الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صناعة العنف والتطرف

رياض الدبس

2020 / 9 / 28
مواضيع وابحاث سياسية


البيئة المناسبة شرطٌ لازم لكي يتوالد التطرف وينتشر، وبالضرورة ليتوالد معه العنف والعنف المضاد وينتشر. هذا من جهة، ومن جهةٍ أخرى فإن التطرف يشترط أيضًا وجود من يغذيه باستمرار، لأن استمراره يلتقي مع مصالحه. ويتقلص التطرف _بل ينتهي_كلما ازداد وعي الناس بخطورته وشروره كمولد للعنف، وكلما تجسد هذا الوعي بإرادة حرة قادرة على انتاج الصيغة والسلوك الواقعي لمواجهة مخاطره. وتكاد تكون المؤسسات التربوية من أخطر مصانع التطرف، إذا ما تم توظيفها في هذا المجال. وبالمقابل تكون هذه المؤسسات نفسها من أهم المؤسسات التي تنقل المجتمع إلى الرفاه والتقدم والإنسانية إذا تم توظيفها لخدمة الإنسانية وبناء الفكر التعددي. وبالتأكيد ينطبق هذا الحكم على الكثير من المدارس الدينية، وأشكال التجمعات والتنظيمات الإيديولوجية المختلفة.
هذا التوظيف أو ذاك، صورةٌ للدور الذي تقوم به الدولة حسب فهمها لوظيفتها؛ فالدولة الوطنية الحديثة تظل الأقدر على تحقيق العدل والمساواة والحرية والسلام، نظرا لعموميتها وعدم انحيازها، فيما تصنع الدولة السلطانية الاستبدادية العنفَ وتعمل للاستئثار بالسلطة وبالثروة، وتنتهج التجهيل، وتغذي الجهل؛ فتكون بذلك بيئةً مولدة للتطرف وحاضنةً له. ومن يتابع نشاط المتطرفين وقياداتهم_بتسمياتهم المختلفة_ يجد انهم يتتلمذون في مؤسسات تنشر التطرف وتحتضنه. ومثل هذه المؤسسات تتواجد بكثرة في دولٍ موسومةٍ بالتطرف مثل افغانستان وباكستان ولبنان وإيران وسورية والسعودية والعراق. تبث هذه المؤسسات سمومها، وتنشر الرعب والخوف والقتل، من خلال علاقاتها المتجذرة مع الأنظمة الشمولية صانعة العنف والمستثمر الرئيس في صناعة التطرف، تبدو الحالة اكثر وضوحا في سورية ولبنان والعراق واليمن، حيث تقوم السلطات بالشراكة مع الأطراف الإقليمية والدولية في الاستثمار الممنهج في الدين والانقسام السني/الشيعي، والمظلوميات المتنوعة، والانتماءات العرقية والمذهبية، وحالة الجهل والتبعية، والتصحر الثقافي والسياسي.
بموجب هذا الاستثمار تصير أنظمة هذه البلدان أداة لتنفيذ اجندات لجهاتٍ متنوعة. غير آبهةٍ بالموت والتهجير والخطف والجوع والتنكيل والدمار الذي لحق بالبيوت والمصانع والمدارس والمشافي، وأصاب جميع بنى المجتمع الاقتصادية والسياسية والعلمية والثقافية بالتردي والدمار. ويؤدي هذا كله إلى تغيير سلوك قسم كبير من الجماعات التي تتأرجح بين الخوف والتطرف، بين الانكفاء واستخدام العنف، بين عصابات النهب ومجموعات الحقوق، وبين مجموعات مسلحة نظامية واخرى غير نظامية. الأمر الذي يضع القوى والمجموعات المناهضة للتطرف والعنف والاستبداد،امام متطلبات وجهود اضافية مركبة وعمل متعدد الجوانب ومساعٍ لتوحيد الجهود والمسار من جهة، والبحث عن سند حقيقي في ظل وضع دولي غابت فيه المعايير من جهة ثانية.
