الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صحّة النفس وبناء المجتمع - بحث الجليل

عزيز سمعان دعيم

2020 / 9 / 20
الصحة والسلامة الجسدية والنفسية


مقابلة مع الدكتورة رائدة الياس دعيم، اختصاصيّة نفسيّة علاجيّة، ومديرة عيادة للطب النفسيّ.

الدكتورة رائدة دعيم، لها خبرة واسعة وعميقة، كما أنها رائدة في مجال علم النفس العلاجيّ والتربويّ، وهي أول اختصاصيّة علاجيّة عربيّة في البلاد، مديرة ومطوّرة للعيادة النفسيّة القطريّة الأولى في البلاد، التي مقرها قرية المغار وتتبع لمستشفى صفد. وقد قامت ببحث علميّ واسع ضمن دراستها للدكتوراة بالتعاون مع وزارة الصحّة ومستشفى شنايدر لطب الأطفال ومستشفى صفد، وذلك لدراسة انتشار الأمراض النفسيّة لدى المراهقين العرب لتقصي حاجتهم كأقليّة لمراكز العلاج النفسيّ للأطفال والأحداث، ولتذليل الحواجز والمعيقات التي تمنعهم هم وذويهم من طلب المساعدة النفسية في حال الاحتياج لها.
فيما يلي تسليط الأضواء على نقاط ومضامين هامة في مفهوم ووجهة نظر الاختصاصيّة النفسيّة الدكتورة رائدة دعيم في مجال ثقافة السِلم المجتمعيّ:

• مفهوم ثقافة السّلم المجتمعيّ:
ثقافة السِلم هي التواصل الايجابيّ مع البيئة المحيطة، بحيث تُبنى البيئة ويُبني الأفراد من خلال عمل ومتابعة أشخاص مسؤولين يرون أنفسهم مشاركين في نتائج البناء.

• مفهوم نشر ثقافة السّلم المجتمعيّ في المدرسة أو المؤسسة التربويّة:
نشر ثقافة السِلم يتطلب تجسير وتعاون متبادل بين المؤسسات والهيئات، بحيث يتم تسخير كل شيء من أجل بناء الإنسان، فالمنطلق الأساس هو أن الإنسان في المركز.

• دور الإدارة المدرسيّة في نشر ثقافة السّلم المجتمعيّ:
الإدارة هي الرأس، كما يفكر الرأس هكذا يفعل الجسم، إذا كان الرأس مشوشًا من جهة التفكير والتخطيط يكون الجسم مضطربًا. الرأس هو الذي يعمل التناغم والتناسق بين الأعضاء، يبني خططًا استراتيجيّة ويتوقع العقبات ويضع الحلول ويصنع المستقبل.

• العوامل التي تعزز بناء شراكة مجتمعيّة بين المدرسة والمجتمع المحليّ لنشر ثقافة السّلم المجتمعيّ:
هنالك مجموعة من العوامل التي بإمكانها تعزيز نشر ثقافة السِلم، منها:
- مدى التواصل الحقيقيّ بين المدرسة والمجتمع، فكلما كان التواصل أكثر كلما كان التأثير أكبر.
- أن تكون الأهداف محددة وقابلة للقياس.
- أن يَنصبّ التفكير على حاجات المجتمع وكيفيّة تحقيقها.
- أن يتم تحضير وتدريب سفراء من المدرسة للمشاركة في الهيئات المجتمعيّة، كلجنة أهالي، وشركاء أكاديميين، والعمل على تواصل مع البلديّة بهدف دعم المدرسة وأنشطتها وتعميق ربطها مع المجتمع.
- الاتاحة لهيئات مجتمعية مختلفة لتكوين تشابك مع عمل المدرسة في سبيل تقدّم دور المدرسة كجسم تربوي هام في بناء الأفراد والمجتمع.

• العقبات:
من أهم العقبات:
- عدم وجود ارتباط وشراكة حقيقيّة، وضُعف في الثقة والتعاون بين المدرسة والمجتمع.
- اهتمام المدرسة وانشغالها فقط في الأهداف التعليميّة والتحصيل دون أن ترى التلميذ كانسان له حاجاته.
- عدم وجود استعداد من المجتمع للتعاون مع المدرسة وتقدير خدمتها له ودورها.
- عندما تكون فوضى في المدرسة، أي تعمل بشكل عشوائيّ، بدون استراتيجيّة ورؤيا، وبدون أهداف وقيم ومنهجيّة.

• الحلول المقترحة:
أقترح مجموعة من الحلول:
- توثيق الاتصال العام والشراكة بين المدرسة والأهل.
- أن تحدد المدرسة رؤيتها وأهدافها.
- أن تُبنى أجسام لتكون حلقة وصل بين المدرسة وبين المجتمع مثل لجنة الأهالي ومجلس إداريّ، بحيث تكون هذه الأجسام مرتبطة مع المجتمع.
- أن تبحث المدرسة عن مشاريع مهمة للمجتمع وتربط معه تعاون وانتماء، على سبيل المثال المساهمة في برامج وأنشطة تتعلق بنظافة البيئة والأحياء، أو برامج تسعى لتقليل ظاهرة العنف المجتمعي.

