الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أبشع حرب جرثومية ضمن الأوبئة التي ضربت الأرض عبر التاريخ (دراسة مقارنة)

جميل النجار
كاتب وباحث وشاعر

(Gamil Alnaggar)

2020 / 9 / 28
ملف: وباء - فيروس كورونا (كوفيد-19) الاسباب والنتائج، الأبعاد والتداعيات المجتمعية في كافة المجالات


على مر التاريخ، كانت الأوبئة مسؤولة عن فقدان مئات الآلاف بل والملايين من الأرواح. والسبب وراء وفاة الكثيرين هو أنها عادة ما تكون أمراض معدية للغاية تصل إلى أعداد كبيرة من السكان في أوقات قصيرة للغاية. ويمكن أن تكون هذه الأمراض فيروسية أو بكتيرية. وقد كانت بعض الأوبئة كبيرة لدرجة أنها تركت تأثيرات دامت لأوقاتٍ طويلة على أحوال ومصائر الكثير من الأمم في تلك الأوقات.
ومع كل وباء كان المؤمنون والمشعوذون يخرجون حول الأرض رافعين شعارات التوبة؛ حيث يعتقد أغلبهم بأن الوباء هو عقاب من السماء للبشر على حياتهم الخاطئة؛ خاصة في ظل غياب المعلومات وتحييد العلم والعلماء؛ فمثَّل احتشادهم بدور العبادة للدعاء والابتهال؛ فرصاً أفضل لاتساع وانتشار العدوى.
وأجمل ما في الدراسات المقارنة أنها تعطي كل أمرٍ حقه وحجمه دون زيادة أو نقصان؛ ولمعرفة الحجم الحقيقي للوباء الحالي (كورونا) كان من الضروري مقارنته بالأوبئة السابقة التي ضربت الأرض على مر تاريخها، كما تساعد هذه المقارنة أيضا في تحديد موقعنا نحن البشر من هذه الجائحة. بادئين بأكبر وباءين شهدتهما الأرض، وأقصد بهما: طاعون "جستنيان"(541 - 750 م)، الوباء الذي أصاب الإمبراطورية الرومانية الشرقية أو البيزنطية، والطاعون الأسود (1346 – 1350 م).

أولا: طاعون "جستنيان"
ضرب طاعون جستنيان البشرية بين 541 و542 م. وقد كان مسؤولا عن حصد أكبر عدد من الأرواح التي فقدتها البشرية في وباء واحد عبر التاريخ. حيث أكدت التقديرات على نصف سكان العالم (100 مليون شخص) قد لقوا حتفهم خلال هذا الوباء، كان هذا الطاعون قادراً على الانتشار بسرعة لأنه تم حمله على ظهور القوارض، التي أصيبت براغيثها بالبكتيريا. ومع سفر هذه الفئران إلى جميع أنحاء العالم على متن السفن التجارية؛ ساهمت في انتشار العدوى من الصين إلى شمال أفريقيا وجميع أنحاء البحر المتوسط.
وكانت أبرز نتائج طاعون "جستنيان" أنه ساهم بشكلٍ كبير في إضعاف الإمبراطورية البيزنطية بعدة طرق منها: فقدان الجيش للسلطة؛ حيث لم يعد قادراً على صد المتسللين. وقد أدى مرض المزارعين؛ إلى انخفاض الإنتاج الزراعي – وفي ظل قاعدة زراعية أصغر-انخفضت الضرائب على الدخل.

ثانيا: الطاعون الأسود
أودى الطاعون الأسود بحياة 50 مليون شخص من عام 1346 إلى عام 1350. وبدأ تفشي المرض في آسيا، ومرة أخرى، تم نقله في جميع أنحاء العالم بواسطة الفئران المغطاة بالبراغيث المصابة. بعد وصولها إلى أوروبا، نشرت الموت والدمار؛ حيث فقدت قارة أوروبا 35 - 60 ٪ من سكانها بسبب الموت الأسود. بدأت أعراض هذا المرض بتورم الغدد الليمفاوية، إما في الفخذ أو الإبط أو الرقبة؛ وبعد 6 إلى 10 أيام من الإصابة والمرض، يموت 80٪ من المصابين. انتشر الفيروس عن طريق الدم والجزيئات المحمولة جوا.

