الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السودان والعلمانية

فهد المضحكي

2020 / 9 / 19
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


الاتفاق الذي وقعه رئيس الوزراء السوداني عبدالله حمدوك بالعاصمة الاثيوبية مع الحركة الشعبية لتحرير السودان قطاع «شمال» بقيادة عبدالعزيز الحلو يقر مبدأ فصل الدين عن الدولة في الدستور المقبل للبلاد أو منح حق تقرير المصير لمنطقة جبال النوبة خطوة وصفها محللون «بالتاريخية» لأنها ستسرع وضع اتفاقات السلام في جوبا موضع التنفيذ – وسط معارضة القوى الإسلامية وخلافات داخل مجلس السيادة السوداني.

هذا الاتجاه كان سائدًا في السودان منذ اعتماد أو التوقيع على الوثيقة الدستورية التي تقدمت بها قوى الحرية والتغيير بعد الإطاحة بحكم البشير، ومازالت البلاد تعيش سجالاً كبيرًا بشأن هوية الدولة.. هل هي مدنية أم علمانية، ومدى تقاطع ذلك مع الدولة الإسلامية؟.

وتؤكد الوثيقة الدستورية التي تكونت الحكومة الانتقالية والمجلس السيادي بموجبها على أن «السودان جمهورية مستقلة ذات سيادة مدنية، ديمقراطية تعددية، لا مركزية، تقوم فيها الحقوق والواجبات على أساس المواطنة بدون تمييز بسبب الدين والعرق والنوع والوضع الاجتماعي».

وإذا ألقينا نظرة على تقارير الصحافة السودانية لمجدها توضح أن الاتفاق الذي تم توقيعه بين حمدوك والحلو يتضمن بنودًا تؤدي إلى الاستقرار السياسي وأهمها:

1 – إعلان السودان بلدًا متعدد الأثنيات والأعراق ومتعدد الأديان والثقافات والاعتراف الكامل بهذه الاختلافات واستيعابها.

2 – المساواة السياسية والاجتماعية الكاملة لجميع شعوب السودان يجب أن تحمى بالقانون.

3 – إقامة دولة ديمقراطية في السودان، وأن يقوم الدستور على مبدأ «فصل الدين عن الدولة» في غياب هذا المبدأ يجب احترام حق تقرير المصير، حرية المعتقد والعبادة والممارسة الدينية مكفولة بالكامل لجميع المواطنين السودانيين، ولا يجوز للدولة تعيين دين رسمي، ولا يجوز التمييز بين المواطنين على أساس دينهم.

4 – مبدأ التقاسم المناسب والعادل للسلطة والثروة بين السودانيين باختلافاتهم يجب أن يتحقق من خلال الدستور، ولعل أهم ما يلفت الانتباه في تلك التقارير – نقلاً عن الأهالي المصرية – أن قضية فصل الدين عن الدولة و«العلمانية» كما يراها الخبراء السياسيون من المواضيع التي لا تكون مطلبية من جهة حزبية واحدة، بل تخضع لاستفتاء عام أو على أقل تقدير تطرح في مؤتمر دستوري جامع، لتناقش بشيء من الشمول وتعدد الأطراف، لأن القضية مثل العلمانية مثار جدل وقد تؤدي لنزاع وعنف سياسي إذا تم فرضها في مفاوضات ولم تطرح لاستفتاء شعبي.

في حين تشير إلى أن تمسك الحركة الشعبية بالعلمانية جاء نتيجة ما عاشته خلال السنوات السابقة والتي قادت إلى مجازر جماعية وأدت إلى انفصال جنوب السودان، حيث لم يرَ السودان تلك الحروب المدمرة إلا بعد مجيء الاسلام السياسي والتي مازالت مستمرة في دارفور، فالحركة الشعبية بتمسكها بالعلمانية تريد أن تتجاوز هذا التاريخ العنصري المرير، وهذا الأمر لا يمكن حدوثه إلا عندما تقف الدولة على مسافة واحدة من الجميع، إذا أرادت أن تحافظ على وحدة ما تبقى من السودان ما يمهنا هنا أن تدخل رجال الدين في السياسة يؤدي إلى عدم الاستقرار السياسي والمجتمعي وانتشار الحروب الطائفية الدينية وأحزاب دينية لا تعترف بالآخر ولا بالوسائل السلمية لتداول السلطة!.

