الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


14 تموز سيبقى عيداً وطنياً

عقيل الناصري

2020 / 9 / 9
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


ويدور الحديث بين الاوساط السياسية العراقية في كون يوم 3/10/ 1932، عيداً وطنياً بديلا عن 14 تموز 1958، وفي التاريخ المذكور" دخول العراق على عصبة الأمم المتحدة وحسب مراجعة المعاهدة التي نصت على عقد حلف أمده 25 عاماً بين العراق وبريطانيا، وبالمقابل تعهدت بريطانيا بتأييد دخول العراق الى عصبة الأمم سنة 1932 مع إعلان استقلال وانتهاء مسؤوليات الإنتداب البريطاني فيه بدءاً من دخول العصبة. هذه المعاهدة جوبهت بالرفض كبقية المعاهدات السابقة من قبل الحركة الوطنية والشعب العراقي، ".
لنقارن بين الحدثين وطبيعة الواجبات الملقات عن كل منهما
1- هناك تناقض تناحري بين ماهية الدولة وشكلها، فالشكل في ألأولى ملكي والثاني جمهوري، وقد حبذت دولة الانتداب/ بريطانيا في سياق تبنيها للحكم الملكي المشابه لنظامها السياسي وفرنسا حبذت النظام الجمهوري أو الحكم المباشر ؛
2- كان الأول وراثي في حين في الثاني، المفترض، انتخابي ؛
3- دشن سياقا تاريخيا يختلف جذرياً عما سبقه من حيث :
أ‌- نواحي القضايا التي تبنتها ؛
ب‌- وماهية القوى المحركة لها ؛
ت‌- والافق التاريخي لمشروعها التحرري
4- اسس الجانب الشكل الأول: نظاما شبه اقطاعي-كمبرادوري، في حين ركز الشكل الثاني نظام خليطاً من تواجد القطاعات الصناعية وأنشا البنى التحتية واصبح التوجه العام رأسمالي موجة؛
5- لعبت القاعدة الاجتماعية في النظام الملكي دور الكابح أمام التطور المتصاعد، في حين القاعدة الاجتماعية في الشكل الثاني الجمهوري، دوراً تصاعدياً في تحبيذ التوجهات التطورية؛
6- دخل النظام الملكي في أزمته البنيوية أنعكست في تأليف الوزارة (58) وحل البرلمان (14) مرارا وتكررا، في حين اصبحت الابواب لسعتها تستقبل المعالجات التطورية ؛
7- اعتمد الحكم الملكي على النخبوية والعلاقات الزبائنية والزيجات، واساسها الضباط الشريفون، في حين النظام الجمهوري اعتمد من الناحية المعنوية على الهوية الوطنية وتدوين العقد الاجتماعي الذي ساوى بين مختلف القوميات والأديان والمذاهب واصبحت المعيار الأرأس هو الانتماء الوطني؛
8- لقد تم ترجمة هذه الصفات في جملة من القرارات السياسية والاقتصادية، انعكست في مضامين برنامجيته العملية الطموحة التي طالت العراق: كجغرافية سياسية ؛ وطبقات اجتماعية ؛ وتكوينات الاجتماعية ؛
9- اعتمد نظام 14 تموز التوزيع النسبي للثروة الوطنية من خلال الاهتمام بذوي الدخول المحدودة والفئات الفقيرة ؛ والهوية الوطنية العراقية المستندة إلى النظام الجمهوري .وكلا الفكرتين تمثلت وتجسدت عمليا بحيث أهلتا أغلبية االمجتمع العراقي على الاختيار الصحيح ووضعته برمته على سكة الحداثة والتطور ؛
10- النظام الملكي كان في خدمة الاقطاعيين والطبقات الميسورة مادياً في حين نظام 14 تموز حكم للفقراء وإن لم يحكم بهم، لأن هذه ديدين نظام الطبقات الوسطى ؛
11- تبنى النظام الملكي سياسة التحالفت العسكرية وربط مصيره بالمعاهدات الجائرة، في حين اتبع نظام 14 تموز سياسة الحياد الايجابي ؛
ومع كل هذا وتأسيساً على ما طرح من الأهداف المتقاربة بل ذات المضامين المتماثلة إلى درجة كبيرة، حول البرنامج المعتمد من قبل اللجنة العليا للضباط الاحرار, التي تمحورت, حسب قراءتنا, على المجالات التالية :
1- في تشابكها الجدلي والواقع العراقي وزمنيته وتفاعلها مع محيطه الإقليمي والدولي الحفاظ على الوحدة الوطنية العراقية في علاقتها الجدلية مع الإنتماء للأمة العربية ؛
2- تحديد الحدود للحريات الديمقراطية (الحزبية, النقابات, الصحافة, وسائل التعبير...الخ) ؛
3- معالجة المسألة القومية وخاصةً الكردية وحقوق الطبيعة والمكتسبة للتكوينات القومية والدينية ؛
4- القيام بالإصلاحات الأجتصادية لصالح الفئات الوسطى والفقيرة في المدن والفلاحين في الريف ؛
5- إقامة علاقات متميزة مع العربية المتحدة، وقتياً، ومناصرة حركات التحرر العربية وبخاصة فلسطين والجزائر وعُمان ؛
