الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بعدَ المُخيّم..وعن هذه الأرض ! أين نذهب ؟

مصطفى حمدان
كاتب وشاعر

(Mustafa Hamdan)

2020 / 9 / 28
الادب والفن


إذهب إلى ذلك الحقل ولا تبتعد كثيراً،وخذ معك أولادُك وزوجتك وقليلاً مِن الزادِ ربما ليومٍ واحد ليس أكثر،وانتظر هناك في الحقل قليلاً ،ستعود عند المساء قبل أن تغيب الشمس ،ستعود لبيتك وستطهو زوجتك طعام العشاء على جمر الصباح الذي لم ينطفئ
وستُكمِل لأطفالك حكاية الغول الذي إنهزم أمام كثرة الأخوة.
إبقى في الحقل هناك ولا تبتعد،ستعود ربما قبل أن يحُل الظلام لِتُطعم حمارك وماعزك وطيور البيت وتُسقي النبات في شرفة البيت،هي ساعاتّ قليلة ليس أكثر ، سنطرد الغرباء مِن هنا لأنك بالفأس والعصا لن تسطيع ان تهزم البندقية والمسدس، نحن هنا مِن أجلك يا أخي ،مِن أجل البلاد ،لن ندع الغرباء يمرون من هنا ولن ندعهم يقتربون أكثر ،سنُرجِعهم إلى الميناء ونُرحلهم بالسفن التي جائوا بها ،هي ساعتّ ليس أكثر ،وانت ستعود لبيتك .
إذهب هناك خلف الحقل صوْب التلال،وخذ معك أمك وأبيك ومفتاح البيت وخذ زاد يومين ليس أكثر ،واختبئ بتلك المغارة في الجبل ، او خلف الأشجار اختبئوا ،ربما يومين أو أكثر ،وبعدها ستعود إلى بيتك وحقلك وستجلس في شُرفة الدار مع أهلك لتحكي لهم قصة نخوة الأخوة والأقرباء وكيف هُزِمَ الغرباء ،هي بضعة أيامٍ ليس أكثر إبقى خلف ذلك الجبل ولا تبتعد عن التلة المُطلة على بيتك وحقلك،إبقى هناك هادئاً ولا تنبه الغرباء بجودك،هو مُجرد هجوماً صغير للغرباء ،سنحاربهم وسنطردهم ، هي يومين ليس أكثر ، وتعود لبيتك لقريتك وحقلك ،لست وحيداً هناك خلف التلال ،أقربائك والناس من القرى المجاورة سيكونوا هناك مثلك ينتظرون،سنذهب للقرية والحقل وسنهزمهم ونأخذهم الى الميناء إلى السفن ،لن تستطيع محاربة هؤلاء الغرباء فهم يحملون عتاد وبنادق ،سنحارب البندقية بالندقية
والقنبلة بالقنبلة،سنكون أكثر عدداً منهم سنكون أقوى منهم ،سنهزمهم ونعيدهم للميناء،إنتظروا قليلاً ربما بضعة أيام أو أكثر ،وستعودون جميعاً لبيوتكم ،وقريباً ستجلسون في شرفات بيوتكم عند كل مساء تتحدثون عن نخوة الأخوة وفزعة الجيران،وكيف هرب الغرباء عن
باب القرية وانهزموا ولاذو بالفرار ،وتركوا خلفهم بنادقهم وملابسهم واتجهوا صوب الميناء .
هو أسبوعّ أو أكثر،خذوا معكم زاد شهرٍ واذهبوا الى شرق البلاد ،وابقوا هناك ربما أقل من الشهر أو أكثر ،الى نطرد الغرباء ومن ثم أن تعودو الى قراكم وحقولكم،فبنادقكم القديمة لن تفعل شيئ مقابل مدفع،نحن ما زلنا هنا ننتظر مزيداً من الرجال والعُدة ،هم وعدونا
بانه سيأتينا رجالاً من كل أنحاء البلاد ومعهم السلاح،سيأتينا قريباً سلاحاً أقوى من أسلحتهم ، هكذا وصلتنا الرسالة،وحينها ستبدأ المعركة الفاصلة ،سنحاربهم ونهزمهم وسنأخذهم إلى الميناء،إلى السفن،سيذهبون بيداً سيعودون إلى بلادهم ومن حيث أتوا.