ويرى سعد عثمان في موقع «الراكوبة» السوداني: الذين ينادون بتطبيق العلمانية في المجتمع السوداني، يهدفون من وراء ذلك إلى تحييد الدين عن التدخل في السياسة وإلى إنشاء حكومة تعمل على خدمة المواطن، وفقًا لتعيين الأكفأ بالجهاز التنفيذي لإدارة الدولة، هذه الكفاءات تعتمد على الخبرات العلمية والعملية في إدارة شؤون المواطن، خدمة تعتمد على إنجازات العلم والتفكير العلمي في ابتكار أفضل الحلول والاستراتيجيات طويلة الأمد، إذن الهدف النهائي لهم هو رفض الدولة الدينية في السودان والحفاظ على قدسية الدين بعدم إقحامه في معترك السياسة.

ومع أهمية الاتفاق بالنسبة لمستقبل السودان، لكن هذا لا يعني أن كل العقبات أمامه قد انتهت أو سوف تنتهي في المستقبل القريب، لأن كما يتردد في الصحافة السودانية المواقع الالكترونية بالرغم من أهمية بناء دولة على أساس المواطنة تعتمد على الحقوق والواجبات، وإجبار الدولة على الوقوف عند مسافة واحدة من جميع الأديان والمناطق، هناك إشكاليات لا تزال تمثل منغصًا أمام تطبيق فصل الدين عن الدولة من بينها كما نشر في «صدى الساحل» الأولى تكمن في تحالف الحرية والتغيير الذي يضم قوى مختلفة ليست على وفاق تام حول هذه القضية والثانية تخص المؤسسة العسكرية التي تبدو قيادات نافذة فيها بمثابة الحارس المؤتمن على الشريعة بصورة غير مباشرة، ما حولها إلى حائط ضد مناقشة هذه القضية، حيث نجح البشير في إضفاء أسلمة سياسية على شريحة كبيرة منها!.

والمعضلة الثالثة تتجسد في وجود حركات إسلامية متشددة كامنة في دارفور أو غيرها، ربما تجد مبررًا في خروجها إذا احتل فصل الدين عن الدولة الواجهة السياسية وما يترتب على ذلك من توتر يجرف معه ما تحقق من تقدم على مستوى السلام، ويعيد البلاد إلى أجواء التجاذبات والانقسامات بين الإسلاميين وغيرهم.

ومع ذلك إن أهمية اتفاق أدريس أبابا بخصوص إعلان مبادئ مشترك يتضمن التنصص على «فصل الدين عن الدولة» في دستور البلاد خطوة في الاتجاه الصحيح لأنها تمهد الطريق أمام سودان جديد، يقطع مع عقود طويلة من الخلط بين السياسة والدين.

لأن استغلال الدين في العمل السياسي يسيء للدين وبالتالي تحرير الدين من الدولة منعًا لاستغلاله حتى يؤدي دوره في المجتمع.

عندما يقال إن العلمانية تقضي على الحروب الدينية وتزيل مسبباتها لأنها تضمن لكل إنسان ممارسة نشاطه العقدي يقصد من وراء ذلك أن الدولة لا تتدخل بل تضمن لكل إنسان مزاولة معتقدة، فالعلمانية ليست كما يروج تجار الدين بأنها ضد الدين وإنما ضد استغلال الدين، وهي كما يشرحها العفيف الأخضر مفتاح الحداثة السياسية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عودة جزئية للعمل بمستشفى الأمل في غزة بعد اقتحامه وإتلاف محت


.. دول أوروبية تدرس شراء أسلحة من أسواق خارجية لدعم أوكرانيا




.. البنتاغون: لن نتردد في الدفاع عن إسرائيل وسنعمل على حماية قو


.. شهداء بينهم أطفال بقصف إسرائيلي استهدف نازحين شرق مدينة رفح




.. عقوبة على العقوبات.. إجراءات بجعبة أوروبا تنتظر إيران بعد ال