الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


غزوة السويق لم تكن في شهر ذي الحجة ؟

محمد بن ابراهيم

2020 / 9 / 18
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


تعتبر الكرنولوجيا أداة لا غنى عنها بالنسبة للباحث في التاريخ، فهي التي تضع الحدث/ الرواية في سياق ما، وعلى أساسها يتحدد السابق من اللاحق، فترتب الأحداث وتحدد بينها الروابط المنطقية في اتجاه اضفاء معنى ما عليها، بإقامة علاقات سببية بينها بسيطة كانت؛ أو مركبة، وبها يتم بناء العلاقات بين المقدمات والنتائج، إنها ليست مجرد احتفاء بالعدد، بالشهر واليوم والتاريخ، إنها وقبل أي شيء آخر ما يحدد حمى الرواية / الحدث ويمنع استباحته أو نقله إلى مساقات وسياقات أخرى غير التي نزل فيها أو قيد بها، وقد شكلت السرديات والمتون الروائية الاسلامية في هذا الاتجاه علامة فارقة من حيث الاستناد إلى الرواية الشفوية في التدوين، و من حيث اضطراب التأريخ للوقائع النبوية. وإذا كان الاستناد إلى الرواية الشفوية قد أدى إلى ارتهان المصنفات الاسلامية في المغازي والسيرة برهانات وأعطاب الذاكرة المتفجرة لجيل من أواخر الرواة، فإن اضطراب الكرنولوجيا يجعلنا نشكك في مصداقية العلاقات السببية التي أقيمت بين أحداث سيرة كتبت في ظروف تاريخية ألقت فيها العوامل السياسية بثقلها وظلالها على ذاكرة الرواة الأصليين، فحجرت عليها؛ ووجهت يراع الكتاب نحو مساقات تخدم أو تتقي السلطة السياسية القائمة؛ أو الفاعلين الأساسيين الذين عادوا إلى مسرح الأحداث بعد وفاة الرسول وتحولوا من جديد إلى فئة ظاهرة لا تحب أن تذكر بشر.
لقد قادنا اشتغالنا على سرديات السيرة النبوية عبر استعادة النسيء وتوزيعه على الكلندار النبوي إلى الوقوف على حجم الاختلالات الكرنولوجية التي اخترقت أحداث السيرة بشكل ينتهى بنا إلى اقرار أن الروابط المنطقية الحافظة للتسلسل و العلاقات السببية القائمة بين الأحداث، علاقات وروابط مفتعلة إلى الحد الذي لا يدرى فيه الفعل من رد الفعل، وإلى الحد الذي أضر بقدرتنا على تعليل وتحديد كثير من أسباب الحوادث التي جرت في حياة الرسول، وتعتبر في هذا الصدد حوادث السنتين الثانية والثالثة للهجرة فيما بين بدر واحد، نموذجا تجريبيا لهذا الإقرار الذي تظهر مؤشرات مصداقيته في الاختلاف الشديد بين علمي السيرة ابن اسحاق والواقدي في توطين أحداثه وترتيبها، لجأ ابن اسحاق إلى تعويم الأحداث واختزالها، وإلى تقدير التأريخ وتمطيط الزمن بين بدر وأحد، ونحى منحى التقدير عوض التحديد وأطال غيبة الرسول عن المدينة وإقامته فيها لشهور. فيما عمد الواقدي إلى تواريخ أيام لا تكاد تستقيم إلا بقلب آخر الشهر أوله.، وحشر سرية قتل كعب بن الأشرف وغزوة "ذي أمر" في ربيع الأول وجعل الرسول يظهر في زمن واحد بمكانين مختلفين، فتحول شهر ربيع الاول هذا من شهر يعرف، إلى جراب يحشى بتأريخ الزهري فيه أيضا لغزوة بني النضير وفق نص صحيح على منهج المحدثين، ومع هذا فإنه يمكن عبر مطابقة أشهر العدة مع أشهر النسي، ومن خلال دراسة بعض الظروف الزمنية الجوانية التي وردت في متون بعض الغزوات، أن نعيد ترتيب هذه الأحداث وتوطينها زمنيا، بشكل يدلل على تسرب شهور النسي إلى تواريخ السيرة النبوية، وبما يؤكد في نهاية المطاف مصداقية تعريفنا للنسيء بما هو ترك المحرم عاما وإثباته عاما. وفي هذا الإطار نعتبر دراسة تأريخ غزوة السويق نموذجا مثاليا للكشف عن افتعال سياقات السير والمغازي وعوار ترتيبها لغزوات الرسول على أقل تقدير فيما بين بدر واحد، هذا ان لم يتم نقل بعضها الى ما بعد احد، فالمعول عليه أن كتاب المغازي والسير قد اتخذوا من بدر واحد معلمين أساسين في ترتيب الغزوات بما قبل، وبما بعد.
نص ابن اسحاق :
السياق الترتيبي:
فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من بدر إلى المدينة وكان فراغه من بدر في عقب رمضان أو في أول شوال، فلم يقم بالمدينة إلا سبع ليال حتى غزا بنفسه يريد بني سليم، حتى بلغ ماء من مياههم يقال له الكدر، فأقام عليه ثلاث ليال، ثم رجع إلى المدينة ولم يلق كيداً، فأقام بقية شوال وذا القعدة وفادى في إقامته تلك جل الأسارى من قريش.
