الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القروض السوداء والبلدات العربي ال 48

شريف حسني الشريف

2020 / 9 / 15
القضية الفلسطينية


قروض السوق السوداء تجتاح البلدات العربية في الـ 48
ا/2
تضمن عام 2020 العديد من الأحداث والتغيرات التي طالت السياسة والاقتصاد وبلورة المفاهيم، وشهد أحداثا كثيرة تحتاج إلى بصيرة عميقة لاستشفاف كنهها، وقراءة مساراتها وتحليل النتائج الناجمة عنها. ولكن الحدث الأبرز يتبلور في ظهور فيروس كورونا القاتل أو ما سمي بـ (كوفيد 19)، الذي تضاربت الآراء حول ظهوره وبالتالي كثرت التفسيرات والتأويلات بخصوصه، وتراوحت ما النظر إليه باعتباره مؤامرة كونية، أو خطأ غير مقصود نجم عن تسرب من أحد مختبرات الأبحاث، أو غضب موجه إلى الانسان لتجاوزاته، وتماديه في الطغيان. على المقلب الآخر سرعة انتشار الوباء وشموله كافة الدول، ترك أثرا مدمرا على كافة الاقتصادات، وكشف ضعف المنظومة الصحية، خاصة لدى الدول المتقدمة، والتي تحتل مرتبة الصدارة على الصعد كافة. حيث تعالت الصيحات من حدوث انهيارات مالية، و تراجع سوق العمل ومعدلات الانتاج، وانتشار البطالة، والتأثيرات المدمرة بالمنحى الاقتصادي وتوابعها الاجتماعية. هذه المخاوف أيدتها المعطيات الناجمة عن تفشي الجائحة، حيث لم تخل دولة من معاناة نتائج التقصير الناجم عن كيفية المواجهة وتهلهل التدابير الصحية، و التردد في اتخاذ الاجراءات اللازمة، للحد من الأضرار الكارثية التي تطال البشر بالدرجة الأولى فضلا عن النتائج المدمرة التي تطال كافة مناحي الحياة.
ومن ذلك تأثر المنطقة العربية، التي تفاوتت في تعاملها مع الضيف الثقيل، الذي تسرب إليها عبر منافذ مختلفة. وعلى سبيل النمذجة يقتصر الحديث هنا على قراءة أولية في أحد الآثار الناجمة عن كورونا في البلدات العربية بأراضي الـ 48 بفلسطين المحتلة. حيث يعاني السكان فيها معاناة مزدوجة، تتمثل في خضوعهم للاحتلال من الكيان الصهيوني من جهة، ومن انتشار كورونا التي كشفت واقع الحال المزري الذي يجدون أنفسهم منغمسين فيه، نتيجة لخياراتهم في البقاء والصمود والتشبث بالأرض والدفاع عن الهوية. المعاملة من قبل سلطات الاحتلال الاسرائيلي تقوم على النظر إليهم كوسط معاد، لدولة تركز على الطابع القومي لليهود، وتعتمد العنصرية والاقصاء كأساليب متعمدة، ووسائل فاعلة في تحويل البلدات العربية وحياة سكانها إلى جحيم. وقد برز ذلك من خلال التفاوت في التعامل مع البلدات العربية، ومثيلاتها اليهودية، فإضافة للتقصير وعدم الاهتمام واتخاذ التدابير اللازمة وضعف الاجراءات الصحية والاقتصار على الجوانب الشكلية ذات البعد الاعلاني، برز الجانب الاقتصادي لتأثير كوفيد 19 مدعما بالسياسة الإسرائيلية التي اتخذته ذريعة لتمرير وتبرير سياساتها العنصرية. تفاقمت معاناة البلدات العربية بخروج القوى العاملة فيها والتي تشكل 57% من مجموع العاملين في قطاعات اقتصادية وتجارية من سوق العمل.و بسبب الإغلاق الشامل والذي بدت معه المناطق الصناعية فيها خاوية، الذي ترافق مع توقف المصالح التجارية الصغيرة والمتوسطة، وتراجع دخل الأسر العربية بشكل حاد، و افتقاد اصحاب المصالح التجارية لوجود السيولة المالية والمدخرات. ففي جت أغلق أكثر من 800 ورشة، و50% من المصالح التجارية العربية بالإغلاق، و 70 ألف مصلحة معرضة للخطر ذاته، مع ارتفاع معدل البطالة ليصبح أكثر من 32% و خروج المزيد من قوى العمالة العربية، اضافة للشروط التعجيزية لحصول المصالح التجارية على قروض، في ظل شح الدعم الحكومي والقروض بضمان الدولة، واستثناء العرب من مشروعات الدعم والتمويل الحكومي لدعم المصالح التجارية، بسبب الشروط والمعايير التي حددت سلفا، و امتناع البنوك التجارية عن تقديم الدعم لها ومنحها القروض. كل ذلك أدى لإنتعاش سوق القروض السوداء ودخول الشركات المصرفية الرسمية إلى الاقتصاد والتجارة العربية. وضخها مئات ملايين الشواقل لجني عوائد وأرباح طائلة بعد استرجاعها، دون إيلاء أهمية لأي شيء سوى المزيد من عوائد التشغيل.
