الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أقصوصة من وحي المجتمع... لقاء خاص مع أطفال هُم لَنَا

عائشة العلوي
(Aicha El Alaoui)

2020 / 9 / 13
كتابات ساخرة


لم أستطع النوم، خرجت للمشي قليلا لعلِّي أهرب من قلقي وكثرة تفكيري في مستقبل أبنائي الثلاث... كورونا شقلبت حياتنا... بالإضافة إلى صعوبة العيش وتغطية مختلف التكاليف اليومية، فالمدرسة تغيرت مواقيتها ومستلزماتها، علينا أن نوفر الأدوات اللازمة، كما علينا اقتناء حاسوب أو هاتف الذكي لأنه في أي وقت يمكن العودة إلى التعلم عن بعد...

بينما أنا جالسة تحت شجرة الكَرم التي أفضل اللجوء إليها عندما يضيق صدري وتتشتت أفكاري، وإذا بي أسمع أصوات وضحكات أطفال... لم أصدق أذني... من يمكنه أن يترك أولاده يلعبون حتى هذا الوقت المتأخر من الليل... قفزت من مكاني، واتجهت صوب الصوت... تخيل لي لبرهة أنه قريب، لكن كلما ظننت بأني قريبة منه إلاّ وابتعد من جديد... خفت أن أتبع فضولي وأكون في مأزق، بيد أن دافع المسؤولية وإحساس الأم كان أكبر من خوفي... أسرعت في خطواتي لاكتشاف ما يقع...

نظرت حولي، فوجدت نفسي قريبة من مقبر القرية، وإذا بي ألمح من بعيد ثلاث أطفال يلعبون ويمرحون بين القبور... ناديتهم بأعلى صوتي... لم يجيبوا ... أسرعت خلفهم... مسكت بدراع أحدهم ... ماذا تفعل هنا؟... أجاب بعفوية وبابتسامة بريئة، لا شيء أنا فقط ألعب... واتجهت بسؤالي نحو الآخر الذي يحمل نقودا في يده، وأنت ماذا تفعل؟... سأقتني لجدتي الدواء... وأنت صغيرتي؟... إنني أبحث عن أمي... طلبت منهم العودة معي للمنزل لأن المكان غير آمن... ضحكوا منّي وهزوا أكتافهم في لامبالاة ظاهرة رغم وحشية المكان... هنا أكثر أمان، أجاب أحدهم، ربما علم ما يجول بخاطري... لم أستسلم، استعملت كل أساليب الإقناع لمغادرة المكان سويا... لكن دون جدوى...

وقفت حائرة، هل أعود أدراجي وأتركهم عرضة للذئاب الجائعة، أو لمجرم يهتك أعراضهم ويفتك بهم... لا، لا يمكنني ذلك... أعرف معنى فقدان فلذة الكبد ... ألم يصبني الوجع والألم من فقدان ابني الصغير في حادثة السير... إلى يومنا هذا، لا أستطيع تقبل الأمر... سأظل هنا أراقبهم إلى أن يأتي أحد من أقاربهم ليسأل عنهم... وفي كل الأحوال لا أستطيع النوم ... سأظل هنا...

جلست تحت شجرة العرعر أراقب شغبهم الطفولي ... وبينما أنا في عالمي أقلب صفحات أيامي الماضية كيف كنت ألعب وأتسامر مع أبناء وبنات الدوار، وكم كنت أعشق العطلة لأنها فرصة لزيارة العائلة واللعب مع بنات وأبناء العم والخالة ... "لقد كنت ألعب خلف المنزل، وأتى شخص معه دمية جميلة أهداها إليّ..." التففت حولي، عفوا، ماذا قلت صغيرتي؟ تتحدثين إليّ.. انظري أليست دمية جميلة؟... بلى صغيرتي إنها كذلك... استرسلت كلامها وكان فيه من الحزن والألم ما جعلني أجلسها على ركبتي، لتواصل كلامها وأنا أداعب شعرها الأسود... ذهبت معه ليشتري لي شكولاتة وحلوة، لكنه آلمي كثيرا؟ لا أعرف لماذا فعل ذلك؟ لقد بكيت كثيرا وكنت أفتقد أمي وأبي كل يوم عندما سجنني في بيته إلى أن وجدت نفسي هنا، أنا الآن لا أتألم، أنا ألعب كل ليلة مع أصدقائي الجدد، أنا فقط أشتاق لأمي وأبي...

