الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جدلية الهامش و المركز في الميزان

عبد الرافع كمال

2020 / 9 / 15
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


برز في الاونة الاخيرة كتاب للدكتور أبكر أدم اسماعيل حول " تشخيص الازمة السودانية " و البحث في أفاق الحلول لها .
و الكتاب في جوهره علي درجة عالية من التنظيم و التعقيد حيث ينبني علي ركيزتين اساسيتين هما
* منهج التحليل الثقافي .
* نظرية الهامش و المركز .
في الجزئية الاولي من الكتاب يتمحور الكاتب حول منهج التحليل الثقافي .
أما في وسط الكتاب فيتحدث عن ما يسميه ب الهامش و المركز و ميكانيزمات التمركز و التهميش و يقوم بأيراد كافة الحقول الهويية في السودان و يشير الي حدوث وضعية تمركز و تهميش في السودان اما في الجزئية الاخيرة من الكتاب فيصف فيه ما اسماه بالوضعية التاريخية اي وضعية التمركز و التهميش التي وضعت منذ أبان عهد الانجليز و توارثتها النخب علي جميع مراحل و حقب تاريخ السودان .
.
في ما يتعلق بالجزئية الاولي من الكتاب و يصف فيها منهج التحليل الثقافي و هو المنهج الذي استند عليه الكاتب في صياغة نظرية الهامش و المركز
يبدأ بتعريف الثقافة علي اساس انها ﺑﺄﻧﻬﺎ " ﺍﻟﻜﻞ ﺍﻟﻤﺮﻛﺐ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺸﻤﻞ ﺍﻓﻜﺎﺭ ﻭ ﺍﻋﺘﻘﺎﺩﺍﺕ و ﺍﻧﻤﺎﻁ ﺍﻟﺴﻠﻮﻙ ﺍﻟﻤﻤﺎﺭﺳﺎﺕ ﺳﺒﻞ ﻛﺴﺐ ﺍﻟﻌﻴﺶ ﻭ ﺍﻟﻤﺆﺳﺴﺎﺕ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ
ﺑﺎﻟﻤﻌﻨﻲ ﺍﻟﺸﺎﻣﻞ ﻟﻜﻞ ﺷﺊ ﻳﺴﺘﻌﻤﻠﻪ ﺍﻻﻧﺴﺎﻥ ﻟﺤﻔﻆ ﺑﻘﺎﺀﻩ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻮﺭﺛﻪ
ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﻭﺟﻮﺩﻩ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ " .
و حسب هذا التعريف نفهم أن مفهوم الثقافة يدخل في اطاره كل ما انتجه امة ما من منتوجات عقيدية او مادية .
و يدخل في هذا اﻷطار كل من العادات و التقاليد و المعتقدات و النظم السياسية و اﻷجتماعية و اﻷدارية و الادوات المادية ...الخ .
يري الكاتب بأن كل امة تبدع نمط ثقافي معين . و ان الثقافات تتجادل و تتصارع داخل الحقول المجتمع لتفضي الي عملية منتوج ثقافي موحد يدير العمليتين الاجتماعية و السياسية في المجتمع
كما تنبني علي عملية الجدل الثقافي اشكال استلاب ثقافي و قهر و تنحي للثقافات المهزومة داخل حقل الكلية الجامع .
.
الجزئية الثانية يتحدث فيها عن مفهوم المركز و الهامش و يري بأن المركزية تتركز علي ثلاث ابعاد
* بعد سياسي :
اي احتكار السلطة لدي عرقية معينة .
*بعد اقتصادي: اي احتكار الثروة لدي ابناء ذات العرقية .
* بعد ثقافي : اي صعود ثقافة ابناء تلك العرقية علي المستوي السياسي لتعمل علي ادارة العملية السياسية " ثقافة سياسية .
ثم يسرف في الحديث عن ما يسميه بماكينزمات التمركز و التهميش كالحرب و الرفض و الترميز التضليلي .
المتبادلة ما بين الهامش و المركز و المواقف تجاه الوضعية .