السبب: قائد مسلم يشن حرباً جرثومية على مدينة بمنطقة القوقاز.
التفاصيل: في القرن الرابع عشر الميلادي ظهر وباء الطاعون Plague أو الطاعون الأسود Black Death بين جنود المغول على الحدود بين بورما ويونان وانتقل إلى آسيا الوسطى وأخيرا وصل إلى منطقة القوقاز في الوقت الذي كان يحاصر فيه خان القبيلة الذهبية "جانيبج Janibg " (مُسْلِمٌ من أصولٍ مغولية) مدينة كافا Cafa -فيوديسيا حاليا- (وهي مدينة ساحلية وميناء ومنتجع يقع في شبه جزيرة القرم على ساحل البحر الأسود بأوكرانيا)، في العام 1347م؛ ولما اسْتَعْصَتْ عليه المدينة؛ أمر بجلب الجُثث الموبوءة بالطاعون ووضعها في المنجنيق وقذف بها المدينة المحاصرة.
ومنها انتقل الطاعون على متن سفينة جُونويَّة إلى ميسينا Messina بصقلية، ومنها بالتبعية انتشر بسرعة البرق إلى أغلب موانئ شمال حوض البحر المتوسط وأصاب قارة أوروبا في مقتل؛ إذ حصد من الأرواح البريئة، في الفترة من 1348 – 1351 م فقط، 25 مليون شخصاً من إجمالي سكان بلغ نحو 80 مليونا، هم جملة سكان قارة أوروبا في تلك الفترة، أي ما يقرُب من ثلث سكان القارة، فضلا عن سوريا ومصر في أكبر مذبحة بيولوجية عبر التاريخ البشري كله.

وكانت أوضح نتائج هذا الطاعون تغييره لمسار التاريخ الأوروبي بالكامل. وقد أدى عدم معرفة وفهم أصل المرض في حينه؛ نتيجة لغياب المعلومات وفقر وتخلف وسائل الاتصال والمواصلات، أن اندفع السكان المسيحيين (المتدينين) بتهور وتعصب مقيتين إلى إلقاء اللوم على المجتمع اليهودي في تسميم آبار المياه؛ ونتيجة لهذا الاتهام الجهول، قتل الآلاف من اليهود.
كما شهد العالم نقصًا في الزراعة؛ فانتشر سوء التغذية والجوع. بعد انتهاء الموت الأسود، أدى الانخفاض في عدد السكان إلى زيادة الأجور وشيوع الأراضي الرخيصة. وما تعافت أوروبا إلا بعد استخدامها للمساحات المتاحة لتربية الحيوانات وزيادة استهلاك اللحوم في جميع أنحاء المنطقة.

ثالثا: فيروس نقص المناعة البشرية / الإيدز
بدأ وباء فيروس نقص المناعة البشرية / الإيدز في عام 1960 ويستمر حتى يومنا هذا، على الرغم من أن اللحظات الأكثر رعبا حدثت خلال الثمانينات عندما أصبح العالم على علم بوجودها. وقد تسبب هذا الفيروس حتى الآن في وفاة 39 مليون شخص. بحلول الثمانينيات، كان يعتقد أن فيروس نقص المناعة البشرية يصيب شخصًا في كل قارة.
كانت التهابات الرئة النادرة، والسرطانات التي تتقدم بسرعة، ونقص المناعة غير المبرر منتشرة بين الرجال المثليين، فوجهت إليهم أصابع الاتهام، ولكن بعد تحديد الحالات في أوروبا وأفريقيا في العام 1983، تم اكتشاف أن الانتقال حدث من خلال الأنشطة الجنسية بين الجنسين أيضًا. ولم يتوفر الدواء للعلاج حتى عام 1987. واليوم، يعيش حوالي 37 مليون شخص بفيروس نقص المناعة البشرية. هذا الفيروس عدواني بشكل خاص في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، حيث تم العثور على 68 ٪ على الأقل من جميع الإصابات العالمية بفيروس نقص المناعة البشرية / الإيدز. وأسباب ذلك كثيرة ولكنها تنبع من الظروف الاقتصادية السيئة وقلة الثقافة الجنسية أو انعدامها.

