الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أعراس الثعالب – 5 –

ربيع نعيم مهدي

2020 / 9 / 26
الادب والفن


للتذكير: الأحداث من نسج الخيال ولا علاقة لها بما حصل على أرض الواقع..

(37)
بالرغم من ثقته بأن الامور لا زالت تحت السيطرة إلا انه بدأ يشعر بخطورة الموقف، فالاتصالات التي أجراها مع أمراء الالوية كانت تخبره بأن ولائهم المعلن ليس في حقيقته سوى محاولة لكسب الوقت، أصواتهم كانت تقول انهم على أتم الاستعداد للتحرك، لكن.. مع من؟.. وضدّ من؟..
أساليب الاحتيال والمراوغة في الاجابة لم تكن لتخفى على عبد الكريم قاسم الذي تآلف مع حياة العسكر منذ ان ترك مهنة التعليم.
في تلك اللحظة ابتسم الزعيم عندما تذكر عبد السلام عارف ومحاولته للغدر به في نفس المكتب الذي يتحصن فيه الآن، فعلى الكرسي الذي يقابله انهار عارف باكياً ومدعياً انه انما سحب مسدسه للانتحار بعد ان كشف الزعيم اتصالاته مع جمال عبد الناصر.
يومها اعاد عبد الكريم قاسم على مسامع تلميذه ما يراه في عبد الناصر، فهو مجرد رجل يجيد اطلاق الشعارات لا أكثر، وحديثه عن القومية ليس سوى سِتار يُخفي خلفه اطماعاً لا حدود لها.

(38)
دار الإذاعة التي شهدت اعتقال أول شخصٍ من أنصار الزعيم وهو النقيب سعيد الدوري، تحولت الى مقر "المجلس الوطني لقيادة الثورة" بعد ان صدر منها البيان الثالث للانقلاب والمتعلق بتشكيل قوات الحرس القومي، وهي المجاميع التي نُشِرت في شوارع بغداد، مجهزةً بقوائم لأسماء وعناوين اعضاء في الحزب الشيوعي العراقي.

(39)
خالد الهاشمي لم يفارق بوابة مبنى الإذاعة، كان يحاول الانشغال عن التفكير في عاقبة الأمور، لم يكُن يخشى من فشل الانقلاب بل ان مخاوفه كانت تدور حول وشايته عن الحركة، تمنى ان يُقتل الزعيم قبل ان يصل اليه رفاق الثورة، ففي موته ستقتل معه أسرار كثيرة، إن كُشِفت ستكون لغة الرصاص هي الوسيلة الوحيدة للتخاطب.
العجلة التي أحضرت سعيد الدوري الى مبنى الإذاعة هي ذاتها التي ادخلته الى وزارة الدفاع قبل أشهر، عندما استدعاه الزعيم لمقابلته.
استقبله عبد الكريم قاسم، وتحدث معه بهدوء وموّدة عن أمور كثيرة لا علاقة لها بشؤون العسكر، لكنه فجأة أخرج ورقة مطوية وسأله إن كان يعرف محتواها.
- سيادة الزعيم .. كيف لي أن أعرف؟!!
- هذه الورقة تحتوي على قائمةٍ بأسماء متآمرين.. منذ فترة وهم يعملون على التحضير لانقلاب ضد الثورة..
- وما شأني بهم ؟
- اسمك من ضمن المتآمرين يا خالد
حاول ان يُنكر، لكن الزعيم أشار اليه بالسكوت وأكمل حديثه
- لا تخف.. فأنا على قناعة بان اسمك قد ذُكر عن طريق الخطأ، لكنني على يقين بأنك على علمٍ بما سيحدث
أيقن خالد ان احدهم قد سبق للوشاية بالحركة، فاعترف للزعيم بكل ما يعرفه عن خطة الانقلاب، باستثناء ساعة الصفر لأنه لم يُبلغ بها، وعندما انهى خالد اعترافه وضع الزعيم في يده الورقة المطوية وطلب منه العودة الى معسكره شريطة أن لا يعلم أحد بما دار بينهما من حديث.
وفي طريق عودته، فكر خالد في القاء نظرة على محتوى الورقة التي أصابته بصدمة كبيرة، فهي كانت خالية، مجرد ورقة مطوية ..

(40)
منحت الساعة الخامسة من عمر الانقلاب زخماً لعزيمة المقاومين والمدافعين عن وزارة الدفاع، فمع انطلاق تكبيرات أذان الضهر تمكن المقاتلين من اسقاط إحدى الطائرات المغيرة، ليقفز منها الطيار منذر الونداوي ويهبط بمظلته في إحدى طرقات الكرخ.
شوارع الكرخ وأزقتها شهدت سباقاً للوصول الى موقع هبوط مظلة الونداوي، أذ سارت المركبات التي يستقلها عناصر الحرس القومي بسرعة جنونية لإنقاذ الطيار من الوقوع بيد الجماهير المناصرة للزعيم، والتي بالرغم من فشلها في القاء القبض على الطيار إلا انها فضلت التوجه الى مبنى الاذاعة في الصالحية على الرجوع الى الشوارع المحيطة بوزارة الدفاع.

