الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحسناء السجينة 1983 الن روب غرييه: قيادة غرائبية غير مترابطة الى عالم الموت

بلال سمير الصدّر

2020 / 9 / 18
الادب والفن


للوهلة الأولى يتجه غرييه الى عالم سوريالي شبيه والى حد كبير عوالم المخرج الأمريكي ديفيد لينش...فهل هذا يعتبر نقلة أو تحول في مسار كاتب النص الشهير للعام الماضي في مارينباد...؟
إن كانت هذه نقلة فهي لم تحقق الكثير لهذا المخرج،بل ربما كانت نقلة نحو الأسوأ وليس نحو الأفضل،فهذا الفيلم الذي ينهل قليلا من فيلم الخالدة-أول أفلام الن روب غرييه وربما أفضل افلامه على الأطلاق-يدور في عالم غير هذا العالم...ربما عالم الخيال أو عالم الروحانيات،أو من الممكن عالم مصاصي الدماء،فهو عالم مختلف التكوين،عالم يبدو مشابه لدرجة ملحوظه لعالم فيلم مخمل أزرق...
في حانة ذات أجواء غريبة تعبق بحركة رقص رتيبة،يلاحظ شاب (والتر) فتاة شقراء-ملفتة للنظر-في ساحة الرقص....تبدأ بفعل الاستدراج ومن ثم فعل الغواية،ومن ثم يضع غرييه مقدمة قد نقول عنها أدبية إذا كانت منسوبة الى عوالم التانغو الاخير في باريس،على انها في غاية الابتذال والسذاجة-للأسف- خاصة اذا كانت مقدمة بهدف التشويق أو التقديم لفيلم مُعرف سابقا بانه فيلم سوريالي:
تقول له:أنا لا أمتلك أي اسم...أنا آسفة فقد فقدته للتو واذا وجدته فسوف أقوله لك...أنا أمتلك هاتف ولكنه خارج الخدمة...أنت لاتستطيع سوى ان تسمع بأن هذا الرقم غير مدرج.
هل هذا التعريف يوحي بالغموض...يعطي المشاهد محفزا للسير قدما؟
هل هذه المقدمة كافية لتوحي أن عوالم لويس بونويل أو اندريه بريتون قادمة بقوة؟
في الحقيقة،فهذه المقدمة مقصودة الهدف لاتوحي بأي شيء مطلقا...
تقول له في النهاية:حسنا سوف احبك...ربما الليلة وربما أبدا أو ربما في الأمس،فالوقت ليس موجودا أبدا بالنسبة لي.
الفيلم هو محاولة بوتقة عالم وليس عالم تام أو كامل،أو بالاحرى عالم مضاد للعالم الذي نعيش فيه،ان كان من المبكر النظر هذه النظرة الشاملة الى الفيلم،فالمقدمة تتصف بالسذاجة نوعا ما،خاصة بأننا لسنا من انصار الخط الدرامي المضطرب لألن روب غرييه....
هذه الفتاة قد تكون قادمة من خارج الزمن،أي من عالم ليس ذو اعتبار للزمن...من لاوعي المكان...هي عالم برمته له علاقة بالحياة كعلاقة الحياة بأحد الأبعاد...كعلاقة الحياة بالبعد الرابع أي بالزمن...
الرواية تأتي من خلال رؤية الشاب والتر وليس من خلال لسانه،والفتاة(تدعى ماري آنجي) هي تشكيل العالم او مفتاح رؤية العالم بالنسبة لهذا الشاب...
الموسيقى التصويرية توحي بالغرابة،ذات بعد كلاسيكي واضح،لكنها لاتصلح حتى للرقص،فهي عبارة عن تشكيل ايقاعي متكرر ومؤثر يوحي بالغرابة...هي-أي الموسيقى-تمارس دور السرد...دور التعليق على الأحداث الغرائبية...موسيقى تتساءل عن ماهية العالم...
دعونا نوضح أكثر:العالم منقسم الى قسمان:عالم يعيش فيه والتر حقيقة طبيعيا،وعالم يراه والتر تقوده الكثير من العناصر منها الموسيقى المشار اليها سابقا،ولكن القائد الرئيسي لها هي ماري انجي...
على ان والتر يتلقى أوامر من رئيسة له،وهي فتاة شابة تتشح بالسواد وتقود دراجة نارية لتعطي انطباعا ساذجا عن الفيلم أكثر وأكثر..
إذا يلتقي والتر ماري انجي مصادفة وهي مسجية في قارعة الطريق مع بعض الدماء المتناثرة عليهاـفالأمر وكأنه يوحي بحادث سير،ولكن وعلى نمط السلسلة،فالفتاة ستقوده الى عالم آخر مرتبط بالعوالم الأخرى ذا شكل مختلف حيث ستقوده خطواته الى باب قصر يلتقي فيه بمجموعة من الرجال يحدقون فقط وكأن الأمر لا يعنيهم...لاشيء بالنسبة لهم مثير للأستغراب...عرضيا تشرب من كأس ومن ثم ينكسر ويتناثر منه سائل ثخين شبيه بالدم،ومن ثم يتفرق الجمع من حولها الذين كانوا قبل قليل يزاودون على شراءها وكانها سبية.
العالم بات مألوفا بالنسبة للجميع...عالم مألوف ومقبول بالنسبة للجميع باستثناء والتر،والتساؤلات تدور في عالم آخر حائر حتى في التعبير عن نفسه...عوالم تشبه عوالم ديفيد لينش،ولكن يبدو لي ان غرييه لم يستفد ابدا...لم يتعلم من لينش كيفية تشكيل عالم سوريالي ذهني محكم ومقنع...