تبقى "الدولة" ودورها القضية المحورية في معادلة التطرف والعنف نظراً لامكاناتها وصلاحياتها وقدرتها على تفعيل دور السلطات والمؤسسات بما يعزز العدالة والحرية والمساواة أو باتجاه تعزيز المشترك بين السلطة وقوى التطرف والعنف، والسلطات تاريخيا شديدة الارتباط بالجلاد والكاهن، بوصفها توابع لتحولات السلطة من أجل فرض هيمنتها وتعزيزها في مواجهة قوى الحرية والتغيير الديمقراطي.
يمكن أن نقدم نموذجين لهذة العلاقة الأول هو "البلطجة" والثاني هو "التشبيح". "البلطجي "هو رجل كان يقوم بحماية السلطان العثماني وسلاحة البلطة، هذه البلطة أصبحت رفيقه في خدمته وخارجها، وأصبحت أداة إرهاب وقمع للعامة، وشكلت مجموعة العناصر هذه ظاهرة "البلطجية". اما التشبيح فيستخدم وسائل أكثر تطوراً في الاتصال والتخويف وحيازة السلاح خارج الاطار القانوني. ويعتدي على السكان تحت نظر السلطة. النموذجان كلاهما شديدا الارتباط بالسلطة. يتميز كلاهما_والثاني بشكلٍ أوضخ_ بتوقف مؤسسات الدولة عن أداء مهامها، أو يجري توقيفها وتبدأ الحاجات تلح على الجميع في ظل الفشل المستشري وحالة الانهيار المجتمعي في كل مناحي الحياة؛ فتظهر مع هذه الحالة حالة سلوكية شاذة وتتشكل تجمعات تعتمد العنف وتخترق العرف والقيم والقانون.
ثمةَ مجموعة من الظواهر تشكل مجتمعةً أساساً لتعميق وتفاقم أزمات الشعوب وخلق وسط مناسب للعنف والتطرف، منها_على سبيل المثال: الاستخدام المفرط للعنف من قبل بعض الدول ضد" شعوبها "، والتلويح بالقوة واستخدامها في صراعات المصالح بين هذه الدول، والتنافس الاقتصادي والتنافس على الثروة وامتلاكها، بالإضافة إلى تمركز رأس المال بيد القلة وانتشار البطالة والفقر، والازمات الاقتصادية المتكررة، وحروب الوكالة باستخدام الاتباع والمرتزقة، وانتشار الجوائح الصحية والكوارث الطبيعية، وبروز القادة الشعبويين والمستبدين والأنظمة الشمولية، إلى ما هنالك. وتعمل القيادات الشعبوية والعنصرية والدكتاتورية على تشكيل الوسط المناسب للعنف والتطرف واستمراره.
من جهةٍ أخرى يمكن أن نتوقف عند دور مجلس الأمن والمنظمة الدولية والهيئات التابعة لها، التي تذكرنا بإرهاصات مرحلة ما قبل الحرب العالمية الثانية وانهيار عصعبة الأمم، ما يدفعنا إلى الاستنتاج بأننا نشهد مؤشرات تبدلات واسعة وتغير شامل لا عودة فيه إلى الوراء.
ختامًا، البشر هم من يصنع التاريخ"، وهم من ينتجون وجودهم الاجتماعي. واحتدام التباين والصراع هو مولدُ التغيير، وهذه القراءة متفائلة على الرغم من آنها ليست آنية، وربما من الصعوبة تحديد إطارها الزمني، فهي تتبع للمتغيرات التي تحكم الجميع في الداخل والخارج، ولطبيعة الصراعات والتباينات بين جميع القوى بما فيها الدولية والإقليمية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عودة جزئية للعمل بمستشفى الأمل في غزة بعد اقتحامه وإتلاف محت


.. دول أوروبية تدرس شراء أسلحة من أسواق خارجية لدعم أوكرانيا




.. البنتاغون: لن نتردد في الدفاع عن إسرائيل وسنعمل على حماية قو


.. شهداء بينهم أطفال بقصف إسرائيلي استهدف نازحين شرق مدينة رفح




.. عقوبة على العقوبات.. إجراءات بجعبة أوروبا تنتظر إيران بعد ال