6- الخروج ما أمكن من تبعية العراق للعالم الغربي وأحلافه العسكرية بخاصة حلف بغداد ؛
7- إتباع سياسة الحياد الإيجابي وعلاقات دولية قائمة على التعاون المتبادل والمصالح المشتركة.
لكن المنجز مما حققته الثورة قد تجاوز هذه الاهداف، بمساحة زمنية طويلة، وبسعة اجتماعية شملت الكثير من الفئات والمناطق، وهذا ما سنلاحقه في قراءتنا التالية.
ونستطيع من خلال النظرة التاريخية لتطور العراق المعاصر، القول بكل موضوعية، إن التغيير الجذري في 14 تموز 1958 قد اعاد انتاج ذاته في سياق تحقيق غائياته وأهدافه وأمسى ثورة بكل معنى هذا المفهوم العلمي. ومن المفروض أن تختلف أية ثورة عن الانقلاب الفوقي في سمتين أرأسيتين هما:
- المشاركة النشطة للجماهير بدلاً من سلبيتها ؛
- واستمرارية التغيير مقابل الحدث الواحد.
لهذا وعلى وفق هاتين السمتين يمكننا إعتبار ثورة 14 تموز كانت تدشيناً لثورة عملاقة. لكن لا يمكن مقارنتها، طبعاً، بالثورة الفرنسية أو الروسية أو الكوبية .. التي كل منها لها سماتها الخاصة فالثورة الفرنسية هزمت الاقطاع وفتحت الباب نحو اوربا الرأسمالية. والروسية نقلت العالم إلى التشكيلة الاشتراكية والملكية العامة لوسيلة الانتاج وإلغت الطبقات الاجتماعية، وللكوبية سمتها الأرأسية وهي اعتمادها على حرب العصابات وصولا إلى السلطة.
في حين جاءت ثورة 14 تموز لتحدث
- انقلاباً جذرياً في الطبيعة الطبقية للسلطة ؛
- وفي جوهر الأنماط الاقتصادية وتراتيبيتها ..
وكان من عاقبة ذلك خلق نظام اقتصادي جديد تناظره علاقات جديدة، على كافة الأصعدة تجسدت بالأخص في انبثاق الأنظمة وأنساق اقتصادية حديثة، كحالة تقريرية، وفي ريادة طبيعة الأنماط الملائمة لواقع تطور العراق الحديث آنذاك وتمثلت في:
- رأسمالية الدولة الوطنية ( القطاع الحكومي)؛
- الإنتاج السلعي الرأسمالي (المتوسط والكبير)؛
- الإنتاج السلعي الصغير والحرفي؛
- النمط التعاوني وبصورة خاصة بالريف؛
- وكذلك النمط الخاص (الكونيالي) بخاصة في القطاع النفطي ذات الطبيعة الريعية.
في حين كانت بنية القطاع الانتاجيالانماط الاقتصادية في العهد الملكي كالتالي:
حيث التركيبة الطبقية ويمكن رصد عدة أنماط اقتصادية منذ بدء تشكيل الدولة العراقية، عام 1921 وهي:
1- النمط الحكومي: ( رأسمالية الدولة الوطنية) وهي وتيرة التشكيلات الخدمية والانتاجية والتي تطورت بإتساع الدولة العراقية وتطورها ؛
2- النمط شبه الاقطاعي: بدأ بالتشكل منذ عام 1916، وتبلور في اواسط الثلاثينيات ؛
3- النمط الخاص: وهو بدء منذ تأسيس الدولة العراقية بخاصة في الصناعات الاستهلاكية ؛
4- النمط الحرفي: وهي الصناعات الحرفية المنتشرة في عموم محافظات العراق، وتستخدم أما صاحب العمل أو في حدوده القصوى من العاملين بين 2 -5 ؛
5- النمط الرعوي: (الأبوية) ويكثر في الأرياف وحواضر المدن الصغيرة.
وإنطلاقاً من ذلك تم تطوير البناء التحتي وقد أنجزت السلطة الوطنية لثورة 14 تموز في غضون 4 سنوات و6 أشهر، وهذا غيض من فيض:
- عندما سقط العهد الملكي – بعد ٣٧ سنة من قيامه -، كانت نسبة الامية في العراق ٨٠٪؜ وكان معدل عمر الفرد العراقي لا يتجاوز ٢٨ – ٣٠ سنة، ولولا ارتفاع معدلات الولادة، لانقرض الشعب العراقي وكان معدل وفيات الاطفال ما يزال مرتفعا بشكل يدعو الى الاسى. عندما سقط الحكم الملكي كان اربعة اخماس عائلات العراق بلا اية املاك .
- أما بعد الثورة فأنتشرت جعيات بناء المساكن ووزعت الأراضي على من لا يملكون داراً سكنية، وانتشرت المدارس الابتدائية للأطراف النائية. وربطت بشبكة طرق للربط بين القرى والمدن. أن الفضل يعود إلى ثورة 14 تموز، فقد بنى قائدها أو أوعز ببنائها المدن التالية :
- "... زيونة واليرموك والاسكان ومدينة الثورة والرشاد والمعامل وحي السلام ومدينة الشعب والشعلة وأحياء الضباط و نواب الضباط والاسكان للطبقات الفقيرة في كافة انحاء العراق ؛
- هذا الذي بنى مدينة الطب والمستشفى الجمهوري وجامعة بغداد ومطار بغداد ومعرض بغداد الدولي ومتحف الفن وميناء أم قصر و2,334 مدرسة و7766 مدرسة لمحو الامية ؛
