الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
نوستالجيا وطنية!
نوفل شاكر
2020 / 9 / 19الادب والفن
...........................
" لقد ورث البعث مع استلامه للحكم عقدة " فقدان السلطة" التي شكلت هاجساً مرعباً للقيادة البعثية... لذلك فلم يكن العمل بشعار " جئنا لكي نبقى" محض ألفاظ. كان تصميماً جدياً على البقاء. بكل السبل ومهما كان الثمن. وخلف هذا يكمن الطابع الدموي للنظام وقيادته، وتكمن فيه أيضاً بعض أوجه سياسة التحالفات والمناورات السياسية المؤقتة والدائمية".
سلام عبود، " ثقافة العنف في العراق".
من يبحث في طبيعة الأسباب التي جعلت حزباً ك " حزب البعث العربي الإشتراكي" يحتفظ ويحافظ على السلطة في العراق لحقبة تمثلت بثلاثة عقود ونصف، سيجد بأنّ من أحد هذه الأسباب وأهمها هو نجاح هذا الحزب في عملية تبعيث المؤسسة العسكرية.
إنّ عملية تبعيث المؤسسة العسكرية، هي تطورٌ حتمي لطبيعة تداول السلطة في العراق، هذا التداول القائم على الصيغة العسكرية، وبذلك فإنّ الاعتماد على المؤسسة العسكرية كان غير آمن ومضمون العواقب، مالم يتم تحويل الجيش إلى مؤسسة محتكرة بعثياً.
لكنّ الخطوة الأكثر خطورة من ذلك، كانت التي حققها صدام حسين ( المدني الذي يحمل أعلى رتبة عسكرية) في السير بأشواط أوسع في عسكرة المجتمع، محققاً بذلك شكلاً فريداً لإدارة السلطة، يتمكن فيه باختصار إدارة المجتمع، بما في ذلك الجوانب المدنية.
إن علاقة العسكر بالسلطة ترجع بداياتها إلى بداية تأسيس ما يسمى ب " الحكم الوطني في العراق". فقد كان رموز المؤسسة العسكرية هم أول من استُمزج في تعيين الملك فيصل الأول، وتولى قادتها مراكز سياسية، وشغل العسكريون 61% من المناصب الوزارية للفترة1921- 1958
إنّ طبيعة النظام الملكي في العراق، أدّت إلى تكريس الوجود العسكري في الحياة الاجتماعية والسياسية، من خلال الهيمنة على الوظائف الحساسة في هيكل الدولة الفتية، حتى المدنية منها، كالمديرين العامين، ومتصرفي الألوية، ومديري الأقضية والنواحي وغيرها من الوظائف.
لقد تم تعظيم دور الجيش في تشكيل الدولة، من خلال تحويله إلى جهاز قمعي لمصلحة الدولة، وأسناد مهمات قمع الانتفاضات والثورات المستمرة، وأبرزها قمع الإنتفاضة الكردية 1931. والإبادة الجماعية للآشوريين 1933. وقمع الآيزيديين 1935. وسحق عشائر الديوانية 1936.
إنّ شعار " ألله... الملك... الشعب" كان شعاراً شائعاً في الدول ذات الأنظمة الملكية. لكن في العراق فقد تم تحوير هذا الشعار ليصبح " الجيش" بديلاً عن " الله" يحظى بقبول المزاج " الوطني" ليصبح العقيدة التي قامت عليها الدولة العراقية.
إنّ هذه العقيدة " الوطنية" هي التي مكّنت العسكريين من السيطرة على مقاليد الأمور، بعد أن تحولت الدبابة إلى مفردة للغزل السياسي في العراق، فحدثت انقلابات 1936 و1941 و1958 وانتقلت قيادة السلطة بأيدي عسكريين محترفين، بل أن ضابطاً عسكرياً كعبد السلام عارف، ابتدع نصاً دستورياً في 1964 منح بموجبه " مجلس الدفاع الوطني" الحق بمشاركة مجلس الوزراء في تعيين رئيس الجمهورية.
