الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


(سيد درويش)… المسرحُ في تمامِه

فاطمة ناعوت

2020 / 9 / 20
الادب والفن


Facebook: @NaootOfficial
هذا هو المسرحُ في أوجِ اكتماله، كما يهلُّ البدرُ على صفحاتِ عيوننا في أوجِ تمامه. المسرحُ حينما تكتملُ جميعُ أركانه ليقدّم لنا معزوفةً مسرحيةً متناغمة؛ لا يشوبُها نقصان. الإخراج والحبكة الدرامية والديكور والملابس والإضاءة والرقصات الاستعراضية والغناء، وقبل هذا وبعده، الأداءُ المدهش والمتناغم لجميع الفناني؛ن لتكتمل السيمفونية المسرحية كما يليق بها أن تكون على مسرح مصريّ عريق مثل: "البالون"، الذي شهدنا على خشبته أجمل كلاسيكيات المسرح.
مسرحية "سيد درويش" التي أنتجها البيت الفني للفنون الشعبية والاستعراضية بوزارة الثقافة، روتْ تعطّشَنا للمسرح الثريّ "مكتمل الأركان" الذي افتقدناه كثيرًا في الفترات الماضية. ورغم أن المسرحية عن تاريخ علمٍ مصري وعالمي شهير: الموسيقار "سيد درويش"، ما يشي بأن لا جديدَ سوف نراه، إلا أن الأمرَ جدٌّ مختلف. فطزاجةُ النصُّ تمثّل 50٪ من نجاح أية مسرحية. وحين يتصدّى مبدعون لعرض مسرحي عن قصة تكاد تكون محفوظة للجميع عن تاريخ أحد الأعلام، فهذا لون من "المغامرة" بالتضحية بنصف فرص النجاح. وهنا، يجب تقديم التحية للمؤلف المبدع "السيد إبراهيم" الذي التقطَ من حياة "الشيخ سيد درويش البحر" (القصيرة والثرية في آن)، مناطقَ مشرقةً غارقةً في الدراما والشجن والوطنية والمشاعر والمِحَن الإنسانية والانكسارات والنجاحات، مُضفّرةً بخمسة وعشرين لحنًا وأغنيةً للعظيم "سيد درويش" مع الأصوات النسائية الشجية، ما جعلنا، نحن المشاهدين، في ملء الشغف والمتعة والترقّب ساعاتٍ ثلاثًا، كنّا نرجو أن تكون ثلاثين. وأبدع المخرج الجميل "أشرف عزب" في تحويل هذا الورق الجميل إلى مسرح راقٍ حيّ ينبضُ بالفن والسموّ.
“محمد عادل"، أو "ميدو" كما نطلقُ عليه، ابن المعهد العالي للفنون المسرحية، بوسامته المصرية ورشاقته وخفّة ظلّه وموهبته الطافرة، أبهرنا بأدائه العظيم لشخصية "سيد درويش" المركّبة. تشرّبَ الشخصيةَ وعايشها على نحو مدهش، حتى ذابَ فيها إلى حدِّ أن فجعَنا موتُه مُنكفئًا على عودِه يعزف أغنيةَ الترحاب بعودة الزعيم "سعد زغلول" من المنفى. صدمنا موتُه الهادئ، وكأنما لم نكن نعرفُ مسبقًا أن "سيد درويش" قد خطفه الموتُ في شرخ شبابه! ما حدث هو حالٌ من "الحلول"، بالتعبير الفلسفي. الفنان "محمد عادل" حَلَّ في شخص "سيد درويش" بعمقٍ، فحللنا نحن معه بعمقٍ في زمنِه ولحظته، بعدما محونا من ذاكرتنا ما نعرفه مسبقًا عن تاريخه، وعشنا اللحظةَ بكامل تفاصيلها، ففُجِعنا بموتِه كأنه يموتُ الآن! إنها براعةُ الأداء من نجم موهوب، جعلت مشهدًا مدوّنًا في ذاكرة التاريخ، يباغتُنا مثل نصل سكين حادٍّ ينحرُ الروح. فاجأنا "ميدو" بإتقانه رقصة "البوب" على موسيقى "سيد درويش"، وفاجأنا بالغناء كذلك، لنجد أنفسنا أمام فنان شامل لم يكن غيرُه ليؤدي هذا العمل العصيّ.
