الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جحا والبصاصين ومعلم الصبيان ج3

رولا حسينات
(Rula Hessinat)

2020 / 9 / 18
كتابات ساخرة


ولما كان أمرهم من جحا وديكه بالخذلان، حتى اداركوا وقال أكبرهم بعد أن تمالك نفسه: ما الذي يرضيك يا جحا حتى تعيننا في أمرنا وأنت ترى أن المصاب يوقع فينا البلاء والكرب؟ لم يكن جحا قد دار في عقله حينها إلا كيف أنَّه لم يتنبه لأمر الديك من قبل وقد طاف بعقله لائمًا زوجته التي لا تعينه على شيء وكيف أنه لم يستفد من حنكته وخبرته في بيعهم إياه، ولكنه لن يتعجل من أمره فطول البال من الأمر المحال وهو يؤتي صاحبه الخير كله وإن لم يأته من الخير شيء فقد أبعد عنه الشر وفي هذا بحد ذاته خير كثير...وكان جحا أن تذكر أمر قارورة الدواء التي كان قد وجدها في جيب سرواله الذي كان بين كومة السراويل التي ورثها عن أبيه الذي ورثها بدوره عن جده وكان أغلبها الممزق والمرتوق إلا هذا السروال فقد كان سليمًا معافى ليس فيه رتق أو علة وقد وجد فيه تلك القنينة الزجاجية الحمراء، والتي بها سائل يميل للصفرة وتغلقه قطعة من الفلين، يذكر جحا أنَّه قد وضع شيئًا منها على طرف إصبعه فتقله لمذاقه المر الذي لا يمكن لأحد أن يطيقه وكأنَّه الحنظل، ومن ضيق قد أصابه وهمّ قد خيم عليه وضع قليلاً منه ربما نقطة أو نقطة في ماء حماره لا يذكر بالضبط حينها كم نقطة وضع، لكنها بالتأكيد لن تزيد عن ذلك فرغم طعمها ومراراته فلن ينزلها منزل سوء فلا يُعلم كيف له أن يستفيد منها...وما كان من أمر حماره إلا أن استمال جسده وأحنى رأسه وبدأ يضرب بحافره الأرض حينها أبعد جحا نفسه رويدًا رويدًا عن حماره واتخذ مكانًا قصيًا في الدار وهو يرى حماره يضرب بجسده ذات اليمين وذات الشمال فلم يترك قلة في مكانها إلا ونطحها برأسه ولا شجرة إلا وضربها بجسده...حتى كان القدر الذي يسر زوجته وقد كانت في زيارة لجارتهم التي رزقت بصبي لتأتيهم من عندها بالقمح وشيء من اللحم الذي أعلنوا عنه حين ولد صغيرهم ليلة أمس...فما أن فتحت زوجته الباب وهي محملة بالنعم حتى غافلها الحمار فأوقعها وقد توسدتها الأكياس ...أنربط لسانها من زمن حادثة الحمار وقد بقيت في الفراش محمومة ثلاثة أيام قام عليها جحا بضمادات الماء طيلة الليالي الثلاث، ولم يتركها قط حتى مع مفارقة الحمار لدارهم حتى كانت صبيحة اليوم الرابع وقد دق باب بيته...لم يعرف كيف استيقظ جحا، حينها كان شيء من خيوط الفجر قد جعلت بصيصًا من النور في حوش الدار...قام من مكانه وصوت الطرقات تعلو أكثر فأكثر لعن وسب من في الباب وهو يفرك عينيه...عندما فتح الباب كان الحمار شاخصًا امامه وهو فاتح منخريه على وسعهما، لم يترك مكانًا لجه ليفكر فيه ولا نصف دورة ليستدير فقد دخل من الباب وقد أبعد جحا من طريقه، لم يكن ليثير اهتمام جحا عودة حماره فتلك حقيقة لن ينكرها أحد، فعشرة عشرين عامًا لن تهون على حماره الذي اكله الفلفل الأحمر والرغيف اليابس وكله ما تجود به بقايا داره، أما ما كان يثيره من دق الباب؟ أطل برأسه من الباب فلم ير أحد، استدار بجسده إلى اليميين مع مطة طويلة لجدعه فلم يجد أحد وفعل كذلك عن شماله...وهو في حيرة من أمره حتى أيقظه صوت أوقف شعر رأسه، ادخل يا جحا فليس هناك أحد بالباب...أم أنك أصبحت حمارًا ونهيق علا بالحوش...عاد جحا إلى حوش الدار بهدوء وقد أقفل الباب بحرص شديد وأخذ يحدث نفسه بأنَّ الذي سمعه للتو لم يكن سوى أضغاث أحلام وربما حماره أيضًا كان بعضًا من أضغاث تلك الأحلام. أخذ نفسًا طويلاً مقسمًا بأنَّه لن يلتفت إلى يمينه حيث ينام حماره عادة ولتمضي به قدماه إلى داخل الحجرة عند زوجته ليغير لها الضمادة وربما احتاج هو الآخر لضمادة من مثلها...وما أن خطا ست خطوات ةانحرف بجسده عن مكان حماره ليدخل إلى داره حتى سمع الصوت ثانية: ويلك يا جحا ألم تشتق إلي؟ لا والله ليس في عذا كذب إنّه حماره الذي يجالسه كل يوم ولم يغب عنه غير ثلاثة أيام بشحمه ولحمه ينطق بالكلم وما أنطقه إلا الله نعم إنها معجزة قد حدثت ولكن لم ينطق منذ زمن بعيد...؟ استجمع جحا قواه ووقف وجهًا لوجه أمام حماره وقد بدأ ضوء النهار ينتشر في المكان، لقد كان حماره بالفعل لكنه أصبح أكثر جمالاً وأبهة...لامع تفوح منه رائحة غير رائحة الحمير التي اعتاد أن يشمها في حماره وفي غيره من حمير أهل عمارته...مسح على رأس حماره وأخذ يضرب برفق على جسده وهو يدور حوله ويقول: ما شاء الله ما شاء الله...ثلاثا أيام قد غيرت فيك الكثير يا حماري، لكنك لم تكن قليل أصل فقد عدت إلى صاحبك ولم يهن عليك فراقي...نطق الحمار: لا ياجحا فأنت صديقي الذي سقاني ذلك المشروب السحري والذي أصبحت على أثره أتكلم...كما يتكلم البشر. تعجب جحا من كلام حماره وقد نسي تمامًا النقطتين من تلك الزجاجة الحمراء...لم ينس أهل العمارة تلك القصة قصة حمار جحا الذي ينطق بكلام البشر حتى أن السلطان بذات نفسه أرسل إلى جحا وحماره ليقيما في القصر ويرتعا أينما يريدان...وكان من أمر الحاكم أن عرض ألف ألف دينار ثمنًا لحمار جحا...ولكن جحا قال: يا مولاي السلطان وهل يهون على أحد أن يفارق حماره؟ هز السلطان برأسه بالنفي فاستطرد جحا قائلاً: وكيف إن كان ينطق بكلام البشر...وهو يا مولاي يتحرج من الكلام في حضرة السلطان ولم ينزل عن كونه حمارًا، فهو يا صاحب الرأي السديد يفضل أن ينطق بالحكمة متى تطلبوها منه، وهو كم تعلم يا مولاي لا يطيق فراق المكان ولكن طيب العيش لن يكون إلا حيث كان...ومنذ ذلك الوقت وجحا يرسل بالحكم التي ينطق بها الحمار حتى بعد أن توقف عن النطق بعد أن زال مفعول النقطتين، ولكن كيف له أن يغلق عنه خزائن السلطان؟
ولما اشتد طلب أهل عمارته منه حلاً يتلوه حل لما هم فيه من سوء حتى قال لهم: ألا أخبركم بدواء لم يعرفه البشر له مفعول كالسحر وينطق لأجله الحجر...