رابعا: أوبئة أخرى
الأوبئة الأخرى التي أسفرت عن العديد من الوفيات تشمل:

جائحة الكوليرا الخامسة، 1881-1896 (981899).
الإنفلونزا الروسية، 1889-1890 (1 مليون).
الطاعون الحديث، 1894-1903 (10 مليون).
أنفلونزا عام 1918 مع بداية الحرب العالمية (20 مليون حالة وفاة).
جائحة الكوليرا السادسة، 1899-1923 (1.5 مليون).
الإنفلونزا الآسيوية، 1957-1958 (2 مليون).
إنفلونزا هونغ كونغ، 1968-1969 (1 مليون).

التحليل والتقييم
بمقارنة الأرقام الواردة بالمقال بتلك التي وصل إليها الوباء الحالي، الذي حل بالأرض في مطلع بداية هذا العام، والمعروف علمياً باسم: كوفيد-19 (الكورونا)، الذي لم تتخطى أعداد ضحاياه المليون حتى الآن (26 سبتمبر 2020)، مع وصول العدوى إلى ذروتها في العديد من البلدان في موجته الأولى؛ وتشير احصاءاته مع دخوله بالموجة الثانية ونحن على أعتاب شتاءٍ يمكن أن يفاقم الأزمة.
ولكن حتى الآن يتضح بأنه، على وجه العموم، أقل خطراً من سابقيه؛ خاصة في ظل الأعداد التي تعافت منه من ناحية؛ ووعي صحي أوسع انتشارا؛ عكسته كافة الاجراءات الاحترازية والحجر الصحي حول العالم، من ناحية أخرى.

نظرة مستقبلية
تتمثل حكمة البشر في استفادتها من خبرات احتكاكاتها بالأزمات العالمية، وحسب ظني بأن الدروس المستفادة كثيرة وتتناسب مع حجم التحديات المستقبلية؛ بحيث ستنصب الاهتمامات – في أي وباء عالمي قادم - حول العديد من المهنيين في مجال الصحة العامة؛ نظرا لسهولة التنقل بسبب تسهيلات العولمة المطلقة على عالم اليوم.
فمن السهل تخيل مرض سريع الانتشار يمكن أن يقضي على ملايين السكان. واكتمال ادراكنا باحتمالية أن يأتي هذا الوباء من الحيوانات مرتفع للغاية. ويمدنا العلم بالمزيد من الاكتشافات حول مسببات الأمراض المعدية الجديدة كل يوم. وزيادة وعينا بأن المزارع الكبيرة؛ ستشكل أكبر خطر؛ بسبب الاتصال المستمر بين البشر والحيوانات؛ ما يزيد من احتمالية انتقال العدوى. وفي هذا الصدد يجب التنويه على ضرورة وأهمية أن تحتفظ الحكومات ومسؤولو الصحة العامة بشبكة بيانات عالمية قوية ويقظة لمنع انتشار الأمراض في المستقبل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السعودية.. شخص يطعم ناقته المال! • فرانس 24 / FRANCE 24


.. الادعاء الأمريكي يتهم ترامب بالانخراط في -مؤامرة إجرامية-




.. هذا ما قاله سكان مقابر رفح عن مقبرة خان يونس الجماعية وعن اس


.. ترامب يخالف تعليمات المحكمة وينتقد القضاء| #مراسلو_سكاي




.. آخر ابتكارات أوكرانيا ضد الجيش الروسي: شوكولا مفخخة