وأنتم إصبروا ولا تيأسوا ،هو شهرّ أو شهرين وتعودو جميعا الى بيوتكم وحقولكم ،ستعودون الى بيادركم وأشجاركم ، ستعودون قريب،أما نحن سنحارب المدفع بالمدفع ،والرشاش بالرشاش ،ونهزمهم وسيخسرون الحرب ،سيذهبون الى السفن وسيختفوا خلف البحار .
إذهبوا خلف شرق البلاد ،وابقوا هناك وانتظروا ربما سنةً أو سنتين ،لقد أعدوا لكم خياماً تقيكم من البرد،لن تناموا بالعراء ،وسيعطوكم طعام كل يوم ، فقط إبقوا هناك قليلاً ليس أكثر ، وستعودو بعدها الى قراكم ومدنكم وبيوتكم.
هي الحرب،خذلونا وخُذلنا ،تأمروا علينا ،لم نكن نعلم،فالغرباء كانوا أكثر سلاحاً وعدد،ويساندهم الأقوياء والدول،لم نكن نعم ،هو قرار من مجلس الأمن والجمعية العمومية ليس أكثر ،لا تيأسوا ولا تحزنوا وابقوا شرق البلاد سنةً أو أكثر،وقريباً ستعودو الى بيوتكم وحقولكم
وقريباً ستجلسون ف شرفات بيوتكم ،وعند كل مسلء ستحكون قصص البطولة والفداء وكيف اجتمعت الأخوة للمعركة لتحطم حزمة الحطب ،الا ان المؤامرة كانت تنتظرنا هناك قبل المعركة .
إبقوا هناك ولا تبتعدوا ،إبقوا على مقربة من الأرض والحقل ، هي مجرد قرارات من الدول القوية ليس أكثر.
خذوا ما تبقى منكم حياً ،واحملوا شيوخكم مرضاكم وحقائبكم ،واذهبوا بعيداً عن هنا،اذهبوا الى البلاد المجاورة ،ولا تنسوا أن تأخذوا معكم مفاتيح بيوتكم،وصوركم وبعضّ من الذاكرة،وامضوا خلف النهر حول البلاد ،هي مجرد قرارات وتقسيمات جديدة وضعها الأقوياء
ولن تطول غيبتكم عن البلاد،هي عشرة أعوامٍ أو أكثر ،إبقوا هناك قليلا ربما يجيئ قراراً جديد ينصفكم ويساندكم،ربما نُصبحُ يوماً أقوى منهم ونحاربهم وننتصر ونطردهم من البلاد،سنمزق خارطة التقسيم والقرارات ، سنحارب وسننتصر.
إبقوا بعيداً عن هذه البلاد، ربما عشرون عاماً أو أكثر ،ولا تنسوا أن تأخذوا معكم مزيداً من الذكريات ،وأوراق تثبت ملكيتكم للبيت والحقل ،واحفظوا عنظهر قلب أسماء مدنكم وقراكم وشوارعكم،وقريباًعندما تتغر المعادلة لى الأرض ،ربما سنخوض حربٍ وننتصر
ربما يأتي قرارّ جديد أو معاهدة .
أما نحن ، لقد خُدِعنا وخذلنا الجميع،لم نسطع محاربة الغرباء ، فسلاحهم أقوى ويقف بجانبهم الأقوياء ،لقد خسرنا الحرب والأرض ، أما أنتم إذهبوا خلف البحار بعيداً عن هنا،وابقوا في المخيم بضع سنين ليس أكثر، ستعودون إلى بيوتكم إن بقيت ،الى حقولكم
إن بقيت ،وإلى البلاد إن بقيت ، ربما يتغير أسلوب الأقوياء ،ربما ييأس جنرالات الحروب ،ربما يُضاف قرار جديد من مجلس الأمن،ربما يمِلُ الغرباء وجودهم على هذه الأرض ومن ثم يرحلون ليبحثوا عن أرض السمن والعسل خلف البحار.