السياق الزمني ومتن الرواية:
ثم غزا أبو سفيان بن حرب غزوة السويق في ذي الحجة، وولي تلك الحجة المشركون من تلك السنة. أخبرنا عبد الله بن الحسن الحراني قال: حدثنا النفيلي قال: نا محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق قال: فكان أبو سفيان كما حدثني محمد بن جعفر بن الزبير، ويزيد بن رومان، ومن لا أتهم، عن عبد الله بن كعب بن مالك، وكان من أعلم الأنصار، حين رجع إلى مكة ورجع فل قريش من بدر حلف ألا يمس رأسه ماء من جنابة حتى يغزو محمدا- صلى الله عليه- فخرج في مائتي راكب من قريش ليبر يمينه فسلك النجدية حتى نزل بصدر قناة إلى جانب جبل يقال له تيت: « من المدينة على بريد أو نحوه، ثم خرج من الليل حتى أتى بني النضير من تحت الليل فأتى حيي بن اخطب فضرب عليه بابه فخاف فلم يفتح له فانصرف إلى سلام بن مشكم وكان سيد بني النضير في زمانه ذلك، وصاحب كنزهم ، فاستأذن عليه، فأذن له وقراه وسقاه وبطن له من خبر الناس، ثم خرج من عقب ليلته حتى أتى أصحابه، فبعث رجالاً من قريش إلى المدينة، فأتوا ناحية منها يقال لها العريض فحرقوا في أصوار من نخل بها، ووجدوا رجلاً من الأنصار وحليفاً له في حرث لهما فقتلوهما، ثم انصرفوا راجعين، ونذر بهم الناس، فخرج رسول الله صلى الله عليه في طلبهم حتى انتهى إلى قرقرة الكدر، ثم انصرف راجعاً وقد فاته أبو سفيان وأصحابه، وقد رأوا أزواداً من أزواد القوم قد طرحها، في الحرث يتخففون منها للنجاء، فقال المسلمون حين رجع بهم رسول الله صلى الله عليه: أتطمع لنا أن تكون لنا غزوة؟ قال: نعم.... فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة السويق أقام بالمدينة ذا الحجة والمحرم، أو قريباً منه ثم غزا نجداً يريد بني غطفان وهي غزوة ذي أمر، فأقام بنجد صفراً كله، أو قريباً من ذلك، ثم رجع إلى المدينة ولم يلق كيداً.
• وطن ابن اسحاق (80 هـ - 699 / 151 هـ - 769م) غزوة السويق بعد أقل من شهرين من عودة الرسول من غزوة بني سليم التي جعلها في شوال من السنة الثانية، وزعم أن الرسول فادى بعد عودته منها جل الأسارى من قريش، ليضفي معنى على توقيته لغارة قريش على المدينة، بحيث أنهم انتظروا حتى افتدي جميع الأسرى ليغيروا عليها؛ فيما عرف بغزوة/ غارة السويق، ونحن سنكشف عوار هذا السياق من خلال البرهنة على أن غزوة السويق لم تكن في ذي الحجة العدة الذي أرخها به، ومتى ما تأكد لنا ذلك انهار تأطيره الزمني والترتيبي للغزوة، أي قوله: "فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من بدر إلى المدينة وكان فراغه من بدر في عقب رمضان أو في أول شوال، فلم يقم بالمدينة إلا سبع ليال حتى غزا بنفسه يريد بني سليم، حتى بلغ ماء من مياههم يقال له الكدر، فأقام عليه ثلاث ليال، ثم رجع إلى المدينة ولم يلق كيداً، فأقام بقية شوال وذا القعدة وفادى في إقامته تلك جل الأسارى من قريش". وتداعى تبعا لذلك أيضا قوله: " فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة السويق أقام بالمدينة ذا الحجة والمحرم، أو قريباً منه ثم غزا نجداً يريد بني غطفان وهي غزوة ذي أمر، فأقام بنجد صفراً كله، أو قريباً من ذلك، ثم رجع إلى المدينة ولم يلق كيداً" وبان عوار هذا الترتيب مما يستوجب البحث عن قرائن جديدة لإعادة ترتيب أحداث السيرة فيما بين بدر واحد باعتبارهما معلمين زمنيين حكما هذا الترتيب وحجرا عليه في الأصل بما بعد بدر وقبل أحد.
• جعل ابن اسحاق غزوة / غارة السويق في شهر ذي الحجة، بعد شهرين من غزوة بدر التي مني فيها المشركون بهزيمة مدوية، وأورد قصة يمين أبي سفيان حتى يتسنى له ضمنيا تعليل قصر المدة بينها وبين هزيمة بدرفي ذهن المتلقي، غير أنه وقع بتوطينه للغزوة في شهر ذي الحجة في مفارقة مع قوله: " وولي تلك الحجة المشركون من تلك السنة" دون أن يتنبه إلى اختلاف شهر حج المسلمين عن شهر حج المشركين، مما تسبب له في معاناة حقيقية في سبيل ترتيب أحداث السيرة بين بدر واحد، فمن المعلوم أن حج المشركين كان يتم وفق ضلالة النسي التي بيناها في مقالاتنا السابقة، وليس وفق العدة المستقيمة، فاتخذ شهر ذي الحجة النسي هذا وبنى عليه كشهر عدة مستقيمة، فقدم وأخر، وافتعل الروابط والسياقات حتى يتسنى له تقديم تسلسل منطقي للأحداث يربط بعضها إلى بعض سواء بشكل صريح أو ضمني في ذهن القارئ. اللهم إلا أن يكون قوله: "وولي تلك الحجة المشركون من تلك السنة" زيادة من رأسه، قدرها دون أن تكون مسنودة إلى راوية، ونحن سنبين بناء على عناصر أخرى أن الغزوة/ الغارة لم تكن في ذي الحجة العدة، وإنما كانت في ذي الحجة النسي المواطئ لربيع الثاني من السنة الثالثة للهجرة.
