الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عرب السودان و أزمة الهوية

عبد الرافع كمال

2020 / 9 / 11
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير


اذا قمنا بتطلع الخارطة الاثنية لدولة السودان نجد أن اهم القوميات العرقية في السودان نجد أهم القوميات العرقية هي العرب في شمال و وسط السودان ..البيجا في شرق السودان و النوبة بشقيهم الشماليين في الشمال و النوبة الغرابة في الجنوب ..و الامم الزنجية في دارفور و النيل الازرق ..
الا ان اكثر هذه القوميات المأزومة هوويا هي قومية العرب و التي تقطن وسط و شمال السودان .
حسب الشفاهيات المحلية لعرب السودان ان اباءهم قدموا الي السودان و اختلطوا بالعنصر المحلي الزنجي و انجبوهم ..
و هنالك رواية شائعة الانتشار تشير الي ان العرب الذين قدموا الي الي السودان كانوا رجالا فقط و لم يحضروا معهم نساء في حين تزوجوا من النساء الافريقيات و انجبوا ما يسمي بأولاد العرب و الذين اصبحوا يتزاوجون فيما بينهم .
اﻷ ان هذه الرواية الشفهية الاخيرة تضعنا أمام استفهام عميق
كيف اكتسبت الشعوب الافريقية التي تقطن في وسط و شمال و شرق السودان العرق و الدم العربي كشعب البيجا و نوبة الشمال من الكنوز و الحلفاوة و الدناقلة ..الخ .
مما يجعل انه بالاولي تصديق الرواية الاولي و القائلة بدخول العرب بنساءهم الي السودان .. حيث تزوج البيجا و النوبة من نساءهم العربيات و تزوجوا هم من نساء النوبة و البيجا الافريقيات .
حيث تقدم هذه المقولة تفسيرا لتعورب كل من البيجا و نوبة الشمال و اكتسابهم للصفات العرقية السامية .
و الراجح تاريخيا ان دخول العرب الي السودان جاء عن طريقين
* الغزو الاسلامي
حيث حدثت صدامات بين الدويلات النوبية المسيحية الثلاث ..و بين جيش الغزو الاسلامي الذي قدم من الشمال بعد غزو المسلمين لمصر و اخضاعها لهم .. تم ارسال جيش بقيادة عبد الله بن ابي السرح تمكن من اخضاع الممالك النوبية الشمالية " نوباطيا و المقرة " في حين سقطت مملكة علوة في جنوب بلاد النوبة علي ايدي تحالف بين عرب الرفاعيين و الفونج .
اما البيجا فقد جردت عليهم غزوات متتالية كسرت شوكتهم في نهاية الامر .. عحيث كانت " الجيوش العربية تستقر في المنطقة و تقطنها .. مما حدث تمازجا بينها و بين المكون السكاني الاصلي .
* الهجرات العربية :
حيث وفدت جماعات من عرب قريش قطنت شمال السودان ..
و جماعات من عرب جهينة . قطنت غرب السودان .
ما سبق هو تلخيص مختصرة لتاريخ دخول العرب للسودان .
بعد حدوث الاختلاط في السودان تم انجاب طبقة " اولاد العرب " و هي طبقة عامة تشمل ثلاثة مجموعات عرقية هي العرب و النوبة المتعوربين الشماليين و البيجأ .
لقد واجهت السلالة العربية في السودان " عرب السودان " ازمة هويية يرجع نستطيع تلخيص عناصرها في اﻷتي :-
.
& الاختلاف المظهراني مع العرب :
عامل الاختلاط بالعنصر الزنجي و اكتسابهم لبعض الصفات الزنجية كاللون الاسود و الشعر الاكرد و انفطاس اﻷنف و كبر الشفاه ..
لقد تسبب عامل الاختلاط مع الجدات الافريقيات في حدوث اختلاف مظهراني مورفولوجي بينهم و بين اشقاءهم العرب .
.
& المواقف السلبية للعرب تجاه عرب السودان :
لقد ادت عملية الاختلاط العرقي الي حدوث فجوة كبيرة بينهم و بين قوميتهم الام .. و هو ما جعل كثيرة من العرب في العالم العربي يحملون نظره عنصرية تجاه عرب السودان حيث يصفونهم بذات الاوصاف التي يصفون بها الافارقة ب كونهم رقيق و عبيد .
