الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المشهد الثقافي في شمال وشرق سوريا.. واقع وطموحات

دلشاد مراد
كاتب وصحفي

2020 / 9 / 10
القضية الكردية


كان النشاط الثقافي قبيل عام 2011م يمارس في حدوده الدنيا، نتيجة فرض الضغوط وممارسة حالة من القمع والتهميش الممنهج من قبل سلطات البعث الحاكمة على الحراك الثقافي والاجتماعي والسياسي عموماً في سوريا. فبينما كانت اللغات الغير العربية محظورة رسمياً في مجالات التعليم والنشر، كانت المنظمات الثقافية والأدبية تتأسس بشكل غير رسمي، حيث كان النظام الحاكم يرفض ترخيص أي منظمة مجتمعية وخاصة إذا كانت كردية، وحتى بعض الجمعيات السريانية التي رخصت كان يمارس عليها رقابة حكومية ويمنع من ممارسة نشاطات معينة. وكان الحراك الثقافي الكردي التي كانت تمارس سواء بالسر أو العلن تخضع للرقابة، حيث كانت تعقد محاضرات وأمسيات ثقافية متنوعة، وثمة كثير من الأدباء والمثقفون الكرد اعتقلوا وخضعوا للتحقيق أو سجنوا جراء ممارستهم أنشطة ثقافية وأدبية. بينما كان الفن من المسرح والغناء والرقص الفلكلوري يمارس طقوسه الغير الرسمي خاصة في أعياد النوروز.
في تلك الفترة كان من النادر أن ترى كتاباً باللغة الكردية أو كتاباً عن الكرد والقضية الكردية في المكتبات العمومية، بل كان ممنوعاً تداول وبيع أي كتاب يتضمن تأكيدات على الوجود القومي الكردي في سوريا.
ولكن تغير كل شيء بعد انطلاقة ثورة شعوب شمال وشرق سوريا في تموز 2012م وإنهاء سلطة نظام البعث، وإعلان الإدارات الذاتية الديمقراطية. وكانت لبعض المؤسسات اللغوية والثقافية دور فعال في تأسيس البنية التحتية للحراك اللغوي والثقافي والفني في المنطقة، كمؤسسة اللغة الكردية التي فتحت في البداية دورات تعليمية تطوعية لتعليم اللغة الأم لأبناء الشعب الكردي، تطورت إلى فتح مدارس كردية إلى أن ضمت المؤسسة نشاطها إلى هيئات التربية في الإدارات الذاتية الديمقراطية والتي أصبحت تشرف على الواقع التعليمي في الشمال السوري. وهكذا بالنسبة إلى اللغة السريانية، حيث أنشئ مجمع للغة السريانية ومعهد لإعداد المعلمين السريان، حيث يؤكد العقد الاجتماعي لنظام الإدارة الذاتية الديمقراطية على إن اللغات الكردية والعربية والسريانية لغات رسمية في التعليم والنشر وغير ذلك. وهذا أمر يتجاوز كل الدساتير التي سنتها الأنظمة الحاكمة في الشرق الأوسط والتي ترفض حتى الآن الاعتراف بلغات وثقافات الشعوب الأصيلة في بلدانها.
وأيضاً عملت حركة الثقافة والفن على إنشاء فرق فنية وفلكلورية، وبعدها فتحت مراكز الثقافة والفن في معظم المدن والمناطق، ليتم التنسيق بين أنشطة هذه الحركة وهيئات الثقافة في الإدارات الذاتية الديمقراطية.
وبإصدار الإدارة الذاتية لقانون الحياة الثقافية عام 2014م أطلقت العنان لشرعنة المؤسسات والمنظمات الثقافية، وكذلك عملية التأليف والترجمة والأنشطة الثقافية والفنية بشكل مؤسساتي. حيث تشرف هيئة الثقافة على تنظيم المهرجانات والمعارض الأدبية والفنية وترخيص المراكز والجمعيات الثقافية وتشجيع الطاقات الثقافية.
كما شهدت المنطقة ثورة في حركة الطباعة والتأليف والتنظيم الثقافي، فأنشأت دور نشر وتوزيع المطبوعات وفتحت مطابع حديثة لطباعة الكتب، وأصبحت العديد من الصحف والمجلات والإذاعات والمحطات التلفزيونية تصدر وتبث في المنطقة وبكل اللغات الرسمية، وفي الوقت نفسه أصبح الأدباء والكتاب يلقون تشجيعاً. وتأسست العديد من اتحادات الكتاب والمنظمات الثقافية، وأنشأت الجامعات والأكاديميات الثقافية والفنية وغير ذلك من المظاهر الأدبية والثقافية.