أما النجمة الآسرة "لقاء سويدان" فكانت كرزة المسرحية بطغيان جمالها وإبداعها الاستعراضي المدهش، وكذلك غنائها، وهي خريجة كونسيرڤتوار"، في دويتوهات مشتركة مع "ميدو"، والفنانة "رشا سامي". قدّم الفنان "سيد جبر" شخصية المصري الفهلوي الذي تُمثّل خفةُ ظلّه ركنًا أساسيًّا من مهنته كقهوجي أريب. ثم تقفُ أرواحُنا احترامًا حينما تجمعُ خشبةُ المسرح ثلّةً من عظماءَ مصريين في الموسيقى والكتابة، يُكافئ كلٌّ منهم مجرّةً بأسرها: نجيب الريحاني (علاء الدين الحريري )، بديع خيري (محمد الشربيني)، محمد يونس القاضي (ياسر الرفاعي)، وظلال "بيرم التونسي"، إلى جوار فنان الشعب الخالد "سيد درويش”. ما هذا الزمنُ الثريّ! وما هذا الوطنُ العظيم الذي أنجب أولئك الأفذاذ!
من الجميل في هذا العرض الثريّ، تسريبُ المعرفة الموسيقية إلى أعماقنا دون مباشرة. فيحكي أحدُهم كيف أدخل رائدُ الموسيقى "سيد درويش" تيمة "البوليفوني" التي تعتمد عدةَ أصوات لحنية بينها فروقٌ زمنية طفيفة، بعدما كان الطربُ المصري يعتمد على "المونوفوني"، أو اللحن الأحادي المعروف.
"الديكور" كان بطلا بحقّه الخاص. تحية احترام للمبدع "محمد عبد الرازق" الذي قدّم لنا حي "كوم الدكّة" السكندري، ومسرح حلب السوري، وكامل تفاصيل المشاهد المبنية، مع توسُّل السينوغرافيا على نحو فائق الجمال، ما ساعدنا في إتمام عملية "الحلول" في الزمان والمكان والشخوص. كذلك تصميم الرقصات والاستعراضات مبهرةٌ ومتقنةٌ وخارجة عن المألوف، تحية احترام للمبدع "وفيق كمال" مصمم ومدرب الاستعراض.
ولأنه عملٌ متكاملٌ لا نقصَ فيه، فالقلمُ يقدّمُ التحية لكل من ساهم في إخراجه للنور على هذا النحو الثري، اسمًا اسمًا. تحية احترام للفنان المقاتل "د. عادل عبده" الذي تصدّى لخروج المسرحية للنور، رغم محاولات إيقافها سنوات. وتحية للمخرج المثقف "خالد جلال" الذي دعم العمل قائلا: إن علينا الحفاظ عليه لأنه وُلِد ليعيش طويلا. تابعوا المسرحية في الموسم الشتوي أكتوبر المقبل بإذن الله. "الدينُ لله، والوطنُ لمبدعي الوطن”.



***








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. آخر ظهور للفنان الراحل صلاح السعدني.. شوف قال إيه عن جيل الف


.. الحلقة السابعة لبرنامج على ضفاف المعرفة - لقاء مع الشاعر حسي




.. الفنان أحمد عبد العزيز ينعى صلاح السعدنى .. ويعتذر عن انفعال


.. االموت يغيب الفنان المصري الكبير صلاح السعدني عن عمر ناهز 81




.. بحضور عمرو دياب وعدد من النجوم.. حفل أسطوري لنجل الفنان محمد