الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أي بناء للرأسمال البشري في الدول العربية – المغرب نموذج - ؟

المهدي بوتمزين
كاتب مغربي

(Elmahdi Boutoumzine)

2020 / 9 / 19
التربية والتعليم والبحث العلمي


يُعد الرأسمال البشري كمكون أولي و جهوري من ضمن المكونات الأخرى المشكلة للرأسمال اللامادي, الذي يحاول تجاوز النظرة التحليلية القصيرة التي تربط مفهوم الثروة و الاقتصاد بلزوم امتلاك السيولة المالية و الألات الصناعية, و تهمش بالمقابل الدور المفترض للفرد في تحقيق النتيجة المرجوة من العمل و استراتجيات التنمية المحلية و العالمية . إن الغاية و البابة من الحساب العلمي هو توفير التقنية التي تسهل عمل الانسان و تحسن من المردودية و توفر له سبل الترف و بلهنية الحياة الرغيدة و المدنية , و ليس إقصاءه و كبح جماح تفكيره التنوري الذي كشف أسس التقنيات و منحها الحياة المديدة التي تتطور باستمرار مطرد . فالإنسان هو الذي حوَّل بذكائه و عمله قوانين الفزياء و الرياضيات و باقي العلوم إلى أشكال و مجسمات حيَّة تشتغل وفق نظم و أسس معقدة تضمن لها الحياة تسمى التقنية . إن الأمر بات يشبه إعلان حرب ضروس يقودها الرجال الاَليون الذين غذَّاهم الإنسان بالذكاء الإصطناعي و قوة الحفاظ على البقاء .
إن مركزية الحديث عن الرأسمال البشري تحيلنا إلى الحديث عن أهميته التي تتجاوز اعتباره عنصرا من جملة عناصر الرأسمال الغير المادي , و الحقيقة أنه يتمتع برصيد مادي و قيمة في الأسواق المالية . الأمر هنا لا يتعلق بالتعريف الإصطلاحي الاقتصادي بل إيماءة لجسامة الحرب السيميانتيكية التي تقعد الفرد في موضع أقل من الدولار و الماكينات ؛ فلعلها محاولة للقفز على اللامنطق الرأسمالي الذي ينفي جوهر الإنسان .
إذا كنا سنختلف حول خانة تصنيف الرأسمال البشري, فإن الجميع يتفق على أن نهضة الدول لا تتحقق إلا بتوافر أفراد مؤهلين علميا و معرفيا يحملون قيما ثقافية و اجتماعية فاضلة تحث على التعاون و التشارك و الحوار . و ليس كل فرد قيمة إنتاجية أو معرفية , فالأمر يقتضي تملك خبرات و مهارات و معارف يستطيع معها الإنسان الإندماج في الوسط الاجتماعي و الثقافي و الاقتصادي . إنها كفايات تبنى على إمتداد سنوات طوال, تبدأ منذ النشأة داخل البيت الأبوي مرورا بالمرحلة التكوينية الأساسية و هي التعليم النظامي, عطفا على دور وسائل الإعلام و الوسط الإجتماعي و الوضع السياسي داخل البلاد .
إن العمل على جعل الفرد يتمتع بقيمة تُقدَّر كرأسمال مهم , يقتضي مراعاة ظروف نشأته و تكوينه المعرفي و بنيته النفسية و العقلية . إننا أمام منهجية بل و استراتجية عمل تجرُّنا من الأصول إلى الفروع و من الكل إلى الجزء , مثلما نجد أنفسنا صدفة قد انتقلنا من الأنتربولوجيا إلى الأنثروبومترية و الأثنوغرافيا و السوسيولوجيا .
