الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن الجيش والعوائل العسكرية في العراق الملكي: (1-3)

عقيل الناصري

2020 / 9 / 11
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


في البدء وحسب مؤتمر القاهرة، المنعقد في 12 آذار 1921، أُقر تأسيس الجيش العراقي على أن يتكون من "... جيش محلي من 15 ألف مقاتل وتخصيص (15%) من إيرادات العراق العامة له، على أن يزاد هذا المبلغ حتى يصل إلى 25% سنوياً، وأن تزاد قوة الليفي المحلي، التي ستقوم الحكومة البريطانية بإدرتها ونفقاتها من أربعة ألاف محارب إلى 7500 وأن يعزز ذلك كله بستة أسراب من أسراب الطائرات البريطانية، ترابط في حلات استرايجية، فتنسحب القوات البريطانية المحتلة من العراق تدريجياً ... ".،
و"... كان المندوب السامي قد أقترح على مجلس الوزراء بكتابه المرقم 9314 والمؤرخ في 26 آيار 1921، ضرورة الاسراع في تكوين جيش وطني يتولى حفظ الأمن الداخلي، فأحاط المجلس علماً بهذا الاقتراح، وأقر في جلسته المنعقدة بتاريخ 26 من الشهر المذكور (قانون التطوع المؤقت للجيش العراقي) وهو القانون الذي تقدمت به وزارة الدفاع الوطني... ". وكما قلنا سابقاً، ساند هذه الرغبة المندوب السامي البريطاني آنذاك كوكس الذي ابرق بدوره إلى لندن، طالباً إليها التسريع في تحقيق ذلك، وتسهيل عودة الضباط العراقيين، في كل من:
- الذين عملوا ضمن قوام الجيش العربي بقيادة فيصل الأول، وفي مناطق تواجدهم آنذاك، بخاصة في سوريا وبقية البلدان ؛
- وعودة الضباط العراقيين الذي مكثوا في الجيش العثماني الذين يرغبون في العودة إلى العراق
بمعنى آخر "... يعني أن الجيش العراقي لم يصدر قرار تأسيسه بإرادة ملكية، لأن الملك فيصل الأول لم يكن قد توج بعد، وإن تاريخ تأسيس الجيش لم يكن في السادس من كانون الثاني/ 1921، فقد أعتبر أجتماع عشرة ضباط في مقرر خصصه جعفر العسكري، على أنه يوم تأسيس الجيش العراقي. وكان ذلك محاولة ذكية للتخلص من كتابة التأريخ الحقيقي لتأسيس الجيش بسحبه ثلاثة أشهر قبل مؤتمر المستعمرات البريطانية الذي قرر تأسيس الجيش وأربعة أشهر عن قرار برسي كوكس المرقم (9314) في 26/5/ 1921. إن أعطاء الدور الأول والنهائي بتأسيس الجيش إلى العامل المحلي المتمثل بجعفر العسكري لا يبعد دور وزارة المستعمرات البريطانية كثيراً. فقد كان العسكري أحد أبرز ممثلي السياسة البريطانية، وقد استدعى كأول ضابط عراقي إلى بغداد ليشغل منصب وزير الدفاع قبل أن تكون للعراق صفة الدولة ودون أن يكون لوزارة الدفاع قوات للدفاع، فسخر جون فلبي قائلاً :( ألم يكن هو وزيراً للدفاع مع لا شيء يدافع به ولا شيء يدافع عنه) ... ".
وفي 14 حزيران/ يونيو أعلن تشرشل في مجلس العموم عن موافقة بريطانيا على تأسيس الجيش العراقي، وقد أرسل الموافقة وأرفقها بجملة من التعليمات. ومما يؤكد ذلك منشور الجيش العراقي لسنة 1921، والمُوقع من الميجر جنرال السير كوكس. وهذا نص البيان:
"... بناءً على السلطة التي زودتها بصفتي مندوباً سامياً للعراق، ومع موافقة مجلس الوزراء، أعلن بهذا المنشور ما يأتي :
1. أ – يسمى هذا المنشور منشور الجيش العراقي لسنة 1921.
ب- يشمل جميع العراق، ويطبق على كل فرد في الجيش العراقي اينما كان خادماً.
جـ - ويطبق إعتباراً من اليوم الحادي عشر من شهر أغسطس 1921... ".
وتأسيس على هذه الشاكلة، ومن خلال الدراسات المتعددة لضباط المؤسسة العسكرية العراقية، منذ الربع الأخير من القرن التاسع عشر يُلاحظ "...أن الجذور الأولية التي ساهمت في تكوين النخبة العسكرية العراقية لم تقم بمعزل عن طبيعة المجتمع العراقي الذي يكون العرب المسلمون الغالبية العظمى فيه، إلى جانب الأكراد والتركمان وأديان مختلفة مثل الإسلام واليهودية والمسيحية واليزيدية وغيرهم. ومن الطبيعي أن يكون لهذا التكوين الاجتماعي المتعدد القوميات والأديان أثر كبير على الحياة السياسية في العراق ... ".
