الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحرب العراقية الإيرانية

سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)

2020 / 9 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


بحلول 23 شتنبر 2020 ، تكون قد مرت على الحرب العراقية الإيرانية العبثية ، أربعون سنة بالتمام والكمال ، وهي حرب تم التخطيط لها بدقة متناهية من قبل أمريكا ، ودويلات الخليج ، لأنها كانت تهدف بالأصل ، ضرب عصفورين بحجرة واحدة . ضرب النظام العراقي البعثي الذي كان يؤرق بال وراحة مشايخ الخليج ، وضرب ايران الجديدة التي كانوا يخافونها من تصدير ثورتها الشابة بالمنطقة ، ومن جهة لإسقاطها نظام الشاه الذي كان المدافع عنها من التهديد العراقي ، باسم القومية العربية التي استعملت كغطاء في كثير من الصراعات ، التي لم تكن لها اية علاقة بمشروع القوميين العرب ، الذي استفاض في التنظير له المسيحيون العرب ..
الحرب العراقية الإيرانية العبثية كانت حرب دمار من اجل الدمار ، فأكلت الأخضر واليابس ، واهلكت الحرث والنسل ، وملئت البيوت بالثكالى ، والارامل ، واليتامى ، والمعطوبين ، والمشوهين ، ودمرت مقدرات البلدين ، خاصة المقدرات العراقية تحت شعار " استعادة حقوقنا بالارض والمياه " ..
الكل يتذكر عندما ظهر صدام حسين بالتلفزة العراقية ، معلناً اجتياز قواته شط العرب ، وهو يمزق بيديه اتفاقية الجزائر التي تم ابرامها بين العراق وبين ايران ، لتسوية القضية الكردية ، وفض النزاعات العالقة بين البلدين ، ومنها إقرار العراق بالحقوق الإيرانية على شط العرب ..
عندما دخل نظام صدام الى ايران ، كان يعتقد ان ما سيجري ، سيكون عبارة عن نزهة للجيش العراقي في الأراضي الإيرانية ، لأنه كان يعتقد انه بعد سقوط الإمبراطورية الشاهنشاهية ، وتفكك الدولة بكل مؤسساتها ، خاصة تفكك الجيش ، والامن ، والسّافاك ، أصبحت ايران من الضعف ، اهون من عش العنكبوت ، وان الفرصة أصبحت سانحة ، من جهة لاسترداد الحقوق التاريخية العراقية بشط العرب ، ومن جهة لفرملة نظام ، وربما التسبب في اسقاطه ، لأنه مصدر تهديد لنظام البعث العلماني ، ومن جهة لوجود امتدادات للنظام الإيراني بالعراق ، يكون اكثريته الشيعة العراقية ...
لقد نفخ في مشروع صدام حسين بالدخول الى ايران ، بدعوى عدائيه النظام الايراني الإسلامي المناهض للقومية العربية ، الولايات المتحدة الامريكية التي كانت ترغب في اشعال حرب بالمنطقة ، تخدم إسرائيل ، بضرب نظامين متعارضين معها ، العراقي والإيراني ، وباستغلال التناقض المذهبي بين العراق العلماني ، وبين ايران الإسلامية ، للدفع بهما الى حرب تدمرهما معا ، أي ضرب عصفورين بحجرة واحدة ...
كما غدّى هذه الحرب ، كل الدول الغربية ، وعلى راسها بريطانيا ، وفرنسا ، وحتى موسكو بسبب الإبادة التي تعرض لها حلفاءها الإيرانيون ، وبالضبط حزب " تودة " الشيوعي ، ومنظمة فدائيي الشعب الماركسية .. كما تم توظيف أموال الخليج بكثرة ، للتخلص من نظامين مهددين لهما ، وكانت الغاية التدمير الذاتي للدولتين ، من خلال حرب عبثية ، لا تبقي ولا تدر ..
استمرت الحرب لمدة ثماني سنوات ، وفي كل اطوارها ، خاصة بعد نجاح الشعب الإيراني في استعادت زمام المبادرة ، كانت تبشر بنصر ايران التاريخي ، مع ما سيكون له من تبعات سواء بالنسبة للأراضي العراقية التي أصبحت مهددة بالاجتياح ، وسواء لإمارات ومشايخ الخليج ، التي ستصبح لقمة سائغة للبطن الإيراني ...
ورغم رفض النظام إيراني الإسلامي الاصغاء لدعوات وقف الحرب ، والدخول في مفاوضات بضمانات خليجية بتسديد فاتورة خسارات ايران ، الاّ ان قبول آيات الله الخميني لوقف الحرب الذي اعتبره اكثر من تجرع السم ، جنب النظام العراقي من السقوط ، وجنب من احتلال أراضي عراقية ( الفاو ) ، كما فرمل أي تطلع إيراني فيما لو ربحت الحرب الى مشايخ الخليج ..
لقد نجح صدام حسين بفرض وقف الحرب ، نتيجة الدعم العسكري الفرنسي ، والروسي ، والبريطاني ، والامريكي .. من جهة لإغراق العراق في مديونية الحرب ، ومن جهة اضعاف ايران الإسلامية التي لن تصبح مهددة لدول المنطقة بتصدير ثورتها ، ومن جهة الحفاظ على عراق ضعيف لم يعد يشكل أي تهديد لدولة إسرائيل ..
ان نتائج الحرب التي دامت ثماني سنوات عبثا ، وما وصل اليه العراق من ضعف جعلته مهددا امّا بالتقسيم ، وهو الملاحظ اليوم ، وامّا باللبننة ( الحرب الاهلية اللبنانية ) ، او احتمال قيام الجيش بتنظيم انقلاب على حزب البعث ..
