الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مرافعة شرعية قانونية إنسانية حول قضية : إستفتاء إقليم كوردستان في 2017

جمعه عباس بندي
كاتب وباحث وأكاديمي وقانوني

(Dr.jumaa Abbas Hassan Bandy)

2020 / 9 / 27
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير


تمهيد:
هناك فرق كبير بين مصطلح الإستفتاء ومصطلح الانتخاب، فالاستفتاء هو عملية اختيار الموضوعات دون وجود مصالح ومنافع شخصية ، أما الانتخاب أو الانتخابات : فهي عملية اختيار الأشخاص مع وجود مصالح ومنافع شخصية أو إيديولوجية.
فمثلا : عندما يكون موضوع الإستفتاء : هو في سبيل إعلان الرغبة في الإنفصال عن دولة ما ، ستكون من نتائج هذا الإستفتاء وببساطة : الرغبة في بناء دولة، والدولة وسيلة لتثبيت الدستور والقوانين، والدستور والقوانين وسائل لإقرار وتقری---ر الحقوق والحريات، والحقوق والحريات نواة لتكريم الإنسان، وتكريم الانسان = تحقيق الذات الإنسانية.

أولا : الإستفتاء من الناحية الشرعية وقانونية:
من المعلوم للمختصين بالعلوم الشرعية : أن جوهر الاختلاف بين الناس والقبائل والشعوب من حيث اللغة واللون والعرق والجنس ـ كما هو منصوص في القرآن الكريم ـ هي : من الآيات والعلامات التي تدل وتبين للجميع قدرة وعظمة الخالق في خلق الإنسان يهذا الشكل والمضمون ، قال تعالى:{َمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِلْعَالِـمِينَ }[سورة الروم- آية (22)].
في موضع آخر يبين القرآن الكريم بأن إحدى الغايات الأساسية في جعل أمم الأرض مختلفة الثقافات والهويات ، هي (للتعارف) بينهم ، قال تعال: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ }[سورة الحجرات- آية (13)] .
ولا شك بأن من أبسط معاني التعارف ، هي التماثل والمساواة والاستقلال والتعاون والشـراكة والمشاركة والحوار وتبادل وجهات النظر ومساندة المواقف الصائبة والصحيحة.
وكما يتبين من محتوى هذه الآية الكريمة، أنه لا فرق ولا تمييز بين الذكر والانثى على الصعيد الفردي، ولا بين الشعوب والقبائل على الصعيد الجماعي عند الله تعالى، إلا بالابتعاد عن المحرمات والمهلكات والمنكرات والأقتراب من المنجيات والطاعات والعمل الصالح.
بعبارة أخرى: لا إعتبار للغة واللون والعرق والجنس في موضوع رفع وتكريم الإنسان عند الله تعالى، لأن ميزان التفاضل هو التقوى.
وكذلك من المعلوم للمختصين بالعلوم القانونية والدستورية، أن جوهر الديمقراطية على مستوى الشعوب والأمم : هي استقلالها من الاحتلال والانتداب والاستغلال، وفق نص المادة (55) من ميثاق الأمم المتحدة: ((رغبة في تهيئة دواعي الاستقرار والرفاهية الضروريين لقيام علاقات سليمة ودية بين الأمم مؤسسة على احترام المبدأ الذي يقضي بالتسوية في الحقوق بين الشعوب وبأن يكون لكل منها تقرير مصيره )) ، ولن يتحقق كل هذه الحقوق والدعوات وبالشكل المطلوب والسوي ، إلا من خلال :