نطقوا من فورهم: أغثنا به يا جحا...فأخرج جحا من حينها الزجاجة الحمراء وأعين القوم لا تنفك تتابع كل حركة منه...بل وكل سكنة...فكانت نقطتان جعلهما جحا في قدر الماء وطلب إلى كل واحد منهم أن يشرب منه وتنافس القوم فيما بينهم يفعلون ووهم لا يكذبون لذلك خبرًا...نظروا إلى بعضهم، لم يتغير شيء، أخذوا يتحدثون ولكنهم لا يستطيعون سماع كلامهم...يصيحون فلا تسمع أحدًا صرخاتهم...قال جحا: أرأيتم إن قلة كلامكم فيها الحكمة كلها فاصبروا على أمركم ثلاثة أيام...ثم تحل أموركم وتستقيم بعد ذلك أحوالكم. وبدأ اللغط والسخط حول جحا، الذي بقي في داره يحاول جاهدًا أن يساعد زوجته على أن تنهض ثانية، فقام ووضع لها في كأس الماء نقطة من الزجاجة لعلها تشفى من سقمها وتعد له اللحم الذي نشره بالظلة بعد أن غمره بالملح، وما كان من أمر زوجته إلا وأن فتحت عينيها...كان ذلك بعد أن شربت تلك الكأس...ضرب جحا الكف بالكف وقد بقيت زوجته ثلاثة أيام وهي تحاول التوقف عن الكلام، لكنها لم تستطع...كان السؤال الذي أعجز جحا: لم لم تكن فقط ثلاثة أيام تبكمها ككل البشر ولكن أتكون من فصيلة الحمير...؟
غريب أمر تلك الزجاجة الحمراء التي أنطقت الحمار وأبكمت أهل عمارته وأنطقت زوجته والتي لم تستطع التوقف حتى يومها الثالث.
عادت الأحوال في بيته إلى أحسن حال كما كانت حال أهل العمارة فقد استقامت أحوالهم وقد فطنوا لتحسينها بدلاً من الوقوف على سوء بعضهم بعضًا.
أما ما كان في العمارة لما دخلها وعلم الناس بقدومه وحدثوه بأن معلم الصبيان بدأ يعلم صبيانهم بعلم لم يسمعوه من قبل، وأخبار لم ينبأ بها أحد منهم من قبل..كان أحدها أن القبلة حسب اتجاهك من الكعبة...فقد كانوا يصلون إلى جهة واحدة منذ بدءهم لصلاتهم؛ وهو بالضبط إلى دكان أبي مسعود. وكان الأمر الآخر أن الشمس كرة ملتهبة تتفاعل بها أشياء كثيرة...والأقبح من ذلك أن القمر يدور حول الأرض وأن الأرض تدور حول الشمس...وهو الأمر الذي لم يعرفوه من قبل ولم ينقله أحد عن أجدادهم...وكان من أمر البصاصين أن ربطوا معلم الصبيان في وسط المدينة وبدءوا بضربه ذات اليمين وذات الشمال...وهو يردد: انتظروا حتى يأتيكم جحا...فهو الذي سيفتيكم في أمركم هذا الذي فيه تتساءلون.
ولما سمع جحا ما كان من المعلم حتى قال: والله، والله إني لأغبط هذا المعلم على مدى الوعي الذي يمتلكه أكثر منكم جميعًا...قال أحدهم: حتى البصاصين؟! قال جحا: لو أنّ البصاصين لم يديروا بالاً لأمره هل كان أحدكم سيلقي بالاً لما سيقوله من هراء؟! نظروا في وجوه بعضهم بعضًا وقالوا: نعم، والله إنك لتنطق الصدق...فقوموا ياقوم وفكوا معلم الصبيان هذا واتركوه يعلم الصبيان ما يشاء...فلن يكون من أمرهم إلا ما نريد...قال جحا: لقد سبقتموني إلى حكمة كنت أريد قولها من قبلكم...فمالي البصاصين ومالنا...ومالهم بما يعلم معلم الصبيان صبياننا...فكله فراقع في الهواء...فقد كان من سبقه أفصح لسانًا منه ولم ينبتوا غير أمثالكم....








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/


.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي




.. إيهاب فهمي: الفنان أشرف عبد الغفور رمز من رموز الفن المصري و


.. كل يوم - د. مدحت العدل يوجه رسالة لـ محمد رمضان.. أين أنت من




.. كل يوم - الناقد الرياضي عصام شلتوت لـ خالد أبو بكر: مجلس إدا