الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خرافة -حكم الشيعة- في الخطاب الطائفي

علاء اللامي

2020 / 9 / 23
مواضيع وابحاث سياسية


نشر د. علي كاشف الغطاء مقالة إنشائية قصيرة يقول عنونُها مضمونَها دفعة واحدة (لماذا فشلنا كشيعة في إنجاح دولة انتظرناها 1400 عام)، حتى يمكن لنا أن نعتبر عنوانها أهم ما فيها مضمونيا! وقد عقَّب عليها كاتب آخر هو سعدون المشهداني مُخَطِّئا ومنطلقا من ذات الأسس اللاتاريخية والقافزة على الواقع والسياق التاريخي نحو عالم الأوهام المصاغة في خطاب لاحظ له من العلمية. هنا قراءة في جوهر تلك المقالة والتعقيب عليها:
*ما تقوله مقالة د. كاشف الغطاء ضمنا، ويمكن استنباطه بسهولة، هو أن الحكم القائم اليوم في العراق هو "حكم الشيعة"، فعن أي شيعة يجري الحديث؟ ويقول هذا الخطاب إنه حكم فاشل، وسبب فشل هذا الحكم يجده الكاتب في (الخطاب الديني غير العقلاني وغير الموضوعي)، وفي ممارسات طقوسية ذكر بعضها. فهل هذا التعليل صحيح وهل يحتكم الحكم في العراق اليوم إلى خطاب ديني ما سواء كان عقلانيا أم غير عقلاني، أم أنه حكم تابع يدير البلد وفق أجندات خارجية مقررة سلفا ويهيمن عليه الجهلة والمشبوهون؟
*أما رد سعدون المشهداني فقد ركز على حيثية واحدة وردت في عنوان المقالة وحاول تفنيدها بالاستناد الى المنطق اللاتاريخي ذاته، وهو حيثية أن (الشيعة انتظروا الحكم 1400 عام) فحشد - المشهداني - جدولا تأريخيا طويلا بالدولة والدويلات التي اعتبرها شيعية كالدول البويهية والزيدية والحمدانية والفاطمية والقرمطية والصفوية والقاجارية ...إلخ، دون التدقيق في الفروق الهائلة بينها ودون النظر في سياقاتها التاريخية، ليصل الى نتيجة مفادها أن فترات حكم هذه "الدول الشيعية" بلغت 1958 عاما! وهذا المنطق فاسد علميا أيضا، وهو يمتح مضمونه الباعث على السخرية من المكايدة والنكاية المنطق شكلانية وكأن هدفه هو تأكيد شيعية الحكم وبطلان مقولة الانتظار لألف وأربعمائة سنة للوصول إليه أي إنه منطق لا هم له سوى هذه التخطئة الثانوية وترك الإشكالات الموضوعية الأخرى لشأنها.
*هذان النصان ينطلقان من أساس مفهومي واحد، يعتبر أوهامه وأفكاره الخاصة حول الواقع التاريخي هي الحقيقة، وهو ليس إلا شطبا على هذا الواقع وقفزا عليه لمصلحة أوهام مسكينة ذات جوهر طائفي حتى لو بدت للناظر ذات نوايا طيبة ورافضة للفساد ...إلخ. لماذا؟
*بكل بساطة، لأن الحكم القائم اليوم في العراق هو حكم محلي تابع أقامه غزو أجنبي، احتل البلد بالقوة الغازية المسلحة، وقرر فرض نموذج معين هو النموذج "المكوناتي الطائفي العرقي" في الحكم، بقصد تدمير البلد والشعب تدميرا منهجيا متواصلا، أفقده سيادته واستقلاله وثرواته وقدرته على الدفاع عن نفسه بل وحتى قدرته على السيطرة على أجوائه وأراضيه ومياهه الإقليمية وإدارتها واستخدامها. حتى أصبح العراق الذي يضرب المثل بغناه الطبيعي إحدى الدول المثقلة بالديون المتفاقمة والتي تهدد وجوده كبلد. وهذه الحالة هي من الكوارث النادرة في التاريخ، أعني أن يكون بلدٌ منتج للنفط والغاز والثروات الزراعية مثقلا بالديون! إذن، فالحكم في العراق هو حكم تابع للأجنبي، يحكمه نظام سياسي مفروض على العراق، لم يصل فيه الشيعة أو غيرهم إلى الحكم بقوتهم الخاصة بل كثمن رخيص لموافقتهم على المشروع السياسي للاحتلال الأميركي ومشاركتهم الفعالة في تطبيقه. ثم نشأت من هذا الواقع في السنوات اللاحقة، وبفعل طبيعة الأحزاب الإسلامية الشيعية وتحالفها مع إيران، نشأت هيمنة إيرانية على الشأن العراقي الداخلي، ثم تم التوصل إلى نوع من التعايش أو التوافق بين الاحتلال الأميركي والهيمنة الإيرانية على إدارة شؤون البلد. وهذا هو الواقع الذي يقرر مَن يحكم العراق وكيف وحتامَ.
