الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


متلازمة الأبناء وحكم السفهاء 2/2

ياسين المصري

2020 / 9 / 27
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


قبل أن يُرغَم مبارك على ترك الحكم، وبخبثه المعهود، سلَّم السلطة في البلاد لمجموعة من قادة الجيش المنتفعين سياسيًا واقتصاديًا، عرَّفوا أنفسهم بإسم ”المجلس الأعلى للقوات المسلحة“، فبدأوا على الفور يخططون لبقاء العسكر في الحكم إلى الأبد. ونظرًا إلى أن جماعة الإخوان المتأسلمين يشكلون الفصيل الأكبر في المجتمع الذي يهدد سلطتهم السياسية والاقتصادية، عمدوا إلى القضاء عليها. بالسجن المطوَّل أو بالقتل، وبدت نيتهم المبيَّتة واضحة في الانتقام من الشعب وإذلاله وتحقيره والتمادي في إفقاره من خلال تعميق وترسيخ الكتالوج الناصري (أنظر المقال السابق). واختاروا لذلك شخصية عسكرية ذات تركيبة خاصة، تتسم النرجسية والسادية معًا.
كان الجنرال السيسي يعرف من البداية ما الذي يجب عليه أن يفعله، فحرص أولًا على التوسع في بناء السجون، فبنى حتى الآن 28 سجنا جديدًا لتصل أعداد السجون في مصر إلى 69 على طول البلاد وعرضها، علاوة على 382 مقر احتجاز داخل أقسام ومراكز الشرطة في مختلف المحافظات، إضافة إلى العديد من السجون السرية داخل المعسكرات، وذلك وفقا لتقرير صادر عن المنظمة المصرية لحقوق الإنسان في عام 2017، ثم قام بإغلاق المجال العام ليصبح هو المسيطر الوحيد والفاعل الأوحد في جميع الأنشطة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية والدينية والإعلامية، يمنحها لمن يشاء ويمنعها عمّن يشاء، ويتحكم بالقدر الذي يستطيع من خلاله تحريك الدولة في الاتجاه الذي يعتقد أنه الأنسب له ولحُكمِه، رغم أنف المجتمع بأسره، فملأ السجون بالآلاف، إذ عمد إلى القبض على أي شخص يحاول فتح فمه بكلمة واحدة لا تروق له، مهما كان منصبه أو مكانته العلمية أو الاجتماعية، معتمدًا في ذلك على ابنه محمود الذي تم تصعيده بسرعة لا تتواءم مع قدرته الذهنية أو كفاءته العلمية أو خبرته العملية، مع عدم امتلاكه لأدنى رؤية سياسية، وأعطيت له مناصب أكبر منه، تحت رعاية ضبع غامض هو اللواء عباس كامل أمين سرّ السيسي ومهندس نظام حكمه.
محمود السيسي هو ثاني أبناء السيسي من حيث السن، فنجله الأكبر مصطفى مقدم في القوات المسلحة، وقد تمت ترقيته إلى رتبة عقيد ونقله إلى جهاز الرقابة الإدارية بعدما شهد الجهاز توسّعاً كبيراً في صلاحياته الرقابية على أجهزة الدولة ووزارتها كافة، فبرز كواحد من أهم المسؤولين الصاعدين فيه بعد إعادة هيكلته، أما النجل الأصغر حسن الذي كان يعمل بقطاع البترول، تم نقله إلى المخابرات العامة، وبذلك أصبح الأبناء الثلاثة يرأسون الأجهزة المسماة بـ”السيادية“ مع مجموعة من الضباع, ليشكلوا معًا الدولة العميقة (Deep state) أو الدولة بداخل الدولة. هذه الأجهزة فرضت نفسها رغم إرادة الشعب في تحالف مع الجيش والبيروقراطية المدنية لتتحكم بمصير الدولة. وتصنع قراراتها، وأصبحت قريبة جدًّا من الرئيس لحمايته وتمهيد طريق الصعود لابنه محمود إلى سدة الحكم بعد والده. وحرص الضباع على أن يعملوا في قلعة مظلمة، بعيدًا عن الأضواء، بكل ما أوتوا من عنف ونفوذ لتأمين تلك الأجهزة من أي مركز قُوَى، يمكن أن يكون ثغرة ينفذ منها أعداء والدهم، ورصد جميع تحركات وتصرفات، بل وكلمات أي مواطن مهما كان، حتى وإن لم يكن له في السياسة من شأن يذكر، والقبض عليه وإيداعه في السجن لسنوات طويلة، بتواطؤ مع المدعي العام ورجال القضاء الذين تم اختيارهم بعناية وتسييسهم لما يقتضيه خط العائلة المستقيم.