- بنى سد دوكان ودربندخان وسد اعالي الفرات وقناة الجيش وجسر الكرادة المعلق وجسر الكوت وجسر روزخانه وجسر علي ؛
- بنى مستشفى اليرموك و الكرخ وابن النفيس والنعمان والشماعية والجذام والطوارئ للاطفال ومستشفى في كل محافظة عراقية بالاضافة الى 160,000 مستوصف و280,0000 مذخر ادوية ؛
- وعلى مستوى التصنيع الاستهلاكي، فقد بنى معمل البان ابو غريب والفرن الذري (مفاعل تموز) ومصنع الزجاج في الرمادي ومعمل الادوية في سامراء ومصانع السيارات في الاسكندرية ومصنع تعليب كربلاء ومعمل السكاير في السليمانية ومصنع اطارات الديوانية وأكثر من مصنع ومعمل في كل محافظة عراقية ؛
- وقع قرار رقم 80 الذي مهد لتأميم النفط العراقي من أحتكار الشركات الاجنبية وتأسيس شركة النفط الوطنية ؛ وقانون الاصلاح الزراعي الذي حرر الفلاح من نير الاقطاعيين وظلمهم ؛ وقانون من اين لك هذا ؛ وقانون الاحوال الشخصية، الذي انصف المرأة من الحقوق الوضعية والمكتسبة، مما أدخل الحكم الوطني في صراع مع المرجعية الدينية، وانا احملها جزء من المسؤولية في فقدان نظام الحكم الوطني.
. وعلى مستوى تصنيع فقد إبرم مع الاتحاد السوفيتي معاهدة أقتصادية تصنيعية، التي تقوم في ماهياتها على تثبيت وتوسيع القطاع العام في الصناعة، لقد وضعت مشروعات الإتفاقية على اسس تركيب نموذجي لإقتصاد وطني متحرر. ويرتكز على الصناعت الثقيلة (اي صناعة وسائل الانتاج) وبصورة خاصة في معامل الفولاذ ولأسمدة الكيمياوية وحمض الكبريتيك والعدد الكهربائية. كم شمل الاتفاقية على الصنعات الزراعية وذلك للأرتبط الحتمي بين الثورتين الصناعية والزراعية كمعمل المكائن والمعدات الزراعية ومحطات الجرارات الزراعية ومعامل النسيج والتعليب. كما تشمل الاتفاقية على الصناعات التحويلة ذات الاستهلاك الجماهيري كمعامل النسيج القطني والزجاج والمصابيح الكهربائية والأدوية .
ومن جانب آخر وبصورة مكثف "... أما ما حصل من تغيير بسبب ذلك الحدث، فقد حصل ما يلي: اسقاط النظام الملكي وإقامة النظام الجمهوري، وتبنى سياسة عدم الإنحياز، وإلغاء جميع المعاهدات الاستعمارية الجائرة المخلة بالاستقلال الوطني، والخروج من الأحلاف العسكرية (حلف بغداد)، وتحقيق الإستقلال السياسي التام والسيادة الوطنية الكاملة، وتحرير الاقتصاد والعملة العراقية من الكتلة الإسترلينية، وإلغاء حكم العشائر، والنظام الاقطاعي، وتحرير الملايين من الفلاحين الفقراء من سيطرة الإقطاعيين بإصدار قانون الإصلاح الزراعي، وتحرير 99.5% من الأراضي العراقية من سيطرة الشركات النفطية الاحتكارية بإصدار قانون رقم 80، وتحرير المرأة بإصدار قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لعام 1959، وازدهار الصناعة، وبناء عشرات الأحياء السكنية للفقراء، والتفاف الجماهير حول قيادة الثورة وحماية منجزاتها… وغيرها والقائمة تطور. وبعد كل هذه المنجزات والتغييرات التي حصلت في المجتمع العراقي بعمق، هل من الموضوعية بشيء تسمية ما حدث في ذلك اليوم بالانقلاب؟ لذلك نعتقد أنه لا يمكن لأي باحث منصف إلا وأن يعترف بأن ما حصل في يوم 14 تموز 1958، كان ثورة بكل معنى الكلمة... ".
بمعنى آخر إن التغيير الجذري قد نقلت الاوضاع الاجتصادية والفكرية والسياسية من مرحلة إلى آخرى أكثر ملائمة للعصر الحديث. ومن الناحية العددية فأغلبية سكان العراق، هم من المؤيدين للتوجه العراقوي القائم على الهوية الوطنية الموحدة، مع الأخذ بنظر الإعتبار إلى الانتماء العربي الأرحب. سواء اكانوا من القومية العربية أو الكردية أو التركمانية أو باقي الاثنيات ؛ ومن الأديان المسلمة أو المسيحية أو الصابئة المندائيين والأيزديين.
لماذا هذا التحامل من قبل القوى الاسلاموية على ثورة 14 تموز؟؟؟؟ وما هي مصلحتهم في الدفاع عن الاقطاع والنظام الملكي؟؟؟؟ وما هو سر دفاعهم عن انقلاب شباط الذين ساهمت المرجعية في اسناده؟؟؟؟ واخيرا وليس آخر، فهل يحق لنا اعتبار يوم دخول العراق إلى عصبة الأمم عيدا وطنياً؟؟؟؟.