ولقد وصلت العقيدة " الوطنية" ذروتها على أيدي البعثيين الذين قاموا بتحويل حزب البعث بأسره إلى مؤسسة عسكرية استخبارية ترتدي ثياباً مدنية ( السفاري). من ثم جرى بعد ذلك تحويل المجتمع كله إلى العسكرتاريا عن طريق قوانين عسكرية: التعبئة العامة، قوات الاحتياط، الجيش الشعبي، الفدائيين، الأشبال، تمديد فترة الخدمة العسكرية، شمول خريجي الكليات بالخدمة العسكرية.
إنّ كل الرؤساء ارتدوا البدلات المدنية... حتى العسكريين منهم، بينما ظلّ صدام يصر على ارتداء البزة العسكرية، ويلبس قادته ووزراءه هذه البزة، بما فيهم وزراء الصحة والنفط والري والتخطيط والثقافة والتربية والصناعة والتعليم العالي!
وصلت ظاهرة العسكرتاريا إلى قمتها، عندما تمت عملية عسكرة الثقافة تحت شعار " أدب المعركة" والتي قدمت " مسابقات قادسية صدام" و " نص المعركة" و " قصيدة الفاو" و " نص الفاو" وقد انخرطت شريحة كبيرة من الأدباء وصُنّاع الثقافة في هذه المسابقات، محققين بذلك تتويجاً ثقافياً مشيناً مشرعناً للعنف والعسكرة التي يقودها صدام في العراق.
وقد ترجم بعض الكتاب، عقلية العنف السلطوي هذه، بقصص وأعمال أدبية، حصدوا فيها الجوائز. تأمل هذا النص المرعب من رواية " خط أحمر " لجاسم الرصيف: " الإعدام هو الحل ( الوحيد) للصوص ورجال الطابور الخامس في الحرب. الحزم هو الحزم. وإلا لن يكون الشرق شرقاً. أجل. ولن يكون للتخلف والخواء معنى بدون( الموت الشرس) مادامت ثمة عقول تريد ذلك وتبحث عنه".
إنّ هذا النص يلخص عقيدة الدولة القومية بكل تجلياتها، هذه العقيدة التي تؤسس لمفهوم الوطنية عن طريق العنف ولغة العسكر. إن الطقس الثقافي _ كوسط ناقل للموروثات الثقافية والاجتماعية_ يمكن له أن يظهر بطرق معقدة، من ضمنها صور مموهة تحمل دعوة إلى حب الوطن!
يكتب وارد بدر السالم ( أحد شعراء قادسية صدام) : " واحترقت قلوبنا على حاضر كان بالإمكان أن يبقى حاضرنا الذي رضينا به بعد الحرب الأولى، حاضر السلام الذي كان ملكنا، الحاضر الذي انتزعناه من أسنان تلك الحرب بالدماء والشهداء والصبر الرجولي الطويل". ليس وارد الوحيد الذي ظلّ يحتفظ بهذه ال" نوستالجيا"، فكثيرون غيره تضجُّ صدورهم بالحنين إلى أيام صدام وقادسياته المجيدة، لذلك نراهم يتحسرون بألم على أيامها وأجوائها المثيرة للشجن! يحدثك بألم وحسرة عن أيامها الذهبية ويقول لك بتحسف: " كانت دولة!"
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. فودكاست الميادين| مع الممثل والكاتب والمخرج اللبناني رودني ح
.. كسرة أدهم الشاعر بعد ما فقد أعز أصحابه?? #مليحة
.. أدهم الشاعر يودع زمايله الشهداء في حادث هجوم معبر السلوم الب
.. بعد إيقافه قرر يتفرغ للتمثيل كزبرة يدخل عالم التمثيل بفيلم
.. حديث السوشال | الفنانة -نجوى كرم- تثير الجدل برؤيتها المسيح