هيئت الظروف للسيسي الصغير أن يتغوَّل في سيطرته على الساحة الداخلية، فقاد بنفسه عملية ”تطهير جذري“ لأجهزة المخابرات، وإبعاد عنها أي شخص يشك في نواياه، كما أشرف بنفسه من داخل مبنى المخابرات العامة على ”غرفة العمليات الانتخابية“ الخاصة بأول انتخابات برلمانية مصرية بعد تسيّد والده للعرش، فجهّز مع عصابته قائمة انتخابية بعنوان ”في حب مصر“، تمكن بها من اكتساح البرلمان، ومن ثم تمرير التعديلات الدستورية التي أجراها البرلمان عام 2014، والتي مهدت الطريق لبقاء والده في الحكم إلى أجلٍ مُسمَّى، بعدما كان من المفترض (في أقصى الحالات) أن يغادر قصر الاتحادية في نهاية ولايته الثانية عام 2022. وفي تحقيق لموقع « مدى مصر» المستقل في النسخة الإنجليزية، نقلته ”نيويورك تايمز“ الأمريكية و”التايمز“ البريطانية وصحف أجنبية أخرى، ذكر أن نجل الرئيس كان يدير الاجتماعات التي عُقِدت لمناقشة التعديلات الدستورية وخطط التمديد لأبيه قبل موعد التعديلات بعدة أشهر، وأكَّد التحقيق على أن اجتماعات شبه يومية كانت تعقد بمبنى المخابرات العامة في كوبري القبة، وقصر الاتحادية الرئاسي في مصر الجديدة، بهدف التوصُّل إلى شكل نهائي للمواد التي سيجري تعديلها، ووضع نصوص المواد البديلة، وتحديد موعد الاستفتاء ونتائجه قبل إجرائه. وذكر التقرير أن تعليمات صدرت للبرلمان تقتضي ضرورة الإسراع في مناقشة الملف والتصويت عليه في أقرب فرصة سانحة، وبالفعل تم الأمر في غضون ثلاثة أشهر، وجرى الاستفتاء وأقرت التعديلات، وبدأ العمل بها.
وفي يوم الإثنين 14 أبريل 2019 نشرت صحيفة "التايمز" البريطانية، تقريراً لمراسلها في منطقة الشرق الأوسط ريتشارد سبنسر، تحت عنوان: ”السيسي يجند أولاده لمساعدته على البقاء في السلطة حتى 2030“، يكشف فيه عن أن ”أبناء الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يشاركون بقوة في إدارته للبلاد، خلال الفترة التي يسعى فيها إلى تمرير تعديلات دستورية تشدد قبضته على السلطة حتى عام 2030“.
أصبح السيسي الصغير يتمتع بصلاحيات واسعة في متناول يده تتجاوز كل الحدود، وتضعه - حرفيًّا - فوق طائلة المحاسبة القانونية أو غير القانونية. فقد أحاطت به اتهامات بالقتل والفساد والخطف أو ما يعرف بالاختفاء القصري. ولم تتجلَّى سطوته فقط في أروقة قصور الرئاسة المتناثرة على طول البلاد وعرضها، والتي وصل عددها إلى 30 قصرًا قبل وصول والده إلى سدة الحكم وتسكنها الخفافيش بحسب صحيفة «اليوم السابع»؛ إلا أن السيسي لم يكتفِ بهذه القصور، وبنى ما لا يقل عن ثلاثة قصور رئاسية أخرى.
https://www.youm7.com/story/2011/5/20/30-قصراً-رئاسياً-فى-القاهرة-والإسكندرية-والإسماعيلية-وأسوان-والقناطر-تسكنها/416155?fbclid=IwAR1ml6QWGMGDjnA5jt0lHUnPuwetcDtOQlsEsxguSkO4LRdxA1mvU5RoKsE
بل امتدت سطوته إلى أبعد من ذلك بكثير، فصحيفة ”لـ سبريسو“ الإيطالية التي أسست منصة محمية باسم ”ريجينيليكس“، على منوال ”ويكيليكس“، لجمع الشهادات حول التعذيب وانتهاكات حقوق الإنسان في مصر، والمطالبة بالعدالة لجوليو ريجيني، الباحث الإيطالي الذي اختفى في يناير 2016، قبل العثور على جثته ملقاة في إحدى الطرق الرئيسة على حدود العاصمة المصرية، قالت في شهر يوليو 2016، إنها لا تستبعد أن يكون العميد محمود السيسي، أحد المطلعين على المعلومات الخاصة بشأن الباحث الإيطالي، وأنه كان على علم بتحركات ريجيني، حتى من قبل اختفائه. وإنها اطلعت على تفاصيل مقلقة بشأن دور نجل الرئيس، لكنها قالت إنها ”تمتنع عن نشر تلك التفاصيل؛ لأن المسألة حساسة، وتلك التفاصيل وردت من مصادر مُجهّلة، وما تزال قيد دراسة هيئة التحرير“، على حد قولها.
