الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فلسطين جواز عبوري

فلسطين اسماعيل رحيم
كاتبة وصحفية مستقلة

(Falasteen Rahem)

2020 / 9 / 19
سيرة ذاتية


كلما سمعت فيروز تغني :
اسامينا شو تعبوا اهالينا ، طلقوها شو افتكروا فينا ،
أقول معذورة هذي الفيروز،فهي حتى عند تنازلها عن نهاد ، وجدت نفسها فيروز ، لم يعبرًْ بها أسمها أكثر مما عبرْ بها صوتها ، لم ينقذها من زحمة على الحدود ، صوت ضابط يغص بالحسرة كأنه المسيح ، يصيح : أين هي فلسطين ، فيصمت الجمع المثرثر بفضول عارم ، اشق زحامهم بخجل كمريم البتول ، اتعثر بأعتذر عن هذا التواطؤ غير المتعمد، فيفسحون لي الطريق ، لا اجرؤ على النظر بأعينهم ، لكني من صمتهم ألمس شيئا من الخشوع ، او هكذا شعرت لحظتها ، يقبل جواز سفري ويضعه على رأسه مباركا أبي في العالمين ، أشير إلى الجمع مرة اخرى ، لكني لست وحدي أبي وشقيقتي معي ، يغتبط الرجل ويصيح بارك الله بك ايها الشيخ، كان ذلك مطلع عام 2005 على الحدود السورية قادمين من عمان ، لكن الضابط على الحدود الايرانية كان حائر في فهم اللبس الذي وضعه أسمي فيه ، فجعل يفحص ويطلب كافة الاوراق التي بحوزتنا انا وأبي ، في محاولة لفهم الفرق بين أسمي وجنسيتي ومسقط رأسي ، وجلسنا في ذلك المعبر الحدودي اكثر من ثمان ساعات ، ليتبين لهم ان الامر بسيط جدا ، الفتاة اسمها فلسطين ، وجنسيتها عراقية ، وفي اجتيازي الممر إلى بوابة الطائرة التي استقلها للمرة الاولى في حياتي من مطار الملكة علياء باتجاه بروكسل، سألني موظف على بابها وهو يطالع جواز سفري ، من لديك في بروكسل يا فلسطين؟ وظل ذاك السؤال حتى يومنا بلا أجابة ، لم اعرف وقتها بما أجيبه حقيقة ، فلم يكن لدي أحد هناك ،أبتسمت بحزن وقلت له : كل فلسطين أمامك وتسألها من تملك هناك ، فضحك متمنيا لي السلامة.
وكان موظف النفوس العجوز في بلدتي منتشيا وهو يقلب في سجلي العائلي ليستخرج لي صورة قيد ، يقطع عمله ناظرا إلي بحب كبير ، ثانيا بكل كلمات الشكر والامتنان على أبي لاختياره هذا الاسم العظيم .
أسمي ايضا كان يورطني في بعض النقاشات التي لا يحمد عقباها ،وما أكثرها ،نصحتني يوما مدرسة الصرف بتغيير أسمي ، وكنت اراها انسانة تحاول استفزاز طالبة لم تكن معجبة بها على الاقل ، على أني اذكر ايضا أني سأظل مدينة بأعتذار لأستاذ النحو الذي كتبت له شاهدا نحويا بجملة : أنت رجل جبان ، وحين أستلمت ورقتي كان قد ذيلها بالاحمر كاتبا عليها ( لا وألف لا يافلسطين) لم يمهله الزمن كي يسمع اعتذاري، فقد قرئت نعيه فيما بعد، وظللت أحمل له اعتذارا اتمنى أن اقدمه له في حياتنا القادمة ، أسمي كان يمررني من سم الخياط ، ويهبني معارف لا اعرفهم ، ويجعلني ضمن اهتمامات اخرين، بل احيانا اصادف كثيرين يعرفون عني اشياء كثيرة لا تنفعهم بشيء ، وربما من المفارقات العجيبة التي صادفتني اني كنت املك صندوق بريد في الكوفة ، وكنت نجمة مراسلة شهيرة ، تتناقل اسمي الاذاعات والبرامج من مونت كارلو وحتى صوت العرب ، مرورا بالاذاعات المحلية ، حدث ان جائت صندوقي رسالة من فتاة تونسية من المهدية معنونة إلى شاب فلسطيني في النقب، لم تذهب إلى ارض فلسطين ، لكنها وصلت إلى فلسطين ، فأعدتها لمرسلتها مع اعتذار وشرح مفصل لما حدث ، لكن خطإ مثل هذا حدث في بلدية اتربيك في بروكسل ، حين قام الموظف بتخمين اني فلسطينية مما توجب علي تقديم بيان ولادة كلفني الكثير من أجل اقناع البلدية اني عراقية ولا داعي لاستنتاجات تكلف المال والوقت ، ويمكنهم الرجوع إلي لشرح ذلك مستقبلا ، وحدث ان صغاري في مدرسة القنيطرة الابتدائية ارادوا احياء حفلا مدرسيا حضره مسؤول في مديرية التربية ، ولما كنت احظى بشعبية بين تلامذتي الصغار ، انبرى كل منهم في التسابق الى وسط الساحة ليقدم مشاركته ، وكلما تقدم واحد منهم صاح :
ست فلسطين ياعيوني لابسة قاط زيتوني ، لابسة ساعة لماعة تسوى كل الجماعة ، والمصيبة كان حين يصل إلى كلمة الجماعة يشيرون بأصابعهم الصغيرة إلى الواقفين من معلمين ومسؤولين ، في الوقت الذي أعض أصابعي أنا،خوفا وهلعا مما يمكن ان ينتظرني ، فيصفق المدير بحرج ، وبصدق كان ارووع مدير عملت معه، ويصيح ليغير من مزاج المسؤل الذي لم يبد مرتاحا ، فينبري تلميذ اخر الى وسط الساحة مكررا : ست فلسطين ياعيوني ، يقاطعه المدير ليجد نفسه مضطرا إلى انهاء وقفة الاحتفال تلك ، والاكتفاء بجلسة في غرفة الادارة ، كاد حماس الاطفال ذاك ، ان يضعني ضمن المطلوبين حزبيا لولا ان مديري كان مدافعا محبا ومقدرا لتعلق التلامذة بمعلمتهم الجديدة ذات الاسم المختلف الذي يسمعونه في نشرات الاخبار وفي الاغاني ويقرؤنه في كتبهم المدرسية ايضا .

