الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نتنياهو بداية النهاية

يعقوب بن افرات

2020 / 9 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


موجة ثانية من فيروس كورونا تنتشر بسرعة فائقة، والاحصائيات الصحية تسجل ما يزيد عن 7000 مصاب يومياً بالفيروس، الأمر الذي يضع إسرائيل في المرتبة الأولى عالمياً من حيث عدد الإصابات مقارنة بعدد السكان. (600 مصاباً يومياً لكل مليون نسمة في البلاد، مقابل 150 مصاباً لمليون في الولايات المتحدة).
في شهر أيار/مايو الماضي تسرع نتنياهو في إعلان إنتصاره على الفيروس وراح يتفرغ على الفور للإهتمام بمستقبله السياسي. فإذا كان وباء كورونا مصدر تهديد لمستقبل نتنياهو السياسي فالمحكمة التي تنتظره في شهر كانون ثان (يناير) 2021 بتهم الرشوة وخيانة الأمانة والاحتيال ستكون مثابة المسمار الأخير في نعشه. ان الاستطلاعات للرأي منحت لنتانياهو في حينه تفوقا ملحوظا على منافسه وإمكانية الحصول على الاغلبية المطلوبة من 61 مقعدا في الكنيست الضرورية لتخوّله سنّ القوانين وضمان نجاته من العقوبة.
يبدو بأن الرأي العام الإسرائيلي كان قد سئم الجولات الانتخابية المتتالية خلال السنة الأخيرة، التي لم تحسم الصراع السياسي، وأفرزت حكومة وحدة ونظام التناوب على الحكم بين نتنياهو وبين رئيس حزب أزرق أبيض بيني غانتس. وبعد انطلاق الحكومة الوليدة بناء على وثيقة "الائتلاف الحكومي" بين الاثنين، عمل نتنياهو كل ما بوسعه لنسف التعاون مع غانتس عبر حملة دعاية شرسة ضد جهاز القضاء والشرطة والصحافة. الّا ان التطورات في الميدان كانت اقوى إذ أدى فتح الاقتصاد الإسرائيلي على مصراعيه، وتحديداً المدارس، إلى إعادة انتشار قوية للفيروس أفقدت الحكومة السيطرة على الوضع إذ انتشر الوباء على نطاق واسع. الحكومة من طرفها لم تقم بأية خطوات احترازية لتجهيز الجهاز الصحي في حالة حدوث موجة ثانية من الفيروس مثل زيادة عدد الطواقم الطبية، وبناء طاقم مهني لملاحقة المصابين وعزل كل من اختلط بالمرضى لوقف انتشار الفيروس.
فقدان الثقة
على هذه الخلفية جاء قرار نتنياهو بتعديل المسار بعد أن فهم بأنه ليس هناك اليوم مناخ ملائم للانتخابات وذلك بسبب الأزمة الصحية والاقتصادية المتفاقمة. وباشر في الجزء الأخير من شهر أب/أغسطس بالعمل بخطى سريعة لوقف الوباء الذي يهدد بانهيار الجهاز الصحي إذا استمر دون سيطرة.
إلا أن ردة فعل نتنياهو جاءت متأخرة، وذلك على إثر فقدان ثقة الجمهور الإسرائيلي به وبحكومته بسبب إستغلاله المستمر لمؤتمراته الصحفية بموضوع كورونا للهجوم على شركائه في الحكومة وعلى المستشار القضائي للحكومة والصحافة. وقد أصبح واضحاً بأن نتنياهو يخلّط مصلحته الشخصية ومصلحة الجمهور مما جعل التمييز صعباً بين الخطوات التي يتخذها للمصلحة العامة وبين الخطوات التي تأتي خدمة لأهدافه الشخصية لكي يتهرب من العدالة.
وفي هذه الحالة أصبح من المستحيل الحصول على ثقة الناس والانصياع لتعليمات وزارة الصحة وتحديدًا في كل ما يتعلق بمنع التجمهر والحفاظ على أوامر الوقاية من الوباء. وبات أكثر وضوحاً إن إعادة فرض الإغلاق العام كالذي حدث في شهر آذار الماضي قد يلقى رفضاً عاماً بعد أن وصلت قطاعات واسعة من المجتمع إلى حالة الإفلاس، بسبب إغلاق المحالات التجارية وفقدان نحو مليون عامل مكان عمله.
كما لم تنفع كل المحاولات لإيجاد بدائل مثل الإغلاق المناطقي بخطوات جزئية مثل منع التجوال الليلي في "المدن الحمراء" المصابة بالوباء، لأن المتدينون اليهود (الحاريديم) استمروا في تنظيم الاحتفالات وطقوس الجنائز الجماهيرية والصلوات في دور العبادة، واستمر المواطنون العرب بتنظيم الأعراس الجماهيرية وإضافة لمشاركة آلاف من الشباب الإسرائيليين في الحفلات الموسيقية، وترافق ذلك كله في الوقت الذي كانت فيه المدارس مفتوحة، ما أدى إلى خروج وباء كورونا عن نطاق السيطرة.
واليوم وبعدما اضطرت الحكومة إلى اللجوء لفرض الإغلاق المحكم تتعالى الأصوات من على كل المنابر ومن كل الاتجاهات السياسية، يمين ويمين متطرف ووسط ويسار، توجه أصابع الاتهام نحو نتنياهو واعتباره المسؤول الأول عن الفشل الذريع والكارثة التي يعيشها المجتمع الإسرائيلي.
بلا شك هناك فشل سياسي من الدرجة الأولى، وكل خطوات نتنياهو كانت مخطئة جملةً وتفصيلاً، أخطأ عندما أعلن الانتصار المبكر، وأخطأ مرة أخرى عندما إنصرف في شهر حزيران/يونيو لجر البلاد إلى إنتخابات جديدة، وأخطأ مرة ثالثة عندما فتح الإقتصاد بسرعة فائقة من دون إتخاذ خطوات تدريجية، ورابعاً والأخطر كان خطأه هو عدم إستغلال الشهور التي إنخفض فيها عدد المصابين لتجهيز نظام الملاحقة للفيروس ولتقوية الجهاز الصحي. كل ذلك جاء إلى جانب الخطيئة الأساسية والتي يعتمد عليها حكم نتنياهو وهي تحالفه الإستراتيجي مع المتدينين المتزمتين (الحاريديم)، حيث قرر نتنياهو الاستجابة لمطالبهم بعد أن رفضوا فرض أي خطوة على المدن والأحياء التابعة لهم، الأمر الذي منع الحكومة من إتخاذ الخطوات التي من شأنها احتواء الفيروس.
ويحاول نتنياهو إعادة هيبته الجماهيرية من خلال إنجازه التاريخي بإبرام اتفاقيات السلام مع الإمارات والبحرين تطبيقاً لنظريته الشهيرة "السلام مقابل السلام". إذ كرر نتنياهو خلال سنوات طويلة التصريح والترويج بأن حل القضية الفلسطينية ليس شرطاً مسبقاً للتطبيع مع الدول العربية وبإمكانه التوصل لعقد صفقات مع الأنظمة العربية، سيما الأنظمة الخليجية أو ما يسمى بـ “المحور السني المعتدل"، رغم أنف الفيتو الفلسطيني ومن دون تقديم أي تنازل للفلسطينيين، وها هو يثبت بأن نظريته وسياساته تتجسد على أرض الواقع.
على الرغم من ذلك، بقي معظم الجمهور الإسرائيلي غير مبالٍ بل ويرفض المشاركة في هذه اللعبة المكشوفة التي منحت لصديقه الحميم دونالد ترامب مكاسب سياسية وصفقة سلاح بالمليارات مع دولة الإمارات العربية المتحدة. إن الرأي السائد في إسرائيل ينص على أن العدو الراهن هو كورونا، وأنه في الحرب ضده هُزم نتنياهو وأثبت فشله كقائد سياسي.
سقوط ترامب سيغيّر المعادلة
وباء كورونا هو مثابة الإمتحان المصيري ليس لنتنياهو فحسب، بل لكل القيادات في العالم وواضح بأن شريكه الأكبر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فشل به فشلاً ذريعاً. واليوم يدفع نتنياهو ثمنًا باهظاً بسبب الطريقة الفاشلة لإدارة الأزمة الصحية وما نتج عنها من أزمات اقتصادية. لكن في حال أدت نتائج هذا الفشل إلى خسارة ترامب في الانتخابات الرئاسية الوشيكة في أمريكا، في مطلع شهر تشرين ثان/ نوفمبر القادم، سيكون ذلك بمثابة الضربة القاضية لمستقبل نتنياهو السياسي، نظراً لأن ترامب هو أهم حليف له دولياً منحه دعماً سياسياً لم يسبق له مثيل في تاريخ العلاقات الإسرائيلية الأمريكية.
ومن المفترض أن يؤدي ذلك إلى وقوع نتنياهو بين فكي الكماشة: طرفها الأول الفيروس القاتل الذي يضرب كل نقطة ضعف، سياسية كانت أو اجتماعية، وطرفها الآخر المحكمة و180 شاهداً الذين من المقرر أن يشهدوا ضده.
