الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأدبي والسياسي في -سعادة- وجيه مسعود

رائد الحواري

2020 / 9 / 15
الادب والفن


الأدبي والسياسي في
"سعادة"
وجيه مسعود
"قِبلةٌ في قُبلةٍ
ارزةٌ ونسورْ
جهاديونَ , رواقيونَ . فدائيونْ
نرفعُ رايةَ الاسئلة
وعلى كفِ المعزقِ . وعدُ تقاويٍ وبذورْ
تلةُ عشاقٍ ومقاومينْ . ضهور الشويرْ
كعبةٌ
جيشٌ
زوبعةٌ . ومكتبة
-----
من ( عرزالهِ ) عادت سوريا امةً . ووردة القصيدة"

جمالية الأدب تكمن في طريقة تقديم الفكرة وشكلها، وعندما تتناول القصيدة فكرة/موضوع سياسي، فهذا يُصعب الأمر على الشاعر، فكيف له أن يخرج من ثوب المباشرة والصوت العالي؟ وحصار الأفكار؟، وكيف سيُوصل الفكرة متجاوز العقبات التي تواكب الفكرة/الموضوع وتلازمه؟.
بحيادية أول مرة أجد موضوع سياسي يقدم بهذا الشكل الأدبي، فهو مختصر ومكثف، وجاء بشكل أدبي صرف، حتى أن جماليته تتفوق على سياسيته، وأن يفتتح الشاعر القصيدة بألفاظ حب بيضاء فهذا يعد استثنائي:
" قِبلةٌ في قُبلةٍ"
وأن يأتي المعنى بصورة حلول وتوحد، فهذا يقدمنا من العلاقة التي تجمع الشاعر بسعادة، بعدها يستخدم صيغة المفرد المؤنث وجمع المذكر:
" ارزةٌ ونسورْ" وكأنه يشير بها إلى العلاقة الطبيعية بين المرأة/الأم وأولادها، وإلى الحميمية التي تجذبهم إليها،، فصيغة الجمع تعني الكثرة، بينما كانت الأم/أرزة مفردة، وعندما قدم الأنثى على المذكر أراد الاشارة إلى أنها الأصل، وهي من أوجد المذكور، وإذا أخذنا أن الأرزة/شجرة مغروسة في الأرض ترتقي عاليا إلى السماء، وأن النسور تحلق عاليا وتضع اعشاشها في الأعلى، علما العلاقة الوطيدة التي تجمعهما، وبهذا الجمال الأدبي أوصل الشاعر فكرة "سعادة"، نسور الزوبعة".
يكمل الشاعر قصيدته مستخدما ثلاثة تسميات:
" جهاديونَ , رواقيونَ . فدائيونْ"
الجميل في هذا الترتيب أنه جعل أصحاب الفكر/الرواقيون في المنتصف، وكأنهم محميون من قبل الجهاديين والفدائيين، فهم يحافظون على أنهم وسلامتهم وأمنهم، وهذا يشير إلى أن الشاعر عندما كتب قصيدته تحرر كليا من التوجيه السياسي والمباشرة، وكتبها على أنه شاعر، وليس موجه سياسي، من هنا استطاع أن يحافظ على الشكل الأدبي بالإضافة إلى المضمون/الفكر السياسي.
والاستخدام الأول أول فعل جاء فيه:
" نرفعُ رايةَ الاسئلة"
عندما استخدم الشاعر صيغة المضارع أراد بها التأكيد على استمرار فعل (نرفع)، وعندما استخدم صيغة الجمع أراد ان يشرك المتلقي بفعل الرفع، وبهذا يكون قد اشرك القارئ بفعل الرفع الراية ـ بطريقة غير مباشرة ـ.
وإذا ما توقفنا عند ما هو السياسي في هذا المقطع، لا نجده ظاهر، لأن في السياسة لا توجد "راية الأسئلة"؟، لكن الشاعر يحسن تقديم شعره، لهذا أقرن الراية بالبحث والتساؤل، فهو كشاعر يرفض أن يكون مجرد متلقي، وأيضا يرفض أن يكون ملقنا، لهذا جاءت الراية بهذا الشكل الأدبي وليس السياسي.
بعد فعل "نرفع" والذي يعني نعلوا، يتقدم الشاعر من الرافعين للراية:
" وعلى كفِ المعزقِ . وعدُ تقاويٍ وبذورْ"
يقربنا الشاعر من الأرض والفلاح وعلاقتهما بطريقة رائعة، فقد اختصر الحديث مكتفيا، "كف المعزق" ونتيجة عمل الفلاح على الأرض، فجاء المقطع مكثفا ومختصرا، "وعدُ تقاويٍ وبذورْ".
وإذا ما توقفنا عند المقطع كاملا، نجد أن الشاعر قدم "المعزق" على "البذور"، وهذا امر طبيعي، حيث يتم تنظيف الأرض من الأعشاب الضارة قبل بذرها، لكن جمالية المقطع تكمن في جعل "وعد تقاوى"/الفكرة/الأمل يسبق فعل الفلاحة/البذور، وكأنه يقول أن الفلاح يضع فكرة الأمل في بالذرة قبل بذرها.
واللافت أن الشاعر استخدم صيغة "تقاوى" ولم يستخدم "تقوى" وكأنه يقول أن الفلاحة/الفكرة/الأمل نمت وما زالت تنمو، لهذا جاءت الألف في "تقاوى" كتأكيد (لفظي وفكري) على النماء القوي والمستمر.
الأرض/المكان حاضرة عند الفلسطيني، فهو يتعامل مع المكان كما يتعامل مع الجسد والروح:
" تلةُ عشاقٍ ومقاومينْ . ضهور الشويرْ"
يرفع الشاعر مكانة اصحاب فكر "سعادة" من خلال "تلة عشاق ومقاومين" وهذا يأخذنا إلى فاتحة القصيدة التي بدأها "قبلة في قبلة" فهو يقدم البياض على الشدة/القسوة، من هنا قدم العشاق على المقاومين ـ رغم أهميتهم ـ، ولكنه جعلهم موحدين متكاملين من خلال واو العطف، فهو كشاعر، يرى أهمية الابتعاد عن المباشرة، لهذا أقرن ال"تلة" بالعشاق والمقاومين، فهو (يربطهم) بالأرض/بالتلة ومقرونين بها، فهم حماة الأرض.
أما الشطرة الثانية " ضهور الشويرْ" فهي بلدة "سعادة" ومكان ولادته، وقد جعلها الشاعر بعد نقطة، وكأنه يريد من القارئ أن يتوقف عند هذا المكان متفكرا، ألم يرفع "راية الأسئلة"؟.
يقدم الشاعر كلمات (متقطعة):
" كعبةٌ