ثم يشرح في حزئية خاصة بعنوان مدخلات انتاج الواقع في السودان يشرح خلالها الحقول الثقافية في السودان فيتطرق الي حقلين اساسيين هما
حقل الثقافة الاسلاموعروبية في السودان و يغرق في تبيان منطلقاتها الثقافية ثم يتطرق الي ما اسماه ب الثقافة الغربية و يحصر منطلقاتها في " الليبرالية / الماركسية / نظرية داروين / العلمانية / و اﻷشتراكية " ..
.
يتطرق في الجزئية الﻷخيرة الي ما اسماه بالوضعية التاريخية و التي حسبما يقول انها عملية تمركز الاسلاموعروبيون و ثقافتهم علي المستوي السياسي و استمراريتها
طيلة فترات تاريخ السودان .
و لعل ما فهمناه و بصعوبة من قصد الكاتب هو ان هذه الوضعية هي وضعية عبيد و اسياد .
و الاسياد حسبما قال هم الاسلاموعروبيون اما العبيد هم السلالات الزنجية .
لسنا هنا بصدد تقديم ملخص شامل للكتاب فالكتاب متوفر علي اﻷنترنت و المكتبات لمن اراده .
.
سوف نبدأ أولا بتناول المنهج الذي استند الكاتب عليه في صياغة النظرية و هو ما اسماه بمنهج " التحليل الثقافي " .
و هنالك عدد من الملاحظات التي نود الاشارة اليها بخصوص منهج الكاتب
اولا .. انه جعل من مفهوم الثقافة بمثابة المفهوم المحوري حيث تضم الثقافة حسب تعريفه كل من العادات و التقاليد و المعتقدات و الادوات و النظم التي تنتجها امة ما .
اي ان الثقافة كل منتوج بشري ..
و هنا نقيف متسائلين هل هذا هو التعريف الحقيقي لمفهوم الثقافة ..
كلا .. ان هذا المفهوم التعريفي لا يمت بصلة الي مفهوم الثقافة بل يطابق تماما مفهوم " الحضارة .
الحضارة هي مجموع المنتوج المادي و الذهني ﻷمة ما عبر التاريخ .
منتوجات النظم السياسية كالوعي السياسي و الانظمة السياسية لا تدرج ضمن مفهوم الثقافة انما تدرج ضمن مفهوم الحضارة بأعتبارها جزء من حضارة امة ما لا من ثقافتها .
اما التعريف الحق لمفهوم الثقافة هي " كل ما يميز امة ما عن غيرها من الامم من انماط سلوكية و تفكيرية و ادوات .
و الاولي ان يطلق علي منهجه اسم
منهج " التحليل الحضاري " بدل الثقافي .
.
يحصر الكاتب مدخلات انتاج الواقع السوداني في الاتي
الثقافة الاسلاموعربية
الثقافة الغربية
و يري بأن الثقافة الغربية تنحصر في كل من الماركسية و الليبرالية و نظرية داروين .
و هنا نجري تعقيبا و نقف متسائلين
هل نظرية داروين ثقافة . ام نظرية في علم الاحياء ؟؟
ان الثقافة حسب تعريفنا كونها " كل ما يميز الامم عن ما سواها من الامم الاخري " . نجد ان نظرية داروين حول اصل الكائنات الحية ليست بثقافة اصلا ولا ينبغي النظر اليها كثقافة . بل هي طرح بيولوجي حول اصل الكائنات الحية .
اما فيما يتعلق بالفلسفتين الليبرالية و الماركسية و التين ينظر الكاتب اليهما كثقافات غربية نجد ان الليبرالية و الماركسية هما اصلا ليسوا بثقافات انما فلسفات .
و لعل الكاتب اشار اليهما كثقافات بناء علي تعريفه الخاطئ لمفهوم الثقافة و الذي كما قلنا انه يطابق مفهوم الحضارة لا الثقافة .
فالفلسفات حسب رؤيتنا لا تندرج ضمن مفهوم الثقافة .
كما نشير الي ان الليبرالية و الماركسية برزتا كنظم سياسية و اقتصادية لا كثقافات فالليبرالية نظام سياسي و اقتصادي و كذلك الماركسية .
