الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دانة البطران تراوح بين المفارقة والترميز

الغربي عمران

2020 / 9 / 26
الادب والفن


خارج المدار:
هل نقد النص شهادة للكاتب.. أم أن الكاتب ليس بالمعني حين يُنقد نصه؟!
كثيرا ما تشغلنا تلك العلاقة بين أضلع المعادلة الكاتب والنص والمتلقي.. فقوم يدعون إلى موت الكاتب.. وآخرون يرون أن لا فرق بينهما.. وهكذا نجد أن كل يدعو إلى منهجه في قراءة النص.
فهل يحق للكاتب أن يتحسس من رأي المتلقي.. معتبرا أن نقد نصه نقد يستهدفه هو؟
لقد وجدت من يغضب لنقد س من الكتاب لإحدى نصوصه.. بل ويناصبه العدى.. مقابل ذلك نجد أن بعض الكتاب يسعدوا لمجرد أن هناك من التفت إلى ما يكتبون. وهنا يقودنا الحديث إلى بعض التناولات التي تشيد بسين من الناس.. وبإنجازه المتميز بالتجديد .. وعظمة التجربة.. خاصة إذا ما وجدنا أن ذلك الإصدار متواضع فنيا.. وإن ما أضفى عليه الناقد ضرب من المبالغة.. ما يقودنا ذلك إلى التساؤل: هل هناك من ينقد ليستلم مقابل على نقده من الكاتب.. وقد أتفق مع كاتب النص مسبقا.. على ما سيتقاضاه...
هي أسئلة مشروعة.. خاصة وأن بعضهم يفاخر بأنه باع نصوص له لتنشر باسم مدعي آخر دفع مقابل ذلك.. لتصدر في كتاب يوقع ويهدي لأحبابه .. ويحضر الندوات لمناقشة ذلك الإصدار... هي ظاهرة غير سوية.. والأخطر منها أن يتبجح اولائك بما يصنعون.
ومن تلك المواضيع نذهب إلى موضوع آخر.. فقبل أيام نشرت أحدى الكاتبات على حسابها في الفيس بوك.. معلنة تقززها ممن يتناولون بعض الأعمال بالنقد.. وبالمقابل ينتظرون من صاحب العمل المنقود أن يتناول بدوره إحدى أعمال من نقد له.. على مبدأ "أنقدني وأنقدك".
وفي تصوري إذا كان من يتناول عملا لكاتب ما .. تناول مشروط بأن يقوم الآخر بتناول عمله فهذا مخزي.
أما إذا نقدت عمل لكاتب ما فرد لك التحية بنقد أحد أعمالك.. فذلك جيد أن يرد كاتب ما على تحية كاتب من خلال تناول بعض أعماله.. الأمر ليس مخلا أو معيبا.. خاصة إذا كان التناول جيد لعمل يستحق التحية.. بل هذا هو المطلوب أن يبادر الكتاب لتناول أعمال بعض بالنقد الجاد والصادق. وأنا ممن لا يرون فيمن يتبادلون التحايا عبر الكتابة النقدية الجادة. دون سابق مواعدة.
ابن الشرقية:
البطران عرفته في المملكة المغربية.. وقد حضر كل منا مدعوا لملتقى أدبي حضره لفيف من الأقطار العربية.. وفي ذلك الملتقى أستمع له الحضور وهو يلقي من نصوصه القصيرة جدا.. نصوص متواضعة فنيا.. كما القى عدد من الأدباء نصوصهم.. وكان من تألق القاص المغربي حسن برطال والقاصة دامي عمر.. ظننت البطران مجرد هاو.. لكني التقيته مرة أخرى في مهرجان بعد سنوات من لقاء المغرب.. لأكتشف ثقته بقدراته وهو يتحدث عن فن الق ق ج. بعدها قرأت له كمتذوق.. لأجد أن نصوصه تتنوع بين العادي والجيد والفارق.. لكن كان اهم من تلك النصوص.. هي مثابرته وتكريس نفسه من خلال ديمومة إنتاجه كمبدع ل ق ق ج. وأنه مجموعة بعد أخرى تتطور أدواته.. ولا يشابه نفسه. ابن شرق شبه جزيرة العرب.. الشرقية التي عشت فيها أنا سنوات تكويني الأول.
اليوم بين يدينا مجموعة صادرة عام 2016 في القاهرة عن الهيئة المصرية العامة للكاتب بعنوان "دانة" ضمن سلسلة إبداع عربي.