إلا إن تلك التغييرات ولجملة من الأسباب لم تصل أو تتطور لمستوى يجاري فيها الأحداث والتطورات المتسارعة في المنطقة ويتعلق جزء من الأسباب بالظروف السياسية ويتمثل بعدم الاستقرار في المنطقة والحصار وحملات الغزو الخارجي، وبالتالي فإن الإدارة الذاتية أصبحت مضطرة للتركيز على أولوية الدفاع والقطاع العسكري مقارنة بالقطاعات الأخرى. ورغم ذلك كان هناك اهتمام لافت من جانب الإدارة الذاتية للمؤسسات الثقافية والأدبية والإعلامية، فأُنشأت المراكز الثقافية والفنية وتأسست اتحادات المثقفين في كل المناطق، كما تأسست شبكة من وسائل الإعلام إن كانت مرئية أو مطبوعة أو مسموعة، وتَوفرَ مناخ ملائم لتأسيس المنظمات الثقافية والإعلامية من جانب الجهات الخاصة والعامة في المنطقة.
ويتعلق الجزء الآخر من الأسباب بالظروف الذاتية أو الداخلية، فعلى الرغم من ظهور وتأسيس عدد هائل من المؤسسات والمراكز الثقافية والأدبية والإعلامية، إلا أن الكثير منها أصبحت تعاني من الضعف في الأداء الوظيفي، أي بمعنى لم تتمكن من تحقيق أهداف تأسيسها وظهورها على الرغم من مرور وقت كاف على بعضها، وبالتالي أصبحنا أمام مسألة في غاية الأهمية وهي الهدر واستنزاف في الطاقات من كافة جوانبه.
ولضعف الأداء الوظيفي بحد ذاته أسباب لابد من التوقف عليها، وأبرزها تأسيس بعض المؤسسات على قاعدة ضعيفة واعتماداً على كوادر غير مؤهلة أو مختصة.
إن ظروف الثورة والحرب في المنطقة يؤثر حتماً بالوضع والمشهد الثقافي عموماً، ومع ذلك هناك محددات ذاتية يمكن تجاوزها في سبيل الارتقاء بالواقع الثقافي في روج آفا- شمال سوريا، وبالتالي إن المطلوب لتجاوز معوقات الحراك الثقافي، هو الآتي:
ـ الاهتمام بالنوع وليس الكم في عضوية والعمل الإداري للمؤسسات والاتحادات والمنظمات الثقافية والأدبية والإعلامية.
ـ اتخاذ قرارات جريئة وحاسمة فيما يتعلق بالمؤسسات التي لم تحقق الغرض من إنشائها وتسبب الهدر، ومنها قرار حل أو إيقاف تلك المؤسسات وبناء بدائل ملائمة اعتماداً على خبرات ومؤهلات مجربة بما يتوافق مع أهداف ومبادئ الثورة الجارية في شمال وشرق سوريا.
ـ الإسراع في تجهيز المزيد من المطابع الحديثة وتدريب خبرات طباعية، بما يؤدي إلى طباعة المزيد من إصدارات الكتب، وإلى الدخول في مرحلة الصحافة الورقية اليومية، والتي ستساهم إلى حد كبير في تنشيط النشر الثقافي.
ـ بناء مراكز ثقافية استراتيجية (بعيدة المدى) وجادة واختيار كوادر وإداريين أكفاء كمراكز أبحاث ودراسات، بحيث تكون قادرة على التحليل الجاد للواقع ووضع تصورات وحلول واقعية قابلة للتطبيق.
إن النهوض بالواقع الثقافي له أهمية بالغة، فهو مقياس لمستوى حضارة الشعوب، وكذلك لمستوى الثورات وجديتها. ولهذا ينبغي التعامل الجاد والحذر في هذا القطاع، بحيث يكون سبباً رئيسياً للانجذاب نحو الإدارة الذاتية وثورة شمال وشرق سوريا، وليس الابتعاد عنه والخوف من هذه التجربة الناشئة في المنطقة تحت أي حجة أو سبب ما.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*زاوية " الحديث الثقافي"، صحيفة روناهي الصادرة في روج آفا - شمال وشرق سوريا، العددين الصادرين في 26 آب 2020م و9 أيلول 2020م.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. طلاب الجامعة الأمريكية في القاهرة يتظاهرون بأسلوبهم لدعم غزة


.. إعلام فرنسي: اعتقال مقتحم القنصلية الإيرانية في باريس




.. إعلام فرنسي: اعتقال الرجل المتحصن داخل القنصلية الإيرانية في


.. فيتو أميركي ضد مشروع قرار منح دولة فلسطين العضوية الكاملة في




.. بن غفير: عقوبة الإعدام للمخربين هي الحل الأمثل لمشكلة اكتظاظ