أما أنتم إبقوا في المخيم بعيداً عن تلك الأرض ربما خمسون عاماً أو أكثر ،لا تتوقفوا عنالحياة ولاتموتوا،إبقوا أحياءً في المخيم فهذا وطنّ مؤقت ،وانظروا صوب تلك الأرض ،ولا تحزنوا ولا تيأسوا ...ستعودون قريباً .
وعلى جدران المخيم ارسموا العلم وخارطة الوطن،كي لا تنسوا الشكل القديمللبلاد،واحكوا قصص الجداد ورحلة اللجوأ ، حدثوا احفادكم عن رحلة العذاب في منافيكم ،وانتظروا قليلا ، البندقية والصاروخ لن تهزم طيارة ،لا توقظوا مهوسوا الحروب برائحة دمكم
ولا تعبثوا بشئٍ هنا لألا تفقدوا مخيمكم ،فهذا ما تبقى لكم في هذه الحياة هو منحة الأمم الحزينة على لجوئكم،وعذابكم ،حافظوا عليه.
لا تبكوا ولا تحزنوا وإصبروا قليلاً ،هو مجلس الأمن ومجموعة قرارات ليس أكثر ،ودهرّ من الزمان ليس أكثر ،هو الإنتظار ليس أكثر،وإن إستطعت أن تخرج من المخيم ،لن تخرج إلا بقرار زعيم أو سلطان،وإلى اين يذهب اللاجئ بعد المخيم،هل تملك زاد يومٍ أو أكثر
هل تملك وثيقة سفر تعترف بإسمك ومن أين جئت وإلى أين ستذهب، وإلى أين ستذهب يا غريب إل أين، هل ستسمح أمواج البحر أن تقفز خلفها وتعبرها إلى شاطئ يستقبلك يا غريب،ومن سيدع قاربك الغير قانوني بأن يدخل حدوده الأقليمية،
وبأي ميناء سترسوا يا غريب ،وعندما تتيه في البحر ويلتقطك الصيادين أو خفر السواحل ،هل لك رقم وطني يُعرِف عن من انت ، هل ستعترف لهم أثناء التحقيق بأنك الجيل الخامس بعد النكبة يعيش في المخيم دون عنوان أو هوية،وان جدك وأبيك ولِدوا في بيت
من صفيح في المخيم ،إذهب بعيداً عنا فلقد سئمنا الحروب وأغاني الحزن والدموع،إذهب بعيداً عن تلك الأرض فهي ليست لك الآن ويسكنها غرباء توالدوا خمس أجيالٍ من بعدك،إذهب خلف البحار،لا تُقلق صفوتنا ،سلامنا،حياتنا ، وكُفَعن التذمر ، عن البكاء
إذهب بعيدا عنا وعن هاذا المخيم لنستطيع من بعدك أن نعقد صفقة سلام ،أن نعيش بدونك بسلام،أنت عبئ على واقعنا نرى سقوطنا في تضاريس وجهك، ومخيمك ما هو إلا تذكيرنا بوجودك ،إذهب بعيداً عنا ، ومت بعيداً عنا بسلام.
أين نذهب وذاكرتنا كُسِرت وتحطمت تحت أقدام الأخوة قبل الأعداء،أين نذهب إن فقدنا دليل الأثر وبوصلة الإتجاه ،وإن بقينا عُلِقت على أسوار كل مخيماتنا خسائر حروب كل العرب وسقوطهم ،وأين نذهب بعد أن هُدِم المخيم وصادروا وثائق السفر
وأين نبقى بعد أن أصبح سكان مخيمات اللجوء في أوطاننا أكثر من سكان العواصم والمدن.
وبعيداً عن المخيم ، وعن هذه الأرض ! هل يوجد حياة؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/


.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي




.. إيهاب فهمي: الفنان أشرف عبد الغفور رمز من رموز الفن المصري و


.. كل يوم - د. مدحت العدل يوجه رسالة لـ محمد رمضان.. أين أنت من




.. كل يوم - الناقد الرياضي عصام شلتوت لـ خالد أبو بكر: مجلس إدا