بداية بعنوانها إذ يسمي سكان سواحل الخليج إناثهم بـ دانة.. وهو المأخوذ من أسماء اللؤلؤ .. إذ أن الدانة هي اللؤلؤة الكبيرة والجميلة.. ويا للمفارقة.. حين تسمى قذائف المدافع الكبيرة بالدانة.. وجمعها دانات. كما يهمهم المغني أيضا "ودانة ودان دانة..." قبل الدخول في نص القصيدة.
نصوص:
وإذ تجاوزنا عنوان المجموعة إلى الإهداء:
"إلى التي
أغوتني ذات ضحى"
فالغواية هي المتعة واللذة.. التي لا تبرح الروح وقد لونتها ذات يوم أنثى.. لتمضي السنون وتبقى. لكن لماذا لم يقل البطران ذات مساء بدلا عن ذات صباح.. وهذا ما يذهب بالقارئ لأن يبحث عن دلالات الصباح ووقوع الغواية.
ثم عتبة ثالثة بعنوان "مدخليتي" في الصفحة التاسعة:
"إذا كان صوتي هو رسالتي
أتنازل عنه وأبقى مفرداتي.. صوري..
تكثيفي.. رمزيتي.. مفارقاتي
هي الرسالة " .
وهي عتبة زائدة .. كما هي المقدمات التي تمهد للدخول في النصوص أو النص.. أو ما يود أن يفسره الكاتب لما سيصادفه القارئ في نصوصه.. أو أن يكون كاتب المقدمة كاتب مشهور.. يقدم الكاتب وعمله.. وفي تصوري أن أفضل اسلوب لتقديم النص هو قرأة النص ذاته دون عتبات أو مقدمات.
قرأت للكاتب بعض مجموعاته.. كما ذكرت سابقا.. وآخرها "ناهدات ديسمبر. وكتبت حينها تحية لتجدد هذا المبدع.. وايمانه بموهبته.. وهي كذلك تحية لذلك الإصدار. واليوم أجد نصوصه أكثر تكثيفا.. بل ومختلفة اسلوبيا عن ناهدات ديسمبر.. وأيضا مختلفة عن نصوص مجموعة "نزف من تحت الرمال". في دانة نصوص بلغ بها النض مستوى عال.. ويمكننا إيراد بعضها هنا:
وكزة
"ركز عصاه في التراب
خطط منزله
أستورد أداوت البناء من الخارج.. أنتهاء من البناء.
ثم نصب الخيمة أمام بوابته!"
رهبة
"نظرا مليا إلى السماء.. سجد على الأرض"
شطر
"رأته في أمسية ابداعية..
قالت له: أين كنت؟
قال لها: في الشطر الثاني من البيت السادس.. في قصيدتك التي القيتها"
زينة
"سار يهتف وسارت خلفه الجموع.. ركع للصلاة ولم يجد خلفه أحدا.. يصلي"
باص
" الباص وسيلة نقله إلى عمله
التفت..
من إلى جواره نائم.. من أمامه.. من خلفه.. من في مقدمة الباص.. من في مؤخرته.. نادى على سائق الباص.. ليجده هو الآخر نائم!"
ملاءة
"أيقنت أنه يحبها..
تغطت بملاءة زجاجية
كسر الملاءة.. مارس كتاباته باللون الأبيض الشفاف"
نقطة تفتيش
"يحمل الهوية الوطنية كعادته
أوقفه رجل أمن.. سأله: ما أسمك؟
أبتسم وقضى ثلاث أشهر خلف القضبان..!"
مواكبة
"طلبت من أبيها جهاز آيفون.. حاول أن يثنيها عن طلبها.. بكت .. وبكت.. ثم قالت: أريد أبا غيرك!"
تساقط ورق
"أدركت أنها قاسية..
اغتسلت ولبست فستانا.. لا يخلوا من فتحة طويلة من الخلف..
صرخت في وجه أبيها!!
أهداها مصحفا وعقدا...
ابتسمت وبكى!"
أسوة بغصن وردي
"قطف عنقود من العنب..
جلس على قارعة الطريق.. يهدي من يمر بجواره حبة عنب.. كل من يأكلن العنب يرتدين الحجاب.. وبعضهن يجلسن تحت ظل نخلة.. أسوة بمريم!"
دانة
"قبل أن
يأسر قلبها .. وصفها بالدانة.
أهدته كل شيء.. إلا شيئا واحدا.. قالت: هو ليس لك!"
ذائقة القارئ:
حين يستشهد المتلقي ببعض نصوص الكاتب.. ويباشر لكتابة قراءته حولها.. ظنا منه بأنه سيقدم رأي قاطع.. وأن ذلك الرأي قد يصل بالقارئ المنتهى.. فلعمري بأنه واهم.. إذ لا يجوز تجاوز ذائقة القارئ.. ونحن في زمن القارئ المثقف.. الذي يكون قراءته الخاصة به خاصة وقد وضعنا بعض النصوص هنا.. وحتما أن القراءات ستتعدد بتعدد قراءها.. فكل يستدعي مخزونه.. معانيه.. مفاهيمه.. أدواته.. وكل يقرأها حسب ذائقته.