فالنظم الاقتصادية و انماط الوعي السياسي لا تندرجان ضمن مفهوم الثقافة اطلاقا .
اننا لا ننكر ان الليبرالية قد انحلت في العلاقات الاجتماعية و صارت ثقافة تطبع العلاقات الاجتماعية في المجتمع الغربي و لكن ما نشير اليه بقوة هو انها اول ظهورها كانت فلسفة سياسية اي نمط وعي سياسي و ثم صارت فيما بعد ثقافة توجه العلاقات الاجتماعية .
و هنا نود ان نشير الي ان الوعي يأخذ شكلين اثنين
* وعي سياسي
و يعمل كموجه للعملية السياسية كالليبرالية و الماركسية علي سبيل المثال .
* وعي ثقافي
و ينحصر في علاقات الناس ببعضها البعض كالمعتقدات و الانظمة التي تدير العلاقات الاجتماعية بين الافراد داخل المجتمع بعيدا عن الحقل السياسي .
فالليبرالية و الماركسية اصلا هما ليسوا ثقافات و انما انماط وعي سياسي . و لكن تحولت الليبرالية فيما بعد الي ثقاقة في المجتمع الغربي و ذلك بعد ان تسربت من ميدان السياسة الي ميدان العلاقات الاجتماعية " الثقافة " .
فالنخب حينما تطرح الليبرالية تطرحها كنمط وعي ساسي اولا .
و كما اسلفنا فأن انماط الوعي السياسي لا تندرج ضمن ثقافة الامم و انما ضمن حضاراتها .
و نكرر ذلك بغرض الكشف عن الالتباس المعرفي الابيستيمي الذي سيدخلنا فيه الكاتب بتعريفه الخاطئ لمفهوم الثقافة .
و قد يقول قائل ان الكاتب ربما يود القول ان ثمة صراع يدور بين الحضارتين الاسلاموعربية و الغربية
و نرد علي هذا القول بأن الكاتب وصم كل من الفكر الليبرالي و الماركسي بأنهما ثقافتين غربيتين و لم يسميهما انظمة حكم غربية .
او انماط وعي سياسية غربية
و لو قال كذلك ﻷصاب .
و هنالك تعقيب اخر نود ان نشير اليه اذاء وصفه لكل من النظامين السياسيين بكونهما ثقافة غربية . و ان الحديث عن ثقافة غربية يعني بكل ما يتميز به الغربيون من عادات و تقاليد و رقصات و اكلات و نظم و ملبوسات ...الخ
اما انماط الوعي السياسي فهي لا تدخل في اطار الثقافة بل الحضارة .
فعندما يتحدث عن الثقافة الغربية يجب ان يبحث في الاكلات و اللبسات و التقاليد و العادات ..الخ و ليس في انماط الوعي السياسي
فالغرب يحوي الالاف الثقافات و التي تختلف من دولة الي اخري و من مجتمع الي اخر . فمن غير الممكن ان نختذل الثقافة الغربية في نمطي وعي سياسي . علما بأن الوعي السياسي لا يدخل اصلا في اطار الثقافة ﻷن الحقل السياسي هو الحقل الذي يبحث في كيفية ادارة الدولة بينما الحقل الثقافي يبحث في علاقات الافراد ببعضهم البعض في داخل المجتمع .
*قراءة غير جدلية :
و هنالك تساؤل يتبادر الي الذهن
هل كان ظهور الليبرالية و الماركسية منذ فجر التاريخ .
ام جاء نتيجة عملية تطور جدلي ؟؟
مما يقود لتساؤل اخر
ما هو موقف الكاتب من مفهوم الجدل " الديالكتيك " .
اين " وعي الكنيسة " . ام يكن نمط وعي حاكم للغرب ؟؟ .
ان المتتبع لواقع التاريخ الغربي يلحظ ان وعي الليبرالية جاءت في اواخر التاريخ الغربي .
