الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الخزينة العراقية والبئر الاظلم والحنديري وعرش الضلالة

كرار حيدر الموسوي
باحث واكاديمي

(Karrar Haider Al Mosawi)

2020 / 9 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


حكمة لأفلاطون قرأتها بتمعن فأعجبتني حقا
تقول الحكاية: بعد أن انتهى الجزار من سنِّ سكينه وتجهيز كلاليبه، دخل الى وسط الزريبة، فأدركت الخرفان بحسِّها الفطري أن الموت قادم لا محالة ووقع الاختيار على أحد الخراف، وأمسك الجزار بقرنيه يسحبه إلى خارج الزريبة ولكن ذلك الكبش كان فتياً وذا بنية قوية فتجاهل الوصية رقم واحد من دستور القطيع (وهي بالمناسبة الوصية الوحيدة في ذلك الدستور,
والتي تقول: حينما يقع عليك اختيار الجزار فلا تقاوم فهذا لن ينفعك بل سيغضب منك الجزار وتعرِّض حياتك وحياة أفراد القطيع للخطر
قال هذا الكبش في نفسه: هذه وصية باطلة ودستور غبي فإذا كانت مقاومتي لن تنفعني في هذا الموقف، فلا أعتقد أنها ستضرّني .
وانتفض ذلك الكبش وفاجأ الجزار واستطاع أن يهرب من بين يديه ليدخل في وسط القطيع فنجح في الإفلات من الموت الذي كان ينتظره، ولم يكترث الجزار بما حدث كثيراً فالزريبة مكتظة بالخراف ..
فأمسك الجزار بخروف آخر وجرَّه من رجليه وخرج به من الزريبة وكان الخروف الأخير مسالماً مستسلماً .
ولم يُبْدِ أية مقاومة إلا صوتاً خافتا"
يودِّع فيه بقية القطيع.
وهكذا بقيت الخراف في الزريبة تنتظر الموت واحداً بعد الآخر.
بينما كان الكبش الشاب يفكر في طريقة للخروج من زريبة الموت وإخراج بقية القطيع معه. وكانت الخراف تنظر إلى الخروف الشاب وهو ينطح سياج الزريبة الخشبي مندهشة من جرأته وتهوُّره ولم يكن ذلك الحاجز الخشبي قوياً؛ فقد كان الجزار يعلم أن خرافه أجبن ه.
من أن تحاول الهرب، ونجح الكبش بكسر الحاجز ونادى الرفاق ليهربوا ولكنهم كانوا جميعاً يشتمونه ويلعنونه ويرتعدون خوفاً من أن يكتشف الجزار ما حدث.
واجتمعوا وتحدث أفراد القطيع مع بعضهم في شأن ما اقترحه عليهم ذلك الكبش من الخروج من الزريبة والنجاة بأنفسهم من سكين الجزار..
وجاء القرار النهائي بالإجماع مخيباً وليس مفاجئاً للكبش الشجاع، وفي صباح اليوم التالي جاء الجزار إلى الزريبة ليكمل عمله؛ فكانت المفاجأة أن سياج الزريبة مكسور
ولكن القطيع موجود داخل الزريبة ولم يهرب منه أحد .
ثم كانت المفاجأة الثانية حينما رأى في وسط الزريبة خروفاً ميتا وكان جسده مثخناً بالجراح وكأنه تعرض للنطح ً..
نظرت الخراف بالاعتزاز والفخر بما فعلته مع ذلك الخروف (الإرهابي) الذي حاول أن يفسد علاقة الجزار بالقطيع ويُعرِّض حياتهم للخطر وكانت سعادة الجزار أكبر من أن توصف..
حتى إنه صار يحدث القطيع بكلمات الإعجاب والثناء أيها القطيع.. كم أفتخر بكم وكم يزيد احترامي لكم في كل مرة أتعامل معكم :
أيتها الخراف الجميلة.. لدي خبر سعيدسيسركم جميعا وذلك تقديراً مني لتعاونكم المنقطع النظير. أنا وبداية من هذا الصباح لن أُقْدِم على سحب أي واحد منكم إلى المسلخ بالقوة كما كنت أفعل من قبل
فقد اكتشفتُ أنني كنت قاسياً عليكم، وأن ذلك يجرح كرامتكم كل ما عليكم أن تفعلونه يا خرافي الأعزاء أن تنظروا إلى تلك السكين المعلقة على باب المسلخ
فإذا لم تروها معلقة فهذا يعني أنني أنتظركم داخل المسلخ..
فليأت كل واحد منكم بعد الآخر.. وتجنبوا التزاحم.
وفي الختام لا أنسى أن أشيد بدستوركم العظيم:
لا.. للمقاومة!