ورغم الحرص الشديد على أن يعمل السيسي الصغير خلف الأضواء، إلَّا أن اسمه ظهر بصورة كبيرة ومتكررة، عندما خرج الناشط السيناوي (مسعد أبو فجر) في مقاطعٍ فيديو مصوّرة يجدها القارئ على اليوتوب، يتهم فيه السيسي وابنه، بالتورُّط في قضايا فساد. وذكر أن الرئيس المصري استقبل من وصفهم الناشط السيناوي بـ”تُجَّار بودرة (مخدرات)“ داخل قصر الاتحادية، متهمًا ابنه بأنه هو الذي يدير تجارة تهريب المخدرات والبضائع من وإلى قطاع غزة، ويحصد عوائدها في جيبه الشخصي هو وشركاؤه من قيادات الجيش، على حد تعبيره. أبو فجر قال أيضًا إن «الحرب في سيناء ليست حقيقية، وأن جنرالات الجيش لا يريدون إنهاءها»، موضحًا أن «أهل سيناء قادرون على القضاء على الإرهاب خلال وقت وجيز جدًّا، وهم يقدمون هذا العرض بشكل متكرر، لكن لا توجد إرادة لذلك لدى النظام» على حد قوله.
من بين الملفات التي يديرها السيسي الصغير بشكل شخصي، توحيد إدارة وسائل الإعلام لبث خطاب إعلامي موحد، فقد استحوذ عليها جهاز المخابرات الذي يديره، تحت ستار شركة "إعلام المصريين"، بالإضافة إلى ملف الترويج لإنجازات الجهاز والنظام ككل، بطريقة دعائية مليئة بالمبالغات والأكاذيب، في محاولة لإيهام الرأي العام بتحقيق إنجازات استثنائية من ناحية، وتوجيه رسائل للشخصيات والدوائر المرتابة منه داخل المخابرات والأجهزة الأمنية الأخرى من جهة أخرى، مفادها أنه يحظى بضوء أخضر لإدارة المشهد كما يشاء.
في الرابع عشر من يوليو 2019 وافق البرلمان السيساوي على قانون جديد لعمل المنظمات غير الحكومية، وقد امتلأت بنوده بالقيود ضمن السعي الحثيث للأجهزة الأمنية المصرية لقمع المجتمع المدني بلا هوادة، حسبما علَّقت هيومن رايتس ووتش، التي طالبت السيسي بعدم الموافقة على القانون، وهو الطلب الذي تجاهله الجنرال بطبيعة الحال. وتقول المنظمة الدولية، إن القانونَ يُظهِرُ نيَّة الحكومة المصرية في سحق المنظمات المستقلة، من خلال قوانين أمنية، يجري تمريرها من قِبل مجلس النواب، حيث يكتبها موظفون أمنيون وليست اللجان التشريعية في البرلمان، وتمثِّل هذه القوانين جميع المنشورات الأمنية التي تدار البلاد طبقاً لها، وبذلك تُقنّن السلطة القمع وتحوَّل الأوضاع الاستثنائية، إلى أوضاع طبيعية تفرض على المجتمع أن يتعامل معها بصفتها مُسلَّمات، ويتم السيطرة على المجال العام بكل أنشطته، بشكل مستمر وقانوني؛ فالجنرال السيسي، يرى في نظام البكباشي عبد الناصر المُسيطر على كُل شيء هو النموذج الأمثل، ويرى في الوقت ذاته أن نظام السادات لم يكن حازما بقدر كبير، وأن مبارك كان ضعيفاً لأنهما تركا مساحات محدودة للتعبير عن الرأي. لذلك يعتبر دوماً في مواقع التواصل الاجتماعي تهديداً لسلطته، ويعتبرُ النَّشاط الإلكتروني حرباً، سمَّاها ”حروب الجيل الرابع“، فجعل من نجله صاحب الكلمة العليا داخل الاستخبارات العامة، والمشرف على الملفات الأهم داخل هذا الجهاز، ومتابعةً الملفات كافة باتت تحت إشرافه مباشر وفي مقدمتها الإعلام ووضع وسائل التواصل الاجتماعي تحت المراقبة الصارمة.
