الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإسلام في مكة ج 2 _ من سلسلة تاريخ محمد الصحيح

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2020 / 9 / 12
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


في السنة الخامسة للبعثة وقد بلغ أذى أهل مكة وزعمائها حدا لا يطاق تجاه المسلمين وخاصة أولئك الذين لا يملكون من وسائل الدفاع عن أنفسهم سوى إيمانهم بالدين وبقائدهم، فقد رأى النبي محمد أن يخرج البعض مما لا طاقة لهم بمكة وتعسفها إلى الحبشة (مملكة سدوم) خلاصا من الظلم والأضطهاد لا سيما أن فيها ملكا موحدا يؤمن بالله وبشريعة عيسى، فقد رويت صفحات التأريخ هجرتين الأولى في العام الخامس للبعثة وقد كان فيها أحد عشر رجلًا وأربع نسوة، وأمَّروا عليهم عثمان بن مظعون، ثم بلغهم وهم بأرض الحبشة أن أهل مكة أسلموا، فرجع بعضٌ منهم إلى مكة فلم يجدوا ذلك صحيحًا فرجعوا، وسار معهم مجموعة أخرى إلى الحبشة، وهي الهجرة الثانية، وكانوا ثلاثة وثمانين رجلًا وزوجاتهم وأبنائهم، على رأسهم جعفر بن أبي طالب.
فشل سعي زعماء مكة في أستعداء ملك الحبشة ضد المسلمين الذين هاجروا لها والرواية التأريخية معروفة فيها، زاد كم حنقهم وفشلهم المتكرر في قطع شأفة الدين الجديد والدعوة لهم في القبائل العربية والأعراب في الجزيرة، وهذا ما جعل القرار القادم أكثر قسوة وأكثر تهديدا وجدية في محاربة محمد وأصحابه بأبشع الوسائل والسبل، فقد قرروا وأستوصوا بمرحلة جديدة من العداء وأسلوب أخر في المواجهة العنيفة هذه المرة، فلم تعد تغني وسائلهم القديمة عن الأتيان بالحل النهائي والحاسم مع محمد وأتباعه من الناس.
عند ذاك وأستشعارا للحرج تحول الضغط من ممارسته ضد الضعفاء والفقراء والطبقة المسحوقة من المسلمين إلى مواجهة بني هاشم تحديدا وزعيمهم أبي طالب، فقد أثبتت تجارب قريش المشركة أن الأساليب التي أتبعتها سابقا لم تجني المأمول منها خاصة مع إزدياد أعدا المسلمين الجدد، لذا كان القرار هو الضغط على بني هاشم بكل الأساليب في خيارات منها أن يكف محمد عن دعوته وإلا ستواجه الهاشميين المزيد من أساليب العزل والحرمان وقد توحدت إرادة غالبية زعماء قريش على ذلك، فما حل محرم من العام السابع للبعثة وإلا وكان بنو هاشم محاصرين ومخرجين من وسط مكة في شعب أبي طالب.
هذه المقاطعة الكاملة والمتفق عليها من قمة المجتمع المكي واحد من أهم أسباب الظن الذي كان يمتلك مجتمع مكة على أنها سوف تتخلص من محمد ودعوته، وليس أمامهم غير خيارات تسليم محمد للمشركين والعودة للوضع الطبيعي لهم، أو هلاك كل بني هاشم أو على الأقل إضعاف قوتهم ومكانتهم في المجتمع مما يسهل عليهم قتل محمد والتخلص منه، أو يبقى محمدا بعيد عن الأتصال بالناس والدعوة لدينه الجديد حتى تهدأ الوتيرة التي كان عليها خلال السنتين الماضيتين من الدعوة، وهنا يمكن لقريش أن تدعي أن رب محمد لم ينصره ولم يقف لجانبه وتركه وحيدا، وهذا سلاح معنوي ونفسي خطير كان يمكن أن ينهي الدعوة في مهدها.
(الفقرات في أعلاه سقطت سهوا من الجزء الأول من المقالة ، ولضمان تسلسل الرؤية التاريخية أدرجناها هنا أستدراكا للخطأ وإكمالا للصورة).


