الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سلطة محكمة الجنح بالتدخل تمييزاً بقرار الاحالة الصادر من قاضي التحقيق في القانون الجنائي العراق

محمد سرحان الحمداني

2020 / 9 / 15
دراسات وابحاث قانونية


مقدمة : ان المراقب للسياسة الجنائية لمشرعنا العراقي، نجد انه قد انضوى تحت عباءة "مبدأ الفصل بين سلطات القضاء الجنائي" ، وهذا ما استقر عليه عند ممارسة الإجراءات الجنائية ، اذ عمل على الفصل التام بين الوظائف القضائية ، بمعنى آخر يراد بهذا الفصل ان تتولى سلطة الاتهام بتحريك الدعوى الجنائية، دون ان تجمع بيدها وظيفه أخرى،بالمقابل يتولى التحقيق الابتدائي"قاضي التحقيق"،فالاخير هو الاخر مستقل عن الأولى، بينما نحد سلطة الحكم "محكمة الموضوع" كما يسميها البعض، تكون بحسب نوع وخطورة الجريمة، فاذا كانت الجريمة "جناية" تحال من قاضي التحقيق الى "محكمة الجنايات" كونها المختصة بنظرها، اما اذا كانت الجريمة "جنحة" او "مخالفة"، فتحال الى "محكمة الجنح" كونها هي الأخرى مختصه بنظر هكذا نوع اقل جسامه من الأولى،ففي حال اذا كانت الجريمة المرتكبة جنحة، ومحالة من قبل قاضي التحقيق، فهل يحق لمحكمة الجنح التدخل بقرار الاحالة الصادر من قاضي التحقيق والتعديل عليه،هذا ما سوف نبينه من خلال المحاور الاتية :
المحور الاول: مدلول محكمة الجنح ومركزها القانوني في النظام القضائي العراقي:
تعد محكمة الجنح من المحاكم الجزائية، حيث تشكل في كل مكان فيه محكمة بداءة، وتنعقد من قاضي واحد فضلا عن عضو الادعاء العام، حيث تختص تلك المحكمة بنظر الجرائم التي يكون نوعها جنحة او مخالفة، وتطبق نصوص قانون أصول المحامات الجزائية العراقي المرقم23 لسنه1971،بالاضافه الى نصوص قانون العقوبات العراقي رقم111 لسنه1969،وتخضع احكامها وقرارتها للطعن امام محكمة الاستئناف بصفتها التمييزية في دعاوى الجنح، اما اذا كانت الجريمة المرتكبة "مخالفة" فتخضع الاحكام والقرارات الصادرة فيها للطعن امام محكمة الجنايات بصفتها التمييزية، وتجدر الاشارة الى انه يتم تعيين "قاضي محكمة الجنح" بطريق الترقية التي يحصل عليها اثناء خدمته في السلك القضائي، ويتوجب ان يكون الأخير من الصنوف المتقدمة في السلك القضائي، كالصنف الأول والثاني على الأقل، حيث ان الغاية التي يسعى الى تحقيقها "مجلس القضاء الأعلى" عندما حدد صنوف القضاة الذين يشغلون تلك الوظيفة ، والعلة في ذلك هو اناطة سلطة الحكم بدعاوى الجنح والمخالفات الى قاضي ذو خبرة قانونية كبيرة، ولديه قدر كاف من الممارسة الفعلية بالعمل القضائي، فضلاً عن مرور وجوده في هذا السلك وقت طويل، وخلال هذه المدة قد تزود بالاستقرار النفسي والاجتماعي، مما تجعله هذه المدة ان لايتعامل مع الدعاوى المعروضة امامه بدوافع شخصية او عقد، وهذا كله هو تحقق العدالة الجنائية وحماية حقوق الانسان وحرياته.
المحور الثاني: ما مدى صلاحية محكمة الجنح بالتدخل تمييزا بقرار الاحالة الصادر من قاضي التحقيق:
بينا سابقاً ان قرار الاحالة يصدر من قاضي التحقيق وهذا ما افصحت عنه المادة 130 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، اذ يعد الأخير وبحسب سياسة مشرعنا العراقي الجنائية هو "سلطة الاحالة"، الى محكمة الموضوع، فهو مستقل عن الاخيرة ولا سلطان عليه لغير القانون، الا ان السؤال الذي يثار هنا هو هل تملك محكمة الجنح التدخل بقرار الإحالة والتعديل عليه اذا شاب الأخير خطأ ام لا، للإجابة على هذا التساؤل الهام وعند اطلاعنا على بعض النصوص التي تناولت موضوعنا هذا من قانون أصول المحاكمات الجزائية سالف الذكر، وجدنا ان هناك امرين : الأول قاعدة والثاني استثناء، اما الأول فان محكمة الجنح لا تملك سلطة التدخل تمييزا بقرار الاحالة، الصادر من قاضي التحقيق والعله في ذلك المنع، حيث ان التدخل تمييزا بقرار الاحالة منح على سبيل الحصر "لمحكمة التمييز، ومحكمة الجنايات بصفتها التمييزية" وهذا ما نست عليه المادتين (265-264 أصول جزائية)، حيث نصت المادة “264”على (لمحكمة التمييز سلطة التدخل تمييزاً بموجب الفقرة (أ)، من ذات المادة، بالمقابل نجد ان المادة "265" الفقرة (ب)، على "يجوز لمحكمة الجنايات ان تتدخل تمييزاً وتجلب اي دعوى من محاكم الجنح ومن محكمة التحقيق او أي محضر تحقيق في جريمة"، حيث يفهم من النصوص أعلاه ان محكمة الجنح ليست من الجهات التي سمح لها المشرع بالتدخل تمييزاً، وهذا ما أكدته المادة (249) من ذات القانون، والتي نصت على "لكل من الادعاء العام والمتهم والمشتكي والمدعي بالحق المدني ان يطعن لدى محكمة التمييز في الاحكام والقرارات والتدابير الصادرة من محاكم التحقيق، اذا بنيت على مخالفة القانون، او خطأ في تطبيقه او تأويله او اذا وقع خطأ جوهري في الإجراءات الاصولية"، وهذا الحصر في سلطة التدخل التمييزي شكل عائق امام محكمة الجنح في تلافي الخطأ او النقص الوارد في قرار الاحالة الوارد اليها من قاضي التحقيق، فضلاً عن عدم وجود نص يجيز "لمحكمة الجنح" التدخل تمييزا بقرار الاحالة امام محكمة الجنايات بصفتها التمييزية، كونها ليست من اطراف العلاقة الذين منح لهم حق التدخل تمييزا بهذا القرار، ومع وجود هذا الخطأ في قرار الاحالة تستمر "محكمة الجنح" بفتح إجراءات المحاكمة مع وجود هذا الخطأ حتى اذا كان جوهري، وهنا تكون مجبرة على ذلك، ويستمر الحال لحين الطعن بقرار الحكم الصادر منها، الا اذا تم التدخل تمييزاً بطلب من ذوي العلاقة او عضو الادعاء العام المنتدب لدى محكمة الجنح، وفي حقيقه الامر وكثيراً ما يستنجد قاضي محكمة الجنح بزميله المدعي العام لطلب التدخل من محكمة الجنايات بصفتها التمييزية بقرار الاحالة، كون الاخيرة المختصة بنظر الطعون بقرارات وإجراءات قاضي التحقيق، والعلة وكما بينا أعلاه ان محكمة الجنح لا تملك التدخل التمييزي بقرارات قاضي التحقيق "قرار الاحالة"، اما الاستثناء على القاعدة المبينة أعلاه، فقد أجاز مشرعنا العراقي "لمحكمة الجنح" بعض الصلاحيات في التدخل بقرار الاحالة الصادر من قاضي التحقيق في الدعاوى الموجزة" والتي تكون فيها ماده الاتهام من نوع مخالفة، وهذا ما نصت عليه المادة (1/204 أصول جزائية)، والتي نصت على "اذا وجدت المحكمة في دعوى المخالفة والمحالة عليها بصوره موجزة، ان الجريمة المسندة الى المتهم جنحة وليست مخالفة، فلها ان تنظر الدعوى حسب ما تراه وفق تقديرها للواقعة، او ان تقرر اعادت الدعوى الى قاضي التحقيق لإجراء التحقيق وفق ما تراه مناسب مع مراعاه المادة(1/134 من ذات القانون)،فاذا وجدت ان الجريمة المحالة لها تشكل جناية فعليها اعاده الدعوى لإجراء التحقيق وفق ما ذكر أعلاه، اذ يفهم من النص المتقدم ان مشرعنا العراقي أراد من