وضع السيسي جميع أجهزة رئاسة الجمهورية والمخابرات والرقابة الإدارية تحت رئاسة أبنائه، وجعلها تابعة بالكامل له، الأمر الذي جعل وزارة الداخلية والشرطة أكثر حصانة وأكثر شراسة في تعاملها مع المواطنين المنتمين للطبقات الاجتماعية الأقل حظاً. قام السيسي الصغير بتجنيدها بالكامل لإغلاق المجال العام بشكل تام، رغم أن غلق المجال العام ينتهي عادة بالعنف الكبير الذي لا يستطع أحد أن يواجهه أو يمنعه، كما حدث في العراق وسوريا وليبيا، لذلك لا بد لأي متابع لما يجري في مصر أن ينتابه الخوف وعدم الارتياح من حدوث انفجار كبير في البلاد، يصعب السيطرة عليه، فهذا الغلق يؤدي بالضرورة إلى تحلل الدولة من الداخل، نتيجة لانتشار الفساد والمحسوبية وعدم وجود نظام محاسبي وغياب لدور الشفافية والتحقق من الكسب غير المشروع، مما يعمل في وقت ما على انهيار مؤسسات الدولة.
من الواضح أنّ محمود السيسي تتم تهيئته لموقع كبير في الدولة، يفوق كونه وكيلاً لبعض الأعمال أو عيناً لوالده في المخابرات فقد بات اللاعب الرئيسي في الملفات السياسية والأمنية الأهم، ومنها ترتيب زيارات الرئيس الخارجية، وتأمين تحركاته، وملف القوى والأحزاب السياسية، بخلاف إشرافه المباشر على قوات أمن الاستخبارات العامة التي أصبحت المسؤول الأول عن تأمين بقاء الرئيس في الحكم حتى عام 2030 على الأقل. لا شك في أن التركيبة النرجسية السادية الخاصة بالسيسي تجعله بحكم عمله الاستخباري السابق لا يثق بأي شخص لفترة طويلة، وعدم الثقة المطلقة بالمسؤولين، فلا يوجد أحد منهم فوق مستوى الشبهات.
نقل السيسي الصغير المخابرات المصرية نقلة نوعية في الأداء التسويقي والترويج الدعائي الذي يستعين فيه بعدد من الإعلاميين الموثوقين لديه بغض النظر عن وجهة نظر أجهزة الأمن الأخرى فيهم، وذلك بالسيطرة التامة على وسائل الإعلام الرسمية المصرية والمملوكة للأجهزة السيادية والموالية للسلطة، وكذلك صفحات مواقع التواصل الاجتماعي الزاخرة باللجان الإلكترونية الموالية للنظام، بما يعبّر عن نقلة نوعية في الأداء التسويقي لأعمال المخابرات العامة كجهاز بات يشكّل قلب دائرة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والعقل المدبر لنظامه الحاكم، بعد سنوات من الانزواء واختيار الابتعاد عن الأضواء في عهود سابقة.
إن اللافت للنظر أن يكون لمحمود السيسي دور تنفيذي أكبر في المستقبل في الرئاسة والمخابرات، قياساً بحجم وأهمية الملفات التي يديرها، فإلى جانب الإعلام يشرف محمود السيسي على ملف استثمارات الجهاز التي تقول المصادر إنها ستشهد تنوعاً في الفترة المقبلة في مجالات مختلفة بما فيها الاستثمار العقاري والمنشآت السياحية والإنتاج الزراعي.
هناك أشياء أخرى كثيرة لا يتسع المقال لذكرها، ولكن قد يتساءل البعض عما إذا كانت السياسة التي يتبعها السيسي وابنه وأعوانهما من الضباع المقربين تثير الحقد والعداء في نفوس جنرالات وضباط الجيش، أم لا؟
الحقيقة أن الجنرالات وضباط الجيش يعرفون مدى الأنظار التي تلاحقهم ليلًا ونهارًا، وحتى غرف نومهم، ولذلك يلوذون بالصمت من أجل المزايا المادية والمعنوية التي يتمتعون بها على سائر طبقات المجتمع بكاملها.
