الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حول - رِهان باسكال -

مصطفى حجي
(Mustafa Hajee)

2020 / 9 / 20
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


صياغة الرهان لِمن لا يعرف كالتالي:

1- إنْ آمنتَ بالله وكان الله موجودًا، فسيكون جزاؤك الخلود في الجنّة، وهذا ربح غير محدود.

2- إنْ لَمْ تؤمن بالله وكان الله موجودًا، فسيكون جزاؤك الخلود في جهنّم، وهذه خسارة غير محدودة.

3- إنْ آمنتَ بالله وكان الله غير موجود، فلن تُجزى على ذلك -أي لن تتم مكافأتك- على الرغم من أنَّك قد ضيَّعتَ حياتَك بأداء العبادات، وهذه خسارة محدودة.

4- إن لَمْ تؤمن بالله وكان الله غير موجود، فلن تُعاقَب، لكنَّك ستكون قد عِشتَ حياتكَ كما تريد، وهذا ربح محدود.

انتهت صياغة الرهان...

الربح والخسارة في النقاط 3 و 4 يمكننا اعتبارها كخسارة الفُرَص الناتجة عن ادعاء الإيمان والعيش حسب قوانين الدين كونها في أغلب الأحيان أكثر صرامةً من القوانين المدنيَّة، إذا نظرنا للموضوع بنظرة حسابيّة بسيطة فيمكننا إهمال آخر نقطتين عند مقارنتها بالربح والخسارة غير المحدودة في النقطتين 1 و 2، (أي يمكن أن نعتبر 3 و 4 لا شيء تقريبًا)، وبالتالي يستنتج الناظر غير الواعي لهذا الرهان أنّ الإيمان بالله هو الخيار الأفضل مقارنة مع عدم الإيمان به.
إذا تم وضع الرهان في جدول، سيتَّضح للناظر أن الإيمان يعطيه إمّا الربح أو (تقريبًا) لا شيء، في حين أنّ عدم الإيمان يعطيه الخسارة أو (تقريبًا) لا شيء.

الآن:

هنالِك شيءٌ غريبٌ في هذا الرهان .. الإيمان ليس شيئًا تختاره بقرارٍ لَحظِيٍّ كما تختار موقفك السياسي أو كما تختار الوظيفة التي ستعمل بها (على الأقل أنا لا أستطيع اختياره بإرادتي).

نعم... أستطيع أنْ أختار الذهاب للمسجد وأستطيع أنْ أختار نُطق الشهادتين الآن، وبإمكاني أنْ أرتِّل القرآن في كلِّ ليلة، كذلك أستطيع أنْ أُقسِم على كَومة مِنَ المصاحف بأنّي أُصدِّق كُلَّ كلمةٍ فيها... ولكن لا شيء منْ ذلك يجعلني مؤمنًا حقًّا {إنْ لَمْ أَكُنْ أنا كذلك مِنَ الداخل}...

لا أحد يستطيع فَرض الإيمان على نفسه (فالإيمان لا يكون إلّا إذا كان الشخص مقتنعًا بما يؤمن به تمامًا) والخضوع بالفَرض لا يعني الاقتناع بالمفروض.

من ناحية أُخرى فأنا أستطيع بناء رهانٍ يُشبه رهانَ باسكال، لكنَّ الخاسر فيه سيكون مَنْ يؤمن بـ "الإله مُطلَق العلم" مِنْ منطَلَق تبنِّيه لرهان باسكال (أي يتظاهر بالإيمان خارجيًّا فقط دون أنْ يكون هو كذلك مِن الداخل)، وصيغته ستكون كالتالي:

1- إنْ تظاهرتَ بالإيمان بالله (تُخادِع نفسك) وكان الله موجودًا، فسيكون جزاؤك الخلود في النّار، رغم أنَّك ضيَّعتَ حياتَكَ في عبادته ( لأنَّكَ عبدته خِداعًا) وهذه خسارة غير محدودة.

2- إنْ لَمْ تؤمن بالله وكان الله موجودًا، فسيكون جزاؤك الخلود في النّار، وهذه خسارة غير محدودة.

3- إنْ تظاهرتَ بالإيمان بالله (تُخادِع نفسك) وكان الله غير موجود، فلن تُجزى على ذلك -أي لن تتم مكافأتك- على الرغم من أنَّك قد ضيَّعتَ حياتَك بأداء العبادات، وهذه خسارة محدودة.

4- إنْ لَمْ تؤمن بالله وكان وكان الله غير موجود، فلن تُعاقَب، لكنَّك ستكون قد عِشتَ حياتكَ كما تريد، وهذا ربح محدود.

نلاحِظ هنا أن الربح الوحيد في هذا الرهان المُعاكِس هو إن لم تؤمن بالله وكان غير موجود (حتّى وإن كان ربحًا محدودًا فهو يبقى ربحًا)
ونلاحظ أيضًا أن الخسارة الكُبرى هنا هي في حال كنتَ تؤمن به بناءً على رهان باسكال (خسارة دنياك في عبادته وآخرتك في خِداع نفسك وخداعه).

هذه هي فحوى رِهان باسكال، (هو ليس أكثر منْ حِيلَة للتظاهر بالإيمان، ليس إلّا مجرَّد نفاق بحيث يظهر صاحبه مِنَ الخارج كالمؤمن، لكنَّه داخليًّا ليس كذلك أبدًا)، والأفضل للمؤمن بهذا الرهان ألّا يكون إلهه المزعوم عالِمًا بما في الصدور وإلّا لاكتشف هذا التحايُل، وبالتالي سيعاقِب المُتحايِل وفي هذه الحالة لن يفيده الرهان، بل وسيكون الخاسِر الأكبر.