إن المحددات و العوامل الأساسية الأولى المسؤولة مباشرة عن بناء الرأسمال البشري و التي ترتبط هيكليا ببعضها البعض في علاقة تكامل ؛ نجد في باكورة الأمر الوسط الاجتماعي بمفهومه الضيق و الذي يعيش في ظله الفرد و تتكون ملامح شخصيته . في المغرب – نموذج فقط – يعيش الأفراد ضمن بنيات اجتماعية تتسم بالطبقية و الفرق العميق الذي يماثل البون بين دول الشمال و الجنوب . ففي ظل الفساد المنتشر في سائر القطاعات و المجالات ؛ أوجد ذلك واقعا مُقسَّما إلى أجزاء و أشلاء شتى . فأبناء القطط السمان التي توصف بمصاصي الدماء أو دراكولا , قد حالفهم الحظ و القدر معا؛ ما جعلهم يحظون بوسط تتوفر فيه كل الشروط لإكتساب المهارات و المعارف و الخبرات الأساسية في الوقت الراهن, كالمعلوميات و أسس الاقتصاد كالتعرف على أسواق البورصة و الإستثمارات و تأسيس الشركات و إبرام الصفقات دون إغفال إستغلال الفقراء كقاعدة ربحية في فكر هذه الفئة المعتزلة . ينضاف لهذا تمتع أبناء هذه الفئة بالفرصة السانحة لتعلم اللغات الأجنبية و الإنفتاح على الثقافات و الشعوب الأخرى, و الحصول على تعليم جيد في مدارس البعثاث الأجنبية أو المدارس الخاصة؛ التي فصلت حدود المغرب قبل أن تجهز عليه أوراش الجهوية المتقدمة . و في هذا السياق أؤكد على أن التماهي في خوصصة التعليم نذير شؤم سيرمي بالدولة إلى الحضيض التي ستكون قد فيئت الأطفال كما تُفرز الطيور إلى أهلية و برية مسببة طائفية مقيتة .
في المقابل نلمس أن التعليم العمومي و رغم كفاءات و خبرة المدرِّسين, إلا أنه لا يؤمِّن في مخرجاته الكفايات و القدرات العلمية و المعرفية المسطرة التي يجب أن تتوفر في المتَعلم, لتكون النتيجة خروجه بخفي حنين من مسار دراسي طويل أفرغت فيه أرصدة الأباء و الدولة . العلل في هذا المضمار كثيرة و متشابكة , تعزى إلى غياب رؤية صائبة لسيرورة التعلم المتواصل , حيث تدَّعي الدولة من خلال مناهجها المثالية المبالغ فيها و التي تتنافى مع القدرات الذهنية و البنية البيولوجية لمتعلمي القرن الحالي . فإذا كانت الدولة تراهن على تعلم اللغات الأجنبية , فنظرة على الكتاب المدرسي للمتعلم نصادف حشوا و فائضا في الكلمات و المصطلحات المعقدة التي لا تجد لها ترجمة في القواميس و مواقع الترجمة الإلكترونية . إن كتاب المتعلم يجب ان يكون مختصرا و مقتضبا وأن تكون كل كلمة و حرف موجه لطفل ذو قدرات محددة .
اليبان كنموذج يمكن الإهتداء به , و بعدما دُمرت على بكرة أبيها استطاعت أن تصطف بين الدول المتقدمة , و ذلك بعد ثورة مانجي التي اعتمدت على ثلاثة أواسي , محاربة الأمية ثم الاهتمام باللغة الوطنية و ترجمة كافة الأعمال الفكرية و العلمية و الأدبية إلى اللغة الوطنية ثم الاهتمام بالبحث العلمي . على النقيض من ذلك نجد أن الدول العربية التي تعيش استلابا ثقافيا و استعمارا ناعما ؛تتعلق فيه بسراب اللغة الأجنبية في تدريس العلوم, و بجدة المسألة وجود فيل في الغرفة نرفض معها حقيقة منطقية و نتماهى مع الطرح الخطأ دون نقده و الإعتراض عليه .
