الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كاردانو يحاور أبوللو

جميل النجار
كاتب وباحث وشاعر

(Gamil Alnaggar)

2020 / 9 / 18
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


نزل "جيرولامو كاردانو" في نُزلٍ بالقرب من "بيثيا" كاهنة أبوللو بمعبد دلفي اليوناني، وفي نومه ناداه الصوت الرخيم، الذي نادى سقراط من قبله، فَرَدَ "كاردانو": أنت بالتأكيد الإله أبوللو بن "زيوس"، فالوقت ليل ولا مصباح هنا. دعني أسألك: لماذا تُدير ظهرك لنا، وتأبى الظهور علينا أبداً تحت أي ظروف، وتُمعِن في التخفي دون ترك أي أثر مادي يدل على وجودك؛ لأسباب غير منطقية وغير مفهومة حتى الآن، ولم تُجب دعاء واحد لأي أحد دعاك؛ إلا إذا تصادف أن زالت المشكلة بزوال مسبباتها؛ فيظن البعض منا بأنك قد استجبتَ؟ فضَحِكَ أبوللو وقال: حدسُكَ ممتاز، ألست بخائفٍ؟ فقال "كاردانو": بالطبع لا! وإني أسألك بدوري: هل أنت إلهٌ خيِّر أم شرير؟ إن كنتَ خيِّرَاً، فليس ثمَّةَ ما أخشاه، وإن كنت شريراً، فإني أربأ بنفسي أن أخشاك، نحن الإيطاليين قوم ذوو عِزَّة، فقال أبوللو: أنا إله الموسيقى والشعر والرسم والشمس والحراثة والعناية بالحيوان، فكيف أكونُ شريراً؟ فَرَدَ "كاردانو": ألستَ القائل: "لاَ يُلاَقِيكَ شَرٌّ، وَلاَ تَدْنُو ضَرْبَةٌ مِنْ خَيْمَتِكَ"، وقلت: "أنا خالقُ كل شيء وأنا على كل شيء قدير ووكيل"؟ فقال أبوللو: بلى، فَرَدَ "كاردانو": إذن أنت من خلق الشرَ، وتقدر أن ترفعه؛ فارفعه؛ لأن الأرضَ قد مُلِئَتْ جورا من جراء صنعتك، واعْتبِر، يا بن زيوس العظيم، أن هذا دعاء، ألست القائل: بأني قريب أجيب دعوة الداعِ إذا دعانِ وأنا حصْنِهم فِي زمانِ الضِّيقِ وادعوني استجب لكم؛ فتمَلْملَ أبوللو وأبدى شيئاً من جبروته قائلاً: تخطيت حدودك يا بن "كاردانو"، أتهزأ بي، أم تُراك تُرِيد أَن تَسْألني وتَسْأَل كَهنَتي كَمَا سُئِلَ "حِبتْ توبْ" مِن قَبْلُ؟ ألم أقل لكم وَاخْشَوْنِي؛ فَرَدَ "كاردانو" من فوره: ألم أقل لك أننا لم نعد نخشاك، كما كان أسلافنا، أنا لا أسخر من استعلاءٍ كما تفعل أنت، واعلم بأنك من وصف نفسه - استحسانا- بالمتكبر؛ فجُل مُرادي هو أن أنظر لأبعد مما تسهل رؤيته، يبدو أنك – كعادة كل الآلهة تكرهون السؤال –هذا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ، فَدَعْني أُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تُحِطْ بهِ خُبْرا، يزعم كهنوتك بأنك الخالق المطلق والقادر المطلق والخير المطلق؛ فإذا كان الأمر كذلك؛ تعالى بنا نحسِب، فإذا قُمنا بتطبيق نظرية الاحتمالات؛ لاختبار كل النتائج الممكنة بفضاء العينة؛ فلن تتعدى احتمالاتها الخمسة احتمالات التالية:
الاحتمال الأول: إما أنك قادرٌ على منع الشر؛ لكنك لا تريد.
الاحتمال الثاني: وإما أنك تريد منع الشر؛ لكنك غيرقادر.
الاحتمال الثالث: أو أنك غير قادر على منع الشر؛ ولا تريد.
الاحتمال الرابع: أو أنك قادرٌ على منع الشر وتريد.
الاحتمال الخامس والأخير: أنك غير موجودٍ بالمرة.
ومنها تنبثق أحكامنا العلمية المجردة على مدى صدق هذه الفرضيات وما هو الاحتمال الأرجح على النحو التالي:
الاحتمال الأول: بما أنك قادرٌ على منع الشر؛ لكنك لا تريد؛ فأنت إلهٌ شِريرٌ.
الاحتمال الثاني: بما أنك تريد منع الشر؛ لكنك غير قادر؛ فأنت لست مطلق القدرة.
الاحتمال الثالث: بما أنك غير قادر على منع الشر؛ ولا تريد؛ فأنت إلهٌ شِريرٌ غير قادر.
الاحتمال الرابع: بما أنك قادرٌ على منع الشر وتريد؛ فأنت إلهٌ مترددٌ.
الاحتمال الخامس والأخير: وهو الاحتمال المرجح بكل تأكيد.
وهمَّ "كاردانو" بالرحيل؛ فقال أبوللو (بتمهُّلٍ ورَويَّة): انتظر، مجرد أن راودتك رؤيتي في منامك؛ فهذا وحده الدليل الكافي على وجودي. فقال "كاردانو": كيف وقد أثبتت الحسابات عكس ذلك، أو يستحيل إثبات ذلك، بينما إذا أجرينا حساباتنا بغرض التنبؤ بسقوط المطر من عدمه؛ فسنقدر، تعرف لماذا؟ فقال أبوللو: لماذا؟ فأجاب "كاردانو": لأن لدينا بعض المعطيات عن المطر، أما أنت فلا.
وقام مساعد "كاردانو" بحساب المثال التالي: إذا لم تتوافر أسباب سقوط المطر؛ فبلغ احتمال عدم سقوطه %80؛ فما هي نسبة احتمال سقوطه ؟ والإجابة الحسابية البسيطة والسريعة تكمن في النسبة المُكملة لنسبة الاحتمال المُعطى، وهي 20 %، ولكن أستاذي "كاردانوا" يحب دائماً الاستوثاق بتطبيق قواعد المنطق الرياضي، وهي كالتالي:

(أعتذر عن عدم قبول الصفحة لمعادلة الاحتمالات الرياضاتية البسيطة)

ثم أعطاه لبيثيا الكاهنة لتُعطيه لأبوللو لاحقا.

"كاردانو": أليس الظاهر والباطن، والحليم/الرحيم/الودود والجبار/القهار/المتكبر مركباتٌ تفوح منها رائحة التناقض؟!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حكاية -المسجد الأم- الذي بناه مسلمون ومسيحيون عرب


.. مأزق العقل العربي الراهن




.. #shorts - 80- Al-baqarah


.. #shorts -72- Al-baqarah




.. #shorts - 74- Al-baqarah