الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مواطن أم فرد في وطن

صليبا جبرا طويل

2020 / 9 / 14
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


"المواطنة بيئتها، المساواة والحرية والعدالة الاجتماعية وصون
حقوق الانسان وكرامته، تسمو على القبلية والحزبية والطائفية
والفئويات الضيقة، اجعلوها بوصلتكم، وابنوا الدولة القومية المدنية".



الهوية الشخصية، تشير الى الوطن الذي ينتمى له الانسان. الوطن، بقعة جغرافية، يتشارك فيها كل الناس المتواجدين عليها بتاريخ واحد، يتعايشون معا حاضرا واحدا، يتطلعون لبناء مستقبل مشرق لهم ولأحفادهم من بعدهم، وكل ما يلزم لبنائهم الحضاري المعرفي المتطور، القادر على الصمود امام التحديات والصرعات والنزعات، وصد الحروب. وبناء مجتمعات يتمتع بها المواطنون جميعا بالحقوق والواجبات، بصرف النظر عن انتمائهم الطائفي ، أو الحزبي، أو العائلي ... الخ. فالإنسان قد يكون مواطنا يتمتع بكل الحريات، أو فردا يعيش ويتقبل كل ما تمليه السلطة والمؤسسات عليه من حقوق وواجبات تحددها بمساحة تتحكم بها .

في العالم الثالث، معظم المسؤولين أصحاب القرار يتطلعون الى التعامل مع شعوبهم على انهم افراد لا مواطنين ، يتشاركون معهم ، لذلك يميلون الى حكمهم بما يتناسب مع مصالحهم ليصبح الوطن مزرعة لهم متمسكسين معتمدين على المحاصصة الطائفية، والحزبية لإدارة بلدانهم، منتجين بذلك قضاء فاسد، رجال امن فاسدين، رجال دين تابعين، برلمانات صورية معطلة غير فاعلة، ويحكمون سيطرتهم على موارد الدولة، ويمنعون الحريات. المطلوب -في عرفهم - من المواطن طاعتهم لا مشاركتهم. الا يدرون ان الطاعة التي لا تخضع، ولا تؤسس على نقد جدلي صادق محكم حر تعد شكلا من اشكال العبودية. ويطلبون ايضا ان يكون المواطن مسؤول مجرد من ابداء النقد والاعتراض وتقديم راي. الا يدرون ان المسؤولية قيمة اخلاقية لا تنحاز الا لجانب الحق. كما ويطلبون ان يؤيدوهم لا ان ينتقدوهم، الا يدرون ان النقد بوابة الحريات والتطور والتقدم. يريدونهم ان يعيشوا في امجاد الماضي كي يسرقوا حاضرهم ومستقبلهم. يردونهم ان يخرسوا ويسدوا أفواههم، الا يدرون ان الساكت عن الحق حليف لهم كما للشيطان. يريدونهم ان يتستروا على اخطائهم، وادائهم الا يدرون ان الاعتراف بالخطأ قيمة تدفع للسعي الى التغير ونحو الفضيلة. يريدونهم ان يكونوا مؤمنين بقدرهم كي يقتلوا فيهم أي حس للواقع.

في العالم الثالث اوطان تبحث عن مستقبل لها. لتحصيل ذلك تحتاج الى ترميم هويتها الثقافية، تحتاج الى افكار، تدفعها نحو المعاصرة لتواكب التقدم المعرفي والعلمي والتكنولوجي، دون خوف من فقدان هويتها. الخوف ينتاب فقط من كانت هويته الثقافية مهلهلة، هوية فقدت القدرة على مواكبة الزمان الذي تعيش فيه، لا يمكن ان يعيش الانسان في زمنين الماضي والحاضر ، لكل جيل زمنه، وكل جيل يسعى ان يبرز هويته الثقافية والمعرفية. عليهم ان يغيروا نمط سلوكهم، هم لا يحتاجون الى قيم جديدة بل لأخلاق جديدة. تربويا ما يقدم من ثقافة في المناهج التعليمية لا يرتقي للزمن الذي يعيشون فيه. للأسف يحيون في زمن يزداد فيها المهمشون، وتفرض فيه ثقافة الطبقة الحاكمة، وثقافة الطائفة الاكبر، والحزب الاكبر، والعشيرة الاكبر. للآسف هكذا ثقافة لا تبني مواطن يتمتع بمواطنه وحماية. لأن ما يحميه هو الانتماء للحزب والطائفة والعشيرة، ليصبح بذلك عضوا فيها وفردا في الدولة.