إن الرد العملي والعلمي على هذه الرؤيا غير الواقعية يكمن في أنها كانت محصورة في المكون السني على الأغلب في المرحلة العثمانية وبالتحديد، سواءً العربي أو الكردي، وأيضاً عمقها صعود النخب العسكرية في بداية تأسيس الدولة العراقية وسيطروا على المفاتيح المركزية للدولة، بتحبيذ من بريطانيا، لمعاقبة العشائر المنتفضة بالجنوب العراقي والفرات الأوسط في ثورة العشرين( 30 حزيران 1920)، وأستمرت بريطانيا في تحبيذ إستمرار هذا المكون السني طيلة المرحلة الملكية وبخاصة في الأجهزة الأمنية (كلية الشرطة ومدرسة المفوضيين) إلآ ما ندر، ما عدا بعض الحالات عندما فتحت الابواب لأبناء الطبقات المالكة للأراضي ومشايخ الاقطاع والتجار الكبار، لكنها بعيدة عن الطبقات الفقيرة والمتوسطة ومن باقية التكوينيات الاجتماعية، مهما امتلكو من موهبة ولياقة بدنية، حيث "... ليست أقل دلالة من التنوع في تركيبة الحزب الحقيقة أن كل الضباط البعثّيين، وبلا إستثناء تقريباً، كانوا من العرب السنة، وكان أكثريتهم – بالولادة أو الأصل- من بلدات ريفية في دجلة الأعلى أو الفرات الأعلى... وكان طبيعياً أن يميل عدم التجانس الاجتماعي هذا إلى إيجاد اختلافات في النزوات والعواطف والآمال والأفكار. والواقع أنه لم يمضِ طويل وقت على إنتصارهم على قاسم حتى اكتشف البعثيون أن عارضتهم لحكمه كانت العامل الوحيد الذي حافظ على تماسكهم. ولولا ذلك لكانوا وحدويين) عموماً و(اشتراكيين) عموماً والشعارات شديدة الإبهام التي سهلت تحالفهم ضد قاسم كانت تهدد الآن بنفريقهم مجدداً ... ".
وقد أخذ هذا التوجه نسبياً طيلة الجمهورية الثانية ( 9 شباط 1963- 9 نيسان 2003)، حيث أتخذ، ما بعد الإنقلاب الدولي في عام 1968، المعيار الحزبي (البعثي) اساساً للقبول في سلك الضباط (سواء العسكرية والأمنية) ومع هذا بقيت الأولوية للمذهب السني.. ما بالك من اتباع الديانات الأخرى، حيث من النادر أن يتواجد ضباطاً من المكونات الدينية واللغوية، وحتى لو وجدوا، وهذا من النوادر، فعددهم قليل جداً بحيث أن تجد من ضباط من هم من الديانات غير المسلمة، وإن وجدوا نسبياً يستخدمون في قسم الحسابات ولم يترفعوا إلى أكثر من عقيد إلا استثناءً.
وتاريخياً فإن الحكومة العثمانية قد تعاملت مع الأغلبية الشيعية ليس بقدر المساواة بل بتحيز طائفي مذهبي. ولهذا خلا سلك الضباط من الكثير من المكونات الاجتماعية، بما فيهم الشيعة، من المسيحيين واليهود والصابئة المندائيين والأيزديين وغيرهم إلا ما ندر، وسارت على هذا المنوال نسبياً الكثير من حكومات في كل من: المرحلة الملكية ؛ وفي الجمهورية الثانية ( 9 شباط 1963 9 نيسان 2003). "... وبهذه السهولة يتحول المرتبطون بالاتفاقية العسكرية الملحقة بمعاهدة 1922أ التي أودعت أمور الجيش وقيادته وحركته إلى المندوب السامي البريطاني، وأوجبت أن يقاتل العراقيون إلى جانب اليريطانيين متى دعت الضرورة... ". هذا من جهة..
ومن جهة ثانية.. يعترف بموضوعية وعلمية تاريخية، الملك فيصل الأول بواقع الإضطهاد على الأكثرية العربية الشيعية، كغيرها من المكونات الاجتماعية العراقية المتعددة، بقوله في وصيته التي كتبها في آذار من عام 1932، حيث: "... كنا منذ زمن طويل بوجود أفكار وآراء حول كيفية إدارة حول كيفية إدارة شؤون الدولة عند بعض وزارئي ورجال ثقتي، غير أفكاري وآرائي. وكثيرا ما فكرت في الأسباب الباعثة لذلك. وفي الأخير ظهر لي بأن ذلك – كان ولم يزل-ناشئاً عن عدم وقوفهم تماماً على أفكاريوتصوراتي ونظري في شؤون البلاد، وفي كيفة تشكلها، وتكوينها والسير بها، نظراً إلى ما وراه من العوامل والمؤثرات المحيطة بها، والمواد الإنشائية المتيسرة، وعوامل التخريب والهدم التي فيها، كالجهل