و ما يؤثر في السودان هو احدي الحكايات الشائع تداولها بكثرة . و هي ذهاب احدي السودانيين الي السعودية فسأله السعودي عن اسمه فرد السوداني قائلا عبيد . فرد عليه السعودي قائلا " ادري انك عبيد " بس ايش اسمك .
لقد تسببت هذه النكتة في موجة من السخط بين شريحة العرب السودانيين بل و تسببت في تشكيل كيان عريض بين شريحة العرب السودانيين يطالب السودانيين بقطع كل صلة تربطتهم بالعروبة و بالعرب و ان يستبدلوا هويتهم العربية بهوية افريقية و ان يقولوا عن انفسهم زنوجا ..
و قد اذداد نشاط التيار و الذي بات يدعوا علنا الي اهدافه الرامية الي بتر كل صلة عرقية او ثقافية او حتي تاريخية لعرب السودان بشعب العرب .. و اكتسب شعبية كبري بين اواسط المثقفين . خصوصا في الجامعات .
و ما يعزز من قوة هذا التيار هو عدد من المواقف التي يبديها بأستمرار القادة العرب كتصريحات الرئيس الفلسطيني بشكره لما وصفها بالدول غير العربية التي ساندت فلسطين و من بينها السودان ..كما اطلق عدد من الخليجيين حملات علي مواقع التواصل الاجتماعي تطالب السودانيين بالتخلي عن نسب انفسهم للعروبة . فضلا عن الاهانات التي يتلقاها ابناء عرب السودان عند سفرهم للبلدان العربية بغية العمل .
و تستمر المواقف السلبية تجاه العرب تجاه السودانيين و تقابلها ردود الفعل النفسية و الاجتماعية العنيفة ..
بالرغم من ان جمعية النسابون العرب " جمعية تعني بالبحث عن القبائل العربية " قد اعترفت بالقبائل العربية في السودان و قامت بتصنيفها جميعا ضمن القبائل العربية الا ان ذلك لم يخفف من وطأة الازمة الهويية التي يعاني منها عرب السودان .
.
& الزواج المختلط :
و هو عملية تزاوج طبقة ابناء العرب مع ابناء القبائل الزنجية و قد يتسبب ذلك في اشكاليات جمة في مقدمتها تشويه النسل العربي بأكسابه لمزيد من الصفات الزنجية غير الجميلة و الحد من مظاهر العروبة في نسل السلالة العربية مما يسهم في اذدياد كم الرفض العربي لهم و اذدياد الاصوات المطالبه بالافرقة و قطع الصلة بالعروبة نهائيا .
و قد بدأت ظاهرة الزواج المختلط بين عرب الغرب ذوي الاصول العربية الجهينية و شاعت هذه العادة بينهم حتي اندثرت الصفات العروبية في مظهرانية عدد من القبائل كالتعايشة و الهبانية و بنو هلبة و المسيرية ..كما شاعت بكثرة بين بقية القبائل العربية في الغرب كالرزيقات و الحمر و دار حامد و غيرهم ..
اما بين عرب الشمال من ذوي الاصول القريشية و فقد بدت هذه الظاهرة فيما بينهم كعادة شاذة الا انها بدت تتذايد اكثر فأكثر بمرور الايام و في حين تفشيها فسوف تنهي اي وجود للسمات الاثنية العربية في السودان كما حدث مع عرب الصومال ..
.
& نتائج التحليل الجيني الغريبة :
برزت في الاونة الاخيرة ظاهرة التحليل الجيني للحمض النووي ال"DNA " . حيث انتشرت مراكز التحليل الجيني في معظم المراكز الحضرية للتحقق من الاصل .
و قد اجري عدد من شباب القبائل العروبية في السودان عمليات تحليل جيني .
اظهرت و اكدت بعض النتائج التحليلية انهم من اصول عربية ..
بينما اظهرت بعض التجارب التي اجريت لشباب من ذات القبائل اظهرت نتائج مغائرة انهم من جذور غير عربية . و قد قوبلت بالفرح و الابتهاج من قبل التيار المناؤي للعروبة ..
الا ان هذه النتائج تضعنا امام تساؤلات عدة
اذا كانوا من اصول غير عربية فما الداعي ﻷدعاء العروبة ؟؟
و هنالك سؤال اخر
كيف يمكن لتحليلات الdna ان تعطي نتائج مغائرة لشخص واحد ..او لقبيلة واحدة ..
مما يخلق في الاذهان شكوكية حول مصداقية و علمية هذه النتائج و حول اعتمادها في حسم ملف الهوية ؟؟..
هل يمكننا الاعتماد علي النسب كبديل لمعرفة الاصل ؟؟..
