الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل يُصاب شعبٌ بمرضٍ نفسي جَمْعي؟

محمد عبد المجيد
صحفي/كاتب

(Mohammad Abdelmaguid)

2020 / 9 / 27
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


تتعرض شعوبٌ لضغوطاتٍ هائلةٍ لو أصابتْ جبالاً شاهقةً لتصدعتْ، وتهشَّمتْ، وتناثرتْ فوق الوديان!
تطول فترةُ احتلال خارجي، وتكبر أجــنّة وُلـِدَتْ في ظلال المدافع والدبابات والقتل والاغتيال ومطاردة المحتل للمواطنين، ونهب خيراتٍ، وتعذيب من يرفض الفوقيةَ الاستعمارية؛ وعندما يأخذ الاستعمارُ عصاه ويرحل، يكون قد تَرَكَ شعبــًا رغم بطولة أبنائــِه إلا أنَّ القسوةَ والانتقامَ وروحَ الثأرِ تكون قد طالتْ أكثرَ أفرادِ الشعبِ المُحَرَر، إلا القِلــّـة النادرة التي نجتْ بفضل مقاومة عقلية وعصبية وثقافية وعقائدية.
تمدّ فترةُ حُكْمِ ديكتاتور في توسعة مساحة الاضطهاد، فيصبح البلدُ في ظل حُكْم طاغية من أبنائه كأنه نسخةٌ مُصَغَّرَةٌ من معتقل جوانتانامو، وإذا زادتْ فترة حُكْم الديكتاتور المُذِل والمهُين عن عشرين أو ثلاثين عامــًا يظهر أحدُ أخطر أمراض العصر فيصبح الوشاةُ أكثرَ عددًا من المواطنين الطبيعيين، ويخاف المواطنُ من الحائطِ لئلا يُسرّب صوتــَه وآهاتــِه، ومن رجل الشرطة خشية أنْ تلتقي عيناه بعينيه فيتم القبضُ عليه، ويرتعش المواطنُ لدىَ سماعِ أيّ صوتٍ، وإذا أوقفه طفلٌ صغيرٌ في الشارع ذهب به الظنُ للوهلةِ الأولىَ أنه مطلوبٌ في أقرب قسم شرطة.
يحكُم جاهلٌ بلدًا فتلتف حوله النخبةُ والصفوة والمثقفون والأكاديميون، وإذا بَصَقَ فَسَّر إعلاميوه البصقةَ أنها ترمز لكراهيتــِه لأعداءِ وطنه، وأنها تعبيرٌ عن رؤيته للذين يريدون تدمير َإنجازاته.
وهنا يولد جيلٌ جديدٌ، أو يُجَدَّد جيلٌ قديمٌ لا يرىَ في الجهل عيبــًا، ولا في الأميــّة خطأً، ولا في الدروشة ثغرة واحدة.
رغم الخطأ في التعميم إلا أنه حقيقة واقعة مع استثناءات قليلة؛ فتستطيع أنْ تقول عن شعب أنه جبان أو غليظ الحِسّ، أو جافٌ في مفردات حواره، أو مازوخي النزعة، أو قابلٌ للاحتلال من قِبَل قوىَ أخرى، أو يحتقر ذكورُه إناثَه، أو مؤمنٌ بأنَّ سيدَ القصر هو خالقُ الكون، أو ذو نزعة زراعية أرضية تجعله لا يغامر بمغادره مسقط رأســـِه، أو شعب لا ينظر أبناؤه تحت أقدامِهم إنما يتوسلون للسماء أنْ تدلــّهم على الطريق، وشعب يأكل ويشرب وينام ويتزوج بفضل الأدعية الدينية ظنــًا منه أنَّ اللهَ يرسل إليه حلولاً جاهزةً أو يُنـــَـزل عليه مائدةً من السماءِ أو يُحيي الطيرَ أمامه ليتأكد أنه الحق.
التعميمُ الكاملُ والتام لأمراضٍ شعبيةٍ يحتمل الخطأَ، أما الاستثناءُ القليلُ فيُدخلك في دائرة وصفٍ شبه حقيقي لصفاتِ شعوبٍ لم تتحمل الضغوطاتِ الثقيلةَ فاحتاجتْ إلىَ فحصٍ طبــّيٍ نفسي وعصبي و.. عقلي جَمْعي!
عندما يدخل استعمارٌ بلدًا آمنــًا يبحث عن الكود الخاص بشعبه، أو ما أُطلق أنا عليه الأمراض النفسية والعصبية والعقلية والعقائدية لتسهيل مهامــِه الاحتلالية مع افتراضِ أنَّ الاستعمارَ نفسَه لم يَقُمْ بصناعتــِها.
هناك مرضُ الدونية اللسانية فيخرج المحْتل بعد عدة أجيال ويترك لسانــَه في حَلــق الشعب المستعْمَر ليعيد إنتاجَ العبودية والإذلال والانبهار من باب الثقافة والتعليم!
يمارس رجالُ الدين في بلدٍ ما صناعةَ المواطن الدرويش بعد تغذيتــِه بفضلات حكايات ماضوية مشحون فيها الدين والجنس والمرأة ورضا السماء مع جائزة مستحَقة يوم القيامة بمزيد من الجنس واللذة والمُتعة.
هذا المواطنُ المصاب بمرض الدروشة عجينة في أيدي الطغاة والمستَغـــِلين والنصّابين والمُحتالين فبمجرد ما توحي إليه أنَّ حديثــَك عنعنته أجيالٌ بعد أجيالٍ من سلفٍ مجهولين لا تعرفهم يمكن أنْ يرتكب كل الفواحش وتخاف على أطفالك منه لأنَّ الدروشة والضمير العقلي لا يجتمعان.
سؤالي مرة أخرى: هل يُصاب شعب ( مع تخفيف التعميم) بمرض عصبي ونفسي وعقلي وعقائدي؟
أجيب بــ(نعم) كبيرة فقد أتيحت لي الفرصة للاحتكاك بمعظم شعوب العالم وكنتُ أتنبأ، بيني وبين نفسي، بنوعية الحوار اللاحق مع شخص وفقا لحساباتي الخاصة عن طبائع الشعوب، وغالبا ما يكون استنتاجي صحيحـًا!
هناك صفات إذا زادتْ حَدّتــــُها تصبح أمراضــًا، وإذا خفّتْ تنضوي تحت طبائع الشعوب.
لم أشر إلى أسماء أفراد شعب بعينه في هذا المقال فالمنتفضون دفاعا عن أمراض شعوبهم أكثر من المتأملين صمتا لعل في كلامي بعض الحقيقة!

طائر الشمال
عضو اتحاد الصحفيين النرويجيين
أوسلو في 27 سبتمبر 2020








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السعودية.. شخص يطعم ناقته المال! • فرانس 24 / FRANCE 24


.. الادعاء الأمريكي يتهم ترامب بالانخراط في -مؤامرة إجرامية-




.. هذا ما قاله سكان مقابر رفح عن مقبرة خان يونس الجماعية وعن اس


.. ترامب يخالف تعليمات المحكمة وينتقد القضاء| #مراسلو_سكاي




.. آخر ابتكارات أوكرانيا ضد الجيش الروسي: شوكولا مفخخة