(41)
صاحب امتياز جريدة الثورة الصحفي يونس الطائي كان شاهداً على اصابة طائرة الـ "هنتر" وسقوطها لحظة وصوله الى مقر الزعيم، تفحص في الأضرار التي ألحقها القصف بالمباني وهو يحاول ان يجد عنواناً مناسب ليتصدر الصفحة الأولى في العدد القادم من الجريدة.
الموقف في وزارة الدفاع والجماهير المحيطة بها والمدرعة التي لازالت تحترق عندما مرّ بها في طريقه، كل هذه الأمور أوحت له بأن الأمر ليس بالخطورة التي كان يعتقدها بعد سماعه للبيان الأول.
دخل الى مكتب الزعيم وجلس بعد إشارة من الاخير، لأنه كان منشغلاً بالحديث عبر الهاتف، حديثه الصارم مع أمراء قطعات الجيش والتهديد بالمحاسبة لم يكن كافياً لمواجهة الحركة، هذا ما دار في خلد الصديق المقرب لعبد الكريم قاسم.

(42)
كأنها معركة من العصور الوسطى، هذا حال المواجهة التي حدثت بالقرب من مبنى الإذاعة، فالحشد الذي توجه نحوها هاتفاً بالموت لأعداء الزعيم خفت صوته شيئاً فشيئاً حتى ساد الصمت على افراده وهم يقفون في مقابلة إحدى دبابات الانقلاب.
حاجز الصمت انكسر سريعاً بعد ان هتف رجل عجوز، "عاش الزعيم والموت للخونة"، ارتفعت بعدها عشرات العصي والسكاكين، ثم تسارعت الخطى باتجاه الدبابة حتى تحول الجمع الى إعصارٍ كادَ ان يستولي عليها، لكنه تلاشى فجأة، فعاصفة الرصاص التي انطلقت بأمرٍ من خالد الهاشمي كانت كفيلة بنشر الجثث على قارعة الطريق في لحظات.
الهاربون وحدهم ظلوا يرددون شعار الموت للخونة، الموت الذي حصد أرواح رفاقهم وابتسم لمن يحمل البنادق.

(43)
عبد الكريم الجدة استبق وصول قطعات الانقلاب وأمر بتجهيز الخنادق وتوزيع العتاد حول اسوار وزارة الدفاع، والتي كان يتوقع ان تشهد أول صِدامٍ مسلح مع حلول الساعة الثانية بعد الضهر.
حسابات الجدة للموقف كانت دقيقة جداً، إذ بدأت تطرق مسامعه أصوات رشقات الرصاص وهي تزيل عن طريق الدبابات كل من يقف في مواجهتها.
كتيبتان من الدبابات هي طليعةُ القطعاتِ المهاجمة، إحداهما قَدِمَت من شارع الرشيد، فيما تمركزت الأخرى في ساحة الميدان، وكلاهما لم تتقدم للمواجهة، بل اكتفت بإطلاقٍ متقطعٍ للرصاص باتجاه المدافعين، وكأنه غَزَل خجول يسبق المعركة.

(44)
مع حلول الساعة الثالثة من مساء الثامن من شباط كانت بغداد على موعدٍ مع أكبرِ موجةٍ من البيانات والقرارات، أغلبها صدر عن ما عُرف بمجلس قيادة الثورة، تتعلق بتعييناتٍ وتوزيع المهام، باستثناء البيان رقم 8 والذي فُرِضَ بموجبه منعٌ للتجول مفتوح الأجل،- علماً انه تضمن تهديداً بالقتل دون سابق إنذار لمن يُخالف القرار -.
في مقابل هذا الكمّ من البيانات، أصدر الحزب الشيوعي العراقي بيانه الثاني، خاطب فيه الجماهير والانصار مطالباً اياهم بحمل السلاح "لسحق المؤامرة الاستعمارية الرجعية"، واختُتِمَ البيان بالإشارة الى مؤامرة الشواف وسرعة القضاء عليها، وهي ليست سوى رسالة للتذكير بقوة الحزب وقدرته على تكرار الأحداث.
واختتمت تلك الساعة ببيانٍ تم فيه الاعلان عن "المجلس الوطني لقيادة الثورة" واختيار العقيد المتقاعد عبد السلام محمد عارف رئيساً للجمهورية.

(للحكاية بقية)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ربنا يرحمك يا أرابيسك .. لقطات خاصة للفنان صلاح السعدنى قبل


.. آخر ظهور للفنان الراحل صلاح السعدني.. شوف قال إيه عن جيل الف




.. الحلقة السابعة لبرنامج على ضفاف المعرفة - لقاء مع الشاعر حسي


.. الفنان أحمد عبد العزيز ينعى صلاح السعدنى .. ويعتذر عن انفعال




.. االموت يغيب الفنان المصري الكبير صلاح السعدني عن عمر ناهز 81