هل ادركت الحكمة لو أمطرت السماء حرية لرأيت بعض العبيد يحملون المظلات .......................................................................؟ أفلاطون
غريب جدا هذا الذي يسمى " سياسة " بل انه من اغرب المجالات عملا , فهذا المجال الذي لا تجد له أي ثابت من ثوابت الانسانية الاخلاقية . فهو مجال الكذب وامتصاص تعب وكد البسطاء , بل موسم مسرحي يعرض فيه كل سياسي ماكر تعود على الاذى للبشر منذ الايام الخوالي .. ومن منا لا يعرفها ؟؟؟!!
المصلحة الشخصية هي التي تقودنا جميعا الى مسارات السياسة والتي في الاصل رسمها لنا اولئك السياسيين الحزبيين وغير الحزبيين , لأننا في الاصل لم نكن لنعرفها لو استمرت على العطاء والتطوع , فغيرنا قطف منها ثمارا وارتفعت لهم اسماء في الوقت التي كانت لا تذكر اسماءهم الا في سجلات المغربين .
لذلك لست ممن يؤمن بالعمل السياسي دون المصلحة الشخصية فهذا اساس التعامل في الاصل بين السياسيين وبين جنودهم . لذلك ترى اليوم من الجنود من يعمل كالعبيد من اجل رضى بعض السياسيين , بل الاغرب من ذلك وفي بعض الاحيان تجدهم من الاشاوس لهذا السياسي او ذاك !! ولهم الحق في ذلك اذا كان هذا السياسي قد قدم لهم المصلحة الشخصية الامنية على مستوى الاخوة او الاقارب .
لكن حري بهؤلاء الجنود ان يعرفوا طبائع ذلك السياسي ومكائده وغدره , فهناك من السياسيين من تصل بهم درجة الغدر والمكيدة الى ابعد من قرارات مؤتمر بازل وهذا بعد ان ينالوا مرادهم وهدفهم . ان الوجه الحقيقي لهؤلاء السياسيين يبدا بالتكشف والوضوح وخاصة انهم اصبحوا اصحاب نفوذ وقوة . فكيف لهذا الجندي المسكين صاحب المصلحة الشخصية الخصوصية البسيطة ان يتعالى ويتكلم .
هذه هي حقيقة العمل السياسي بين اللسان المعسول والواقع الفاسد . لكن يبقى الجندي البسيط صاحب المصلحة البسيطة وهي من حقه رهن الاقطاعيين من السياسيين . لكن الايام دول نداولها بين الناس يوم لك ويوم عليك ستدور الدائرة ويأتي اليوم الذي ياخذ الجندي البسيط حقه من حفنة السياسيين الاقطاعيين . ليس بالضرورة اليوم وليس في الغد وكما قال المثل الالماني " لكل بداية نهاية ولكل طلعة نزلة " الا ان ياتي هذا اليوم لان هناك رب يرى ويعلم ما يقوم به الاقطاعيين مصاصي دماء وعرق البسطاء . هم اليوم وسيبقون يغنمون بنشوة الانتصار على جثث البسطاء لكن بكل نشوة سيتالمون يوما لانه الظلم ... والظلم ظلمات يوم القيامة . هذا رايي الشخصي في العمل السياسي من حقل تجاربي , قد اصيب وقد اخطا لكن ما بقي منه الواقع الاليم الذي تركه هذا المجال . لذلك صدق من قال " لا ثوابت في السياسة " بل صدق من قال " السياسة صفحة بيضاء ... قلت السياسة لعبة ودهاء "
لقد اعجبني مقالا حقيقة الاخلاص في السياسة والعمل السياسي وكيف يستطيع السياسي ان يتقلب ويتلون من اجل كسب الاصوات . بل انه يستطيع ان يذم نفسه امامك ويتوسل اليك طالبا دعمه . هذا النوع من السياسيين قد يضحي بأقل ما يملك ان كان يملك شيئا .
لكن حقيقة نعيشها وليس من نسيج الخيال , وكل واحدا منا عمل في السياسة وخدم السياسيين يستطيع ان يلمس هذه الصفات فيهم . لان هناك نوع من السياسيين لا يقبل ان تخدمه قبل ان يعرض عليك خدمته , فهو يعيشك بأوهام المساعدة والعطاء من اجل ان تُخلص له وتعطية بكل اخلاص وهو خالي من الاخلاص .. وكيف لا وهو يقدم لك ابتسامته الثعلبية الذي تعود عليها دائما امام كل زبائنه . حتى اصبح اليوم مشهورا بهذه الصفة اذا تحدثت مع البعض من ضحاياه قالوا لك تتحدث عن السُياسي ابو الابتسامة الثعلبية
قد يضحي الفرد الوطني الحزبي ، ببعض مصالح الوطن ، في سبيل مصلحة حزبية
- قد يضحي الحزبي ، بمصلحة حزبية ، في سبيل مصلحة شخصية ، أو أسَرية !
- قد يضحي الفرد الحزبي ، المنتمي إلى طائفة معيّنة ، بمصلحة حزبه ، في سبيل مصلحة طائفته !
- قد يضحي صاحب المعتقد الديني ، ببعض الأمور التي تخدم عقيدته ، حرصاً على مكسب معيّن ـ مادي . أو معنوي ـ له أو لأسرته !
- قد يضحي السياسي الجالس على كرسي ، بمصالح وطنه ، خدمة للكرسي الذي يجلس عليه !
- قد يضحي سياسي ، طامح إلى كرسي ، بجزء من تراب وطنه ، أو قرار وطنه .. في سبيل الحصول على الكرسي الذي يحلم به !
- قد يضحي صاحب الفكرة ، بأخلاقه الشخصية ، من صدق وأمانة وتواضع .. في سبيل الانتصار لفكرته ، بالحقّ ، أوبالبا!
- قد يضحي صاحب الهوى المسيطر، بأشياء كثيرة ممّا ذكِر، انتصاراً لهواه ، سواء أكان هذا الهوى ، نوعاً من الحسد ، أو الكره ، أو حبّ الظهور، أو الإعجاب بالنفس ..!
* واضح من الأمثلة المذكورة ، أن الإخلاص للأمور المضحّى بها ، ليس منعدماً تماماً ، بل جاء في درجة متأخرة ، بعد الأمور المضحى لها !
* ممّا لايغيب عن الذهن ، أن سلّم القيَم ، الذي يلتزم به الفرد ، له تأثير كبير، في صناعة دوافع التضحية ، والمفاضلة بينها !
- فالمؤمن الصادق ، بعقيدة دينية ، يضحي بكل شيء في سبيلها ، من منصب ومال ، ونفس وولد !
- والمنلهف على كرسي زعامة ، يضحي في سبيله بكل شيء !
- والنرجسي ، المبتلى بعشق الذات وتقديسها ، يضحي بكل شيء ، في سبيل إبرازها ، وتعظيم شأنها .. بالحقّ والباطل ، والخطأ والصواب ! لأنه لايرى العالم إلاّ من خلالها !
لذلك يعمل السياسي على الحرص على إنجاح العمل ، حتى لو كان في أصله فاسداً، أو شابته شوائب ، من خيانة ، أو غدر، أو مكر سيّء ! كمن يرتكب خيانة وطنية ، في سبيل مصلحة شخصية ! ( وهذه الخيانة ، لا تنفي عن العمل صفة الإخلاص ، لكنها تنقل الإخلاص ، من دائرته الصحيحة ، إلى الدائرة الفاسدة .. أي : من دائرة الإخلاص للوطن ، في الزاوية التي اؤتمِن عليها الفرد ، إلى دائرة الإخلاص للنفس ، على حساب الوطن .. وهي دائرة الخيانة ، التي تدفع إليها الأنانية ـ أيْ : حبّ الأنا .. أو حبّ الذات ـ ! ومثل هذه ، خيانة الحزبي لحزبه ، خدمةً لنفسه ، أو لأسرته ، كتسريب أسرار الحزب ، التي اؤتمن عليها الفرد ، إلى جهات في الأسرة تستغلّ الحزب أو تعاديه . وتقاس على هذه وتلك ، أنواع كثيرة ، من الخيانات الأخرى
يُقال مَنْ ولد من رحم فاسد فيقيناً هو فاسد نتيجة متوقعة إلى حد ما ، فكل ما يجري على العراق من أحداث مزرية و تقلبات سياسية من صراعات على المناصب و سباق على سرقات المال العام يقابلها تجاذبات على تقاسم الكعكة تتبعها اتفاقيات سرية تُعقد خلف الكواليس وهذا كله من جهة ، ومن جهة أخرى نجد الإهمال الحكومي للمشاريع الخدمية و غياب الخطط و المشاريع الاستيراتيجية و انعدام الأمن و الأمان و انتشار الجرائم المنظمة و التردي الكبير في مختلف الوزارات الحكومية بل و انعدام خدماتها أو عدم استجابتها لنداءات المواطنين خاصة تلك التي ترتبط بحياتهم مباشرة أو التي تدخل ضمن إطار عمله اليومي فضلاً عن دخول العراق في عدة اتفاقيات خارجية كالدول المقرضة له أو الشركات التي تعمل في البلاد لاستخراج النفط وما ارتكبه سياسيه الفاسدين أمثال جولات التراخيص للشركات النفطية وزير النفط حسين الشهرستاني السابق ، و عبد الفلاح السوداني وزير التجارة السابق ، و وزير الكهرباء الحالي ، و قيامهم بوضع مقدرات العراق تحت هيمنة ، و تصرف تلك الشركات الفاسدة بواردات البلاد ، وعلى ا مدى البعيد بسبب الاتفاقيات ، و البروتوكولات التي عقدها هؤلاء الوزراء الفاسدين مع هذه الشركات من جهة أخرى ، و مع هذه الأوضاع التي تهدد أمن ، و خيرات ، و مقدرات العراق هنا نسأل يا ترى أين السيستاني منها ؟ هل هو في سبات عميق ؟ هل هو في غيبوبة طويلة الأمد ؟ هل هو أعمى أو أطرش فلا يسمع ، ولا يرى ماذا يجري على العراق ، و العراقيين ؟ و الحقيقة هذه الاستفهامات ليست لها شيء من الصحة بل أن السيستاني يعلم بتلك المصائب ، و المآسي كي يضمن بقاء عرشه ، و سلطانه ، و واجهاته المزيفة ، و كذلك لبقاء مرجعيته تتنعم بأموال الفقراء ،و اليتامى ،و النازحين ،و المهاجرين ، و هدرها على دنياه الزائلة ، فمع هذا الفساد الذي فيه عميل نظام الملالي و ولاية الفقيه فهل نتوقع منه أن يفتي ضد الفاسدين ؟ فإذا كنا نتوسم الخير و الصلاح و الإصلاح فيه نكون حقاً حينها كالذي يرتجي الخير من الحجارة الصماء ، و إن كنا ننتظر منه القضاء على الفساد ، و اجتثاث الفاسدين نكون عندها كالعطشان الذي يلهث خلف السراب ، فمَنْ يُولد من رحم فاسد فهل نتوقع منه الخير و الصلاح و الإصلاح ؟ فالطبقة السياسية برمتها فاسدة وكما كشف عنها العديد من هؤلاء المرتزقة الفاسدين و لأكثر من مرة أنهم هم أصل البلاء ، و الفساد ، الذين جاءوا لسدة الحكم بفضل ، و دعم السيستاني ولهذا نراهم يمجدون به ، و يدينون له بالفضل الكبير ، فيقدمون له فروض الطاعة ، و الولاء فلا ريب أن نرى السياسي الفاسد لا يُولد إلا من رحم فاسد خلاصة الكلام السيستاني هو مَنْ افرز لنا الحكومات الفاسدة مفسدة بعد سقوط بغداد عام 2003 .
الفساد السياسي: مصطلح شغل دول العالم، حكومات وشعوب، غنيها وفقيرها، لكونه آفة فتاكة، تسري مسرى النار في الهشيم.. وتأكل كل شيء تطاله..
ولخطورة الفساد بمختلف ظواهره، فقد وردت في القرآن الكريم.. في مواضع عديدة لتوصف وتحذر من هذا الفعل الشنيع المدان، وتتوعد فاعليه بأخزى مصير، ومنها:[]
وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ [البقرة : 205]
فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مَا أُتْرِفُواْ فِيهِ وَكَانُواْ مُجْرِمِينَ [هود : 116]
ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الروم : 41]
وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ [غافر : 26]
أما مصطلح الفساد السياسي Political Corruption فهو يعني (أي انحراف في السلطة أو المنظمات السياسية أو أي حماية غير قانونية تقوم بها بعض مؤسسات السلطة السياسية للمؤسسات الاجتماعية الأخرى، ومن أهم أشكال الفساد الرشوة والمحسوبية والتزوير في الانتخابات، وغير ذلك)[]
واما الفساد الحكومي public squalor فيمكن تعريفه بأنه (الفساد والمخالفات والقضايا التي تظهر في الإدارات الحكومية مثل الرشوة والمحسوبية وتعطيل العمل والأتاوات وغيرها.)[]
إن مظاهر الفساد ومستوياته في العراق ما قبل الاحتلال الأميركي عام 2003، كانت قريبة من حال الكثير من دول العالم الثالث، وهي مظاهر برزت مع الحروب والحصار الذي فرض على العراق. إلا أن العراق لم يكن يشغل تلك المكانة السيئة التي أخذ يعرف بها بعد عام 2003، لاسيما بعدما انسحبت القوات الأميركية رسميا منه، إذ(يحتل العراق في كل عام، المواقع المتقدمة في قائمة «منظمة الشفافية الدولية»، للدول الأكثر فسادا في العالم، وذلك نتيجة تفشي ظاهرة الفساد المالي ونهب المال العام في تشكيلات الدولة، مما أوصل البلاد إلى حافة الافلاس ووصلت ديونه إلى 125 مليار دولار، رغم الأموال الطائلة التي حصل عليها من تصدير النفط في فترة ما بعد 2003.)[]