جيشٌ

زوبعةٌ . ومكتبة"
أربع كلمات يختزل بها الشاعر رؤيته لفكر ونهج "سعادة"، فنحن نعلم أن "كعبة" مكان ديني مقدس، وهي لفظ ناعم، أما "جيش" فهو لفظ شديد/قاس، و "زوبعة" راية حزب سعادة، ومكتبة، مكان للعلم والمعرفة، ومن هذا الجمع نخرج بفكرة "الفكر/المقدس، والرجال/الأشداء، والراية/الزوبعة، والفكرة والمعرفة/المكتبة، هي منهج وطريق سعادة للحرية والنهضة، وبهذا يكون الشاعر قد حافظ على أدبية وجمالية القصيدة، حتى عندما تناول أسس الفكرة التي يعشقها.
ويختم القصيدة بقوله:
"من ( عرزالهِ ) عادت سوريا امةً . ووردة القصيدة"
رغم (المباشرة) في "عادت سوريا أمة" إلا أنه عندما أسبقها ب" عرزالهِ " محى وازال تلك المباشرة، فالتركيب الجميل للفظ "عرزالهِ" مرر المقطع بصورة ناعمة وهادئة.
وجاءت الخاتمة:
" ووردة القصيدة"
كتأكيد لتألق الشاعر، وكأن العقل الباطن فيه ـ جعلة ينتشي بما قدمه من شعر، فأعجبه ما كتب، فجاءت "ووردة القصيدة" كتأكيد على أدبيتها، وكإشارة على وودة فكرة سعادة نهجه.
القصيدة منشورة على الحوار المتمدن على هذا الرابط
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=691580








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحكي سوري- رحلة شاب من سجون سوريا إلى صالات السينما الفرنسي


.. تضارب بين الرواية الإيرانية والسردية الأمريكية بشأن الهجوم ع




.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي


.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل




.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج