الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دواء الكُولُونَا! (2)

حمزة لمغاري
كاتب

(Hamza Lamrhari)

2020 / 9 / 28
الادب والفن


تمكَّن حَمَــاقَةُ بفضل الفطنة التي أنعم بها عليه المولى، أن يصنع لنفسه كمامة داخل المنزل، فقد مزَّق ثوب جورب يميني،  كان منبوذا في صندوق قديم، ثم خاطه مع خيط مرن، ثم أسرع يُجرب صنيعته أمام المرآة، فقد شعر حَمَــاقَة حينئذٍ بالفخر والاعتزاز، لما لا، وقد صنع لنفسه كمامة واقية من الفيروس القاتل بجورب قديم! فسار به الافتخار بالنفس إلى أن ارتدى وزرة بيضاء، ثم عاد ينظر نفسه في المرآة من جديد، فتضخمت أناه وٱمتزجت بجنونه، فأثمرت حسبان نفسه طبيبا فذ البصيرة، قوي الذكاء، يحمل على عاتقه مسؤولية إنقاذ البشرية جمعاء من الجائحة.

عزم حَمَــاقَة على إيجاد الدواء للداء، حيث بدأ يفكر في صنيعةٍ كالكمامة التي ٱفتعلها، وسرعان ما سار به التفكير على نحو دقائق معدودات، إلى أن ٱستذكر وَصِيَّة والدته، فقد وصّته قبل وفاتها على شرب الحليب المُحلَّى بالعسل الحر عند ٱشتداد المرض عليه،  وبأنها تركت له في بيت الخزين سطلا عسلا يعود إليه عند المرض، ٱستبشر وجه حَمَــاقَة، فجنح إلى بيت الخزين، فوجد السطل مملوءً إلى آخره.

شرع حَمَــاقَة في إعداد طقوس الدواء، فأتى بماعون كبير الحجم، الذي سكب فيه سطل العسل الحر، ثم أتبعه الحليب إلى أن حضّر المشروب المُحلى، ما زاد إعجابه هو تذوقه للمشروب وٱستحسانه إياه، فبدأ يسكبه في قنينات صغيرة الحجم إلى أن ملأها كلها، ثم تبسَّم ناطقا:"ها أنت ذا في القنينات، يا دواء كولـونا، سيتخاطفك الناس غدا".

أشرقت شمس يوم السوق الأسبوعي، تفتّحت عينا حَمَــاقَة، فأدار وجهه لسقف الغرفة قائلا:"اليوم هو المنشوذ"، ثم قفز من سريره، فٱرتدى وِزرته البيضاء، كمامته الواقية وٱنتعل حذاءه البلاستيكي، ثم عرج إلى المطبخ يُحمّل صندوقا، كان قد حمّله قنينات دواء كولـونا! ثم شقّ طريقه إلى السوق، خطوة بعد الأخرى، إلى أن وصل إليه، فحَطّ صندوقه واضعا فوقه القنينات الصغيرة، فجهر صاخبا:"أيـها النـاس، كولـونا، كولـونا، كولـونا، داء قاتل يتربص أرواحكم، وليس لكم والله إلا واحدة من هذه القنينات، وٱعلموا أيـها النـاس أنكم إليها لمحتاجون، وإني طالب فيها ما تشاؤون من الدريهمات، فٱدفعوا عن أنفسكم هذه الحاجة، وٱنقذوا أنفسكم من الكولـونا قبل فوات الأوان، وإني قد شُفيـت من الكولـونا بفضل هذا الدواء..." قبل أن يكمل خطابه ٱنحشرت جموع الناس حوله، وٱشتد الزحام في طلب القنينات، فبدأت الدراهم تتدفق على حَمَــاقَة من حيث لا يحتسب، وفجأة إفرنقع الجمهور فاسحا الطريق للشرطة، التي تلقت ٱتصالا من طرف أحد البائعين في السوق الأسبوعي، فألقى الشرطيون القبض على حَمَــاقَة بوزرته البيضاء وكمامته الواقية، ليصطحبوه إلى المخفر.

هنالِك، نفى حَمَــاقَة أتهم المنسوبة إليه، حيث أكد على نجاعة الدواء الذي صنعه في التداوي من الكولـونا، وليس له أي علاقة بالشيء المسمى كورونا، إلا أن الشرطيين أثبتوا أتهم المنسوب إليه، فضمّنوها في محضر، ثم أرسلوها إلى المحكمة لتلقى العدالة مجراها، وقد تم الحكم على حَمَــاقَة بولوج مصحة الأمراض العقلية من جديد، والخضوع للفحوصات السريرية المتخذة في حقه.

فكونوا كحَمَــاقَة العاقل في رهبته من الفيروس، ولا تكونوا كحَمَــاقَة الأهبل في ٱفتراء المجون.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وداعا صلاح السعدنى.. الفنانون فى صدمه وابنه يتلقى العزاء على


.. انهيار ودموع أحمد السعدني ومنى زكى ووفاء عامر فى جنازة الفنا




.. فوق السلطة 385 – ردّ إيران مسرحية أم بداية حرب؟


.. وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز




.. لحظة تشييع جنازة الفنان صلاح السعدني بحضور نجوم الفن