• خالف الواقدي (130 هـ - 207 هـ) = (747 - 823م) ابن اسحاق في ترتيب الغزوة فجعلها بعد غزوة بني قينقاع التي كانت حسبه في شوال السنة الثانية، فيما جعل غزوة بني سليم في النصف من المحرم بعد غزوة السويق، غير أنه وافق ابن اسحاق في توطين غزوة السويق بشهر ذي الحجة السنة الثانية، بل وأرخ لخروج الرسول في أثر أبي سفيان بيوم الأحد لخمس خلون منها، موردا قبلها خبرا مفاده أن الرسول استخلف ابا لبابة بن المنذر على المدينة ثلاث مرات: بدر القتال وبني قينقاع وغزوة السويق .
• اتفق ابن اسحاق والواقدي في أن غزوة غارة /السويق كانت بعد هزيمة بدر، وأن أبا سفيان نذر بعدها يمينا اختلفا في مضمونه، فبينما اكتفى الواقدي برواية: "أنه حرم على نفسه الدهن حتى يثأر لأصحابه"، توسع ابن اسحاق في مضمونه برواية مفادها أنه حرم على نفسه أن لا يمس رأسه ماء من جنابة حتى يغزوا محمدا، وهي رواية تصادف في وهم المتلقي أن أبا سفيان لن يصبر على ذلك طويلا، وأنه سرعان ما سيغير على المدينة. وجعلا معا رغبة أبي سفيان البر بيمينه سببا للغارة، فيما يكشف التوطين الجديد للغزوة في ذي الحجة النسي المواطئ لربيع الثاني العدة أن أسبابا سياسية واقتصادية هي التي دفعته إلى الغارة في هذا التوقيت على المدينة، منها التحالف مع بني النضير ضد المسلمين كما يكشف عن ذلك شعره الذي أورده ابن اسحاق وبشر فيه حليفه سلاما بن مشكم بعز ومغنم، ومنها تهيئة الظروف المواتية لانطلاق القوافل التجارية من مكة إلى الشام في رحلة الشتاء عقب انتهاء موسم الحج بالتعمية عنها ودفع المسلمين إلى موقف دفاعي يترقب غارات المشركين عوض تتبع أخبار القوافل والترصد لها، خاصة بعدما اشتكى ملأ مكة من أن المسلمين "عوروا عليهم متجرهم و طريقهم نحو الشام"، ففكروا في طريق أخرى عبر العراق تجنبا للطريق الساحلي الذي أمسى تحت مراقبة المسلمين. وهي أسباب لم تنطلي في واقع الأمر على الرسول، إذ سرعان ما تسرب خبر العير إلى المسلمين عقب جلسة خمرية في بني النضير، فبعث الرسول سرية زيد بن حارثة لاعتراضها في جمادى الآخرة، وغنموا منها أموالا عظيمة وأواني فضة نرتاب أن يكون مصدرها من يهود بني النضير حتى يتمولوا بها الحرب على المسلمين في هذا الحلف الجديد بينهم وبين قريش، إذ لم نعهد للمكيين صاغة وصناع فضة، ومعروف أن اليهود هم من احتكر هذه الحرفة، سيما وأن أبا سفيان أتى صاحب كنزهم في جنح الليل. فأنى لهم بتلك الأواني الفضية إن لم تكن من اليهود ؟ وما الذي تمثله حمولة الزاد/ السويق بالنسبة لراكب حتى يتخلص منها إن لم يكن ما دفعه إلى ذلك في حقيقة الأمر أثقل وزنا وأغلى ثمنا؟ هل رآهم المسلمون يتخلصون من الزاد؟ إن قلنا نعم فلماذا لم يلحقوهم؟ أم أنهم وجدوا السويق مطروحا في الحرث كما نفهم من رواية ابن اسحاق فظنوا أنهم طرحوه حتى يتخففوا طلبا للنجاء.
• اتفق ابن اسحاق والواقدي في حيثية الطريق وزمن الذهاب إلى بني النضير والغرض من ذلك، و في ما كان من رفض حيي بن أخطب استقبالهم، ثم حسن استقبالهم من طرف سلام بن مشكم صاحب كنزهم، وإن اختلفت الروايات التي أورداها على مستوى الجمع والإفراد، وعلى مستوى العدد ومكان نزول جيش الغارة، فابن اسحاق حدد عددهم في مائتي راكب من قريش وذكر أنهم نزلوا بصدر قناة إلى جانب جبل تيت؛ وحصر أمر إتيان بني النضير على أبي سفيان دون غيره، في حين ذكر الواقدي روايتين عن عددهم، فهم في رواية الزهري مائتين، وفي رواية ابن كعب " في أربعين راكبا"، وتحدث بالجمع عن إتيانهم بني النضير و طرقهم حيي بن أخطب ثم سلام بن مشكم، وأن هذا الاخير " قراهم وسقى أبا سفيان خمرا" دون أن يذكر أي شيء عن موضع نزول الجيش. هل نتبرع بالجمع بين الروايتين فنقول أنه جاء في مائتي راكب وأتي بني النضير في أربعين أم نتهم الروايات بمحاولة التقليل من حجم الغارة ووقعها على المسلمين؟ كيف يكتفي أبو سفيان ببعث رجال له من قريش لقتل رجلين وتحريق نخل وتخريب حرث دون أن يشارك فيها وهو صاحب النذر علة الغارة وسببها حسبهم، وعليه أن يبر بيمينه كما تزعم الروايات الواردة ؟ لعل الواقدي استشكل ذلك أيضا فخالف ابن اسحاق وذكر أن أبا سفيان "خرج بالسحر فمر بالعريض " فوجد رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ مَعَ أَجِيرٍ لَهُ فِي حَرْثِهِ فَقَتَلَهُ وَقَتَلَ أَجِيرَهُ، وَحَرّقَ بَيْتَيْنِ بِالْعُرَيْضِ وَحَرّقَ حَرْثًا لَهُمْ، وَرَأَى أَنّ يَمِينَهُ قَدْ حُلّتْ، ثُمّ ذَهَبَ هَارِبًا، وَخَافَ الطّلَبَ". بدلا مما أورده ابن اسحاق من قوله " ثم خرج من عقب ليلته حتى أتى أصحابه، فبعث رجالاً من قريش إلى المدينة، فأتوا ناحية منها يقال لها العريض فحرقوا في أصوار من نخل بها، ووجدوا رجلاً من الأنصار وحليفاً له في حرث لهما فقتلوهما، ثم انصرفوا راجعين، ونذر بهم الناس، فخرج رسول الله صلى الله عليه في طلبهم حتى انتهى إلى قرقرة الكدر". دون أن يذكر كما فعل الواقدي " أنه رأى أن يمينه قد حلت ".