تتحول ماري فجأة الى العراء الكامل ويحدث جماع حبي سوريالي غريب في شكله وينتهي بعضة مصاصي الدماء المألوفة في افلام الرعب والتي غالبا ما تكون على الرقبة...إذا دخلت عوالم مصاصي الدماء الى الحبكة...
هنا لابد لنا من التعليق على الايروتيكية في الفيلم:
تنحصر الايروتيكية بعراء ماري الكامل...فجأة وعلى نمط القطع المفاجئ نراها عارية تماما أو ترقص عاريه من خلف رداء شفاف لايستر اي جزء من البدن...
هذا مايدعى بالايروتيكية الغبية...أو المضحكة
لاشيء قابل للتحليل في الفيلم ولاشيء قابل للترتيب على شاكلة الفاصلة أو النقطة،ولكن الايروتيكية هي مجرد هوس مقحم من قبل المخرج،بدا كعنصر كوميدي أكثر منه كمعبر عن ابتذال او عن اي شيء آخر أراد ان يقوله المخرج...
ومن ثم تبرز اللوحة خلف السرير وكأن غرييه يحاول ان يقدم نوعا جديدا من الجنس الفني..الفيلم السويالي المختلف..أو الفيلم القابل للتشكيل أو ذو القابلية على التشكيل...
اللوحات في الفيلم منسوبة عند احد النقاد الى الفنان السوريالي (رينيه مارغريت)ووجدت النقاد فعلا حائرين ماذا يكتبوا عن هذا الفيلم...وكأن الفيلم هو الفيلم المستحيل الكتابة عنه
وصف اللوحة:
اطار هرمي الشكل معلق عليه ستارة حمراء مسرحية نصفها مفتوح والنصف الآخر مغلق،يغطي النصف المعلق منها من الامام لوحة زيتية هي اكمال للسماء المكشوفة من خلف النصف الثاني للستارة المفتوحة موضوعة على عارض خشبي يستخدم للرسم،وخلفية اللوحة-الكاملة وليس الجزئية منها –هي البحر بينما في مقدمة اللوحة يظهر الشاطئ مع حذاء نسائي ملقي على جانبه بارز وملفت للنظر وهو مطابق تماما لحذاء ماري الذي وجده والتر على الطريق مع الحادث.
ان كانت الوحة منسوبة كما قلنا الى رينيه مارغريت إلا انها تذكر مباشرة بسلفادور دالي.
في الحقيقة،كنت رافضا ان اضع تفسيرا للوحة ظهرت في فيلم فشل في التعبير عن نفسه،بل وصل الى حد الابتذال في ادخال عناصر لاعلاقة لها بالصيغة التعبيرية أصلا على شاكلة الايروتيكية والفيتشية ومص الدماء،ولكن ان كان غرييه مصرا على ابرزا هذه اللوحة واشباهها في الفيلم،فهذا يعني ان المعطيات الحلمية للفن السوريالي تقريبا انتفت واصبحت بدلا من ذلك مجرد ابعاد رمزية...
نقول:الاطار هو المخرج الى العالم الآخر،والحذاء والشاطئ هما اكمل نظرية عن كون ماري قتلت على الشاطئ،واللوحة التي تكمل السماء هي الجزء غير المكتشف من هذه المؤامرة.
تبدأ الحقائق بالانكشاف تباعا ليطل العنصر الرمزي ويبدا العنصر السوريالي أو الفانتازي بالغروب والاختفاء،وهذا الذي اعطانا دافعا لتفسير اللوحة أعلاه وان كان ذلك ليس على درجة كبيرة من الاهمية.
الاسئلة والألغاز لازالت تبرز...ولكن هل الفيلم يستحق منا تفكيك كل هذا الالغاز؟
ان كنا نعتبر الفيلم ساذجا فلا متعة اصلا في فك اللغز
ولكن ماذا لو اكتشفنا أن المرؤوسة الشابة المتشحة بالسواد الموصوفة سابقا باللبنة في عالم متداعي سوريالي مظلم،كانت ملاك الموت،وهي الشيء الوحيد الذي يقوله غرييه صراحة في الكلمات الاخيرة من الفيلم:
ملاك الموت لاحد يعلم مسبقا على اي وجه سيكون...متى سيظهر لأول مرة....لاأحد يستطيع تمييزه
من الممكن ان يكون ذو وجه مهذب رقيق،ولكن عندما يكتشف المرء ماذا يخبئ سيكون الأوان قد فات.

اذا كان محور الفيلم يدور حول قيادة غرائبية غير مترابطة الى عالم الموت،فهذا الاكتشاف يبدو لي مهما جدا...مهما الى درجة انه اهم من اكتشاف الفن التعبيري في عيادة الدكتور كاليغاري.
9/9/2020








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحلقة السابعة لبرنامج على ضفاف المعرفة - لقاء مع الشاعر حسي


.. الفنان أحمد عبد العزيز ينعى صلاح السعدنى .. ويعتذر عن انفعال




.. االموت يغيب الفنان المصري الكبير صلاح السعدني عن عمر ناهز 81


.. بحضور عمرو دياب وعدد من النجوم.. حفل أسطوري لنجل الفنان محمد




.. فنانو مصر يودعون صلاح السعدنى .. وانهيار ابنه