علي اي حال هي تساؤلات يستصعب عثور اجابات شافية لها ؟؟ .
.
& انتشار الخرافة المحلية :
تسود و تنتشر في وسط مجتمع عرب السودان الخرافات و تصبح الاوهام قوتا اساسيا و كحال جميع المجتمعات العربية
فنجد انتشار لعديد من الخرافات الشفاهية حول انساب القبائل العربية و هابرزها
* خرافة ان اصل الجعليين هم من الدينكا .. و تفند هذه الخرافة بأن ابو الجعليين هو غنيم من سلالة جعل المنسوب للعباس اما الدينكا فينتسبون الي دينغ و هو افريقي كما يوجد اي تشابه بين القبيلتين في الدين و الثقافة و العرق و هي خرافة سخيفة ..
& خرافة ان ام الجعليين من الدينكا ..و هذه الاسطورة يبطلها الواقع الجغرافي حيث يسكن الجعليون في اقصي الشمال بينما يقطن الدينكا في الجنوب . كما تؤكد البحث التاريخي ان الجعليين هم قبيلة وافدة من خارج السودان ..
* خرافة ان قبيلتي المسلمية الشوايقة هم من الفولاني . فالاولي تنتسب الي ابوبكر الصديق بينما تنتسب الثانية الي " ابراهيم جعل و المنتسب الي العباس .
& الكم الهائل من التناقضات حول التضاربات حول انساب القبائل العربية و فروعها ..
& الكم الهائل من الاقاصيص حول القبائل التي تفتقر للتمحيص المنطقي ..
.
& المساعي الادلوجية لتحديد اصل عرب السودان :
و هي عدد من المساعي التي شاعت بين التيارات المنتشرة في اواسط المجتمع السوداني و الرامية الي قطع كل صلة تربط السودانيين بالعروبة .
و قد ادت تلك التيارات المناؤية للعروبة الي تقديم تفسيرات حول اصل عرب السودان ابرزها ..
* ان عرب السودان اصولهم من الفولاني و هم وافدون من غرب افريقيا و اكثر من دعم هذه المقولة هو طارق عنتر ..
الا انها لا تجيب علي سؤال انعدام وجود اي تشابه لعرب السودان بالفولاني عرقيا كما لا تسود بينهم ثقاقة القولاني .
* ان اصلهم يعود الي المماليك و هم رقيق ابيض جلبوا من وراء النهرين و حكموا مصر و هربوا الي السودان بعد سقوط حكمهم . و بالرغم من انعدام اي اشارات تاريخية تدعم ذلك . كما تشير الدلائل التاريخية الي اندحار المماليك في مذبحة القلعة الشهيرة في عام 1811م .
كما تشير الابحاث التاريخية علي وجود عرب السودان قبل مذبحة القلعة بمئات السنين .
* الفرضية الثالثة
و يدعمها الكثيرون و هو ان اصل عرب السودان هم من الاحباش و هذه الفرضية تضعنا امام تساؤلات جمة ؟؟
اين ثقافة الاحباش في المجتمع السوداني ؟؟ بل اين رقصاتهم و اكلاتهم و ازياءهم و تسريحات الشعر ؟؟
اين لغة الجئز ؟؟..
*الفرضية الرابعة :
و ترجع اصل عرب السودان الي انهم بقايا الترك و الانجليز الزين حكموا السودان .
و هي لا تجيب علي تساؤلات عدة
في مقدمتها ان عرب السودان موجودين قبل مجئ الترك .
و انهم لا يشبهون الانجليز عرقيا اذ ينعدم بينهم الشعر الاشقر و الاعين العسلية
كما لا تتشابه اسماءهم مع الترك ك " تولان اردال اصلان ...الخ .
ما سبق هي عينات للعديد من الاقوال حول اصل عرب السودان صيغت جميعها ﻷغراض ما ربما يكون الغرض منها الانتقام من عرب السودان و صرفهم عن هويتهم ؟؟
و هي تضعنا اما تساؤلا حيا
كيف نفسر انتشار الثقافة العربية بين ابناء تلك القبائل
كلبس الجلباب و هوس الرجولة و ثقافتي العرض و الحريم و اللغة العربية و النظرة السلبية للأفارقة ؟؟ ..
بل اين ثقافات تلك الشعوب المذكورة ؟؟..
مما يجعل بالتسليم بمجافاة تلك الفرضيات للواقع
بالرغم من تناقضات تلك الفرضيات الا انها تجد القبول بين ابناء بين ابناء عرب السودان كنتاج لتفشي الجهل و انعدام الوعي بالذات وبمفهومي الثقافة و الهوية .