ان التعامل مع انماط الوعي الثقافي و السياسي يجب اﻷ يكون في اطار جامد و انما يجب ان يجئ في اطار تاريخي جدلي . فالظواهر و انماط الوعي السياسية و الثقافية لم تكن وليدة الساعة و انما جاءت نتيجة لعمليات تطور جدلي عبر التاريخ .
يمثل منهج المادية الجدلية بمثابة الدراسة العلمية لتطور انماط الوعي عبر الزمن .
فالليبرالية اذا نظرنا اليها حسب منهج المادية التاريخية نجد ان خلفيات ظهورها هي ما احدثته الثورة الصناغية من وفرة في عالم الانتاج ..مما اقتضي عملية التحرير . حتي اسس المخاواة و حقوق الانسان جاءت كنتاج لبروز حوجة ماسة لتحرير العبيد و الاقنان بغرض تغذية المصانع الجديدة بالايدي العاملة .
كما اتسع نطاق الدعوة للحرية كلما اذداد نطاق انتاج السلع .
فالليبرالية اصلا جاءت بناء علي ظروف مادية معينة .
كما انها سبقت بوعي الكنيسة السياسي .
اذن فكيف يتم اقتطاعها من سياقها التاريخي و تقديمها كثقافة غربية .
انها محاولة ايدولوجية مفضوحة من الكاتب .
فالكاتب يريد ان يغض الطرف عن مفهوم الجدل و يحصره في كونه يدور بين الثقافات " الحضارات " .
و اذا كان الكاتب يتحدث عن دولة تدير التعدد بحيادية الا تدخل هذه الدولة التي يدعو اليها الكاتب في اطار الثقافة الغربية نفسها .
فالغربيون هم او من ابتدع مثل هكذا دولة .
هل الحل في نظر الكاتب هو جلب الثقافة الغربية و احلالها كبديل لثقافة " اسلاموعروبيا ؟؟..
حتي الماركسية نفسها جاءت في اطار عملية الجدل نفسه .
فكيف تفصل عن صياغها الجدلي
ان هذه القراءة التي انجزها الكاتب لمدخلات انتاج الواقع في السودان غير جدلية . و تتجاهل عامل الجدل و تعمل علي اقتطاع انماط الوعي عن سياقاتها التاريخية و تقدمها في اطباق متجاهلة الظروف التاريخية لنشوءها .
و هذا امر غير منهجي اصلا .
.
اما في ما يتعلق بما يسميه الكاتب بثقافة " اسلاموعروبيا " و يحصر منطلقاتها في اﻷتي
* الشريعة الاسلامية
* تقييد المرأة .
* ميثولوجيا الرزق .
* الموالي .
*تحقير المهن الهامشية
* الاستبداد السياسي
و نلاحظ ان الكاتب لم يشير الي عدد من القيم في الثقافة الاسلاموعربية كهوس الرجولة و حفظ العرض و مفهوم الحريم ..
كما نقف متساءلين عن محاولة الكاتب المستمرة للربط ما بين الثقافتين العربية و الاسلامية و صبهما في اطار مستودع واحد " اسلاموعروبيا " .
و لعلنا نجد له العزر في ذلك .
فما يسمونه بالثقافة الاسلامية هي في جوهرها ثقافة عربية ليس الا فمعظم معاييرها مقتبسة من الثقافة العربية .
.
الوضعية التاريخية في السودان
و هي وضعية التمركز و التهميش لما يسميهم بالاسلاموعروبيين علي المستوي السياسي و الاقتصادي و الثقافي و تهميش ابناء الاثنيات و العرقيات الاخري كما يري الكاتب ان هذه الوضعية صنعها الحكمين التركي و الانجليزي ثم اورثوها لنخبة من اولاد العرب و ظلت موجودة حتي اليوم .
و نستطيع ان نستجمع أبرز الدلائل التي يحشدها بأستمرار اتباع النظرية و من ثم نشرع في مقاربتها حسب منطق الواقع :
* ان العرب اتفقوا مع الترك علي استعباد الامم الزنجية :
و هنالك عدد من الملاحظات حول هذا القول .