وإختلاف العناصر والأديان والمذاهب والميول والبيئات... إن البلاد العراقية هي من جملة البلدان التي ينقصها أهم عنصر من عناصر الحياة الاجتماعية، ذلك هو الوحدة الفكرية والملية والدينية، فهي والحالة هذا مبعثرة القوى، مقسمة على بعضها، يحتاجها ساستها أن يكونوا حكماء مدبرين، وفي عين الوقت أقوياء مادة ومعنى، غير مجلوبين لحسيات أو أغراض شخصية، وطائفية، أو متطرفة، يدامون على سياسة العدل، والموزانة والقوة معاً على جانب كبير من الإحترام لتقاليد الأهالي، لا ينقادون إلى تأثيرات الرجعية، أو إلى أفكار التطرف، تسوجب رد فعل. في العراق أفكار ومنازع متباينة جداً وتنقسم إلى أقسام:
1-الشبان المتجددون بما فيهم رجال الحكومة ،
2-المتعصبون ،
3-السنة ،
4 – الشيعة ،
5-الأكراد ،
6-الأقليات غير المسلمة ،
7-العشائر ،
1- الشيوخ ،
10-السواد الأعظم الجاهل، المستعد لقبول كل فكرة سيئة بدون مناقشة أو محاكمة ...
العراق مملكة تحكمها حكومة عربية سنية على أنقاض الحكم العثماني وهذه الحكومة تحكم قسم كردي أكثريته جاهلة، بينة أشخاص ذو مطامع شخصية يسوقونه للتخلص منه بدعوى أنها ليست من عنصرهم، وأكثرية شيعية جاهلة منتسبة عنصرياً إلى إلى نفس الحكومة. إلا إن الإضطهادات التي تلحقهم من جراء الحكم التركي الذي لم يمكنهم من الاشتراك في الحكم وعدم التمرن عليه والذي فتح خندقاً عميقاً بين الشعب العربي المنقسم إلى هذين المذهبين، كل ذلك جعل مع الأسف هذه الأكثرية أو الأشخاص الذين لهم مطامع، الدينيون منهم وطلاب الوظائف بدون إستحقاق والذين لم يستفيدوا مادياً من الحكم الجديد، يظهرون بأنهم لم يزالوا مضطهدين لكونهم شيعة. أخذت بنظري هذه الكتل العظيمة من السكان، بقطع النظر عن الأقليات الأخرى المسيحية التي لا يجب أن لا نهملها، نظراً إلى السياسة الدولية التي لم تزل تشجعها للمطالبة غير هذه وتلك. وهناك كتل كبيرة غيرها من العشائر: كردية شيعية وسنية، لا يريدون إلا التخلي من كل شكل حكومي بالنظر لمنافعهم ومطامح شيوخهم التي تتدافع بوجود الحكومة ... "، (التوكيد منا- الناصري).
الهوامش
- عبد الرزاق الحسني، تاريخ الوزارات ، ج. 3، ص. 37، مصدر سابق.
2 - المصدر السابق، ص. 34.
3- كان جعفر العسكري أول من الضباط الذين دخلوا إلى العراق، حيث وصل بغداد بتاريخ 16/10/ 1920، وعين وزير للدفاع في الوزارة النقيبية الأولى المؤقتة ( 27/10/1920- 9/9/ 1921)، ومنذ منتصف شباط من عام 1921، بدأت المجاميع الأولى من الضباط بالوصول، وكان في مقدمتهم الفريق نوري السعيد، الذي عُين وكيلاً لوزير الدفاع ومديرا للشرطة وقد أخذ الاثنان يعملان معاً لتسهيل عودة الأخرين.
4 - حسن العلوي، الشيعة والدولة القومية في العراق، ط.2، ص. 176، دار الزوراء لندن 1990.
5 - وزارة الدفاع، تأريخ القوات العراقية المسلحة. الجزء الأول ،ص. 236، بغداد 1985.
6 - د. حازم الدوري، الضباط العراقيون وتأسيس الدولة القومية، ص. 23، مصدر سابق.
7- حنا بطاطو، الجزء الثالث، ص. 332، مصدر سابق.
8 - حسن العلوي، الشيعة والدولة القومية، ص. 180، مصدر سابق.
9-راجع نص الوصية لدى: عبد الرزاق الحسني، تاريخ الوزارة العراقية، ج.3، ص. 315 ط.7، الشؤون الثقافية، بغداد 1988. علما بأنه"... بقي القسم الكبير طي الكتمان إلى أن وافته المنية ليلة 8 أيلول 1933 فتغلبت أيدي السوء عليها وأصبح أهم قسم منها خبر من الآخبار..." ذات الصفحة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. منها متحف اللوفر..نظرة على المشهد الفني والثقافي المزدهر في


.. ماذا تضم منظومات الدفاع الجوي الإيرانية؟




.. صواريخ إسرائيلية تضرب موقعًا في إيران.. هل بدأ الرد الإسرائي


.. ضربات إسرائيلية استهدفت موقعاً عسكرياً في جنوب سوريا




.. هل يستمر التعتيم دون تبني الضربات من الجانب الإسرائيلي؟