انهمرت الدموع على وجنتي، مَسحتها بلطف وطَبطبت على كتفي وغَادرتني وهي تغني لدميتها وتلاعبها... كيف لإنسان أن يعذب ويغتصب هذه الطفلة الصغيرة؟ كيف... خنقني صوتي... امتزجت مشاعر الغضب والحزن بداخلي...

بينما أنا في حالتي التيه تلك لأفهم ما يقع لي في هذه الليلة الغريبة وهذا المكان القاسي والموحش، تقدم نحوي وهو ممسك ببعض من النقود بيده، لقد كان صديقي، كلما مررت من أمامه كان يحدثني عن كرة القدم... لكن، في يوم ليس كباقي الأيام، ذهبت كعادتي لاقتناء الدواء من أجل جدتي المريضة، حينها استوقفني وسألني أين أنا متجه... رغم أني كنت على عجلة من أمري إلاّ أني قلت لنفسي سأذهب معه ليطلعني على لعبة بلايستيشن (Playstation) الجديدة... لم أفهم سلوكه معي، لقد عذبني واغتصبني... نعم اغتصبني، أنا كبير لأفهم سلوكه ليس كصديقي الصغير–وأشار بأصبعه إلى طفل نحيل مقوقع على نفسه قرب أحد القبور-، رغم أني أفتقد عائلتي خاصة أمي، إلاّ أني سعيد مع أصدقائي الجدد هنا...

هل أنا في رحلة إلى الموت، حتى أسمع مآسي هؤلاء الأبرياء؟... هل أنا في كابوس مخيف لينذرني بقرب خطر من إحدى أبنائي؟... لم أعد أفهم أي شيء مما يقع من حولي... لماذا أنا هنا؟... لقد تذكرت... لقد ابتدأت رحلتي من هنا بعدما تتبعت مصدر أصوات أطفال... ليكن ما يكن، سوف أعرف قصة ذلك الصغير، ما قصته يا ترى؟... لوحت إليه ليأتي ويعذبني بحكايته كما فعل الأخران... نظر إليّ، وبعدها زاح ناظره عنّي... تقدمت إليه ببطء ونظري لا يفارق وجهه... لماذا لا زال خائفا؟... جلست بالقرب منه... ماذا تفعل صغيري؟... لا شيء... لا تقتربي... سوف تؤلمينني كما فعل أبي... تراجعت قليلا بخطوة إلى الوراء، وأنا أشاهده يتلمس جسده النحيل ويحاول أن يخفيه بيديه الصغيرتين... لماذا امتلئ المكان بالأطفال...

بعدت عنهم وهم يحلقون كطيور في الجنة في مرح وشغب طفولي، وابتسامتهم لا تفارقهم...

إنهم يحلّقون في كل أرجاء المكان ... إنهم يرقصون بين القبور كأنهم يرفضون المغادرة... مغادرة عالمنا، مغتصب الطفولة... إنهم يضحكون ويمرحون ليعذبونا بذكراهم لأننا لم نستطع إنقاذ طفولتهم...

غادرت المكان وأنا مثقلة بالأحزان والآلام، وظللت أزورهم كل ليلة حتى أني نسيت من أكون ولماذا أنا هنا؟...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اللحظات الأخيرة قبل وفاة الفنان صلاح السعدني من أمام منزله..


.. وفاة الفنان المصري القدير صلاح السعدني عن 81 عاما




.. سماع دوي انفجارات في أصفهان وتبريز.. ما الرواية الإيرانية؟


.. عاجل.. وفاة الفنان الكبير صلاح السعدنى عن عمر يناهز 81 عاما




.. وداعا العمدة.. رحيل الفنان القدير صلاح السعدنى