• إن اتفاق ابن اسحاق والواقدي في حجم الخسائر البشرية والمادية والتغاضي على غير العادة عن ذكر اسم القتيلين، وإن ورد اسم أحدهما وهو معبد بن عمرو الأنصاري- كما في تاريخ الطبري عن الواقدي و في امتاع الأسماع للمقريزي والكامل في التاريخ لابن الاثير- دون أن يكون له ذكر واضح ومحدد في كتب الرجال، ليشى أن الذاكرة التي روت روايات هذه الغزوة كانت واقعة تحت الحجر الذاتي لأسباب تبقى غير واضحة. هل خرج كعب بن الاشرف مع جيش قريش في هذه الغارة؟ وهل كانت السبب في قتله بعد أن حمله المسلمون المسؤولية عن خسائرها البشرية فتحصن في حصنه ورفض النضريون تسليمه أو دفع الدية للمسلمين عنه؟ يبدوا هذا التحليل ضربا من الخيال الجامح في أحسن الأحوال، ونوعا من محاولة التبرير لعملية اعتبرت ولا زالت غيلة وغدرا. وبين الرأيين لا أرى نفسي إلا في خضم روايات مشبوهة و طافحة بالتناقضات، ولعل ما تجمع عليه بشكل عام هو أن كعبا هذا خرج في عقب بدر إلى قريش يبكي قتلاها ويحضها على قتال المسلمين وقال : "ولكن اخرج إلى قريش فأحرضها وأبكي قتلاها لعلهم ينتدبون فأخرج معهم". (سبل الهدى والرشاد - الصالحي الشامي - ج ٦ - الصفحة ٢٥) والسؤال متى انتدبت قريش ومتى كان خروجه معهم؟ " فلو قر كما قر غيره ممن هو على مثل رأيه لما قتل" كان هذا تقريبا جواب الرسول لليهود عن سبب قتل سيدهم كما في مغازي الواقدي؟. نترك هذه القضية الآن فقد تبدي لنا الأيام سر تولى بني عبد الأشهل من الأوس قتله، وقد تبدي لنا الأيام سر الدية الواردة في سياق بئر معونة واجلاء بني النضير، فلا ندري هل استعان عليها الرسول بني النضير أم سألهم كيف الدية عندكم أم استسلفهم؟ وهل سعى إلى قبضها منهم أم إلى دفعها لهم؟ المؤكد أن هناك سياقات وروايات استبيحت ونقلت من مكان إلى آخر وسيقت إلى أقل المواطن اثارة واستفزازا للحساسيات الجديدة الظاهرة على الأمر، هذا إن لم تكن بترت بالكامل أو غيبت من الأساس.
• بالعودة إلى رواية ابن اسحاق نجده قد أورد في شأن غزوة السويق تفصيلا عن الحرث فقال: "ووجدوا رجلاً من الأنصار وحليفاً له في حرث لهما فقتلوهما". وقال أيضا : " وقد رأوا أزواداً من أزواد القوم قد طرحها، في الحرث يتخففون منها للنجاء" وهو تفصيل وافقه فيه الواقدي فقال" فَيَجِدُ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ مَعَ أَجِيرٍ لَهُ فِي حَرْثِهِ فَقَتَلَهُ وَقَتَلَ أَجِيرَهُ، وَحَرّقَ بَيْتَيْنِ بِالْعُرَيْضِ وَحَرّقَ حَرْثًا لَهُمْ" ويبدوا أن كاتبه ابن سعد ( 168هـ ـ784م 230هـ - 845م) قد استشكل في طبقاته قول شيخه الواقدي: " وحرق حرثا لهم" فأبدلها بقوله: "وحرق أبياتا هناك وتبنا ورأى أن يمينه قد حلت ثم ولى هاربا"( الطبقات الكبرى - محمد بن سعد - ج ٢ - الصفحة ٣٠) لما علم أن الحرث لا يحرق، فقرر أن لا يذكر شيئا عن الحرث بالمرة. ما الذي حمله على ذلك وقد احتفظ بنفس التاريخ الذي ذكره شيخه الواقدي؟ هل علم بشكل ما عدم موافقة قول شيخة :"في شهر ذي الحجة لخمس خلون على رأس اثنين وعشرين شهرا من مهاجره" لموسم الحرث فضرب عن ذكره صفحا؟ على أن الطبري (839 – 923 م ) هو الآخر نقل عن الواقدي "أنه زعم أن غزوة السويق كانت في ذي القعدة؛ وهو قول انفرد به الطبري وليس له ذكر في مغازي الواقدي ولا في طبقات ابن سعد، إلى أن قال أن الرسول هو الذي خرج في مائتي رجل من أصحابه. كما ذكر أيضا عن الواقدي دائما أن "أبا سفيان مر بالعريض فحرق أبياتا هناك وتبنا " (تاريخ الطبري - الطبري - ج ٢ - الصفحة ١٧٦). فيما وافق ابن هشام (توفي 218 هجرية) "شيخه" ابن اسحاق في جميع تفاصيل الغزوة. أيا يكن فإن حرق التبن لا يحيل على أي موسم فصلي، سيما وأنهم قالوا اسنادا الى الواقدي: "أن أبا سفيان حرق أبياتا هناك وتبنا" ما قد يفيد أن التبن حرق داخل هذه البيوت، فهو علف الدواب الوارد وجوده عندهم على مدار العام.