واللافت إن في واشنطن هناك من هو قادر على أن يحل خلفاً لترامب ويعرض برنامجاً سياسياً بديلاً في كل مجالات الحياة، من الصحة إلى أزمة المناخ، ولكن في إسرائيل غياب نتنياهو سيترك وراءه فراغاً سياسياً إذ لم يظهر في المشهد السياسي الإسرائيلي حتى الان من يملأ مكانه.
ورغم عن أن المظاهرات الجماهيرية أمام بيت رئيس الحكومة في القدس مستمرة وحلفائه في كتلة اليمين يتخلون عنه شيئا فشيئاً، إلا أن المعارضة لا تشكل بديلاً حقيقياً لنتنياهو لأنها لا تحمل برنامجاً بديلاً لسياساته. مع إنها تطالب المظاهرات برحيله بسبب الفساد والفشل السياسي فالمتظاهرون لا يكترثون بالسؤال الأهم –من هو البديل والأهم من ذلك ما هي السياسة البديلة لسياسة نتانياهو؟
فعلى الساحة السياسية بقي رموز مثل نفتالي بينيت الذي يمثل المستوطنين، أو أفيغدور ليبرمان المشهور بتصريحاته العنصرية ضد العرب، أو يائير لابيد الذي يريد أن ينافس نتنياهو من خلال مغازلة قاعدته الانتخابية اليمينية.
وفيما يخص الإحتلال للمناطق الفلسطينية وبشكل عام مصير القضية الفلسطينية فهي غائبة عن الساحة السياسية الإسرائيلية اليوم. ومهما إشتد الصراع بين المتظاهرين في شارع بلفور وبين نتنياهو فالحقيقة هي أن المعارضة الإسرائيلية اليوم لا تريد شيئاً سوى إزاحة نتنياهو بهدف الاستمرار في سياساته الخارجية والداخلية التي تعتبر برأيهم "ناجحة".
غياب الحل العادل للقضية الفلسطينية يؤدي إلى تفاقم الازمة
أثبتت أزمة كورونا بأن الحياة والنظام الإقتصادي والإجتماعي الذي تعيشه الإنسانية منذ الحرب العالمية الثانية لا يمكنه أن يستمر، ويستدعي تغييرات جذرية، على المستويات الفكرية والاقتصادية والاجتماعية. وإن الفجوات الطبقية وانتشار الفقر والمجاعة وضرورة الحفاظ على الصحة الجماهيرية للجميع ورفع مستوى التعليم وترتيب المأوى لكل شخص – كل هذه المبادئ تستحق الاهتمام والتعاون الدولي لضمانها وتأمينها. كما يتطلب منع سيطرة رأس المال على السياسة من خلال الفساد والرشوة وكذلك ازمة المناخ، الكارثة التي نعيشها اليوم.
ورغم كل ذلك، القيادة السياسية في إسرائيل تتعامل مع كورونا كأزمة عابرة، أي كحرب مثل الحروب الماضية التي خرجت منها أقوى، وذلك باعتماد التفكير بأن السلام المزيف مع دول الخليج المستبدة ودعم ترامب المستمر من شأنهما أن يضمنا بأن بعد التغلب على كورونا ستعود الحياة إلى مجراها الطبيعي. ولكنه شعور كاذب.
فالأزمة الحالية كشفت عورة المجتمع الإسرائيلي المنقسم على نفسه ويعاني من أمراض اجتماعية خطيرة، مثله مثل كل الدول الصناعية. غير أن ما يفاقم الأزمة في إسرائيل هو تورطها في السيطرة الإستعمارية على شعب كامل - الشعب الفلسطيني - الذي يعيش تحت الإحتلال، وهذا الشعب لا يمكنه أن يختفي عن وجه الأرض مهما توهم بذلك الإسرائيليين. ومن دون حل القضية الفلسطينية حلاً عادلاً وبطريقة جذرية وبناء علاقات طبيعية مع الفلسطينيين تبقى إسرائيل في حلقة مفرغة تمنعها من بلورة قيادة سياسية أمينة وذات مصداقية قادرة على معالجة الأزمات المتلاحقة من وباء كورونا إلى أزمة الاقتصاد وأزمة المناخ.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غارة إسرائيلية تقتل 3 عناصر من -حزب الله- في جنوب لبنان


.. عملية -نور شمس-.. إسرائيل تعلن قتل 10 فلسطينيين




.. تباعد في المفاوضات.. مفاوضات «هدنة غزة» إلى «مصير مجهول»


.. رفح تترقب الاجتياح البري.. -أين المفر؟-




.. قصف الاحتلال منزلا في حي السلام شرق رفح