وأسهمت أطراف عديدة محلية وإقليمية ودولية في إنتاج مشهد الفساد بعد عام 2003، فلم يعد الامر في العراق مجرد فساد أفراد، بل شهد تحولا نوعيا ليخترق بنية الدولة عموديا وأفقيا .. وأخذ هذا المشهد يعيد نفسه بمنهجية متكررة ومتطورة في أساليبها ووسائل عملها. ولا جدال في أن الاحتلالين الأميركي والإيراني كان السبب الرئيس في انتشار الفساد وتمكين الفاسدين من السيطرة على مواقع السلطة السياسية والاقتصادية والتجارية.. الخ ، وجاءت المحاصصات الحزبية والطائفية والتعيينات العشوائية، التي قدمت الانتماء القومي والطائفي والحزبي على حساب الكفاءة والنزاهة، لتفسح المجال أمام الكثير من الفاسدين لتبوأ مناصب ومسؤوليات عليا في الدولة، رغم أنهم لا يمتلكون أية مؤهلات شخصية أو علمية تتناسب مع تلك المواقع. وجاء هؤلاء الفاسدين هذه المرة ليس بكونهم أفرادا، بل بكونهم جزءا من بنية المحاصصة الحزبية المتطلعة لتقاسم الغنائم والمكاسب.
ومن عجائب الأمور التي تشير إلى سعة انتشار الفساد تلك التحولات في المزاج المجتمعي، إذ أننا (اعتدنا على تصريحات متماثلة لكافة المسؤولين في الدولة العراقية ، فالجميع يلقي باللائمة على الجميع والجميع ينعت الجميع بالفساد ، أو يحمل البعض البعض الآخر مسؤولية الفساد ؛ مبرئا شخصيته وذمته مما يجري ، ومن خلف الجميع تروج وسائل إعلام الجميع لهذا المنطوق، وتتباكى على المواطن وتذرف دموع التماسيح ، مثلما يتحسر ويشفق كافة المسؤولين على المواطن، وينعتونه بالمظلوم والمهدورة حقوقه.)[]
ولعل من أخطر الظواهر المرتبطة بالفساد تلك التبدلات في المنظومة القيمية وخاصة في نظرتها للفساد والمفسدين، ومن المحزن أن اطلاق تهم الفساد لم تعد تثير احساس الخجل والحياء لدى الكثيرين من المنغمسين فيه، ومن الأمثلة الأخيرة على ذلك، أنه (… لم يكن محرجا لأحد ان يتم «طرد وزير التجارة» من منصبه بعد دعاوى فساد ضده، بل ما زالت كتلته السياسية حريصة على التأكيد أن وزارة التجارة من حصتها! كما لم يكن محرجا لاحد أن الوزير الثاني، الذي أقصي من منصبه الوزاري في إطار التقليص الوزاري عام 2015 لكنه عاد إلى منصبه السابق، قبل الانتخابات، محافظا لصلاح الدين، حكم عليه مؤخرا بالسجن ثلاث سنوات بتهم تتعلق بالفساد!)[]
ولعل ما شهدته محافظة البصرة من هروب محافظها القيادي في المجلس الأعلى الإسلامي، ماجد النصراوي، إلى إيران، رغم وجود قرار بمنعه من السفر لتورطه بالعديد من ملفات الفساد، إحدى أقرب مظاهر الفساد. وتعيد قضية هروب النصراوي إلى الأذهان تورط بعض الأحزاب بالتستر على وزراء ومسؤولين فيها ثبت تورطهم بالفساد، بل وتسهيل تهريبهم خارج العراق لحمايتهم من الملاحقة القضائية، منهم وزير التجارة الأسبق القيادي في حزب الدعوة، عبد الفلاح السوداني، ووزير الكهرباء الأسبق ايهم السامرائي وآخرين.
إن تلك المعطيات توضح أن الحصول على المال كهدف أصبح يحظى بأولوية بغض النظر عن وسائل الوصول إليه.. وهنا يواجه كيان العراق الخيار الأخطر وهو أن ينظم المجتمع حركته منسجما مع إملاءات فساد الدولة. وهذا يعني الدمار الشامل للدولة والمجتمع وضياع حتمي للمستقبل.