هذا الاستثناء كبح جماح قاضي التحقيق المتسيد على كافه إجراءات التحقيق الابتدائي، حيث انتهج مشرعنا سياسه التوازن بين السلطات ،بمعنى اخر انه اذا وجدت محكمة الجنح ان الجريمة المحالة اليها لا تشكل "مخالفة" بل تشكل "جنحة" فلها ان تعيد الدعوى الى قاضي التحقيق لإعادة التحقيق فيها وفق الأصول، وعلى الأخير الامتثال لقرارها وربط الدعوى بقرار احاله جديد، او ان تستمر بإجراءات ولا تلتزم بالتكييف الذي اسبغه قاضي التحقيق على الدعوى، ولذلك من خلال ما ورد أعلاه ان لحكمه الجنح صلاحيه الاختيار بين اعاده الدعوى الى قاضي التحقيق، او الاستمرار بالإجراءات، اما اذا كانت الجريمة المسندة للمتهم تم تكييفها من قاضي التحقيق على انها "مخالفة او جنحة" ورأت محكمة الجنح من خلال سلطتها في تدقيق الدعوى قبيل فتح إجراءات المحاكمة فيها انها تشكل "جناية"، فعليها ان تعيد أوراق الدعوى الى قاضي التحقيق، وعلى الأخير اتباع ما تراه محكمة الجنح، وربط الدعوى بقرار احاله جديد وتغير الوصف والتكييف القانوني ما يتناسب مع حجم الجريمة، وهذا ما نصت عليه المادة (1/204 أصول جزائية)، الا ان تلك المادة حرمت محكمة الجنح من امتلاك صلاحية احالة الدعوى الى محكمة الجنايات مباشرته اذا رات الجريمة تشكل جناية، وانما عليها اعاده الدعوى الى قاضي التحقيق وبدوره احالتها الى محكمة الجنايات كونه هو سلطة الاحالة وكما هو مبين أعلاه.
الخاتمة:
تبين لنا من خلال ما تقدم ان سلطة محكمة الجنح بالتدخل التمييزي بقرار الاحالة تكاد ان تكون معدومة كقاعدة عامة، ولا يجوز لها التدخل تطبيقاً لمبدأ الفصل الوظيفي بين سلطات القضاء الجنائي،فضلا عن ان التدخل التمييزي منح لجهات محددة ع سبيل الحصر كما هو مبين في مستهل حديثنا، وان محكمة الجنح ليست من تلك الجهات، وفي تقديرنا هذا الامر محل نظر كون محكمة الجنح تعد قضاء اعلى من قاضي التحقيق، ومن المفترض ان تكون لها صلاحية التدخل التمييزي بقرار الاحالة، كون هذا التدخل يعد ضمانة من ضمانات حقوق المتهم، التي رسمها مشرعنا العراقي،كما تبين لنا قد استثنى المشرع واجاز لمحكمة الجنح التدخل بقرار الاحالة بالنسبة لدعاوى الموجزة فقط، دون التوسع بهذا المنح، لذلك فنحن بدورنا كباحثين على موطن الخلل نطلق صوت العدالة ليقرع مسمع مشرعنا العراقي، والتوسع بهذا المنح لمحكمة الجنح بالتدخل التمييزي بقرار الاحالة الصادر من قاضي التحقيق وفق ماتراه مناسب سواء في الدعاوى الموجزه والغير موجزه،وعلى قاضي التحقيق اتباع ما صدر اليه من محكمة الجنح، كون الاخيرة اعلى في السلم القضائي من قاضي التحقيق، فضلاً عن تمتعها بالخبرة القضائية وباعها الطويل في السلك القضائي، وعليه فعلى مشرعنا العراقي تحريك المياه الراكدة الذي يخص هذا الموضوع وسد النقص التشريعي، لأنه وبحسب تقديرنا ان تحقق سوف يكون ضمانة اضافية الى الضمانات التي تراعي حقوق المتهم والتي اهتم بها المشرع العراقي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اعتقال موظفين بشركة غوغل في أمريكا بسبب احتجاجهم على التعاون


.. الأمم المتحدة تحذر من إبادة قطاع التعليم في غزة




.. كيف يعيش اللاجئون السودانيون في تونس؟


.. اعتقالات في حرم جامعة كولومبيا خلال احتجاج طلابي مؤيد للفلسط




.. ردود فعل غاضبة للفلسطينيين تجاه الفيتو الأمريكي ضد العضوية ا