كامرأة حظيت بعشرات اسماء التدليل المختلفة الدلالة ، أحب جميع الاسماء التي خلعها علي الاهل والاصدقاء والتي استعرتها انا ايضا ، فكل أسم نوديت به هو أسمي ، على انه يبقى أحبها إلى قلبي هو أسم فلوسة ، والذي يناديني به اخوتي الاولاد تحديدا وأبي ، ذلك أن اسم فلسطين أسم يتحمل كافة الاشتقاقات والتراكيب الجديدة ، لكنه لا يصلح للتصغير والتدليل ابدا ، وكنت فلوسة عند أبي ، وفلافل عند أمي ، فيما اخترع لي اخي الاكبر أسم لاسة ، ونادتني شقيقاتي ب فلة، لكن جدتي لأمي خلعت علي الاسماء بكرم مبالغ به ، فكنت مرة دنانير ، وعشرات ( وتقصد عشرة دنانير وكان مبلغ كبير حينها) ، ودراهم وفلوس ، واعتقد أنها اشتقت من مقطع أسمي الاول كل ما له علاقة بالنقد ، وكان ذاك يروقني جدا ولَم اقبل بالاسماء المبتذلة مثل فوفة او فيفي كنت اكرهها ودائما تجابه من قبلي بالتطهر والاستغفار، فكيف يمكن لفلسطين ان تصير فيفي مثلا ، اية جريمة تلك!!!في حين حرصت ان أختار لنفسي أسماء تمنيتها لي ، كوّن أسمي كان لا يمت للرومانسية بصلة ، خصوصا في مراهقتي ، كنت اريد اسما يصلح ان يكتب احدهم له قصيدة حب مثلا، فلكم سخرت من اقحام معجبيني( على مايبدو أني كنت من الفتيات اللواتي تصلهن رسائل ايضا) لأسمي في قصيدة حب مستعارة ، او بين نصوصهم الرومانسية في الرسائل التي يدسونها لي ، أسمي يجعل منها أشبه ببيان عسكري او قصيدة تصلح لتهيج حماس الجماهير او منشور سياسي ، لا لشد انتباه فتاة تحمل اسما يذوب كل الكلام الذي يكتب حوله ، ويبقى ممددا بحروفه الستة المتلاصقة ، مثل نص مكتمل لا يحتمل التأويل والاضافة ولاحتى يحب التذييل.