ويمكنني أن أقدم قراءتي المختزلة جدا.. لأترك للقارئ أن يقرأها بطريقته. هنا ندرك أن الكاتب قدم لنا في كل نص ما نتحدث عنه.. فنحن في مجتمعات ترزح تحت سلطات غاشمة.. شبيهة بقيادات العصابات.. الفارق أن أنشطة العصبات غير مشرعنة. في تسلطها ما ينطبق على ما دل عليه نص "نقطة تفتيش"... فباسمك تصنف مذهبيا.. وباسمك تدان.. وحسب أسمك يكون درجة الحكم عليك.
وما نحمله من ثقافة ما يدل عليه في نص "وكزة". فلا ندري لماذا كل تلك القصور.. برخامها.. وأثاثها المكلف.. ونحن دوما نحن إلى خدر الشعر.. أو أن تلك الخدور تسكننا.. ونص "وكزة" يذكرنا بما قام به حين حل ضيفا على إحدى الدول الأوربية.. ناصبا خيمته في حديقة الفندق.. مستقبلا ضيوفه فيها.
أترك قراءة النص للقارئ.. وما مارسه القذافي بخيمته.. لفهم المعنى وما أراد كل أن يصله بنصه أو تصرفه.
نصوص المجموعة نصوص تتباين.. بين نصوص ملغزة.. يتكئ الكاتب فيها على فنيات النص القصير.. بينما المضمون يظل بحاجة إلى تأويل وتفسير. نصوص أخرى اكتملت من بنى فنية.. إلى مضامين دلالة.. إلى إيحاءات.. بعضها فاضحة لتسلط النصوص المقدسة.. فاضحة لاستخدام المتسلطين للدين ككرابيج لجلد المجتمع باسم المقدس. وفضحة لمسارات مجتمعية معوجة.
الكاتب يقدم لنا نصوصا أجاد حبكها.. بتلك المفارقات التي ضلت سمة عامة لمعظم النصوص.. إضافة إلى الترميز.. ومكننا أن نلحظ تخفي الكاتب خلف الرمز لإيصال ما يريد قوله. ولا نغفل أهم قدرات الكاتب والتي تتجلى في التكثيف.. لنلمس أن أجمل نصوصه تلك التي لم تتجاوز الصدر الواحد.
حـــــــالة:
البطران كاتب أستطاع من خلال ما يقارب العشرة إصدارات كلها لفن الق ق ج أن نتعرف إلى كاتب مخلص لفنه. فمنذ أول نص وهو مكرسا كتاباته للق ق ج.. حتى كاد أن يتحول إلى حالة.. مقابل من كتبوا هذا الفن.. لم يستمروا وقد انتقلوا إلى كتابة جنس آخر.. ليعلنوا عدم قدرتهم على التجديد.. بعد مجموعة أو اثنتين. معلنين الاكتفاء بما قدموه كتجربة. هامسين حول هربوهم من ق ق ج.. خوفهم تكرار أنفسهم لضيق مساحة اللعب بالكلمات في هذا الفن. بينما من يقرأ البطران يجده بتجدده يسير إلى الأفضل من إصدار إلى آخر. ولا يزال لديه ما يضيفه فنيا وموضعيا.
نافيا قناعته لمن يروجون بأن الزمن زمن الرواية.. وموت القصة والشعر.. ويقول من خلال تطور نصوصه إن لكل فن فرسانه.. وليس من كتب الرواية بروائي.. ولا من كتب القصة القصيرة جدا بفنان.. فكم هو سيل الإصدارات غزير.. وكم هي الأعمال التي تترك أثرا في النفوس.. بالطبع قليلة.
للبطران تحية نبعثها من جنوب شبه الجزيرة.. إلى شرقها.. لفنه ومثابرته.. ومراهنته ليكون مختلف عن غيره أو أنه حالة لا يشبهه بإخلاصه لق ق ج أحد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فنانون يتدربون لحفل إيقاد شعلة أولمبياد باريس 2024


.. السجن 18 شهراً على مسؤولة الأسلحة في فيلم -راست-




.. وكالة مكافحة التجسس الصينية تكشف تفاصيل أبرز قضاياها في فيلم


.. فيلم شقو يحافظ على تصدره قائمة الإيراد اليومي ويحصد أمس 4.3




.. فيلم مصرى يشارك فى أسبوع نقاد كان السينمائى الدولى