إن غياب اللغة العربية أو الأمازيغية - بالنسبة للأمازيغ- كحق دستوري لدراسة العلوم و التقنيات يعد جريمة في حق الإنسانية و المعرفة و التاريخ . فلقد برهنت الدراسات و التحليلات العلمية أن تدريس العلوم بلغة أجنبية كفيل بتقهقر مستوى المتعلم الذي يجد نفسه في صراع مع اللغة أولا ما يحدث له كبوة سحيقة في إتمام دراسة فصول مجال تخصصه . فالصين التي تملك أعقد اللغات في العالم تُدرس بلغتها الوطنية و اليبان و ألمانيا و باقي الدول المتقدمة التي تحترم نفسها و شعبها . حتى إسرائيل التي تعتمد اللغة العبرية كلغة كانت تصنف كلغة ميتة أضحت بعد مئة سنة من أقوى الدول في مجال العلوم و التكنولوجيا .
تطور التعليم في المغرب لا يرتبط فقط بضرورة تغيير المناهج و أساليب التعليم و إنما يتعداها إلى لزوم تحسين الأوضاع الاجتماعية للأفراد . فالمتعلم الذي يعيش في فقر مدقع أو في أعالي الجبال لن يستطيع التركيز على دراسته . هنا أتحدث عن الطبقية المطبقة و غياب العدالة الاجتماعية كمؤشر خطير على إختلال التوازن المطلوب داخل الدولة .
أقصد بإختلال التوازن فقدان الثقة في مؤسسات الدولة و سيادة النظرة السوداوية المضطربة على الواقع الحياتي و العملي للفرد . و الحفاظ على التوازن يقتضي الإنهاء الحقيقي مع الرشوة أو الركون إلى النفوذ و المحسوبية و الزبونية و استغلال الاَخر لقضاء مصالحه . إن هذه المعطيات إذا توافرت كانت مِعولا فولاذيا لهدم مجهود المدرسة و الأسرة في بناء مواطن صالح و رأسمال رصين للنهوض بالتنمية و الاقتصاد في البلد .
الوضع الراهن في الدول العربية يحيلنا إلى تشاؤم العقل و تفاؤل الإرادة , فبناء الرأسمال البشري يصادف عدة عراقيل , بالنظر إلى جسامة عدد الأطفال المتخلى عنهم و الأطفال الذين انقطعوا عن التمدرس علاوة على انتشار شبكات المخدرات و الدعارة , ينضاف لهذا الإستهتار السياسي الذي يُغني فئة ضيقة على حساب القواعد الشعبية المسحوقة , فتربية الجيل على حب الوطن ممكنة , لكن عندما سيغدو المتعلم شابا ستنقشع الغمامة أمام عينيه و يكتشف أن الوطن سارق و المعلم منافق و الصحفي كاذب .
إن الحاجة ملحة اليوم إلى تأهيل الرأسمال البشري, لكن ذلك يظل رهينا بالإرادة السياسية الحقيقية و ليس مجرد إعلانات صفراء و دعاية إنتخابية مؤقتة , فوجود الرأسمال الإنساني كفيل بتنمية و تطور البلد في غضون سنيين قليلة , لكن إن صادف الأمر وجود رأسمال بشري قوي يمتلك الخبرات و المهارات و المعارف و بقيت الإرادة السياسية رجعية و فاسدة فسنكون أمام احتمالين : إما أن يهاجر هذا الرأسمال المؤهل خارج البلاد أو يحدث ثورة لا تقمعها البنادق و الدبابات . فكل ما تخشاه الأنظمة العربية التحركات الشعبية السياسية و الحقوقية المدروسة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المحكمة العليا تنظر في حصانة ترامب الرئاسية في مواجهة التهم


.. مطالب دولية لإسرائيل بتقديم توضيحات بشأن المقابر الجماعية ال




.. تصعيد كبير ونوعي في العمليات العسكرية بين حزب الله وإسرائيل|


.. الولايات المتحدة تدعو إسرائيل لتقديم معلومات بشأن المقابر ال




.. صحيفة الإندبندنت: تحذيرات من استخدام إسرائيل للرصيف العائم س