• بالعودة إلى المعطيات الكلندارية للسنة الثانية للهجرة ( انظر العام 56 في الرابط اسفله) نجد أن ذا الحجة العدة المستقيمة قد امتد من 27 ماي إلى 25 يونيو 624 ميلادية غريغورية ؛ وهو ما يوافق عمليا نهاية الربيع وبداية الصيف مما لا يتفق مع تفصيل الحرث الوارد لدى كل من ابن اسحاق والواقدي في مغازيه وإن لم يتابعه فيه ابن سعد، كما يتعارض كما اشرنا آنفا مع تنصيص ابن اسحاق على تولي المشركين لتلك الحجة، ما يجعل حجهم في الواقع بشهر ذي الحجة النسي وليس العدة، فكان حجهم مواطئا في تلك السنة/ الطور 15 من أطوار النسي، لشهر ربيع الثاني العدة من السنة الثالثة للهجرة، الذي امتد من 22 شتنبر إلى 20 اكتوبر 624 ميلادية غريغورية، وهو ما يتفق تماما مع موسم الحرث البوري إلي يومنا هذا، على أننا نرجح أن تكون الغارة في أواخر ذي الحجة وليس في بدايتها، فمن المفترض من أبي سفيان أن يكون حاضرا في موسم الحج، اللهم إلا إذا خشي أن تشمت به العرب بعد هزيمة بدر؟ صحيح أن يوم الأحد لخمس خلون من ذي الحجة يوافق تماما في تقويم الليالي العددية الأحد لخمس خلون من ربيع الثاني/ ذي الحجة النسي، إلا أننا نتوجس أن يكون التأريخ المذكور مستعادا على أساس المسافات / المراحل بين المدينة وقرقرة الكدر التي بلغها الرسول في طلب جيش قريش، بهدف مطابقة عودته منها إلى المدينة مع عيد الاضحى، إذ غاب عنها خمسة أيام حسب ابن سعد، فيتسنى لهم بذلك موافقة رواية جابر بن عبد الله عن أول عيد أضحى شهده المسلمون بالمدينة بعد العودة من غزوة بني قينقاع، لكن مع فتح الباب أمام توهيمه، فيكون هذا العيد بالتالي بعد غزوة السويق، لا بعد غزوة بني قينقاع كما توهم؟ فقد أرخ الواقدي لبني قينقاع في شوال بعد بدر، فيما لم يحدد لها ابن اسحاق شهرا وتركها معلقة بين ذلك، فساق المقريزي ( توفي 845 هجرية) في إمتاع الأسماع بما للنبي من الأحوال والأموال والحفدة والمتاع، أول عيد ضحى فيه المسلمون بالمدينة مباشرة بعد ذكره غزوة السويق، فقال: "وعاد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى المدينة. وصلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم صلاة الأضحى بالمصلى، وضحى بشاة، وقيل: بشاتين، وضحّى معه ذوو اليسار. قال جابر ضحينا في بني سلمة سبع عشرة أضحية، وهو أول عيد ضحى فيه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم" دون ان يذكر أي شيء عن سياق جابر بن عبدالله للحديث والذي لا يمكن القطع به على أن غزوة بني قينقاع التي كانت عند الواقدي في شوال العدة بعد بدر قد كانت في ذي الحجة، فجابر بن عبدالله لم يقل أنها كانت في ذي الحجة بل قال "لما رجعنا من بنى قينقاع ضحينا في ذي الحجة صبيحة عشر وكان أول أضحى رآه المسلمون وذبحنا في بنى سلمة فعدت في بنى سلمة سبع عشرة أضحية" وهذا يعني أنه لم يكن بين اجلائهم في شوال وحضور عيد الأضحى في ذي الحجة أي غزوة أو حدث يستحق الذكر ومن هنا ساق الطبري حديثه عن غزوة بني قينقاع نقلا عن الواقدي إلى أن قال :" ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وحضرت الأضحى فذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحى وأهل اليسر من أصحابه يوم العاشر من ذي الحجة وخرج بالناس إلى المصلى فصلى بهم"( تاريخ الطبري - الطبري - ج ٢ - الصفحة ١٧٣). اما بخصوص تأريخ غزوة السويق فقد روى الطبري عن بعضهم: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا يوم الأحد لسبع ليال بقين من ذي الحجة غزوة السويق" (تاريخ الطبري - الطبري - ج ٢ - الصفحة ١٧٥) وهو قول لا يمكن موطئته كلنداريا مع أي من الحجتين لكنه يفيدنا في عدم الاطمئنان المطلق إلى تأريخ الواقدي للغزوة لخمس خلون، فقد تكون فعلا ففي أواخر ذي الحجة النسيء/ ربيع الآخر العدة، فيكون ذلك حلا مقبولا لما استشكلناه آنفا من تخلف زعيم قريش عن موسم الحج في تلك الغارة.