بالرغم من تنوع مظاهر الفساد السياسي في العراق (الحكومي وغير الحكومي)، إلا إن هناك عناوين رئيسة يمكن من خلالها تصنيف معظم ممارسات الفساد، منها الاستحواذ على الأموال الطائلة التي مولت الأحزاب المشاركة في الحكم، والاعتداء العلني والممنهج على الأموال العامة، لاسيما الأملاك التي يفترض أن تؤول ملكيتها إلى الدولة، واعتماد الروابط القرابية والحزبية، والمذهبية، والجهوية، والإثنية، في التعيينات في وظائف الدولة. وفيما بعد طفا على السطح وضمن خانة (المال السياسي)، وظهر بصورة جلية عبر تحوله إلى أداة بيد الفاعل السياسي الشيعي لضمان الخضوع أو اللاموقف السياسي مقابل السكوت عن فسادها وخاصة تجاه بعض الوجاهات السنية!
إن أصل مشروع الاحتلال (الفوضى الخلاقة) يقوم على شرعنة الفساد. وفي سبيل انفاذ ذلك المشروع (لم تلتزم سلطة الاحتلال الأميركي بالقوانين الدولية التي تنظم وضع الدول المحتلة، وبالأخـص على مستـوى الحفاظ على القوانين والممتلكات العامة، لا لشيء إلا لأن الحرب التي شنتها الولايات المتحدة قامت على أسس كاذبة لا يقرها القانون الدولي. بدا واضحا أن الموضوع لا يهدف إلى استبدال نظام بنظام، بل استبدال عراق بعراق آخر. بحيث يبدو العراق الذي ستنتجه الماكنة الأميركية في ما بعد عراقا غريبا عن نفسه. وهو ما حدث فعلا. لقد تمت إزالة كل الثوابت، ولم يعد العراق قادرا على إدامة زخم مقومات وجوده كدولة قادرة على الجمع بين مواطنيها وهي جزء من محيطها الطبيعي.)[]
أن سلطة الاحتلال حين ركبت هذا النظام السياسي الجديد كانت تفكر بالغنائم التي تعزز مكانة أتباعها الذين حددت لهم أدورا محددة في العراق. وهكذا فقد تحول العراق إلى ما يشبه البقرة الحلوب التي تلبي طلبات عملاء الاحتلال المحليين والدوليين وبصيغ لم يشهد لها التاريخ مثيلا. وحقيقة الأمر فإن غالبية رموز المعارضة العراقية السابقة، وامتداداتها الحزبية والطائفية والعشائرية التي جعلت من ارتباطاتها مع سلطات الاحتلال سلما للوصول إلى السلطة، (وجدت في نظام المحاصصة الطائفية فرصتها التاريخية للاستيلاء على ثروات البلد. من غير اعتماد ذلك النظام لم يكن في إمكان اللصوص الأميين استلام مفاتيح الخزانة العراقية. وكما يبدو فإن سلطة الاحتلال لم تجد مَن هو أكثر كفاءة في تنفيذ مشروعها في تدمير العراق من الداخل سوى أولئك اللصوص.)[]
وارتبط الفساد في مستوياته العليا بانتشار النشاط المافيوي، أو (خلية الفساد السرية) المرتبطة برأسي السلطتين التنفيذية والقضائية على وجه الخصوص، ومن خلالهما في جميع مفاصل الدولة المدنية والعسكرية والأمنية، إذ أن المظاهر المتشابكة والفعالة حتى الآن تدل على (طريقة عمل أذرع اخطبوط الخلية السرية التي تدير كل أعمال الفساد وتحقيق مآربها بهذه الطرق الماكرة وبهذا الدهاء..) ، وهي تعتمد في ذلك على أدوات عديدة حزبية وحكومية ومليشياوية، بل وتمتد في أحيان كثيرة حتى إلى بعض المرجعيات الدينية التي امتهنت العمل السياسي، سواء من الطامعين في الثروة أو الهيمنة الطائفية والجهوية.
ويؤكد الكثير من المسؤولين السابقين في الحكومة العراقية أن (خلية الفساد السرية التي تدير البلد وتمتلك وسائل القوة كافة، لتمكنها من عزل من يعارض مخططاتها، وتوظف من يخدم مصالحها أو في الأقل مستعد للسكوت على فسادها. .. والنتيجة هدر مبالغ طائلة صرفها العراق على كفاءاته في دراستهم خارج البلد، فضلا عن التفريط بالأشخاص الاكفاء والنزيهين الذين يشكلون عائقاً أمام فسادهم وإفسادهم.)[]
وكان نتيجة ذلك استحالة تأسيس نظام سياسي واقتصادي اجتماعي حتى وإن كان بدرجة مقبولة، بدلا من كل ذلك قام الفاسدون بتأسيس تفاهمات بينية تقوم على الفوضى أكثر مما تستند على نظام حقيقي. وهو ما أدى إلى الانهيار الأخلاقي وتفسخ الكثير من الروابط المجتمعية التي أنتجت مختلف عصابات الخطف والقتل بالأجرة والمتاجرة بالأطفال والنساء وبيع الأعضاء البشريةـ.. ناهيك عن إحلال منطق العصابات والعرف العشائري بدل القانون العراقي في فض النزاعات بين الأفراد والجماعات.