لا تدخر السلطات المعنية في اسرائيل، جهدا في محاولاتها المستمرة لتقويض المجتمع الفلسطيني في أراضي الـ 48 من الداخل، وتقوية عوامل النخر وزعزعة الاستقرار بشكل عام، وتحويل كل ما يؤدي للتماسك والتجذر إلى هش وعابر. وقد جاءت جائحة كورونا وتداعياتها المؤسفة لتقدم على طبق من ذهب الفرصة المثلى لتحقيق أهدافها وغاياتها في العلن، بعد أن كان العمل على تحقيقها يتم في خفاء عن الأنظار. ومن ذلك تغاضي من الشرطة والسلطات الداخلية، عن انتشار القروض المالية التابعة للسوق السوداء في البلدات العربية، والاكتفاء بإطلاق صيحات الانذار، وتوعية العائلات، والتحذير من الإقبال عليها أيا كانت الأسباب.
يعتبر سوق القروض السوداء عالما قائما بذاته، يفتقر إلى الرحمة، ولا يطاله القانون، تعقد الصفقات فيه خفية، ولا ترصده أنظار الشرطة ولا تصل إليه يدها أبداً. والمتابعة الحثيثة لما يجري في البلدات العربية، يفضي إلى ادراك العلاقة الوثيقة ما بين جائحة كورونا وتداعياتها العديدة، وخاصة ما ظهر بشكل ملموس على كافة الصعد الاقتصادية والاجتماعية والصحية. حيث برز القصور في المعالجة على المستويات كافة. صحيا استشرى الوباء في ظل الاهمال المتعمد ونقص الادوات وضعف الامكانيات، كما برز الترابط ما بين الاقتصادي والاجتماعي من خلال الاغلاق الشامل الذي أضاف عبئا جديدا أثقل كاهل الأسر العربية، إضافة إلى جانب تصاعد معدلات البطالة، ونمو سوق القروض السوداء وارتباطها بالعنف، وتصاعد معدلات الجريمة المرافقة لها. وان كان قد قيل الكثير حول ضعف وقصور المنظومة الصحية في البلدات العربية، والتعويل على الاغلاق والتأكيد على مسالة الوقاية والتباعد الاجتماعي، كوسائل وأساليب أولية وضرورية للحد من تأثير فيروس كورونا وتقليل عدد الاصابات به ، فقد دق ناقوس الخطر على الحياة الاجتماعية وخاصة جانبها الاقتصادي، ما يدفع الكثيرين إلى اللجوء للاقتراض من السوق السوداء والتي تعتبر بمنزلة انتحار بطيء، ودمار اقتصادي وتجاري ومجتمعي.
ممهدات أولية
اقتصاديا و بعد مرور اشهر على انتشار فيروس كورونا، ومواصلة العمل بالتقييدات والإجراءات المشددة وفترة الإغلاق الشامل، وبسبب تصاعد معدلات البطالة، وانعدام السيولة، والإجراءات المتشددة في المعاملات البنكية، واجه قطاع الأعمال وأصحاب المحال التجارية، والعائلات العربية أزمات اقتصادية، ما أدى لظهور ونمو القروض المالية التابعة للسوق السوداء، والشركات المصرفية الخاصة، في ظل المعطيات التالية :
• ارتفاع معدل البطالة 32%، مترافقا بخروج القِوَى العاملة العربية من سوق العمل لإجازة غير محددة المدة، و غير مأجورة.
• معاناة 70 ألف مصلحة تجارية صغيرة ومتوسطة من خطر الإغلاق، بسبب شح الدعم الحكومي والقروض بضمان الدولة،
• امتناع المصارف التجارية عن تقديم الدعم ومنح القروض لسكان البلدات العربية، بحجة المخاطر الاقتصادية، ولكونها تصنف ضمن مصالح خطرة اقتصادية، وصعوبة استرجاع القروض.
• السياسة المصرفية الرسمية لاستثناء العرب من مشروعات الدعم والتمويل الحكومية، الموجهة لدعم المصالح التجارية، بسبب الشروط والمعايير المحددة سلفا.
يجمل ما سبق الاشارة إلى أن السياسات المصرفية التي تنتهجها المصارف الحكومية، وشركات الائتمان المصرفية والمصارف التجارية، ومنحها كافة الصلاحيات بشأن القروض و منحها، لأصحاب المصالح التجارية ورجال الأعمال والمستقلين، كلها عوامل أدت إلى معاناة الاقتصاد في البلدات العربية ، وحالت دون الحصول على القروض والائتمان، مما مهد الطريق لفتح الأبواب على مصراعيها لدخول السوق السوداء والشركات المصرفية الخاصة إلى البلدات العربية، كملاذ اخير، في مواجهة الأزمة المالية.