لم يشهد المجتمع المصري انقسامًا وتفاوتًا في المستويات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية مثلما يشهده اليوم وأن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، والاضطهاد الممنهج لذوي الآراء المختلفة والمعارضين السياسيين، ما هي إلّا نتيجة لنهج سياسي لا يعرف سوى التمييز بين طرفين: إمَّا أن يكون المواطن "مع النظام" وإمَّا أن يكون "ضد النظام"، فيتم إلحاقه ضمن الاشتباه الشامل بالإرهاب. لذلك، من العبث الحديث في مصر عن شيء إسمه حقوق الإنسان، بل يجب البحث عن كيفية إنقاذ الإنسان من إرهاب وإجرام الدولة. الخطير في الأمر أن هذه السياسة عملت على تقسيم الشعب ونثر بذور الفرقة والعداء بين طبقاته الاجتماعية المختلفة ووضعت البلاد أمام مصير مظلم، فالمجتمعات التي تعيش فترة طويلة في ظل الاستبداد والقهر المتوارث، غالبا ما تنخرط في منظومة من أنماط السلوك الغريزي الذي يعتمد أساساً على خصائص الإنتهازية والإنتقام والوصولية وانسداد الأفق والانتماءات الضيقة وجلد الذات وتبخيسها، ويصبح النفاق والرياء والتزلف والتذلل والأنانية والفردية هي المعيار الأساسي للوصول إلى النجاح في هذه الأنظمة.
قد يحاجج أحد بأن السيسي وأبناءه يعملون ما في وسعهم لإحداث نهضة اقتصادية في البلاد من إخلال إنشاء شبكة الطرق السريعة، وبناء المساكن والقصور الرئسية والمدينة الإدارية والقضاء على العشوائيات … إلخ، ولكن عليه أن يعرف بأن كل ذلك يتم في ظلام دامس وبعيدًا عن أية رقابة، ولا يدري أحد مصادر تموينها، وكيفية سداد ما بها من ديون أثقلت كاهل المواطن!ً علاوة على أن الدول التي نهضت من كبوتها مثل اليابان وألمانيا وغيرهما بعد دمار الحرب العالمية الثانية اعتمدت في الأساس على المواطنين بصفتهم أهم عنصر في موارد الدولة، فلم تكمم أفواههم أو تزج بهم في السجون، ولم تعمل على شيطنتهم وغلق المجال العام والتفكير النقدي البناء في وجوههم.
لاشك في أن ما تمر به مصر حاليا يمثل أخطر عمليات تخريب في تاريخها الحديث، حيث إهدار الموارد والتدمير الممنهج لكل مجالات الحياة بواسطة مسؤولين لا يحترمون العلم او الفكر او التخصص، وبالتالي فقد بان فشلهم ذريعا في أداء واجباتهم التي أقسموا على أدائها عند تولي مناصبهم، فلم يقدموا أي خطط للتنميه الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل يجري بانتظام تجفيف منابع الفكر والعلم في البلاد، مع ارتكاب فظائع يحاكم عليها القانون المصري والدولي، حيث التعسف في معاملة أبناء الشعب وكأنهم أعداء، انتقاما من ثورة 25 يناير 2011 التي صعدتهم إلى السلطة، فضلا عن سوء اداره الاقتصاد واغراقه بالديون وسلب موارد البلاد بقرارات ادارية وتسليمها للجيش والمحظوظين مما أدى إلى تردي الأوضاع المعيشية للمواطنين وضياع حقوقهم الإنسانية.
هذا غيض من فيض، دخلت به مصر في أحلك عصورها سوادًا، بحيث لا يمكن إعادتها إلى الأوضاع السياسية والاجتماعية السليمة والمعمول بها في الدول المتحضرة دون تضحيات جسيمة وربما إراقة دماء لا حدود لها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نحو 1400 مستوطن يقتحمون المسجد الأقصى ويقومون بجولات في أروق


.. تزامنًا مع اقتحامات باحات المسجد الأقصى.. آلاف اليهود يؤدون




.. الجزائر | الأقلية الشيعية.. تحديات كثيرة يفرضها المجتمع


.. الأوقاف الإسلامية: 900 مستوطن ومتطرف اقتحموا المسجد الأقصى ف




.. الاحتلال يغلق المسجد الإبراهيمي في الخليل بالضفة الغربية