في اوطان يشعر فيها المرء بأنه فرد، أو مواطن من درجة ثانية أو ثالثة، تحاصره القبلية والطائفية والمحسوبيات يشعر بالنقص تتولد عنده لامبالاة ، تفرح السلطات ، ويشعرها بالارتياح ويطمئنها ان حكمها قائما دون احتجاجات، أو انتقادات. من سلبياتها هجرة العقول والكفاءات. يطلبون من رعيتهم تحمل المسؤولية، عن أي مسؤولية يتحدثون؟ مسؤولية فيها المساواة والعدالة الاجتماعية وحقوق الانسان وكرامته محاصرة... اتسأل، كيف لإنسان مقيد ان يكون مسؤولا؟

في مجتمعات يزداد فيها عدد السكان بشكل صاروخي، وتفتقر الى حلول لمشاكل مواطنيها، ترتفع نسبة المهمشون مقابل شريحة تحكم بأجهزة ومؤسسات معظمها يشكل من الانسباء وابناء العائلة، هكذا تركيبة تشكل مزرعة وليس وطن. المواطنة تتطلب النهوض والسير نحو الحداثة، ذلك غير ممكن أو شبه مستحيل لأن الانسان في العالم الثالث يفقد الاندفاع نحو التقدم، بل يعيش الماضي ويستهويه. المكون الرئيسي لوجهات النظر عدوانية غير متطورة لا تصلح للقرن الحادي والعشرين، في العالم الثالث نكابر ونجاهر باننا اكثر انسانية ومتفوقون على كل البشر يعيشون على هذا الكوكب.

لا يقاس مستوى المواطنة بالإنجازات العمرانية، والشوارع الفخمة... الخ التي تخلب الابصار، بل بالكم الذي يشارك فيه المواطن في مؤسسات الدولة، التي تحميه قوانينها، وقضاؤها وسلطاتها التنفيذية. الانسان اغلى ما نملك، هو القيمة العليا، ليس شعارا ينشر ومن خلفه تختبئ سلطة قمعية. طبقوا كل الشرائع الى تجعل من الانسان كائنا بشرا يتمتع بالحريات، كائنا يمتلك روح الانسانية في تعامله. الحرية المفقودة، والانسانية العرجاء تؤكد أن السلطة الحاكمة وان كانت شرعية فهي ليست لكل المواطنين، وأن الانسان مكره، لا يقوى على تقرير شؤونه، خاصة السياسية المصيرية منها وعلاقتها الداخلية والخارجية.

عندما يصل مستوى الوعي الى فقدان المواطن الثقة بدولته وحكامه ومؤسساته، يتملكه الشعور بأن تصنيفه هبط من مستوى المواطنة الى مستوى الفرادة ، ويشعر بالاغتراب. وان من يفترض بهم الامانة ،من اجل مصالحهم قد اصبحوا ذئاب دليل ذلك على انهم قفزوا فوق كل المحرمات، وان المواطن يعدونه فردا منه يستحق الاكتساب. تبا لسلطات تكثر فيها المؤسسات من تقديم التطمينات الى مواطنيها في العالم الثالث دون تطبيق وعودها التي تعمل على تخدر المواطنين ولا ترى النور، بذلك تخسر ثقة الشارع. السلطة التي تفقر وتذل وتقتل رعاياها وتشردهم وتزرع اليأس في قلوبهم، ليست سوى نموذج لدولة مهترئة آيلة للسقوط والتحطم. الخروج عن القطيع فيه مخاطر وتحديات صعبة، تقابل بالبطش والتعذيب والاغتيال والسجن. أمور نشأ عليها مواطنو العالم الثالث منذ قرون لذلك يتمكن الخوف منهم. يتقبلون انصاف الحلول ويرضون بشبه حياة تمكنهم من البقاء.