وأضحى النشاط الخفي للسوق السوداء والحديث المتداول عنه، هو القاسم المشترك بين سكان كافة البلدات العربية، حيث يتركز الذين تمكنوا من الحصول على قروض من السوق السوداء، أو من الشركات المصرفية الخاصة. ولكن الملاذ الذي تم اللجوء إليه كان مؤقتا، فبعد نجاح المساعي في الحصول على القروض من السوق السوداء، بنسب ربوية مضاعفة وعالية، فقد كثيرون القدرة على سداد ديونهم، وباتوا رهينة لمضايقات وملاحقات القائمين على السوق السوداء، التي تلجأ لكافة الأساليب لاسترجاع القروض، و الفوائد المترتبة عليها.
تأثيرات على الاقتصاد
الأضرار التي ألحقتها أزمة كورونا باقتصاد البلدات العربية ترجع إلى الأسباب التالية:
• عدم حصول المصالح التجارية على دعم حكومي وقروض بنوك رسمية.
• عدم توفير المدخرات أو رأس مال خاص ترتكز عليه في الأزمات التي تواجهها.
• تحكم المصارف من خلال العمل بصورة انتقائية فيما يتعلق بالموافقة على طلبات الحصول على
القروض بدعم الدولة، في سياسة الإقراض للمصالح التجارية والمساعدات في ظل الوباء.
و ما سبق إضافة للخطط الاقتصادية الحكومية التي تنتهج إهمال البلدات العربية، ساهم بانتعاش السوق السوداء و الشركات المصرفية، التي تقوم بتشغيل وضخ مئات ملايين الشواقل، وتغلق الخيارات أمام صاحب «المصلحة التجارية» التي يقترض صاحبها للاقتراض، فإما السداد وإما إغلاق أبوابها و انتقال ملكيتها للسوق السوداء والشركات المصرفية الخاصة.
ويتبع القائمون عليها أساليب عديدة لاستهداف الفئة التي تتوجه إليها، مستعينين برسائل النصية العديدة تصل إلى الهواتف الخليوية، تروج لشركات تنشط في المعاملات المالية في »السوق السوداء«، ففي ظل تفاعل واستمرار أزمة تفشي كورونا، والإغلاق شبه الكامل للمرافق التجارية والحيوية، وتعليق سوق العمل والشلل الاقتصادي، وسعت هذه الشركات نشاطها، تحت هيمنة عصابات الجريمة المنظمة على السوق السوداء. حيث يقترح مضمون الرسائل الحصول على قرض مالي يبلغ 100 ألف شيكل دون ضمانات، شريطة امتلاك بطاقة اعتماد سارية المفعول. وفي ظل العرض والإقبال وسعت هذه الشركات والعصابات المنظمة نشاطها، من خلال دعوة للعائلات للحصول على قروض مالية بين 5 آلاف إلى 10 آلاف شيكل.
سهولة الحصول على القروض المالية تظهر النتائج المترتبة على منح القروض، من خلال حجم الفوائد التي يتم جنيها، مقابل إرجاع هذه الديون للشركات الخاصة أو لجهات تنشط لصالح عصابات الجريمة المنظمة، أو هيمنة عصابات الجريمة على المزيد من المصالح التجارية في حال العجز عن السداد، مما يعني ارتفاع أعمال العنف وجرائم القتل في البلدات العربية. عرض تقديم القروض المالية يتسم باللطف المبالغ فيه، فالمعاملات بسرعة ودون إجراءات، ولكن من لا يسدد دينه فسيواجه مصيرا أسود. حيث تم المطالبة بالأموال من الشخص المقترض وفق الأصول الاجتماعية ثم يلي ذلك ملاحقته، في كل مكان، و ممارسة الضغوط عليه، بما في ذلك التهديد بخطف أطفال المستدين من رياض الأطفال، أو المدرسة، وإذا لم تتحقق النتيجة المرجوة، تنتقل العصابات للمرحلة الثانية، أي إحراق السيارة والمحل والبيت، والضرب والخطف و وقد تنتهي بالقتل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 200 يوم على حرب غزة.. ماذا حققت إسرائيل وحماس؟


.. سمير جعجع لسكاي نيوز عربية: لم نتهم حزب الله بشأن مقتل باسكا




.. قطر: لا مبرر لإنهاء وجود مكتب حماس | #نيوز_بلس


.. بكين ترفض اتهامات ألمانية بالتجسس وتتهم برلين بمحاولة -تشويه




.. أطفال في غزة يستخدمون خط كهرباء معطل كأرجوحة