• عناوين ومضامين أهم الأنشطة المرتبطة بثقافة السِلم المجتمعيّ:
ممكن البدء بمشاريع مثل:
- حملات تطوعيّة.
- مشاركات احتفاليّة مع المجتمع في أعياد ومناسبات خاصّة.
- مبادرات إبداعيّة، فنيّة، تراثيّة، بالمشاركة والاستعانة بأشخاص موهوبين أو محترفين من المجتمع.
- توعيّة الطلاب لقضايا مهمة في المجتمع عن طريق أفلام ومحاضرات.
- حملات تبرعات وإغاثة مع فهم الفكرة من ورائها.
• ما هو دور علم النفس والصحة النفسيّة في تعزيز السلم الذاتيّ لدى الفرد وفي رفع السلم داخل المجتمع؟
كل فرد منا يمر في أزمات عاطفيّة واضرابات أو صراعات نفسيّة، ومن المتعارف عليه من ناحية نفسيّة أن القوة النفسيّة والاضطراب النفسيّ على حدّ سواء، هما انعكاس للعلاقات الأساسيّة الحميميّة الأولى التي يعيشها الطفل، مثلًا أن تولد كطفل مقبول ومحبوب ومعزز بالثقة والكرامة، يعطيك حصانة نفسيّة ضروريّة لتشعر بالثقة والفرح الداخليّ، مما يبُث فيك القدرة على بناء علاقات سليمة ودودة وإيجابيّة مع الآخرين كأفراد ومع المجتمع ككل. من جهة أخرى إذا عاش الطفل في بيئة مضطربة ومتوترة ومشحونة بالصراعات والأذى النفسيّ أو الجسديّ أو الكلاميّ، ينمو في داخله الإحساس بالضعف أو النقص والقلق وفي أحيان معينة حتى يعيش في اضطرابات الصدمة (طراوما) أو اليأس. المُؤسف هو، أن هكذا فرد من المتوقع أن يبني علاقات مهزوزة ومؤلمة مع الآخرين في محيطه ومع المُجتمع ككلّ.
مهم أن أشير هنا، إنّ النظريات النفسيّة الحديثة تؤكد أنّ الصّحة أو الاضطراب النفسيّ يستمران في التشكّل خلال مراحل الحياة المختلفة وليس فقط خلال الطفولة، هذا يعني أن الطفل حتى ولو عاش حياة مضطربة وقاسية في طفولته، إذا حظي ببيئة حنونة ومحبّة واكتسب الوعي لظروفه وحالته في المراحل المختلفة، من الممكن أن يستطيع التغلب على ألم الماضي والنهوض الى جدّة حاضر أفضل، يساهم في صحته هو وفي صحة علاقاته مع المجتمع.