الهوامش
1- حسين رشيد، لبحث عن اليوم المجهول في حكم الانتداب والحصون، جرريدة المدى 9/9/2020
2- جعفر الحسيني، خطايا العهد الملكي، قناة آفاق، تاريخ النشر في 17/ أب، 2019
3- راجع للمزيد، ابراهيم كبة، هذا هو طريق 14 تموز، ص, 46. دار الطليعة بيروت،1969.
4- د. عبد الخالق حسين، هل ما حدث يوم 14 تموز ثورة أَم إنقلاب؟ من موقع https://www.dw.com/ar








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - القوى الإسلامية
رائد محمد نوري ( 2020 / 9 / 11 - 09:58 )
التاريخ نهر لا تعود مياهه إلى المنبع هذه الحقيقة لا يريد تصديقها الإسلام السياسي في العراق، حتى يتسنى له المكوث في الأرض طويلا
محبتي دكتور

اخر الافلام

.. سيول دبي.. هل يقف الاحتباس الحراري وراءها؟| المسائية


.. ماذا لو استهدفت إسرائيل المنشآت النووية الإيرانية؟




.. إسرائيل- حماس: الدوحة تعيد تقييم وساطتها وتندد بإساءة واستغل


.. الاتحاد الأوروبي يعتزم توسيع العقوبات على إيران بما يشمل الم




.. حماس تعتزم إغلاق جناحها العسكري في حال أُقيمت دولة فلسطينية