1 ان الرق و العبودية هي ثقافة عالمية مارستها جميع أمم و شعوب اﻷرض و ليس العرب وحدهم حتي الاروبيين و الاميركان و الهنود و الصينيين ..جميعهم مارسوها .
حيث ظهر الرقيق الابيض .
بل حتي امم الزنوج انفسهم مارسوا الرق و يبدو ذلك جليا عند دراسة تاريخ امم الزنوج في افريقيا بأستخدام منهج المادية التاريخانية لماركس .
2 ان الترك هم اول من ادخلوا ثقافة الرق .
3 ان هنالك مجموعات غير عربية اسهمت في الرق كالنوبة التعوربين " الحلفاوة . و المحس و الدناقلة و الكنوز " حتي البيجا انفسهم مارسوها و بدليل ان هذه الشعوب من غير العرب النوب المتعوربين و البيجا يحملون نفس نظرة الجلابة تجاه العنصر الزنجي و يصفونهم بالعبيد .
4 ان تجارة الرقيق تمت بموافقة و مباركة من قبل سلاطين الأمم الزنجية كالفور و المساليت و الداجو حيث كانوا يسمحون لصيادي الرق بالعمل داخل مناطقهم بل حتي هولاء السلاطين انفسهم كان لديهم الرقيق .
.
النظرة الجلابية العنصرية :
و تعني تصنيف الناس حسب سماتهم العرقية علي اسأس انهم رقيق و احرار . و يري اتباع هذه ان هذه النظرة الشائعة في المجتمع مبرر لتسويغ نظرية الهامش و المركز في المجتمع .
و هنا نلاحظ ان هذه النظرة هي احدي رواسب تاريخ الرق في السودان و ماضيه و ما نلحظه هو ان هذه النظرة و التي يحملها ايضا النوبة المتعوربين و البيجا لا علاقة لها قط بالسلطة و علينا ان نتساءل
هل يمنع ابناء الافارقة من حقوقهم في التحزب او ممارسة السلطة او التعليم او العمل في المؤسسات الحكومية ..الخ لكونهم يحسبون عبيدا .
هل يتم تدريس الطلاب في المدارس ان هولاء اﻷفارقة هم نسل عبيد ؟ ؟..
ما علاقة هذه النظرة بالسلطة و الدولة ؟؟
ان الدولة لم تسهم اطلاقا في ترسيخ هذه النظرة كما انها لم تدخلها كأساس لمنح الحقوق في مؤسساتها .
و كيف نفسر وجود قوانين تجرم هذا بالسجن و الغرامة المالية ؟؟..
ان هذه النظرة و ان كانت شائعة في المجتمع كنتاج لظاهرة الرق
اﻷ ان استغلال وجودها في اثبات منطق الهامش و المركز هو امر غير منهجي غير مشروع اصلا .
* التهميش الثقافي :
يتحدث دكتور ابكر اسماعيل عن منظومة الاسلاموعروبيا و هي خليط من من الشريعة الاسلامية و القيم الاسلامية و التي تم استقاءها من المجتمع العربي بالاضافة الي ثقافة العرب حيث يري الكاتب بأن هذه المنظومة تهيمن علي السلطة في السودان . و هنا نستطيع القول بأن هنالك حالة تمركز ثقافي اسلاموعروبي عن طريق صعود الاسلاميين الي السلطة و الذين يحملون وعيا اسلاموعربيا .
و انبني علي ذلك عملية عملية تهميش لجميع القيم التي تتنافي مع معايير هذه المنظومة . كما عملت علي نشر نفسها عن طريق ماكينزمات اﻷسلمة و التعريب و التي انبت عليها عمليات ابادة لكثير من التنوع الثقافي داخل القطر .
و لكن الحقيقة التي يجهلها الكاتب هي ان عملية التهميش لم تطال الثقافات التي تلاءمت و و تسامحت مع المنظومة الاسلاموعربية و لم تنافيها فمثل هكذا ثقافات لم تهمش من قبل الاعلام و المناهج التعليمية التي تمثلان المراءة التي تعكس الموروث الثقافية داخل القطر .