في نهاية سراديب البحث . الغموض يكتنف معنى المواطنة. هل المواطنة تتوافق وتتفق مع ان اقبل بوجود طبقة من الفقراء؟ أم مرضى يحتاجون للعلاج؟ ام خريجي جامعات وبامتياز لا يجدون عمل؟ ام سجناء راي يقبعون في الزنازين دون محكمات؟ أم قضاء غير عادل؟ أم فساد في اجهزة الامن؟ أم زعرنات تمارس من قبل جهات محمية؟ أم ساسة يجلسون على الكراسي لعقود وعقود؟ ام المحاباة؟ أم الطائفية؟ أم اتنازل عن حريتي؟ ،عشرات الاسئلة تطرح وتطرح تحتاج الى اجابات. عشرات المحطات تحتاج للوقوف عندها ومعالجتها. ما لم ننصهر جميعا في بوتقة واحدة يستحيل بناء وطن يتسع للاختلافات والتعددية. تخلصوا من مصالحكم، وليكن الشعار الوطن فوق الجميع، والوطن للجميع، والمواطنة حق وليست عطية، والمشاركة في القرارات مسؤولية الجميع، والحق في النقد الصادق ضرورة حضارية.

اكرر للمرة الثانية، الوطن ليس مزرعة لأحد، ولا مكان فيه للمحاصصة، والفساد، والانحياز، والمحسوبية، والزبائنية، فكلها مرفوضة. كي نجذر الوطنية، ونقضى على الشعور بالفردانية ،يجب احداث نقلة نوعية قبل انهيار الدولة وتستباح من قبل الغرباء. التغير في العالم الثالث، يبدأ بالأبعاد الثقافية التي تحتاج الى ترميم، والى نمط سلوكي يعاصر زمننا، نحتاج الى افكار جديدة، أخلاق جديدة، بعيدا عن استنساخ الماضي. المناهج التربوية تحتاج الى اعادة بناء لأنها بوابة التغير، والانطلاق وبناء الانسان. الثقافة التي تفرضها الطبقة الحاكمة، ثقافة مشبوهة، هدفها تربية الاجيال على الخضوع لها. نحتاج الى ثورة فكرية تنقلنا من الجهالة الى المعرفة. بالتالي تنجز هذه المهمة من خلال تحقيق الديمقراطية بكل مفاهيمها. ومعانيها، ومن خلال فصل السلطات، وتحصين القضاء، ورجال الامن من الفاسدين وابعادهم عن السياسة والسياسيين، واحترام الدستور وتطبيق احكامه على الجميع ومحاسبة المخالفين من قمة الهرم الى قاعدته معتمدين اسلوب المساءلة والمحاسبة، وتقدم المخالفين للمحاكمة والاقتصاص من كل من يخالف القوانين ويتخطاها. الوطن يجمع كل المواطنين، تحت دستوره وقوانينه ليخضعون دون تمييز، أو محاباة، أو عنصرية، أو اغلبية واقلية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عرب ويهود ينددون بتصدير الأسلحة لإسرائيل في مظاهرات بلندن


.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص




.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح


.. مباشر من المسجد النبوى.. اللهم حقق امانينا في هذه الساعة




.. عادل نعمان:الأسئلة الدينية بالعصر الحالي محرجة وثاقبة ويجب ا