وأخيرًا:

ما لا تعلمونه هو أنَّ الإلحاد ليس قرارًا يتَّخذه الشخص في دقيقة (ليس ساعةَ شهوة)، بل هو نتيجةٌ لسلسلةٍ متتابِعةٍ مِنَ الأحداث والأمور الّتي تواجه الشخص أثناء تقدُّمه في حياته والتي تتسبب له في تَراكُم التساؤلات التي تَقتُل الإيمان داخله بشكلٍ تدريجيٍّ بطيء، وقد يأخذ منه مدَّة طويلة مِن الزمن كي "يكتشف" الشخص بأنَّه -ومِنْ كثرة التساؤلات المتراكِمة والّتي لا يمتلك الدين أي إجابة عليها- قد أصبح ملحدًا، ومَنْ يَمر بهذه التجربة لا يمكنه ادِّعاء الإيمان (لا يستطيع خداع نفسه).

بالمختصر:

1- الخاسِر الوحيد حسب رهان باسكال هو مَنْ يتبنَّاه فقط.

2- الإلحاد ليس قرارًا اختياريًّا، بل نتيجة إجباريّة.

تحيَّاتي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - و علي اي دين نفعل
Smart Guy ( 2020 / 9 / 20 - 18:28 )
كلام رائع عزيزي و هناك سؤال اخر: علي اي دين سنتظاهر بالايمان؟ فحسب الاديان الابراهيميه التي اتي هذا الهراء من تحت عباءتها دين واحد فقط بل فرقه واحده هي التي يقبل هذا الاله المجنون بها


2 - تحياتي و سلمت يداك
أودين الآب ( 2020 / 9 / 20 - 20:51 )
لقد أخذ مني المشوار من الإسلام إلى الربوبية سنين و من الربوبية إلى اللاادرية سنين


3 - تخبط باسكال
على سالم ( 2020 / 9 / 20 - 22:50 )
مقال منطقى جدا وعقلانى , الغوص فى هذا الامر الشائك مفيد وجيد فى وضع الامور فى مكانها الصحيح من اجل القضاء على خرافه الاديان واختلافاتها الجذريه ونتائجها الكارثيه , الاشكاليه ان رجال الدين على اختلاف عقائدهم يعتقدوا فى اوهام وخزعبلات واوهام وهذه هى مشكلتهم الازليه


4 - رهان باسكال هو خطوة اولى للقاء
مروان سعيد ( 2020 / 9 / 20 - 23:36 )
تحية للاستاذ مصطفى حجي وتحيتي لكل المعلقين
اني اتكلم مسيحيا فقط
رهان باسكال هو الخطوة الاولى لقراءة الانجيل وبعدها سيكون الخطوات الاخرى انظروا هذا الاختبار وكيف التقى هذا الانسان مع الرب بعد ان كان مسلما ثم مسيحيا
https://www.youtube.com/watch?v=18NDOnNwrNU&t=2658s
لقد حاول الانتحار مرتين ولكن سمع صوت شوفوا ماذا حصل
ومودتي للجميع


5 - بعيدا عن رهان باسكال
ماجدة منصور ( 2020 / 9 / 21 - 00:24 )
إفعل الصواب و مايمليه عليك الخلق و الضمير الإنساني و لا تنتظر مكافأة من عبد أو رب0
أدرك جيدا و بقرارة نفسي قوة فعل الخير التي ترتد عليا أولا و على المحيطين بي ثانيا حيث أنه من العبث أن تتوقع وجود ثواب أو عقاب سواء أكان هناك رب أو لم يكن0
أعرف كثيرا من الملحدين و اللذين فعلوا خيرا لم يتوقعه حتى الله من نبي أو مصلح ومن ضمنهم المحترمة أنجلينا جولي0
لدي جار لا يصحو من سكره إلا فيما ندر...قد مات منذ أسبوع و كان قد أوصى بكامل ثروته لملاجئ تهتم بالأطفال الذين يولدون دون أب و قد تخلت عنهم أمهاتهم0
فعل الخير مريح جدا دون إنتظار مكافأة....هذا ( إن وجدت)0
نحن إنسانيون ( ولسنا إلهيون) و كي نحقق إنسانيتنا فنحن لا نحتاج لنصوص (( إلهية)) تقول لنا ما يجب علينا فعله فطريا و غرائزيا0
سياسة العصا و الجزرة لا تنفع مع أصحاب الخلق الرفيع0
الإنسان الحقيقي لا يحتاج ( لجائزة) كي يفعل خيرا0
بئس الأديان التي شوهت حقيقة الإنسان و قدمت له ( إغراءات تافهة) كي يفعل خيرا!!!0
و هنا أضع اللوم على ( الجينات) فإما أن تكون الجينات صافية و سليمة من الطبائع السيئة و إما ستكون العكس0
شكرا للأستاذ و المعلقين الكرام

اخر الافلام

.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص


.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح




.. مباشر من المسجد النبوى.. اللهم حقق امانينا في هذه الساعة


.. عادل نعمان:الأسئلة الدينية بالعصر الحالي محرجة وثاقبة ويجب ا




.. كل يوم - الكاتب عادل نعمان: مش عاوزين إجابة تليفزيونية على س