.
* الابادة الجماعية لأمم الزنوج :
و نطرح سؤالا .. هل ما جري ﻷمم الزنوج في دارفور و النيل الازرق و كردفان مبررا لتسويغ نظرية الهامش و المركز .
و هنالك ملاحظة نود ايرادها عن ان الابادة تمت في عهد الانقاذ الاسلاموعروبيين و لكن هذه العملية تمت عندما انحازت الانقاذ لصراع العرب الرعاة ضد الافارقة المزارعين و لعل السبب في ذلك لم يجئ بدافع عنصري و انما جاء بدافع تسليح العرب حتي يوقفوا عملية التمردات التي يشنها ابناء الامم الزنجية علي الحكومة .
فكان ان استغل عرب دارفور حقدهم الدفين علي الافارقة و قاموا بأرتكاب المجزرة .
فالمجزرة لم تتم اصلا بغرض تصفيه القبائل الزنجية و انما جاءت في اطار صراع اهلي بين الرعاة و المزارعين و الصراع بين الرعاة و المزارعين هو معروف منذ قدم التاريخ البشري .
فالمجزرة التي ارتكبت ليست مبرر كافي لتبرير نظرية الهامش و المركز .
* التهميش السياسي :
و هو احد ابعاد النظرية حيث تقول بان ابناء العرب هم من يسيطرون علي السلطة في السودان .
و لو طرحنا سؤالا ..
هل هنالك قوانين رسمية تمنع ابناء فئات معينة من ممارسة حقهم السلطوي .كالترشح ﻷي منصب كان ؟؟؟
كيف نفسر وجود جماعات من الشعوب التي يصفهم ابكر بالمهمشين وسط النخب السياسية ؟؟..
كيف نفسر وجود رؤساء سودانيين من النوبة كالصادق المهدي و النميري ؟؟.
ان السودان يحكم عن طريق نخب سياسية تسند في رؤاءها علي مناهج كالليبرالية و الماركسية
حتي اﻷسلاميين انفسهم لم يضعوا في برنامجهم الاستيعاب من مجموعة اثنية معينة بل قاموا بأستيعاب كافة اﻷثنيات .
ليس هنالك اي حرمان لابناء الامم الزنجية من حقوقهم السياسية اما كون ان مشاركتهم ضعيفة في العملية السياسية فهذا لا يبرر انهم مهمشين ..
.
التهميش الاقتصادي :
و هنا يؤكد الكاتب علي ان الامم الزنجية متعرضة لعملية تهميش اقتصادي و سوء توزيع في التنمية و الخدمات و الثروة ..
و هنا نقف متساءلين عن الكيفية التي خلالها يتم عملية توزيع الثروة في السودان ؟؟
هل الثروة تمتلكها فئة عرقية معينة تعطي من تشاء من ابناءها و تحرم من تشاء ؟؟...
ام انها توزع حسب اليات السوق و نظام الراسمالية ؟.
كيف نفهم عملية وجود فئة كبيرة من ابناء العرب و هم في حالة فقر مدقع ؟؟
كيف نفهم وجود نخب ذنجية و هم في حالة ثراء فاحش ؟؟..
كيف نفهم وجود مناطق عربية مهمشة في المناقل غرب الجزيرة و في شرق الجزيرة و في نهر النيل في شندي " مسقط رأس الرئيس عمر البشير "؟؟..
كيف نفهم وجود مناطق عربية يشربون هم و بهائمهم من نفس الحفير ؟؟
اي الذين اسامهم ابكر بهامش المركز ؟؟..
كيف تهمشت هذه الشريحة من ابناء المركز طالما ان اهليهم هم من يملكون السلطة و الثروة ؟؟
ام ان الهامش و المركز الاقتصادي ينحصر في ثنائية بروليتاريا و برجوازيين كما في الماركسية ؟؟.
و لعل هذه النظرية ستشغل الناس عن الصراع الطبقي و حقيقته الي صراع اثني فوقي وهمي ؟؟ .