• بتحقيقنا لغزوة/ غارة السويق في ربيع الثاني العدة من السنة الثالثة للهجرة، بناء على استرجاعنا لشهور النسي المواطئة لشهور العدة، وبناء على دراسة الظروف الزمنية الجوانية الواردة في متن الروايات، يتضح بجلاء أن سياقات كتاب المغازي والسير وترتيبهم للوقائع فيما بين بدر وأحد ذهب ضحية ذي الحجة النسيء هذه، فكانت الروابط التي تحفظ عندهم التسلسل المنطقي للأحدا وتؤطرها بين حدثين مجرد روابط وهمية مفتعلة لا تعكس حقيقة الأمر. وعودا إلى بدء نقف عند مصداقية تأطير ابن اسحاق لهذه الغزوة/ الغارة بعد غزوة بني سليم وقبل ذي أمر بعد الذي بيناه من أمر غزوة السويق، فقال : "فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من بدر إلى المدينة وكان فراغه من بدر في عقب رمضان أو في أول شوال، فلم يقم بالمدينة بعد رجوعه من بدر إلا سبع ليال حتى غزا بنفسه يريد بني سليم، حتى بلغ ماء من مياههم يقال له الكدر، فأقام عليه ثلاث"، دون أن يذكر أي تفاصيل عن هذه الغزوة، فيما ترجم لها ابن هشام في سيرته تحت اسم غزوة بني سليم بالكدر دون أن يضيف أي تفاصيل جديدة، وبالمقابل ترجم لها الواقدي مباشرة بعد غزوة السويق تحت اسم "غزوة قرارة الكدر إلى بنى سليم وَغَطَفَانَ لِلنّصْفِ مِنْ الْمُحَرّمِ، عَلَى رَأْسِ ثَلَاثَةٍ وَعِشْرِينَ شَهْرًا، غَابَ خَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَةً". وفي متن الروايات التي أوردها نقف على محاولة لتبرير خروج الرسول إليهم في المحرم بقوله : "وَكَانَ الّذِي هَاجَهُ عَلَى ذَلِكَ أَنّهُ بَلَغَهُ أَنّ بِهَا جَمْعًا مِنْ غَطَفَانَ وَسُلَيْمٍ" مما يشي بأن هناك اشكالا في تأريخ الغزوة بالمحرم تستهدف الرواية محو أثره من ذهن المتلقي، واسترسل الراوية الى أن قال "حَتّى جَاءَ فَرَأَى آثَارَ النّعَمِ وَمَوَارِدَهَا، وَلَمْ يَجِدْ فِي الْمَجَالِ أَحَدًا.... فَوَجَدَ رِعَاءً فِيهِمْ غُلَامٌ يُقَال لَهُ يَسَارٌ، فَسَأَلَهُمْ عَنْ النّاسِ فَقَالَ يَسَارٌ :لَا عِلْمَ لِي بِهِمْ، إنّمَا أُورَدُ لِخَمْسٍ وَهَذَا يَوْمٌ رِبْعِيّ، وَالنّاسُ قَدْ ارْتَبَعُوا إلَى الْمِيَاهِ، وَإِنّمَا نَحْنُ عُزّابٌ فِي النّعَمِ." فهذا الغلام يقول بأن الناس قد ارتفعوا إلى المياه للإقامة بها فيما الرعاء عزاب في النعم ملازمون لها بعيدا عن المحال التي يقيمون بها أصالة ، مضيفا أنه يورد النعم كل خمسة ايام؛ ويهمنا هنا استغلال هذه المعطيات كظروف زمنية جوانية للكشف عن الزمن الفصلي/ الموسمي الذي كانت فيه هذه الغزوة، فالمحال فارغة من القوم إلا من العزاب في النعم، والناس قد ارتفعوا إلى المياه، والغلام يسار يورد كل خمسة أيام، وهي معطيات تبين أن الزمن الفصلي كان صيفا قائظا وليس ربيعا، فالناس قد ارتحلوا من القرقرة ومن بطون اوديتها إلى حيث الماء بعدما جفت مياه الغدران مع دخول جمرة القيظ ؛ وهي ظروف زمنية لا تناسب شهر شوال العدة الذي وطن فيه ابن اسحاق الغزوة، فقد امتد شهر شوال العدة في السنة الثانية للهجرة من 29 مارس إلى 26 ابريل 624 ميلادية غريغورية. صحيح أن قول الواقدي أنها في شهر المحرم من السنة الثالثة يوافق تماما الظروف المناخية التي تحيل عليها تفاصيل الرواية التي أوردها، إذ امتد من 25 يونيو الى 24 يوليوز 624 ميلادية غريغورية؛ إلا أن قول ابن اسحاق أنها كانت في شوال أصح وأثبت، ليس فقط لأنه الأقدم، ولا لأن الواقدي أرخها بشهر حرام، بل لأننا نتفهم عبر استعادتنا لشهور النسي ومطابقتها مع شهور العدة أن ابن اسحاق ذهب ضحية شهور النسي، فهو وأن أرخ لها بشهر شوال العدة من السنة الثانية فقد علم أنها قبل غزوة السويق لا بعدها لان هذا الترتيب ببعد وقبل هو المعول عليه بالدرجة الأولى أمام ما تسبب به النسي من اضطراب، فهو علم أنها في شهر شوال لكن غاب عن ذهنه أن هناك شوالا آخر فيما بين بدر وأحد غير شوال العدة الذي وطن فيه غزوة بني سليم. وعليه نقرر أن غزوة بني سليم كانت في شهر شوال النسيء المواطئ لشهر صفر العدة من السنة الثالثة للهجرة، وقد امتد من 25 يوليوز الى 23 غشت 624 ميلادية غريغورية، ويتفق تماما مع ما أورده الواقدي من ظروف زمنية جوانية في روايته. هذا ان اطمأنننا أنهما يتحدثان عن نفس الغزوة. (انظر العام 56 من الكلندار على الرابط اسفله).