1- الإستقلال والمساواة التامة والكاملة بين جميع القوميات والأمم والأعراق المختلفة على وجه الأرض، ولن يتحقق هذا، إلا من خلال الدولة المستقلة وكاملة السيدة.
2- أو من خلال إلغاء و إزالة حدود جميع الدول والعيش معا دون كل هذه القيود التي أصبحت في محتواها تعسفا في حق الكثير من الشعوب والأمم على مستوى الحقوق والثروات والرفاهية، والعيش معا وفق قاعدة : أرض الله الواسعة.
ثانيا : الغاية من إستفتاء إقليم كوردستان :
لا شك بأن الغاية من عميلة الإستفتاء الجاري في 25/9/2017، كان بمثابة إستطلاعاً داخلياً لمعرفة رأي سكان إقليم كوردستان والمناطق المشمولة بمادة (140) من الدستور ، حول العلاقة المستقبلية مع جمهورية العراق الفيدرالي، ولم يكن القصد منها الإنفصال أو الإستقلال عن العراق مباشرة ، كما روج عنها الكثيرين من المخلصين والبسطاء والمتآمرين الخبثاء، وخير دليل على ذلك تصريحات قادة إقليم كوردستان قبل وأثناء وبعد عملية الإستفتاء و التصويت لصالحها ، ومن ضمنها تصريحات الرئيس مسعود بارزاني ـ سلمه الله ـ بأن عملية الإستفتاء : لا تعني رسم الحدود أو فرض أمر واقع أو الإنفصال عن العراق ، بمعنى آخر: ارادت حكومة الإقليم أن تكون عملية الإستفتاء مفتاحا لحل جميع المشاكل العالقة بين الإقليم والحكومة الإتحادية.
ومن هذا المنطلق : عندما صوتنا (بنعم) لم نكن نقصد: بأننا نكره العراق أو نريد الشر والإيذاء لشعوبه وقومياته ومذاهبه وطوائفه المتنوعة ، بل فقط عبرنا عن حقنا ، كحق من حقوقنا السياسية في التعبير عن إرادتنا الكامنة في صدورنا، وأخترنا للتعبير عن هذا الحق الإستفتاء العام الشعبي كوسيلة حضارية وبمستوى هذا الطلب ، لنقول من خلالها للجميع : بأنه أيضا من حقنا أن يكون لنا وطن مستقل في قالب دولة ، يعيش في جواركم ويكون لكم عمقا استراتيجيا في المنطقة.
لكن للاسف الشديد تم إستقبال هذا الحق من قبل إخوننا في الدين والإنسانية ، بالرفض والإستهجان وبوسائل غير حضارية، وأرادوا أن يلجموا أفواهنا من خلال أفواه الدبابات والبنادق ، وبالتالي وقفوا ضد أبسط مبدأ من مبادئ حقوق الإنسان والشعوب في التحرر والإستقلال كما هو منصوص في النصوص السماوية والقوانين الوضعية.

ثالثا : الدستور والمحكمة الإتحادية وإستفتاء إقليم كوردستان:
صحيح بأنه لا يوجد نص صريح وقاطع في الدستور العراقي النافذ لسنة 2005 يعطي الحق للأقاليم والمحافظات الحق في إجراء إستفتاءات حول موضوع الإنفصال أو الإستقلال من جمهورية العراق الإتحادي ، ولكن في نفس الوقت لا يوجد نص دستوري صريح وقاطع يمنع ذلك الحق ، بل جاء في ديباجة الدستور ، بأن الألتزام بهذا الدستور كوحدة قانونية موحدة وواحدة ، هو الضمان لوحدة العراق الإتحادي شعبا وأرضا وسيادة ((إن الالتزام بهذا الدستور يحفظ للعراق أتحاده الحر شبعاً وأرضاً وسيادةً)) مع عدم الذهاب الى مفهوم الموافقة لهذه العبارة، بل الذهاب الى التوافق مع منطوق العبارة.
بناءا على ما تقدم ولكون الإستفتاء لم يكن المقصود منه الأنفصال عن العراق الإتحادي ، كان على المحكمة الإتحادية أن تقرر وتقول قرارها الصادر حول إستفتاء إقليم كوردستان:
1- بما أن عملية الإستفتاء لم تكن لغرض تقسيم العراق أو الإنفصال عنه، فإنها كانت متوافقة مع روح الشرائع السماوية والقوانين الدولية ، بإعتباره حقا من حقوق التعبير الوارد في الدستور النافذ.
2- حق تقرير المصير في الاستقلال أو الإنفصال لأي شعب من الشعوب، لا يمكن إسقاطه أو إلغائه من قبل أية هيئة سواء أكانت سياسية أو تنفيذية أو قضائية، لكون الحق أقدم من النص، وما شرعت النصوص والقوانين، إلا للحفاظ على هذه الحقوق.
وفي هذه الحالة كنا سنصل الى النتائج الآتية:
1- عدم إلغاء الإستفتاء دستورياً أو تجميده سياسيا، لكون الغاية منه عدم الإنفصال.
2- التأكيد على وحدة العراق وسيادته، مع تطبيق مواد الدستور وخاصة المعلقة .
3- فتح الباب للحوار الشامل بين أربيل وبغداد، لحل المشاكل العالقة بينهما وفق الدستور.

رابعا : خلاصة المرافعة وطلباتها :
1- العراق دولة حضارية منذ القدم ، وهو منبع الكتابة والقوانين والإختراعات ، ومملكة الملك حمورابي ومسلته الدستورية والقانونية ، إلا أن أبنائه ـ العراق الحالي ـ لم يتمكنوا أن يتعاملوا مع هذا الحدث (الإستفاء) من خلال عمقه الثقافي والتراثي والقضائي والإنساتي ، بل كان صوت الصراخ والإنفعال ومنطق القوة أعلى مرتبة وشأنا من صوت الحوار وضبط النفس وقوة المنطق ، وكان من ثمار هذا الموقف سقوط الكثير من الضحايا وهدم وهدر الإقتصاد الوطني وغرس بذور عدم الثقة بين شرائحه، وبروز نوايا الحكومة الإتحادية وفق مقولة : متى كثرت قوتي ، طالت سلطتي على مؤسسات إقليم كوردستان.
وبالتالي فأن العراق التأريخي والحضاري، لم يستطيع أن يتعامل مع قضية الإستفتاء، كما تعاملت دولة السودان مع جنوبه في نفس الموضوع عام 2011، أو كما تعاملت دول البلقان ـ يوغسلافيا السابقة ـ مع جمهورياتها خاصة بعد إنتعاء الحرب 1999.