كانت نتائج عودة محمد ظافرا الى مكة ومعه من أهل عشيرته وأتباعه أن تعيد قريش ومكة السلطة حساباتها في مواجهة دعوة محمد بعد ثلاث سنوات من العزل والإقصاء والمحاصرة، فكان عليها الآن أن تواجه الحقيقة المرة بوجود محمد وعجزهم عن مواجهة الدعوة في مكة، لما فيها من أثر سلبي على سمعة المدينة المقدسة ومركزها التجاري وضرب علاقاتها السياسية والأجتماعية في مجتمع الجزيرة، عليهم أن يبتكروا أسلوب أخر لا يتعلق أصلا بالدعوة والدين الجديد بقدر تعلق الأمر بخشيتها على مصدر القوة الرئيسي لها تجارتها وأسواقها، من هنا جاء القرار الحاسم بأخراج محمد وطرده من مكة أنتظارا لتدبير أخر قد يفلح فيما فشل فيه غيره.
في العام العاشر للبعثة وبعد عودة بني هاشم إلى مكة وهزيمة قريش في تحديها لمحمد ودعوته، أصيب الجميع بفاجعة وفاة أبي طالب الذي كان الركن الأكبر الذي يستند له محمد وأنصاره قبال جبروت وطغيان زعماء قريش وحلف مكة، لقد كان عام 10 من البعثة السنة الثالثة من قبل ما سمي لاحقا بالهجرة عاما شديدا قاسيا على محمد وأصحابه وأنصاره، فقد شكل فقدان عمه ابو طالب ووفاة زوجته السيدة خديجة وتكالب قريش على إخراجه عنوة من مكة إلى أي مكان تحديا في ذات الفعل لقدرته على التحمل، هكذا قررت قريش وساداتها وسادات مكة أن يخرج منها مرغما للحفاظ على نفسه (وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِّن قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلَا نَاصِرَ لَهُمْ) 13 (1)، إذا لم يكن قرار الخروج من مكة للطائف قرار هجرة كما يشاع بالتأريخ بقدر ما كان خروجا متفقا عليه بين قادة مكة (قريتك).
هناك فرق بين قرار الهجرة كما حصل مع هجرتي الحبشة الأولى والثانية وبين قرار الخضوع جبرا لأخراج بالقوة من بلدك، فالأول كان قرارا تدبيريا بأمتياز ساهم بشكل جيد في هزيمة قريس وخسارة صديق لها وملكا ذو تأثير في المنطقة، أما القرار الثاني وإن بدا تعسفيا لكنه في النتيجة بين حقيقة مقاصد القوم ونظرتهم للدين الجديد والدعوة المحمدية وأثرها على الواقع الأجتماعي والسياسي والتجاري وأخيرا الديني، فكان يدور في خلد أهل مكة أن تنتزع من أيديهم الريادة والقيادة الدينية ويتحولوا من طبقة أجتماعية تتميز بالثراء والسطوة إلى مجرد مواطنين في مجتمع يتقلد فكرة مغايرة لما بنوه من مجد عنوانه ديني وجوهره سياسي أجتماعي أقتصادي، هنا تكمن فكرة زعماء قريش وما عبروا عنه في حواراتهم مع أبي طالب وزعماء بني هاشم، الخوف من المجهول القادم مع الدين الجديد الذي سيسلبهم أمتيازاتهم ووضعهم الأجتماعي الذي أمنته مكانة مكة الدينية عند العرب.
كانت هجرة محمد وزيد بن حارثة مطرودا من مكة إلى الطائف مجرد هجرة قصيرة تخللها بعض التعب والنصب وأستكشاف لحقيقة أن مجتمع الطائف وتحالف زعمائه مع زعماء مكة وقربها منها والعلاقة الأقتصادية التي تربط المدينتين، ولخصوصية المكان لا تصلح أن تكون دار للدعوة الجديدة، ولا يمكن البدء فيها مع غياب عناصر القوة التي كان يتمتع فيها في مكة (2)، هنا لا بد من العودة ثانية لمكة ومواصلة العمل من المكان الذي يستوعب الدعوة ويوجهها في الطريق الأصح، المشكلة في ضمان العودة وقد أبت قريش عودته مطلقا، ولما وصل إلى حراء أرسل رجلاً من خزاعة إلى المطعم بن عدي يسأله أن يدخل محمد وزيد في جواره، فقال المطعم: «نعم»، ودعا بنيه وقومه فقال: «تلبسوا السّلاح وكونوا عند أركان البيت فإني قد أجرت محمدًا»، فدخل محمد ومعه زيد بن حارثة حتى انتهى إلى المسجد الحرام فقام المطعم بن عدي على راحلته فنادى «يا معشر قريش إني قد أجرت محمدًا، فلا يهجه أحد منكم» فانتهى النبي محمد إلى الركن فاستلمه وصلى ركعتين وانصرف إلى بيته والمطعم بن عدي وولده محيطون به(3).



ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1. حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: ثنا المعتمر بن سليمان, عن أبيه, عن حبيش, عن عكرمة, عن ابن عباس " أن نبيّ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم , لما خرج من مكة إلى الغار, أراه قال: التفت إلى مكة, فقال: أَنْتِ أحَبُّ بِلادِ الله إلى الله, وأنْتِ أحَبُّ بِلادِ الله إليَّ, فَلَوْ أنَّ المُشْركِينَ لَمْ يُخْرِجُوني لَمْ أخْرُجْ مِنْكِ, فَأعْتَى الأعْداءِ مَنْ عَتا على الله في حَرَمِهِ, أوْ قَتَلَ غيرَ قاتِلِهِ, أوْ قَتَلَ بذُحُول الجاهِلِيَّةِ", فأنـزل الله تبارك وتعالى : ( وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلا نَاصِرَ لَهُمْ ) وقال جل ثناؤه: أخرجتك, فأخرج الخبر عن القرية, فلذلك أُنِّث.
2. قام بالطائف عشرة أيام لا يدع أحدًا من أشرافهم إلا جاءه وكلمه، فلم يجيبوه، وردّوا عليه ردًا شديدًا، وأغروا به سفهاءهم فجعلوا يرمونه بالحجارة حتى أن رجليه كانتا تدميان وزيد بن حارثة يقيه بنفسه حتى جُرح في رأسه، وانصرف النبي محمد وعاد إلى مكة.
وجود علاقات أقتصادية قوية ومتشابكة لكبار مجرمي قريش المحاربين للدعوة فى الطائف، فقد كان كثير من يملكون الضياع والمزارع والبساتين فى الطائف خاصة بنى مخزوم وبنى عبد شمس، فلو نجح الرسول صلى الله عليه وسلم فى رحلته إلى الطائف فى استقطاب أهلها وضمهم للإسلام فيكون ذلك نجاحاً استراتيجياً كبيراً يضغط به على مشركي قريش.
3.https://ar.wikipedia.org/wik








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تونس.. زراعة الحبوب القديمة للتكيف مع الجفاف والتغير المناخي


.. احتجاجات متزايدة مؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأمريكية




.. المسافرون يتنقسون الصعداء.. عدول المراقبين الجويين في فرنسا


.. اجتياح رفح يقترب.. والعمليات العسكرية تعود إلى شمالي قطاع غز




.. الأردن يتعهد بالتصدي لأي محاولات تسعى إلى النيل من أمنه واست