نوقن اذن بأنه لا وجود اطلاقا لما يسميه دكتور ابكر بالتهميش الاقتصادي لأمم الزنوج ﻷن التهميش اﻷقتصادي لم يقوم علي اسس عرقية و لم يكن ليميز بين العرب و الافارقة ..
...
هل هنالك وجود لنظرية الهامش و المركز في السودان ؟؟؟..
في الحقيقة و حسب القراءة الواقعية للواقع السوداني ليس هنالك اي وجود لهامش اقتصادي او سياسي علي اﻷطلاق ..
اما التهميش الثقافي فهو موجود للثقافات التي تتنافي مع المنظومة الاسلاموعربية فالمنظومة التي تهيمن علي السودان هم من اليمين الاسلامي و الذين يرون بضرورة خضوع المجتمع للثقافة الاسلامية و ضرورة نشرها و ان الثقافة الاسلامية معظمها مستمدة من ينبوع الثقافة العربية ..
نستطيع ان نلخص ابرز الشواهد الحقيقة علي وقوع التمركز و التهميش الثقافي في اﻷتي
* اندثار كثير من الثقافات غير العربية في السودان خصوصا اللغات و الرقصات و الازياء و غيرها من الثقافات اﻷفريقية في وجه الزحف العربي الثقافي ..
* هيمنة الاسلاميين علي السلطة و هم يحملون ثقافة اسلامية مستقاة من اصل عربي " و هو ما سنخصص له مقال مستقل "
مما يتسبب في عمليات تمركز و تهميش لبقية الثقافات لصالح الثقافة العربية ..
* صعود الثقافة العربية للسلطة علي قارب الاسلام و نسخ نفسها و روحها عبر عملية الاسلمة .
..
في الحقيقة الحلول المقتحة للأزمة نحصرها في الاتي :
* ضرورة الاعتراف بحقيقة ان وضعية التمركز الاسلاموعروبي هي ثقافية و ان المتسبب الاساسي فيها هم الاسلاميين .
* ضرورة تفكيك منظومة الثقافة الاسلاموعربية حسب منهج التحليل الثقافي و الفصل ما بين مكوناتها الاسلامية و العربية . و البحث في الاصول التاريخية لتشكل هذه القيم حسب منهج المادية التاريخية .
* ابعاد اﻷسلاميين عن السلطة و تحميلهم جميع تبعات عمليات التمركز و التهميش .
* بناء دولة علمانية محايدة تجاه التنوع العرقي و الثقافي ..
..
ننوه ختاما بأن الشئ الوحيد الذي تستطيع الدولة تقديمه للعرقيات المهمشة ثقافيا هو الوقوف علي الحياد تجاههم .
اما عملية احياء ما غبر من ارثهم الثقافي فهذا امر مستصعب علي الدولة الاسهام فيه و انما يتم عن طريق احياء الوعي الهويي و الثقافي لدي ابناء تلك الامم المهمشة عرقيا ..
فبمجرد ان تعي تلك الامم بواقع التهميش و حقيقة اللعبة الاسلاموعروبية تنهض حينئذ لرفضها و تشحذ هممها في احياء ما غبر من ارثها الثقافي لتسعف ما في المقدورة اسعافه و تهدم الوضعية نهائيا ..
فالحل لا يعتمد كثيرا علي السلطة و ان تفكيك الدولة الدينية واجب ضروري . الا ان الوضعية لن تزول بمجرد زوال الدولة الدينية فزوال الوضعية يقتضي نهوض الامم المهمشة و تشكيل كيانات و معارض و جمعيات لأحياء تراثهم الثقافي الغابر








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصادر: ضربة أصابت قاعدة عسكرية قرب أصفهان وسط إيران|#عاجل


.. القناة 12 الإسرائيلية: تقارير تفيد بأن إسرائيل أعلمت واشنطن




.. مشاهد تظهر اللحظات الأولى لقصف الاحتلال مخيم المغازي واستشها


.. ما دلالات الهجوم الذي استهدف أصفها وسط إيران؟




.. دراسة جديدة: اللحوم النباتية خطرة على الصحة