• "قال ابن اسحاق بعد نهاية سرده لغزوة السويق: فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة السويق أقام بالمدينة ذا الحجة والمحرم، أو قريباً منه ثم غزا نجداً يريد بني غطفان وهي غزوة ذي أمر، فأقام بنجد صفراً كله، أو قريباً من ذلك، ثم رجع إلى المدينة ولم يلق كيداً". ترجم ابن اسحاق لغزوة "ذي امر" تحت عنوان غزوة ذي أمر الى نجد سنة ثلاث، وأرخ لها بشكل جزافي في آخر المحرم وكل صفر دون أن يذكر تفاصيل معتبرة عنها. يكشف هذا التوطين الزمني للغزوة عن الصعوبة/ الأزمة التي اعترضته في تغطية المجال الزمني الفاصل بين هذه الغزوات وغزوة أحد، فعمد إلى تمديد اقامة الرسول في المحال التي غزاها، ونهج منهج التوسع في التقدير فقال عن غزوة ذي أمر فلبث فيها صفرا كله أو قريبا من ذلك، فلبث في المدينة ربيع الأول أو إلا قليلا منه، وقال عن غزوة بحران فأقام بها شهر ربيع الآخر وجمادى الأولى. وكل ذلك لعدم انتباهه إلى تسرب أشهر النسيء إلى أشهر العدة. أما الواقدي فقد أرخ لخروج الرسول في غزوة ذي أمر بيوم الخميس لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول على رأس خمسة وعشرين شهرا، فغاب أحد عشر يوما، وذكر خبرها تحت اسم: شأن غزوة غطفان بذي أمر، وساقها بعد سرية قتل كعب بن الأشرف في النصف من ربيع الأول، فوقع بذلك في تناقض غريب، معناه أن الرسول أرسل سرية قتل كعب بن الأشرف وهو في ذي أمر؟ فلعله نسي فزعم أن الرسول مشى معهم في ليلة قتله إلى أن ودعهم ودعا لهم. على أننا نرجح أمام عدم مواطئة الخميس لاثنتي عشر ليلة خلت مع ربيع الأول، أنها عادته في قلب أول الشهر آخره، و الظاهر أنه أراد من تأريخه، يوم الخميس لاثنتي عشرة ليلة بقيت من ربيع الأول، بدلا من خلت، ويبدوا أن المقريزي في امتاع الاسماع، والصالحي الشامي في سبل الهدى والرشاد قد انتبها إلى هذا الأمر فنسبا إلى الواقدي، وإلى ابن سعد أن غزوة ذي أمر قد كانت "في يوم الخميس الثامن عشر من ربيع الأول على رأس خمسة وعشرين شهرا"(سبل الهدى والرشاد - الصالحي الشامي - ج ٤ - الصفحة ١٧٢) دون نجد لذلك ذكرا في مغازي الواقدي ولا في طبقات ابن سعد الذي تابع شيخه فيما قاله واكتفي بتعويض خلت بمضت ؟ ودون أن ينتبها إلى أن صيغة الخميس الثامن عشر صيغة غير معروفة في كتب وروايات السيرة إذ كان التأريخ يتم بالليالي لا "بالأيام"؟ نحن هنا لا نسعى إلى حل التناقض أعلاه بهامش ثلاثة أيام بين تأريخه لقتل كعب بن الأشرف وتأريخه لخروج الرسول إلى ذي أمر، بل اوردنا ذلك عن سبق معرفة بقلبه أول الشهر آخره ونزوله الشهر بالقهقرى في كثير من المواضع، ثم إن هذا التناقض لا يحل بضربة واحدة، إذ تعترضه اشكالات جمة يطول بنا التفصيل فيها، ويهمنا في هذا المقام أن نستخلص من متن الروايات التي أوردها اشارات تختزن ظروفا زمنية موسمية يمكن الاستدلال بها على زمن غزوة ذي أمر ومدى مطابقتها لربيع الاول العدة.