2- أغلب الدول العربية والإسلامية تقول : بأن دولة إسرائيل دولة محتلة ومغتصبة وقائمة على الأراضي الفلسطينية ، ولكنها في نفس الوقت تعمل معها الإتفاقيات وتطبع معها في المجالات الإقتصادية والتجارية والسياسية والأمنية ، ومن أبرز هذه الإتفاقات المعلنة ، إتفاقات كل من جمهورية مصر ومملكة الاردن ودولة الإمارات ومملكة البحرين.
3- أما كوردستان الكبرى ومن ضمنها إقليم كوردستان العراق ، فهو عبر التأريخ أرض كوردستانية مستقلة وأبنائها من الساكنين القدامى في هذه المنطقة ، وكانت لهم أمبراطورية منذ الميديين والكادوخيين ، عدا الدويلات والإمارات حتى في العهد الإسلامي العباسي ، مع هذا تم إحتلالها من قبل دول الجوار الإسلامي ، بشقيه السني والشيعي ، وتم تقسيمه بين كل من تركيا والعراق وسوريا وإيران ، بعد الحرب العالمية الأولى 1914 ـ 1918 بدعم ومبادرة ومباركة كل من بريطانيا العظمى وفرنسا الكبرى، ولحد الآن هي تعاني من الظلم والتعسف والدمار والإرهاب بكافة أنواعه: الفكري والمسلح والإقتصادي والديني والإجتماعي والسياسي ، ومتى رفعت صوتها طالبة حقوقها المشروعة في الكرامة والإستقلال ، عاملها إخوتها في الدين والإنسانية عكس معاملتهم مع المحتل الإسرائيل ـ كما يزعمون ـ وفورا كشروا عن أنيابهم وبرزوا مخالبهم ، وقالوا بصوت واحد : هذه ستكون إسرائيل الثانية وسيكون الخنز الذي يقطع أواصرنا من الشرق ويفتت ويجزء دولنا من الظاهر والباطن.

4- علما دولة كوردستان المستقبلية ، لن تقطع من أواصر أحد أو تجزاء من دول الآخرين ، بل ستكون خطوة للإستقرار لكافة المنطقة وفي ذات الوقت ستكون مانعا بين الصراعات الإيرانية ، العربية ، التركية.

5- أحب أن أذكر الدول الجوار المسلمة ، بحديث نبوي شريف : ((من ظلم قيد شبر طوقه الله من سبع أرضين))[رواه البخاري ومسلم] وفي رواية أخرى: ((من أخذ شبرا من الأرض بغير حق طوقه الله في سبع أرضين يوم القيامة))، ويقول الإمام الشيرازي في المهذب: ولا يجوز أن يصلي في ـ الإنسان المسلم ـ أرض مغصوبة، لأن اللبث فيها يحرم في غير الصلاة، فلأن يحرم في الصلاة أولى ، وقال الإمام النووي في شرحه لكلام الشيرازي: الصلاة في الأرض المغصوبة حرام بالإجماع.

وإذا كان الصلاة حراما فيه رغم مكانتها وعلوها في الشريعة الإسلامية ، فكل ماعدها أولى بالمنع والتحريم ، ومن مفهوم هذا الحديث النبوي الشريف ، نقول : لكل من يصلي في أرض كوردستان وهويعلم بأنها أرض مغصوبة ، كما هو في مدينة كركوك وغيرها من المناطقة المشمولة بالمادة (140) من الدستور النافذ عليهم بمراجعة أنفسهم ومواقفهم، ولا تنسوا الموت الذي هو أقرب إليكم من آبار النفط وأنابيب الغاز وسنابل القمح، وفي الختام أقول : أنتهت المرافعة ، ولم تنتهي القضية.

ملاحظة :
أستفدت في كتابة هذه المرافعة الشرعية والقانونية والسياسية والإنسانية ، من مقالتين سابقتين لي ، تم نشرهما في كل من جريدة التآخي وموقع الحوار المتمدن ، وهما:








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مهاجمة وزير الأمن القومي الإسرائيلي بن غفير وانقاذه بأعجوبة


.. باريس سان جيرمان على بعد خطوة من إحرازه لقب الدوري الفرنسي ل




.. الدوري الإنكليزي: آمال ليفربول باللقب تصاب بنكسة بعد خسارته


.. شاهد رد مايك جونسون رئيس مجلس النواب الأمريكي عن مقتل أطفال




.. مظاهرة أمام شركة أسلحة في السويد تصدر معدات لإسرائيل