الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وداعاً مديري العام فؤاد حسين الوكيل

حسين علوان حسين
أديب و أستاذ جامعي

(Hussain Alwan Hussain)

2020 / 9 / 9
مواضيع وابحاث سياسية


تلقيت اليوم ببالغ الألم و الحزن و الأسف الخبر المفجع بوفاة الأخ و الصديق : الأستاذ الكبير فؤاد حسين الوكيل . لقد كان "أبو رشا" قامة متميزة بكل شيء : الهدوء و التواضع الملائكي العجيب ؛ الأخلاق السامية التي تليق بالقديسين ؛ نظافة اليد و اللسان ؛ العقل المفكر الجبار ؛ القلم السيال ؛ الخط الأجمل مشقاً الشبيه باللوحات الفنية الراقية ؛ الشجاعة في الانتصار للحق ؛ الوداعة و الشفافية الطفولية ؛ و الاناقة المهيبة . لقد كان انساناً متكاملاً في كل شيء .
حصل الفقيد على شهادة الماجستير من جامعة بغداد عن بحثه الفذ الموسوم : "جماعة الأهالي في العراق ، ١٩٣٢١٩٣٧" المطبوع في دار الشؤون الثقافية ببغداد طبعتين ـ عام 1979 و 1986 . في حينها ، كان مجرد التفكير في اختيار مثل هذا العنوان عن الفكر السياسي لجماعة وطنية يسارية لأطروحة الماجستير في العراق ضرباً من الانتحار في ضوء إنكار و استنكار حكومة حزب البعث كل التاريخ السياسي الوطني السابق في العراق طوال القرن العشرين برمّته . فحسب الاعلام المزيف للبعث فإن العراق الحديث لم يعرف من الساسة اللاوطنيين فعلا و "الوطنيين إعلاما" غير خونة العروبة و العرب ميشيل عفلق و البكر و صدام و كلابهم ممن يعبدون التطبيل و التظليل . و لكن الشجاعة و الاصرار الفولاذي للفقيد الاستاذ فؤاد الوكيل على هذا العنوان فرضت على السلطة الجامعية و الاعلام البعثي المزيف قبول هذا الموضوع فرضاً بفضل قوة الحجة و رصانة المنهج العلمي الذي اتبعه الفقيد في البحث و توثيقه الموضوعي لكل جملة فيه على نحو يوجب الإعجاب و الاقتناع .
بعد نيله لشهادة الماجستير في الفكر السياسي ، عاد الفقيد لعمله في الادارة العامة لمصرف الرافدين مديراً للحسابات ، ثم خبيراً مصرفياً ، ثم مديراً عاما للمنطقة الوسطى . كما أسهم بنشاط متميز في رفد قسم الدراسات و العمليات المصرفية - الذي كان يديره الخبير المصرفي الستراتيجي الفذ الاستاذ عبد الحسين المختار رحمه الله – بالبحوث و المقترحات لتعظيم الارباح و تسويق المنتجات المصرفية الجديدة و رسم المعالجات القيدية لمختلف المعاملات المصرفية المستجدة و منها اعتمادات الدفع الآجل . كما أسهم بكتابة البحوث المصرفية في مجلة مصرف الرافدين و إعداد التقارير السنوية للمصرف و طباعتها و ترجمتها - معي - و حاضر في مركز التدريب المالي و المحاسبي لوزارة المالية .
و عندما صدر القرار بشطر فروع مصرف الرافدين شطرين لتأسيس مصرف الرشيد بموجب القانون رقم (52) لسنة 1988 ، اضطلع – مع الاستاذ الفاضل و الخبير المصرفي و مديري العام لاحقا "عبد الهادي صادق" – برسم خطة فصل حسابات و موجودات المصرفين ، و ذلك في سابقة حسابية غير معهودة من قبل . كما واصل نشاطه العلمي المتميز في مجال تخصصه في الحسابات فأسهم بنشاط مع كوكبة من أساطين مراقبي الحسابات بتأسيس و تطبيق النظام المحاسبي الموحد للمصارف و شركات التأمين و إعداد التقرير السنوي للمصرف و إخراجه فنياً للطباعة و ذلك علاوة على ترؤسه قسم الحسابات و وكالة مديره العام و عضوية مجلس إدارته الذي التحقت أنا به بعدئذ .
و عندما تعرضت العشرات من فروع المصرف للحرق التام عام 1991 ، اسهم – مع الاستاذ عبد الهادي صادق – برسم خطة إعادة تنظيم حساباتها و تجديد سجلاتها مع الحفاظ على حقوق الزبائن – و عددهم بمئات الآلاف - كاملة رغم الدمار التام .
بعد إحالة مدير عام مصرف الرشيد الاستاذ الفاضل و الشاعر الرقيق السيد عبد الهادي صادق على التقاعد عام 2008 ، إستلم فقيدنا الأستاذ فؤاد الوكيل مسؤولياته مديراً عاماً لمصرف الرشيد و رئيساً لمجلس الإدارة حتى إحالته على التقاعد عام 2010 ، حيث انتقل بعدها للعمل بكل جد و اخلاص و نشاط كخبير و نائب للرئيس في مصرف التجارة العراقي (TBI) حتى وفاته الفاجعة يوم الثلاثاء الثامن من الشهر الجاري .
في تاريخه الطويل من العمل المصرفي المجيد ، تميز الفقيد بالابتعاد عن الشللية و بالزهد بالمناصب و بالرفض التام لأدنى مظاهر الفخفخة و بالالتزام المثالي بأخلاق المهنة و بخلق الكوادر القيادية . لقد جمع بين أخلاق الراهب و تفاني المعلم و حنو الأب . أذكر له أنه اصطحبني في إيفاد وزاري لبيروت عام 2009 . و عندما نزلنا في الفندق و أردنا تسديد أجوره مقدماً ، أبلغنا السيد مدير الفندق بأن المصرف اللبناني الفلاني قد سدد كل مصاريف إقامتنا سلفاً . رفض مديري العام الأستاذ فؤاد الوكيل الجميل قبول مثل هذه "الضيافة" المقحمة علينا اقحاماً بأدب قائلاً بصوته الدافئ الرزين : "نحن موفدون على حساب وزارة المالية العراقية ، و نحن من يسدد تكاليف الإقامة كاملة لطفا ً. " و هكذا كان ، رغم استغراب و توسلات و إلحاف مدير الفندق الذي تعجب من انسحابنا عن مكتبه مفهقهين مع بعض !
في ذمة الخلود اخي الفقيد فؤاد حسين الوكيل فقد خسرنا بمغادرتك معلماً كبيراً و صديقاً وفياً و انساناً عظيماً . فإن فرقتنا الأيام تجمعنا الذكريات العطرة ؛ و يبقى محلك راكز في القلب يا مديري العام النبيل ما حييت .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غرقُ مطارِ -دبي- بمياهِ الأمطارِ يتصدرُ الترند • فرانس 24 /


.. واقعة تفوق الخيال.. برازيلية تصطحب جثة عمها المتوفى إلى مصرف




.. حكايات ناجين من -مقبرة المتوسط-


.. نتنياهو يرفض الدعوات الغربية للتهدئة مع إيران.. وواشنطن مستع




.. مصادر يمنية: الحوثيون يستحدثون 20 معسكرا لتجنيد مقاتلين جدد