الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العلمانية الآن !

عبدالله أبو شرخ
(Abdallah M Abusharekh)

2020 / 9 / 25
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


شاهدت قبل قليل فيديو للشيخ الشعراوي يقول فيه لجمهور غفير من البسطاء.. ( لا يموت ظالم حتى ينتقم الله منه ) .. هذا الشيخ الذي يحكم في جمهور العرب والمسلمين حتى بعد موته. سأقدم قراءة خاصة لمقولة الشعراوي لكن ليس لنفيها أو تأكيدها بل لقياس أثرها على مجتمع القانون ومنظومة العدالة، وبعدها إلى تعريف واضح للعلمانية وضروراتها في تأسيس الدولة الحديثة !

لم يقل الشيخ بأن الظالم يجب أن يقم للمحاكمة ويعاقب بالسجن أو بدفع غرامة، وأن ترد المظالم إلى أهلها، بل اكتفى بتخدير الجمهور بالانتقام السماوي الذي سيأتي لاحقاً بعد الموت ! هل تلاحظون أن مقولة الشعراوي تعمل على تدمير العدالة في المجتمع، إذ يكفي المظلوم أن ينتظر الانتقام السماوي ولا يطالب السلطة الحاكمة بأن تعيد له حقه المغتصب !!!!. يا سيدي أبنائي شباب خريجون بلا وظائف، وثمة شركات احتكارية مخالفة للقانون تمارس النهب والسلب والبلطجة في فرض أعلى الأسعار العالمية لأسوأ خدمات ممكنة بلا حسيب ولا رقيب، ونحن ندفع فاتورتين كهرباء وفاتورتين مياه، وأكوام القمامة ملقاة في الشوارع، والحكومة تمارس سياسة الاستحمار فتلجأ للاقتراض بعد أن أغرقت آلاف الموظفين في الديون، التي نجمت عن غلاء المعيشة والفقر وتآكل الراتب، والمستشفيات يا سيدي الشيخ تجبر المرضى على شراء أبسط أدوات العلاج من الخارج فيما ندفع مستحقات التأمين .. وآلاف القضايا الاجتماعية والإشكاليات القانونية التي يجب البت فيها " هنا في الحياة " قبل الموت !

قبل قليل أيضا صعقنا لخبر مقتل صراف في خانيونس من أقرب صديق له، وقد كان الصراف يحمل مبلغ 150 ألف دولار إلى بيت صديقه القاتل من أجل فكها الذي أخذها ثم أطلق عليه النار، فهل ينتظر أهل الضحية الانتقام السماوي في الآخرة على رأي الشعراوي ؟؟!
إن دغدغة عواطف البسطاء والجهلاء بعالم ما بعد الموت على حساب الأمن والسلام والاستقرار في الحياة الدنيا هو عمل فاسد ومضلل، ثم نسأل لماذا انعقدت السيادة في العالم العربي للفوضى والفساد والإدمان والفقر والجهل والبطالة !!!
يختلف المثقفون العرب في مفهوم العلمانية، حيث يعرفها الأغلبية بأنها فصل للدين عن الدولة، والحقيقة أن هذا الفصل هو نتاج العلمانية وليس العلمانية نفسها. العلمانية اصطلاحا تعني بلغة أصحابها secularism، وترجمتها الحرفية " الدنيوية " التي يراد بها الحياة التي نحياها الآن قبل الموت. الحياة التي يظلم فيها الناس بعضهم، فتسعد فئة قليلة بثراء فاحش مقابل أغلبية حول خط الفقر لا تجد عملا شريفا ولا ثمن دواء ولا تعليم حقيقي ولا ضمان اجتماعي من شيخوخة أو مرض، هذا لو تنازلنا عن الترفيه في المسارح والسينمات والنوادي أو الاستجمام على الشواطيء في إجازة الصيف، وهي بالمناسبة حقوق طبيعية وعادية في جميع الدول التي أنعم الله عليها بعقول مفكرة !

لابد من القول بأن العلمانية وحدها لا تكفي بدون ديمقراطية، فقد كان ستالين وهتلر علمانيين، لكن الديمقراطية لا تصلح للمجتمعات الجاهلة كما يقول برنارد شو، حيث أغلبية من الجهلاء ستقرر مصير الدولة !
أما لماذا لا تصلح الديمقراطية في المجتمعات العربية القلبية، فهو لأن أهم أركان النظام الديمقراطي هو حرية التعبير، التي لا يحجبها الحاكم فقط، بل ويقاومها المجتمع الجاهل نفسه !