و ينقسم العرب في السودان اذاء الازمة الي قسمين اثنين :
-$- تيار رافض للعروبة
و هم الاغلبية العظمي و يشكل معظمهم من المثقفين و النخب و الذين يحملون وعيا مدينيا و يتمحورون حول مفاهيم عولمية كالهوية القطرية و غيرها .
-$- تيار قابل بالعروبة
و يضم حركات اليسار العربي كالبعثيين و الناصريين " بالاضافة الي فئات شعبوية ذات وعي ريفي بدوي .
نستطيع في ختام مقالنا هذا تقديم مقترحات حلول لﻷزمة الهويية نوجز مقترحاتنا في الاتي
& ضرورة الاعتراف بالاصل العربي لشريحة عرب السودان و عدم التنكر له .
& الاعتراف بالهوية العربية لعرب السودان ..
& تشكيل كيان موحد ﻷبناء عرب السودان يسعي الي حل الخلافات فيما بينهم و بين ما جاورهم من الشعوب الافريقية .
& اجراء عملية دراسة لطبيعة الثقافة الموجودة في السودان بتوظيف منهج التحليل الثقافي و الذي سيكشف تباعا عن عروبة الثقافة التي تشيع بين ابناء القبائل العربية في السودان .
هذا فيما يتعلق بالنظر الي الذات اذ اقتضينا الاعتراف بالاصل العربي لعرب السودان و عروبة ثقافتهم ﻷن ذلك من صميم البحث التاريخي و منطق الحقيقة العربية فالتنكر له بناء علي مواقف تمخضت من عقد نفسية يعد امرا مخالفا للقيم و المثل العليا في الحياة و ﻷن الانسان ليس في مقدوره ابدأ التخلي عن اصله و يتازل عن هويته مهما كان كما ان تنكر العرب لعروبة السلالة العروبية في السودان ليس كفيلا بنفي الاصل العربي ﻷبناء تلك السلالة
كما يجب اسكات الالسن المعارضة لوخهة العروبة بقوة الحجج ..
اما فيما يتعلق بعلاقات عرب السودان مع العرب فهنا اري بأنه بالاولي ان نقطع كل صلة رابطة بشعب العرب و الاكتفاء بكيانهم الجامع لكل ابناءهم من قبائل السودان العربية حفاظا علي عزتهم و كرامتهم .
اما في حين حدث تغيير في النظرة التي يحملها العرب اذاء عرب السودان ففي هذه الحالة فأنني أري و اقول بضرورة ان يحدث تطبيع بين كيان عرب السودان و الكيان العربي الجامع .
في الحقيقة انني لا اري بكبير فائدة قد تعود علينا من جراء الاتحاد مع العرب او مناصرة قضاياهم ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عقوبات أميركية على مستوطنين متطرفين في الضفة الغربية


.. إسرائيلي يستفز أنصار فلسطين لتسهيل اعتقالهم في أمريكا




.. الشرطة الأمريكية تواصل التحقيق بعد إضرام رجل النار بنفسه أما


.. الرد الإيراني يتصدر اهتمام وسائل الإعلام الإسرائيلية




.. الضربات بين إيران وإسرائيل أعادت الود المفقود بين بايدن ونتن