الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ضياع الارتقائية في المسابقات الأدبية

راوند دلعو
(مفكر _ ناقد للدين _ ناقد أدبي _ باحث في تاريخ المحمدية المبكر _ شاعر) من دمشق.

(Rawand Dalao)

2020 / 9 / 13
الادب والفن


لقد دعاني أحد الأدباء إلى دخول مسابقة أدبية للحصول على جائزة ....

فأرسلت له الجواب التالي :

( ضياع الارتقائية الشعرية في المسابقات الأدبية )

قلم #راوند_دلعو

مع محبتي و احترامي إلى جميع النقاد و المُحَكِّمين من أعضاء المُسابقات الأدبيّة و القائمين عليها ..... لكنني أُنَزِّه التّجربة الشّعرية و الأدبيّة عموماً عن مفهوم التنافس و التسابقيَّة و ما يستلزمه_ برأيي الشّخصي _ من تسطِيح للمعنى الحقيقي للتّجربة الأدبيّة المقدّسة ، إذ ينحدر بها من كبرياء القداسة الفنيّة إلى مستوى الكتابة من أجل غرض غريزي .... و ذلك كالتنافس لربح جائزة ، أو نظم الشعر و القصص لتعليم الناس ، أو كتابة نص لتلبية حاجة ما !

فيتموَّت الجزء الفني المقدس ، و تتلاشى القيمة الأدبية عندما تغيب الاقتحامية و النزعة العُلْوية و الرغبة الجامحة بتلبية الفكر لأجل الفكر و توابعه العاطفية ، و التي بدورها يجب أن تهيمن على أعصاب و خلايا الأديب أثناء انسيابه بالحرف في برجه الفوق قدسي المُنزَّه.

فالركن الأول للعمل الفني ، العفوية و التلقائية و الانسياق تحت سطوة كتلة هائلة من كثافة العواطف الجياشة ، و من ثم زخم رهيب من العاطفة التي تُقحِم الأديب _ لاسيما الشاعر _ فيما لم يخطِّط له مسبقاً من حالات ملؤها العروج و الارتقائية في شروقات عُلْوية و معارج قُدسية.

كما أن الواقعية جزء أساسي من كُنه التجربة الأدبية ؛ فيجب انبثاق الفن من واقع اللحظة الشعورية و ظلال المعاناة التي تكتنفها ، بينما نجد أن أغراض التنافس و التعليم تبتعد بالتجربة عن كبرياء العاطفة العاجية الجياشة ، إلى واقع غرضي زائف غير فني و غير ثوري ، بل مُختلق لغرض معين .... نعم هو غرض نبيل لكنه لا يرقى لواقع الحالة الفنية و لا يُسمى فناً.

و من هنا أَلْغَيْتُ الشاعرية عن ألفية ابن مالك في فلسفتي الشعرية ، لأنها نُظِمت لتعليم الطلاب قواعد العربية .... فهي عمل تعليمي نبيل لكن غير فني ، و إن ارتقى إلى مستوى عال من البلاغة و النظم.

فالتجربة الأدبية وليدة حالة ثورية راقية من التماهي مع اللحظة العاطفية للتعبير عنها بأدب أو رسم أو غناء أو دراما أو مسرح أو أو .... بغض النظر عن اللغة المستخدمة و بلاغتها ( فصحى _عامية_ إنكليزية _ صينية _ فرنسية .... الخ ).

لذلك و إيمانا مني بالمفهوم الفني و السياق القدسي للأدب و الشعر ، و حفاظاً على هيبة الارتقائية كصلب للتجربة الشعرية و مادة ماهيتها و أساس وجودها ، لا أدخل في مسابقات أدبية و لا أقبل بإدخال أي عمل أدبي أقوم به في إطار مسابقة أدبية من أجل جائزة ، لأنني ببساطة لا و لم و لن أكتب يوماً من أجل جائزة.

نعم ، قد تلحق الجائزة أديبها الحقيقي _ حافية القدمين _ نتيجة الاطلاع على أعماله من بعض الهيئات التقييمية لكن دون أن ينزل هو إلى مستوى الكتابة من أجل الالتحاق بمسابقة لاهثاً وراء جائزة ..... !

#الحق_الحق_أقول_لك عزيزي الأديب .... أنت تقتل تجربتك الشعرية في الحظة التي تمتطيها لاهثاً وراء جائزة أو أي غرض مادي.

و كان قد ارتقى الفيلسوف و الأديب الرائع ( جون بول سارتر ) لمرتبة المبدع الحقيقي الذي عاش و كتب لأجل التجربة ، و ذلك عندما رفض استلام جائزة نوبل بالآداب ، فمات في خيمته الارتقائية هاتكاً كل الحجب بين تجربته و الملأ الأعلى .... في حين ترك جائزة نوبل نتظر إليه محلقاً في السماء !

فالشعر تجربة فنية و ليس موضوع تنافس.

هامش:

قد يعترض البعض قائلاً :

فما بال العرب في الجاهلية يتنافسون و يتساجلون الشعر في أسواقهم كسوق عكاظ !؟

أقول بأن العصر الجاهلي عصرٌ يفوقنا من حيث السليقة و البناء و هيكلية الجملة العربية فقط ، لكنه لا يفوقنا من حيث التنظيم الحياتي و الرؤى الفلسفية و الفكرية العميقة ، بل كان عصر تخلف و رجعية من هذا المنظور .

و بالتالي ترانا نرشف من معين سَبْكِه الذي فاقنا فيه فقط ، أما تعاريفنا و اصطلاحاتنا الأدبية _و منها نظرتنا للتجربة الشعرية و طريقة تعاملنا معها _ فينبغي أن نُكوِّن كل ذلك برؤية معاصرة متطورة ترتقي بأدبنا العربي العظيم لينافس الأدب العالمي ثم ليصبح قبلة الأمم.

و أنا أرى أن القالب المعنوي الأنسب للشعر هو التعاطي معه ( كتجربة حياتية ) و لا محل للتنافس في ذلك ، فأعتبر قولنا ( مسابقة شعرية) خطأً منطقياً، كقولنا ( أمسح النافذة بالتفاحة ) .... فالتفاحة ليست أداة مسح نوافذ ... و كذلك الشعر لا محل له من التسابقية و لا التنافسية .... !

أما ما كتب بغرض التنافس فلا يرقى برأيي مهما كان بليغاً و جزلاً.

و خلافنا يا سادتي المُحَكِّمين و المتسابقين لا يلغي حبي و احترامي لكم و لما تقدموه ....

#راوند_دلعو








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأسود والنمور بيكلموها!! .. عجايب عالم السيرك في مصر


.. فتاة السيرك تروى لحظات الرعـــب أثناء سقوطها و هى تؤدى فقرته




.. بشرى من مهرجان مالمو للسينما العربية بعد تكريم خيري بشارة: ع


.. عوام في بحر الكلام | الشاعر جمال بخيت - الإثنين 22 أبريل 202




.. عوام في بحر الكلام - لقاء مع ليالي ابنة الشاعر الغنائي محمد