خلاصة القول، أن حرية التعبير نفسها، تكفل للشيوخ هذه الحرية، شريطة ألا تتجاوز صلاحياتهم مهمة الوعظ والإرشاد برقابة الدولة، والأهم هو ألا يحتل رجل دين منصبا سياسياً، فتفسد السياسة والدين معا، وتحاصر العقول ويحرم التفكير ويزندق المنطق ويدمر العلم، وهو حرفياً ما أدى لهزيمة الأمة العربية حضاريا في شتى المجالات طيلة ألف عام أو يزيد، من السياسة للاقتصاد مرورا بالزراعة والصناعة والتكنولوجيا والطب والفضاء والبرمجة وهندسة الجينات وثورة الكمبيوتر.
يقول شاعر العروبة أحمد مطر:
مقفلةٌ مخازن العتاد
مشرعةٌ نوافذ الفساد
رمادنا من تحته رماد
فجاهدوا أيها العباد
حي على الجماد !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - شكر وتقدير واعتزاز
محمد البدري ( 2020 / 9 / 25 - 00:40 )
الفاضل السيد / عبد الله ابو شرخ
أذا كانت (حسب قولك في المقال) حرية التعبير نفسها، تكفل للشيوخ هذه الحرية، شريطة ألا تتجاوز صلاحياتهم فان البيئة والمناخ الفكري والثقافي الذي يرتع فيه الشعراوي نهيقا ورفسا بحوافره ستسمح فقط بان يصل نهيق الرجل وامثالة الي كل من لديه منافذ لتلقي الاعلام والتعليم في الدولة التي لا ياتي ذكر العلماننية علي لسان او صفحات او كتب مؤسساتها او مسؤوليها وتجعل تجاوز الصلاحية امر بديهي ومنطقي لهؤلاء المشايخ وامثالهم من المسؤولين.
الدولة القومية ومن بعدها دولة العلم والايمان اضافة للمشيخات وكل ما يسمي نفسه عربيا او اسلاميا تصادر حرية التعبير التي هي ضمانة صيانة الحقوق المهدرة وتاجيل استعادتها الا بعد الموت. هذه الحقوق لا يحجبها الحاكم ولا يقاومها المجتمع الجاهل نفسه فقط انما تقوم الثقافة العربية الاسلامية بما فيها من قيم وضيعة بواحبها لضمان تخلف وجهل الجميع.
تحياتي لك لهذه الاضاءة المبهرة وكشفها لما يصبه المشايخ لضمان ضباع الحقوق وانتاج الجهل والتخلف


2 - أنت متهم
عامر سليم ( 2020 / 9 / 25 - 04:38 )

( لابد من القول بأن العلمانية وحدها لا تكفي بدون ديمقراطية، فقد كان ستالين وهتلر علمانيين)

بهذه الجمله ستواجه تهمتين جاهزتين واضحتين صريحتين وفق قانون الجزاء الماركسي اللينيني الأستاليني البلشفي وهما :

1 - انت من البرجوازيه الوضيعه ومفلس وتدعو الى الديمقراطيه والتي هي ممارسه برجوازيه قذره.
2 - نيوبرالي متوحش ومن اقزام الرأسمالية وامعاتها ومخصيوها ! مع جمله من الأمراض النفسيه تبدأ بالمازوخيه ولاتنتهي الا بمستشفى الأمراض العقليه النمساويه وبأشراف شكسبير فينا.
هل لديك محامي ؟

اخر الافلام

.. السودان الآن مع عماد حسن.. هل سيؤسس -الدعم السريع- دولة في د


.. صحف بريطانية: هل هذه آخر مأساة يتعرض لها المهاجرون غير الشرع




.. البنتاغون: لا تزال لدينا مخاوف بخصوص خطط إسرائيل لتنفيذ اجتي


.. مخاوف من تصعيد كبير في الجنوب اللبناني على وقع ارتفاع حدة ال




.. صوت مجلس الشيوخ الأميركي لصالح مساعدات بقيمة 95 مليار دولار