كانت الدولة العراقية إلى حين تاريخ الاحتلال في عام 2003، تعتمد على (قانون الكسب غير المشروع على حساب الشعب العراقي، المرقم 15 لسنة 1958 ) ولكن سلطات الاحتلال أنشأت منذ البداية هيئتين معنيتين بمتابعة الفساد، وهما هيئة النزاهة، ومكاتب المفتش العام، فضلا عن ديوان الرقابة المالية، إلا أنهما لم تكونا قادرتين عمليا على مكافحة الفساد المنهجي الذي مارسته كل القوى الحزبية التي شاركت في العملية السياسية، المتناغمة مع فساد القضاء المسيس، وهو ما أدى بالنتيجة إلى تفشي الفساد حكوميا واجتماعيا، ليصبح ظاهرة عامة، وأصبح لها منظريها، الذين دأبوا بمساعي حثيثة لشرعنة سلوكيات الفساد سياسيا واجتماعيا ودينيا.
وحقيقة الأمر فإن عمليات الفساد تتم ممارستها وإدارتها والتغطية عليها على أعلى المستويات، ففي تقريرها نصف السنوي المُعلن مطلع شهر آب 2017، كشفت هيئة النزاهة عن (أنها أصدرت في الأشهر الستة الأولى من العام الحالي 880 أمر قبض في قضايا فساد بينها 13 أمراً تخصّ وزراء ومن هم بدرجتهم، فيما أصدرت 2923 أمر استقدام للتحقيق في قضايا فساد إداري ومالي، منها 28 أمراً تخصّ وزراء ومن هم بدرجتهم.)[]
وبالرغم من كل ما يذاع عن تحسن أداء هيئة النزاهة خلال السنتين الماضيتين وتحقيقها الانجازات المهمة وغير المسبوقة في ظلِّ الاستراتيجيَّة الجديدة التي اتَّـبعتها الهيئة بُعيدَ عام 2015 ، من خلال توسع دورها الرقابي وإحالة العديد من ملفَّات الفساد الكبيرة للقضاء، وتنفيذ عددٍ كبيرٍ من عمليَّات الضبط النوعيَّة التي نجحت في ضبط مئات المُتَّهمين بالجرم المشهود، وتمكنت من استعادة المليارات إلى خزينة الدولة، ولكن يمكن القول أن تلكم الإجراءات وإن كانت غير مسبوقةٍ في عمل الهيئة، بيد أنَّها إجراءات ناقصة، إذ أنها لم تطبق على جميع المفسدين، وكانت تعتمد معايير مختلفة في التعامل معهم، بل أنها كانت تحابي الكثير من رؤوس الفساد، بل أنها في أحيان كثيرة كانت توجه المفسدين بكيفية مداراة فسادهم.
يقينا إن اتخاذ إجراءات رادعة ضد أوكار الفساد وشخوصه تسهم في الحد من دور المفسدين وتعزز هيبة الدولة والحكومة والهيئات الرقابية، وسلطة القانون ، وتشكل سداً منيعاً أمام كافة المفسدين ورادعاً لمن تسول نفسه العبث بالمال العام. ، ولكن ذلك كله يقتضي نزاهة القضاء، والقائمين عليه.. وعدم التعامل وفق منطق المساومات السياسية مع المفسدين وإفساح المجال أمامهم، لأن ذلك سيدفع الأمور نحو مزيد من التدهور ولعل حديث سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، هو خارطة طريق وحيدة لذلك (إنما أهلك الذين من قبلكم لأنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف – أي القوي والوجيه- تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد) هذا هو المعيار، وكل ما يحيد عن ذلك ليس بعلاج لأي شيء..!!
