العلم، وهكذا انزوى إلى الوراء وأفسح المجال إلى نظرائه من رجال الدين الذين عرفوا من أين تؤكل الكتف، ولم يرفضوا خلع أسبالهم القديمة والبالية والإقبال على أحدث صيحات الموضة العلمية، عن المختصين في الإعجاز العلمي والمشتغلين به أتحدث .
ولكن، رجال الإعجاز العلمي ليسوا وحدهم، فهناك صنف آخر من رجال الدين، عرفوا كذلك من أين تؤكل الكتف وهم "المصلحون الدينيون" أو "المتنورون" أو سمهم ما شئت، أولئك الذين تطوروا بدورهم مع كل قيم الحداثة والمواطنة وأقبلوا على قانون التطور سمعا وطاعة .
دخل كل هولاء الأصناف الثلاثة من رجال الدين في حرب ضروس تروم إلى احتكار السلطة الدينية والتتويج بلقب الناطق الرسمي والأوحد باسم الدين، أما الشرارة التي أشعلت فتيل الحرب أو لنقل السبب الجوهري، فهو رفضهم التام لتقاسم الأدوار والمهام ؛ فالشيخ لا يملأ عينه أن يناط به فقط كل ما هو طقسي أو تعبدي، والمصلح لا يرضيه أن يستأثر لنفسه بكل ما هو أخلاقي و اجتماعي فقط، والإعجازي لا يكتفي بالجانب العلمي، بل كلهم يريدون الجمل بما حمل.
الشيخ التقليدي مقطوع له بالهزيمة في هذه الحرب التي لا معيار فيها للقوة باستثناء التطور ، فهو الآن في سكرات الموت يعيش أزمة وجود، وقد بدأ يستوعب حتمية فنائه القريب الذي لن يتجاوز -في نظري- قرنين من الزمان أو ثلاثة على أبعد تقدير، ولذلك فإن كل أفكاره المعادية للعصر والحداثة والرقي ما هي إلا تعبير عنيف عن نقمته على كل هذه الاشياء التي يعتبرها عدوة له، طبعا على أنغام البيت الشعري القائل"وإذا لم يكن من الموت بد فمن العجز أن تموت جبانا" وتنفيذا منه لسياسة الأرض المحروقة انطلاقا من مبدأ علي وعلى أعدائي .
أما فصول الحرب بين "رجل الإعجاز العلمي" و "المتنور أو المصلح" فهي لاتزال طويلة للغاية ولا أحد يمكنه التكهن بما ستفضي إليه وأيهما سينقرض أولا، والسبب في طول الحرب وعسر استحضار نتائجها بسيط، وهو أن كلاهما يستخدم نفس الأسلحة المنهجية :
- التطور الدائم مع السيرورة.
- رفض التفسيرات القديمة للموروث الديني .
- تأويل النصوص المقدسة وبمعنى اقرب للصحة تحريفها.
فكل هذه الاشياء مجرد وسائل منهجية في معركة البقاء اولا ثم الوصول إلى قمرة القيادة ثانيا، لكن الحق يقال؛ إن هذه هي أغرب حرب على الإطلاق، لأنهما كلاهما وجهان لعملة واحدة الإعجازي والمصلح المتنور .
كما أن سبب الحرب الجوهري والذي هو رفض تقاسم الأدوار بين الإعجازي وبين المصلح الديني هو نفسه ما يقومان به الآن لكن دون شعور، فكلاهما منخرط في قضية الحفاظ على الدين وضمان بقائه من أجل مصالحهم الشخصية لا من أجل مصلحة الناس أو حبا في الدين، لأن بقائهم ملازم لبقاء الدين الذي يستغلانه في تحقيق مآربهم .
بل إن الفرق الوحيد والأوحد بين رجال الإعجاز العلمي وبين المصلحين الدينين المتنورين هو أنهما يتقاسمان الأدوار من خلال هذه الآلية : الإعجازي يستهدف الجانب العلمي بينما المصلح يستهدف الجانب الإجتماعي والأخلاقي، الإعجاز يستهدف الدعوة إلى الدين وجلب الناس إليه وإدخالهم فيه، بينما المصلح يستهدف التبرير لهم من أجل البقاء فيه وعدم خروجهم منه عبر استبدال التأويلات القديمة للمورث الديني التي تعارض العصر بتأويلات جديدة تتوائم وقيم العصر .
ففي النهاية كل الأهداف التي يبتغيها رجل الإعجاز العلمي و كذلك رجل الإصلاح الديني تصب في نفس المصب ألا وهو الحفاظ على الدين ونشره من أجل الاسترزاق والتكسب والحظوة والمكانة الإجتماعية المرموقة لا من أجل مصلحة الناس أو حبا في الدين .
ولأن ازدهار العلم يؤدي بالضرورة إلى ازدهار القيم والأخلاق، فلأجل هذه التراتبية؛ فإن العلم والأفكار طبقة خارجية، بينما القيم والأخلاق طبقة داخلية، واسترسالا في هذا النسق، فإن رجل الإعجاز العلمي يتكفل بكل ما هو خارجي: العلوم وجلب الناس الذين هم خارج الدين إلى الدين ودعوتهم إليه، بينما يتفكفل المصلح الديني بكل ما هو داخلي: الأخلاق وتهذيب القيم الوجدانية والمعاملات الاجتماعية والحفاظ على الناس في داخل الدين وضمان عدم خروجهم منه .
فالإعجازي يتولى مهمة الهجوم على خصوم الدين المفترضين من أجل توسيع الأقاليم وضمها، بينما المصلح يتولى مهمة الدفاع الداخلي، الإعجازي جندي، والمصلح شرطي أنيط به ضبط النظام الداخلي .
فحرب هؤلاء الثلاثة من رجال الدين، هي حرب نشبت من أجل الريادة والقيادة فقط، لا لأن اهدافهم متضاربة أو أن مبادئهم متناقضة .
فعندما تجد المصلحين الدينين يكتبون الكتب بالعشرات ويفندون من خلالها نظريات الإعجاز العلمي ويتهمون الإعجازيين بالكذب والسفسطة وهذا ما نشاهده اليوم صباح مساء، فاعلم بأنهم لا يفعلون ذلك من أجل أن تعرف أنت الحقيقة وإنما لغاية تحطيمهم فقط، وعندما تجد رجال الاعجاز العلمي يستشهدون بكتب السلف والفقهاء القدامى ويهمشون تأويلات المصلحين ويحجمون عنها، فليس لأنهم يحترمون الفقهاء ويدعمونهم وإنما فقط لغاية في نفس يعقوب .
أما من يريد لك أن تعرف الحقيقة أن تعرف الحق، فهو من سيقول لك ابحث بنفسك وابحث في نفسك .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص


.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح




.. مباشر من المسجد النبوى.. اللهم حقق امانينا في هذه الساعة


.. عادل نعمان:الأسئلة الدينية بالعصر الحالي محرجة وثاقبة ويجب ا




.. كل يوم - الكاتب عادل نعمان: مش عاوزين إجابة تليفزيونية على س