• ما هو مضمون البحث الذي قمت به فيما يتعلق بالصحة النفسيّة للشبيبة العربيّة كأقليّة في البلاد؟ وما هي أهم نتائجه؟
تمحور البحث حول استخدام الخدمات النفسيّة العلاجيّة من قبل الشباب العرب في إسرائيل، بالنظر إلى الحاجات والحواجز. فيما يلي اختصار بنود البحث:
الخلفية: بحث الجليل هو البحث الأول من نوعه لفحص نسبة انتشار الأمراض النفسيّة لدى الشباب العرب في إسرائيل، والحاجة لاستخدام الخدمات النفسيّة العلاجيّة من قبلهم ومن قبل أمهاتهم .
منهجية البحث: شملت عيّنة البحث كل طلاب صفوف التواسع في خمس مدن وبلدات عربيّة، في منطقة الجليل والمثلث الشمالي (2366 طالبًا/ة)، منهم 1639 طالبًا/ة (69.3%) شاركوا عمليًا في البحث بعد موافقة الأهل. أجري البحث ما بين السنوات 2012-2014 على مرحلتين: في المرحلة الاولى تمّ تقييم الصعوبات العاطفيّة والسلوكيّة لدى هؤلاء الشباب من خلال تعبئة استمارة القدرات والصعوبات SDQ
and Difficulties Questionnaire). Strengths). في المرحلة الثانية اشترك 704 أمهات مع أولادهن، وتمّ فيها إجراء مقابلات منزليّة مع كلّ من الأم والشاب/ة على حدة، استخدم فيها استمارة ألـ DAWBA ، (the Development and Well Being Assessment Inventory)، واستمارات أخرى: استمارة تفحص الحواجز لطلب المساعدة في خمسة مجالات بسلم ( 0 غير مهم، حتى 3.00 مهم جدًا)، واستمارة تقييم الصحة العامة للأم GHQ12،(General Health Questionnaire) ، إلى جانب أسئلة اجتماعيّة ديموغرافيّة .
نتائج البحث: تبين من النتائج أن نسبة توجّه الأمهات لطلب المساعدة النفسيّة المهنيّة لأولادهن كانت أعلى لدى الأمهات اللواتي يعاني أولادهن من مشاكل نفسيّة (39.7% مقارنة مع 20.5%). وتبين أيضًا حسب رأي الأمهات أن أهم حاجز يُصعب التوجه لطلب العلاج هو "عدم قرب العنوان العلاجيّ" (بمعدل 2.34). يتبعه بالترتيب التنازليّ حسب الأهمية الحواجز التاليّة: "الخوف من أن العلاج يسبب الأذى" (1.32)، "خشية ملاحقة السلطة للأهل" (0.97)، "العار" (0.55) و"عدم الثقة بالمهنيين" (0.27).
استنتاجات البحث: يتضح من الدراسة أن الحواجز البنيويّة (وجود وقرب مراكز الخدمات النفسيّة) هي الأهم في تأثيرها على استخدام الخدمات النفسيّة لدى الشباب العرب في إسرائيل، ويتضح أيضًا أن الحواجز الاجتماعيّة- النفسيّة، مثل العار، هي في درجة أهميّة أقل. من الممكن إزالة هذه الحواجز عن طريق اقامة عدد أكبر من العيادات النفسيّة العلاجيّة في المدن والبلدات العربيّة، وتأهيل عدد أكبر من المهنيين العرب وتوفير ملكات كافيّة، وهذا من واجب السلطة ممثلة بوزارة الصحّة تجاه المواطنين. كما أنه توجد ضرورة لرفع مستوى الوعي لدى المواطنين لإدراك أهميّة وقيمة العلاج النفسيّ ولإزالة حواجز الخوف من ضرر العلاج.
الفائدة من البحث: نتائج بحث الجليل تتحدى الافتراضات السائدة أن العرب في اسرائيل يمتنعون عن طلب الخدمات النفسيّة من منطلق الخجل أو العار من العلاج وتدحض الأفكار المسبقة في هذا المجال، ومن جهة أخرى تُحمّل السلطات مسؤوليّة توفير الخدمات وتأهيل الكوادر المهنيّة لسدّ الحاجات للخدمات النفسيّة لمواطنيها في المجتمع العربيّ في إسرائيل، مما يساهم في رفع مستوى الصحّة المجتمعيّة وسلامة المجتمع.

• ما هو دورك كاختصاصيّة نفسيّة تربويّة-علاجيّة وكإنسانة مجتمعيّة في نشر ورفع مستوى السلم المجتمعيّ؟
على مستوى الفرد، أرى دوري أساسًا في مجال المساعدة لتوفير الأمان والسلامة والصحة النفسية للأفراد، من خلال العمل معهم على علاج آلامهم المتعلقة بالحاضر والماضي، ومساعدتهم على رؤية المستقبل بعيون جديدة، من خلال وعيهم لألمهم وتطوير قدرتهم على مواجهة وتقبل الألم من جهة، وإحداث تغيير في فهمهم وادراكهم الداخليّ لمعاناتهم وقصة حياتهم.
على مستوى الأهل والعائلة، هناك أهميّة كبيرة لمساعدة الأهل في خوض دور الوالديّة بشكل صحيّ ومتزن، مع الانتباه لكسر الدوائر السلبيّة للنقل بين الأجيال، ولبناء علاقات زوجيّة وأسريّة سلميّة.
على مستوى المجتمع، أرى دوري في التوعية والتثقيف والتعليم، من خلال ندوات ومحاضرات تقام على المستوى المجتمعيّ والأكاديميّ، وفي اجراء دراسات ونشر أبحاث جديدة في المجال.

عبارة ختاميّة
في ختام المقابلة، لخصت الاختصاصيّة النفسيّة د. دعيم مفهومها ورسالتها للمجتمع بخصوص ثقافة السِلم المجتمعيّ بقولها: أنا هو الآخر والآخر هو أنا (الآخر هو شخص أو مجتمع)، فمثلما أهتم أنا بالمجتمع وأبنيه هكذا المجتمع يبنيني، فالسِلم المجتمعيّ متى تعزز وتعمق في المجتمع يسهم في بناء الفرد والمجتمع معًا، فلنعمل معًا من أجل مستقبل أفضل لنا ولأولادنا ولمجتمعنا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيران وروسيا والصين.. ما حجم التقارب؟ ولماذا يزعجون الغرب؟


.. مخلفا شهداء ومفقودين.. الاحتلال يدمر منزلا غربي النصيرات على




.. شهداء جراء قصف إسرائيلي استهدف منزل عائلة الجزار في مدينة غز


.. قوات الاحتلال تقتحم طولكرم ومخيم نور شمس بالضفة الغربية




.. إسرائيل تنشر أسلحة إضافية تحسبا للهجوم على رفح الفلسطينية