لا أعرف كيف يتعامل الناس مع اسماؤهم ، انا شخص لا استطيع تجاوز أسمي ، ولا أحتمل ان يخطأ احدا في لفظه او رسمه ، أحرص على تصحيحه بسرعة ، لكني ايضا لا أحتمل ان يخطأ احدا في تحديد يوم ميلادي ، ولا هويتي ، وكثيرا ما تبعت أسمي بعبارة من الكوفة ، كمن يزيح جغرافية مكان ويدنيها لقلبه ولو عبر دلالات كلامية لا اثر لها على خارطة الحزن العربي الاثير ،ازيح فلسطين إلى الكوفة ، وأهبها أهلا ودار وأخوة كثار ، ورغم أني كنت أعرف فتاتين على الاقل في بلدي يحملن مثل أسمي ، غير أني لم اصادف احداهن في حياتي ، وكنت اتمنى ان لا اصادفهن مطلقا ايضا، ولَم أحب الشاب المغربي ابن الخنيفرة الذي يعمل مدير ادارة في فندق بأبو ظبي،بدا غريبا علي ان ينادي احدهم على شخص ما بأسمي دون ان يعنيني ، شعرت بالغيرة من الرجل الذي حاول ان يكون لطيفا ومستعدا لعقد صداقة معي مبنية على شراكة بالاسم ، الرجل فلسطين الذي عرفت من كنيته بأنه ليس عربيا ، تمنيت لو أني لم أصادفه، حتى اني حدثت نفسي بانه لا يستحق الاسم وحري به أن يغيره ،
ترى كيف يعيش المرء مع اخرين يحملون أسمه ، ماهو شعوره، وكيف يمكنه ان يسمع باسمه منسوب لاخرين غيره، صحيح أني في فترة من مراهقتي أستعرت اسماء كثيرة ، كنت كرستين وتمارا وليليان ولصق بس اسم لوليتا طوال فترة مراهقتي ، وكنت اوقع جميع كتاباتي به ، لكن اسم فلسطين تحديدا كان حصرا لي ، بل أنه لا يصلح لغيري ، ولا ينازعني أحدٍ فيه ، حتى أنني من تأثري به نسبتني إلى
مدن بعيدة هناك ، في يافا وحيفا ،
وكنت اخترت لطفلتي هذين الاسمين.

فلسطين الجنابي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استقطاب طلابي في الجامعات الأمريكية بين مؤيد لغزة ومناهض لمع


.. العملية البرية الإسرائيلية في رفح قد تستغرق 6 أسابيع ومسؤولو




.. حزب الله اللبناني استهداف مبنى يتواجد فيه جنود إسرائيليون في


.. مجلس الجامعة العربية يبحث الانتهاكات الإسرائيلية في غزة والض




.. أوكرانيا.. انفراجة في الدعم الغربي | #الظهيرة