وما سيزيد من هذا السيناريو المفروض بقوة ، تسهيل وموافقة سفيرة الولايات المتحدة ببغداد لصدام ، بإمكانية دخول الكويت من دون حرج ... وهو فخ مُكمّل لفخ توريطه في الحرب مع ايران ، خاصة عندما أحبطت المخابرات البريطانية مشروع عراقي ، لتوريد مدافع طويلة إصاباتها قد تصل إسرائيل ..
ان حرب صدام على ايران ، كانت خطأ استراتيجيا خدم أعداء الامة العربية والإسلامية ، ودخول صدام الى الكويت كان اكبر من خطأ استراتيجي ، لأنه كانت انتحارا في الصميم ..
ان دخول صدام حسين الى الكويت ، واعترافه مجددا بحق ايران في شط العرب ، واعترافه مجددا باتفاقية الجزائر الموقعة سنة 1975 بين ايران والعراق ، كان رصاصة الرحمة التي اطلقها صدام على نظامه ، واطلقها على العراق وحضارته ...
ان السؤال الرئيسي هنا : اذا كان صدام حسين قد مزق بيديه اتفاقية الجزائر الموقعة في سنة 1975 ، معلناً عروبة شط العرب ، ودخل في حرب مع ايران دامت ثماني سنوات عجافا ، لماذا عاد مرة أخرى يعترف بما مزقه واعتبره لا غياً ، بدعوى استعادة حقوق العراق التاريخية في الأرض وفي المياه ؟
ويصبح السؤال هنا . لماذا الحرب العراقية الإيرانية اذا اصبحت ايران تملك نصف شط العرب ؟
وكدكتاتور عربي بليد ، فهو عندما كان يرفض جميع دعوات الخروج من الكويت ، كان يبحث عن خروج مشرف بحرب لن تكون عنيفة ، ولا طويلة ، ولا تشبه في شيء الحرب العراقية الإيرانية ، لانّ ما كان يفكر فيه صدام ، هو الورطة التي أوقع نفسه فيها ، حين غزا الأراضي الإيرانية بدعوى الحقوق التاريخية في الأرض وفي المياه ، ثم التراجع عن هذا المطلب حين اعترف مجددا بحقوق ايران التي رمى بها حين مزق اتفاقية الجزائر .... واكبر الورطات هو حين سيخرج من الكويت التي اعتبرها المقاطعة التاسعة عشر ، بدون تحقيق نتائج غزوه الكويت ...
إذن لماذا الحرب مع ايران اذا عادت هذه وباعتراف صدام تملك نصف شط العرب ؟
ولماذا غزو الكويت اذا كان الخروج منها بدون نتائج الغزو ؟
ان استحالة الإجابة عن هذه التساؤلات وهي ورطة كبرى ورط فيها صداع العراق الذي تم تدميره بالكامل ، تعني :
--- امّا ان صدام تسلط على عراق لا يستحقه ، ومن ثم كان يفكر نفس الشيء عندما غزا ايران وغزا الكويت ؟
--- او ان صدام رجل احمق لا يفقه في أمور السياسة والحرب بما يجعله يجنب بلاده الدمار .
--- او ان صدام دكتاتور مريض بحب العظمة والطاووسية ، شأنه شان معمر القدافي ، وشان اي دكتاتور صغير لا يميز بين قهره واعتداءه على شعبه ، وبين محاولته ممارسة نفس القمع والقوة لإجبار دول ( ايران والكويت ) للخضوع لمشيئته ..
فعجز صدام حسين عن الإجابة عن هذه التساؤلات ، يعني ان العراق اصبح معرضا لخطر الانقلاب العسكري ، او للحرب الاهلية ( لبنان ) بالنسبة للقضية الكردية ، او التقسيم الذي نشاهده اليوم ، وعمقت جرحه داعيش حين سيطرت على العراق وسورية ...
ان تدمير العراق ، واحتلاله من قبل الامريكان ، وتعريضه لتقسيم يطل من الشقوق ....
وتدمير سورية ، واحتلالها من قبل الامريكان ، ومن قبل تركيا التي تمارس حرب المياه في خنق الدولتين ، وتعريضها لتقسيم يقف وراء الباب ، هو القضاء التام على ما تبقى من فكر القومية العربية ، بعد التخلص من جمال عبدالناصر ، وهي القومية المفروض انها المعارضة الوحيدة للدولة الصهيونية ...
ان ضرب العراق ، وبعده سورية ، كان ضربة مخطط لها ، لضرب حضارة ، وتاريخ لا يزال يشكل في لبّه رأس حربة الصراع بين المشروع القومي العربي الثوري والتثويري ، وبين المشاريع المناهضة لهذا المشروع ، من مشاريع امبريالية تستهدف المقدرات والثروات العربية ، ومشارع صهيونية تنَظّر لأرض إسرائيل اكثر من تنظيرها لدولة إسرائيل ، ومشاريع الانبطاح الرجعي القريْشي الخليجي بزعامة السعودية ، وبتأييد من الأنظمة الخبيثة الدكتاتورية العربية التي مثلها انوار السادات ، وحسني مبارك ، ويمثلها اليوم بشكل بشع الدكتاتور السيسي ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما الهدف وراء الضربة الإسرائيلية المحدودة في إيران؟|#عاجل


.. مصادر: إسرائيل أخطرت أميركا بالرد على إيران قبلها بثلاثة أيا




.. قبيل الضربة على إيران إسرائيل تستهدف كتيبة الرادارات بجنوب س


.. لماذا أعلنت قطر إعادة -تقييم- وساطتها بين إسرائيل وحماس؟




.. هل وصلت رسالة إسرائيل بأنها قادرة على استهداف الداخل الإيران