• قال راوية الواقدي: فَنَزَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَا أَمَرّ وَعَسْكَرَ مُعَسْكَرَهُمْ فَأَصَابَهُمْ مَطَرٌ كَثِيرٌ، فَذَهَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَاجَتِهِ فَأَصَابَهُ ذَلِكَ الْمَطَرُ فَبَلّ ثَوْبَهُ، وَقَدْ جَعَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَادِيَ ذِي أَمَرّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَصْحَابِهِ. ثُمّ نَزَعَ ثِيَابَهُ فَنَشَرَهَا لِتَجِفّ، وَأَلْقَاهَا عَلَى شَجَرَةٍ ثُمّ اضْطَجَعَ تَحْتَهَا وَالْأَعْرَابُ يَنْظُرُونَ إلَى كُلّ مَا يَفْعَلُ." فمن خلال هذه الرواية نستفيد أن الزمن الفصلي للغزوة كان في نهاية الصيف ومطلع الخريف، ولعل ذلك كان بعد طلوع سهيل (منزلة الطرفة، واذا طلع سهيل فانتظر السيل)، فنزع الثياب وتعليقها على الشجرة قرينة على أن الأجواء لا زالت مرتفعة الحرارة ، فلو كان المطر مطر شتاء أو ربيع لما كان له أن ينزع ثوبيه ليجفا أو أن يضطجع تحت الشجرة في الانتظار، دون اشعال النار في أقصى تقدير، وهذه القصة أولى بالاعتبار من قصة فراخ الطائر التي أوردها ابن اسحاق وإن كانت مواسم توالد الطيور تختلف باختلاف أجناسها وبحسب اعتبارات أخرى متعددة. وبالعودة الى المعطيات الكلندارية لشهر ربيع الأول العدة من السنة الثالثة نجد أنه كان مواطأ بشهر ذي القعدة النسيء، وقد امتد من 23 غشت الى 21 شتنبر 624 ميلادية غريغورية، وهو ما يتوافق مع موسم سهيل، الذي يشهد نزول المطر الكثير وحمل السيل وجريان الأودية مع استمرار ارتفاع حرارة الأجواء، وعلى ذلك نوافق الواقدي فيما ذهب إليه من توطين الغزوة في ربيع الأول من السنة الثالثة للهجرة، وبهذا البحث يتضح بما لا مجال لإنكاره أن أحداث السيرة بحاجة إلى مراجعة دقيقة لا تسلم بسياقات أصحاب المغازي والسير بقدر ما تجعلها على محك النقد والتمحيص .
• وباختصار شديد يمكن اعادة ترتيب الغزوات التي طرحناها في هذه الورقة ترتيبا أوليا إلى حين ظهور مكنونات باقي الغزوات بين بدر وأحد كالتالي:
• معركة بدر في شهر رمضان العدة من السنة الثانية للهجرة / جمادى الاولى النسي في الطور 15.
• حصار واجلاء بني قينقاع في شهر شوال العدة من السنة الثانية / جمادى الثانية النسي في الطور 15.
• .................................................................................................................
• صلاة عيد الاضحى في العاشر من ذي الحجة العدة من السنة الثانية/ شعبان النسي في الطور 15.
• ................................................................................................................
• غزوة بني سليم ( قرارة الكدر) في شهر صفر العدة من السنة الثالثة/ شوال النسي في الطور 15.
• غزوة ذي امر في شهر ربيع الاول العدة من السنة الثالثة/ ذو القعدة النسي في الطور 15.
• غارة السويق في شهر ربيع الثاني العدة من السنة الثالثة/ ذو الحجة النسيء في الطور 15.
• ................................................................................................................
• سرية زيد بن حارثة الى القردة جمادى الثانية العدة من السنة الثالثة / صفر النسي في الطور 16.
• ..................................................................................................................
• ..................................................................................................................
• ..................................................................................................................
• ..................................................................................................................
• معركة احد في شوال العدة من السنة الثالثة/ جمادى الثانية النسي في الطور 16.
وفي ختام هذه الورقة نود أن نشير إلى أن ميزة غزوة أحد أنها أرخت من الطرفين معا فأرخها المسلمون بشهر شوال وأرخها المشركون على لسان شاعرهم هبيرة بن أبي وهب بن عمرو بن عائذ بن عبد بن عمران بن مخزوم بشهر جمادى حين قال :
نطعن الخيل شزرا في مآقيها + وليلة يصطلي بالفرث جازرها . يختص بالنقرى المثرين داعيها + وليلة من جمادى ذات أندية
جربا جمادية قد بت أسريها + لا ينبح الكلب فيها غير واحدة. وهي من الشواهد القوية الدالة على صحة تعريفنا وتطبيقنا للنسي الوارد في القرءان كما عرفه الجاهليون، و هذا شاهد أيضا على أن استدلال النسأة الجدد بأبيات من الشعر الجاهلي على ثبات الاشهر القمرية استدلال غير صحيح، وأن قصد الشعراء من ذكر شهر قمري بالبرد أوالحر إنما هو في حقيقته ذكر للحال الموسمي الذي واقف ذلك الشهر القمري وليس معناه أن الشهور القمرية كانت ثابتة على المواسم الفصلية. فقد امتد شهر شوال الذي شهد أحدا من 18 مارس إلى 15 ابريل 625 ميلادية غريغورية.

المصادر: سيرة ابن اسحاق / ومغازي الواقدي على الرابطين أسفله
https://al-maktaba.org/book/23680/229#p1
https://al-maktaba.org/book/9862/309#p1
المرفقات: الكلندار النبوي وفق تقويم الليالي العددية.
https://drive.google.com/drive/folders/18Rfe2SwMAd60Gwch0r5p1falHvGVh37c?usp=sharing








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شولتز: المساعدات الأميركية لا تعفي الدول الأوروبية من الاستم


.. رغم التهديدات.. حراك طلابي متصاعد في جامعات أمريكية رفضا للح




.. لدفاعه عن إسرائيل.. ناشطة مؤيدة لفلسطين توبّخ عمدة نيويورك ع


.. فايز الدويري: كتيبة بيت حانون مازالت قادرة على القتال شمال ق




.. التصعيد الإقليمي.. شبح حرب يوليو 2006 | #التاسعة