*يقفر د. كاشف الغطاء في نصه الفقير المضمون والمتباكي بلوعة واضطراب، يقفز على الأسباب الحقيقية لفشل هذا الحكم الذي يسميه "حكم الشيعة"، وينشغل ببكائياته القشرية والإنشائية الفارغة من أي محتوى نقدي علمي كقوله (ماذا جنينا في دنيانا لنعيش كل هذا الحزن والفقر والظلم والاهانة التي لا تنتهي … فبالله عليكم هل هذا هو الدين ترك الدنيا للفاسدين دون كلمة حق وهم يسرحون ويمرحون ويضحكون علينا امامكم وترك نصرة الشرفاء والغيارى ولا يبقى من اهتماماتنا غير أصول عرفناها منذ ألف عام في الوضوء وأنواع الغسل والمستحب وجوبا واحتياطا وظهر هلال شهر شعبان وعاشور ورجب). ثم يختم د. كاشف الغطاء بمقولة يلقي بوزر الفشل على الأمة فيقول (فالعجب كل العجب من أمة تنشغل بالقشور ولا تعالج العلة في فشلها وتعرف السبب إن بناء الحياة الكريمة للناس هي الدين لو تعلمون)! في حين أن السبب الحقيقي - كما كررنا - هو في أن هذا النظام القائم اليوم في العراق هو نظام لا وطني ولا شيعي ولا سني ولا قومي بل نظام تابع ومأزوم وفاقد للسيادة والاستقلال يهيمن عليه ممثلو الطائفة الأكبر سكانيا (أكثر من النصف وقد تصل الى 60% من السكان) بأحزابهم ومليشياتهم المسلحة ومرجعياتهم الدينية وحليفتهم الإقليمية. وهو نظام حكم لا يتناسب مع طبيعة المجتمعات التعددية المتنوعة التي تجد نفسها واستقلالها وسيادتها مع حكم المواطنة والمساواة وحظر الأحزاب والمليشيات الطائفية الدينية.
*هناك مِن الإسلاميين الشيعة الحاكمين مَن يرفض هذا المنطق، ولكن من منطلقات بائسة فيقول مثلا: إن الشيعة لا يحكمون العراق لوحدهم بل أنهم يتشاركون الحكم مع ساسة العرب السنة والكرد. وهذا منطق يحاول إلهاء الناس بتوزيع مسؤوليات الفشل والفساد على جميع المشاركين في الحكم ويتوقف عند هذا الحد فلا يتجاوزه إلى الإطاحة بهم جميعا لمصلحة قيام حكم وطني على أنقاض نظامهم اللصوصي.
*هناك أيضا مَن يلقي اللوم في فشل ما يسمونه "الحكم الشيعي" على الشركاء الطائفيين والقوميين الكرد الذين - كما يعتقد أصحاب هذا التفكير - لا يريدون لتجربة هذا الحكم أن تنجح، وهذا منطق يستند إلى الأوهام الطائفية نفسها؛ فهو ينسى، أو لا يريد الإقرار بأن السلطة التنفيذية والمؤسسات الأمنية وإدارة الاقتصاد المتردي هي بيد ممثلي أحزاب ومليشيات الشيعة وأن الغالبية البرلمانية هي بيد هؤلاء منذ قيام هذا النظام سنة 2005، ولكنهم لا يريدون الانفراد بالحكم بل ولا يقدرون على الانفراد به حتى لو أرادوا ذلك لئلا يدخلوا في حالة حكم الطائفة الواحدة الصريح لأن النظام كله بما فيه أحزابهم هو نظام تابع وفاقد للاستقلال والسيادة.
*إنَّ فضحية هذا المنطق اللاتاريخي تنكشف تماما متى ما حاولنا معرفة المحتوى الحقيقي لعبارة "حكم الشيعة" ولو أنك غامرت فقلت لأحد دعاة هذا المنطق ما قولك في حكومة جميع وزرائها من الشيعة القوميين الناصرين والشيوعيين والليبراليين مثلا؟ هل تعتبر هذا الحكم شيعيا؟ الإجابة معروفة فصاحب هذا المنطق إما أن يخرج هذه الحكومة من التشيع ويتهمها بالكفر والإلحاد أو أنه في أقل تقدير يشكك بها! السبب هو أن لديه تصوره الخاص لتعريف ومحتوى وتعريف "الحكم الشيعي" فهو الحكم الذي تهيمن عليه أحزاب ومليشيات الفساد الشيعية التي تتملق وتختل خلف عباءة المرجع الديني والتحالف والارتهان لإيران والمتحالفة مع أحزاب الفساد الكردية والسنية. باختصار إنه يريد حكما كهذا الذي يهجوه الآن ويبكي زورا على واقع حاله لأنه لا يعرف علام يبكي وما الذي يجب أن يبكي عليه، اهو "حكم الشيعة الفاسد الفاشل" أم العراق الأميركي الذي سمح بقيام هذا الحكم وليس غيره ولهدف معلوم هو منع نشوء عراق قوي يشكل خطرا محتملا على الكيان الصهيوني ذات يوم؟
*رابط يحيل إلى نص مقالة د. علي كاشف الغطاء والمقالة التعقيبية عليها لسعدون المشهداني:
http://www.albadeeliraq.com/ar/node/3391








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مراسلنا: دمار كبير في موقع عسكري تابع لفصائل مسلحة في منطقة


.. إيران تقلل من شأن الهجوم الذي تعرضت له وتتجاهل الإشارة لمسؤو




.. أصوات انفجارات في محافظة بابل العراقية وسط تقارير عن هجوم بط


.. جيش الاحتلال يعلن إصابة 4 جنود خلال اشتباكات مع مقاومين في ط




.. بيان للحشد الشعبي العراقي: انفجار بمقر للحشد في قاعدة كالسو