الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفن رسالة إنسانية ودعوة للتسامح ونبذ التطرف

عبدالقادربشيربيرداود

2020 / 9 / 12
مواضيع وابحاث سياسية


عُرِف عن الفن الملتزم وفروعه أنه لغة الشعوب الجميلة، ووسيلة فاعلة لخلق السعادة والبهجة والتقارب بينها، وركيزة مهمة لإشاعة ثقافة التعاون والتوافق، وحركة سلمية لنبذ العنف والتطرف في العالم. فوفق هذا المفهوم الإنساني؛ يكون الفنان استثناءً جميلاً لكل أشكال القبح من حوله. وعلى النقيض من ذلك، نرى هذه الأيام كيف أن الفن الهابط الرخيص قد تحول إلى شماعة للكثير من الانحرافات والخروقات اللا إنسانية، ليكون بهذا التحول الشيطاني عن مفهوم الفن السامي انحرافاً مرعباً وخطيراً لمكانته في المجتمع الإنساني المتمدن، كصحيفة (شارلي ابيدو) التي تصدر في عاصمة الفن والثقافة (باريس) مهد العلمانية البناءة التي أرستها الثورة الفرنسية؛ والتي من بنودها احترام معتقدات الجميع، ونبذ الاعتداء على المعتقدات الدينية والعرقية للآخرين.
من هذا المنطلق الإنساني للقانون الفرنسي فأن صحيفة شارلي ابيدو لا تتمتع بالكياسة والاحترام الواجبين لقوانين بلدها (فرنسا) لأنها ساخرة هابطة في موضوعاتها؛ من رسوم، تقارير، مهاترات ونكات غير وقورة وغير ملتزمة بالحدود الدنيا من الأدب. فنشرت العديد من الرسوم الساخرة عن السيد (المسيح) عليه الصلاة والسلام، على الرغم من أنها تصدر في دولة معظم سكانها من الأخوة المسيحيين، بل وطالت ديانات أخرى ومنها الإسلام ورسول الإسلام الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم؛ فأثارت حفيظة وغضب المسلمين حول العالم. وللأمانة والتاريخ؛ وصف عقلاء القوم هذه الأفعال على أنها تحفيز على (التحرش الديني)، ودعوة للكراهية والعنف، لأن الإساءة تجاه الأنبياء؛ وبكل الأعراف والقيم، ليست حرية رأي، بل دعوة ضمنية للعنف، وانفلات من كل القيم الإنسانية والحضارية، وتبرير واهٍ لحماية حرية التعبير؛ لأن هذا فهم قاهر للفرق بين الحق الإنساني في الحرية، والجريمة في حق الإنسانية باسم حماية الحريات.
باسم الإنسانية وتضامناً مع عقلاء العالم؛ نحذر بشدة من خطورة تمادي هذه الصحيفة الهابطة في ممارساتها العنصرية وتطرفها باسم الحرية، لأن الحرية ليست مطلقة؛ خاصة إذا كانت تلك الموضوعات والرسوم تحض على الكراهية والإرهاب الثقافي والفكري، لأنه تحدٍ صارخ لكل المعتقدات الدينية، ونذكـِّر الجميع أنه لا مجال قط لإقحام الرموز الدينية التي تمس معتقدات ليست فقط للمسلمين بل لكل أتباع الديانات السماوية، وغيرها في قضايا خلافية أياً كانت أنواعها أو أطرافها.
في هذا الصدد يرشدنا الإسلام الحنيف إلى خـُلِق رفيع، وتصرف إنساني نجيب، حيث يقول البارئ عز وجل (وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ) كذلك نهانا الله تعالى عن سب آلهة المشركين التي يعبدونها من دون الله مع أنها باطلة، فكيف برسل الله وأنبياه صلوات الله عليهم.
ليعلم الجميع أن غيرتنا لا تنحصر فقط على نبينا محمد صل الله عليه وسلم، بل تشمل الأنبياء والرسل كافة دون فرق، وهذه الغيرة والخلق الرفيع الذي زخر به الإسلام هو من موجبات الإيمان وتمامه، إذ يقول الله تعالى: (... لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ...)؛ زنحن ندرك تماماً أن الهدف من وراء هذا الاستفزازِ تأجيجَ مشاعر الكراهية والبغضاء، وإحداث عنصرية دينية بغيضة.
إن المجتمعات في الوقت الراهن في ظروف انفلات التطرف الديني، وصعود الأفكار العنصرية والشوفينية، فهي ليست بحاجة إلى سكب المزيد من الزيت على النار المشتعلة، بل العكس من ذلك، هي بحاجة إلى من يعمل ويشارك في إخماد هذه التوترات المفتعلة والمفبركة، والمساهمة الفاعلة والجدية في لجم صعود هذه الأفكار المسمومة غير الإنسانية؛ التي تغذي التطرف، وتزرع بذور الإرهاب الأسود.
لا يصح إلا الصحيح؛ فبرغم بروز تلك الصحيفة كرمز دولي لحرية التعبير، جلب الأمر معه جانباً من الانتقاد اللاذع لأسلوبها المستفز المثير للجدل، حيث طالبها عقلاء العالم وأمناؤه من مختلف الديانات والثقافات؛ باحترام معتقدات الآخرين، وهذه الدعوة العالمية إنما هي انتصار للحق؛ قال تعالى: (وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا) وهو تحول إنساني جميل إلى مبدأ التسامح الذي يلغي الكراهية، ويمحو الحقد والغضب في النفوس الثائرة... وللحديث بقية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استهداف فلسطينيين أثناء تجمعهم حول نقطة للإنترنت في غزة


.. طلبة في تونس يرفعون شعارات مناصرة لفلسطين خلال امتحان البكال




.. الخارجية القطرية: هناك إساءة في استخدام الوساطة وتوظيفها لتح


.. مجلس الحرب الإسرائيلي يناقش خياري إيران ورفح.. أيهما العاجل




.. سيارة كهربائية تهاجر من بكين إلى واشنطن.. لماذا يخشاها ترمب