كما إن دوام وثبات الإجراءات القانونية، أمر لابد منه، وليس اعتماد أسلوب الهبة ثم الخفوت، فالعديد من المتابعين يشيرون إلى أن «تحرك القضاء مؤخرا لملاحقة مسؤولين متورطين في ملفات وقضايا الفساد بشكل ملحوظ يرجع لعدة أسباب، منها (ضغوط الشارع والتظاهرات التي انتقدت القضاء على سكوته عن الفاسدين، ورغبة الحكومة بالتخلي عن الفاسدين الذين أهدروا أموالا طائلة ، فضلاً عن أن بعض الأحزاب تستخدم ورقة القضاء بهدف تسقيط المنافسين.. أو أن الانتخابات القريبة سببا قويا للتحرك ضد الفاسدين بهدف كسب الشارع الغاضب من نهب أمواله لصالح شخصيات وأحزاب وتنظيمات، في الوقت الذي يعاني البلد من ضائقة اقتصادية صعبة، في وقت تتوجه الحكومة إلى الخارج للحصول على قروض لسد العجز في ميزانيتها.. بعدما أدى الفساد إلى هدر المليارات التي صُرفت على المحافظات دون أن تجد أي اثر لها في عملية التنمية.)[]
إن (تصرفات الخلية السرية في إدارة شؤون البلد. أدت إلى تدمير البلد وهو يُقاد بهذه العقليات التي تعمل في السر وتعادي وتقارع كل من يقف بوجه فسادهم وإفسادهم.)[]
وإن مسارات العملية السياسية في العراق أظهرت سهولة اتفاق الفاسدين من شتى الكتل السياسية على التصدي لكل عنصر نزيه في أي من مؤسسات الدولة، (إن وجود أشخاص لا يقبلون بالفساد وبالإفساد وتحقيق مصالح شخصية للمفسدين على حساب مصلحة البلد، يعد أمرا غير مقبول ممن بأيديهم مقاليد الأمور، فالإفساد ونهب أموال البلد من قبل السياسيين اصبح هو الثقافة العامة، وهو اتفاق غير مكتوب بين الأطراف السياسية الحاكمة للبلد، خاصة ما له علاقة بالمشاريع الكبيرة التي يُمكن أن تدر عليهم عشرات الملايين من الدولارات مما يتوقعونه من عمولات، وهو ما لن يتحقق بوجود مسؤولين من النزيهين على رأس تلك المشاريع.)[]
وفي ظل هذا الواقع المرير ظهر الشعب العراقي والضعفاء منهم على وجه الخصوص بكونهم أبرز الخاسرين، وبذلك و (في ظل عقيدة الفساد التي تجمع في سقيفتها مختلف الأحزاب على اختلاف شعاراتها الدينية والديمقراطية والعلمانية.. الخ، لم يعد هناك مجال للتفكير في حق الشعب بالتمتع بثروته بطريقة ديمقراطية شفافة، تسيل من خلالها الثروات على هيئة خدمات في التعليم والسكن والعلاج الصحي والطرق والنقل العام والأمن والصرف الصحي والكهرباء والماء الصالح للشرب والضمان الاجتماعي.) وفي بيئة يهيمن عليها المفسدون، لم يعد ممكنا توقع أن ينتج العراق كفاءات أو أن تطرح مشاريع للخلاص من هذا الوضع المزري القائم، إذ أن الفاسدين يعارضون بأن يتحقق إنجاز كبير للبلد يرتبط باسم أي من الشخصيات النزيهة، ولذلك هم بالمرصاد للإطاحة بأي شخصية أو كيان سياسي واجتماعي يسعى للإصلاح والتنمية الحقيقية إن الاحتجاجات الشعبية واسعة النطاق التي شهدتها مختلف المحافظات العراقية، قد رفعت شعارات تتهم جميع القوى السياسية بالفساد، وهي وإن كانت تبدو منسجمة مع شعار السيد مقتدى الصدر (الشلع قلع) لكنها في الحقيقة تعبر عن توجهات شعبية تنذر بحراك شعبي أوسع نطاقا، وهنا يحق لنا أن نسأل (… إذا كان الجميع مفسدون فهو اعتراف واضح وفاضح بأن الجميع لا يصلحون لإدارة شؤون الدولة ، والجميع فاشلون ، والجميع يتحملون المسؤولية، فلماذا يتمسكون بالمناصب والمراكز ما داموا قد اعترفوا بفشلهم ؟ أليست هذه مفارقة مثيرة للجدل ؟ والمصيبة الأعظم أن هنالك فئات من المنتفعين يؤازرون هؤلاء المفسدين ويدعمون توجهاتهم ، ويتهيؤون لانتخابهم مرة أخرى ليعتلون سدة الحكم من جديد…) إن الفساد في العراق تحول إلى وباء مستوطن، كما (ان بنية الفساد التي حكمت لحظة تأسيس الدولة الجديدة ظلت تعيد إنتاج نفسها بأشكال متعددة وبصيغ مختلفة ،مع فارق واحد، وهو أن الفساد أصبح بضاعة عراقية بامتياز، يبدأ من الدولة نفسها ولا ينتهي بأصغر موظف في أي دائرة من دوائر الدولة، على امتداد البلد بالكامل دون استثناء.) بعبارة أخرى (ليس ثمّة ما يماثل ثقافة الفساد التي تعمّ العراق في أي مكان. إنها ثقافة منحّلة، ليست نقض سلوكيات، أو مجرّد انحرافات، أو مجموعة تجاوزات، يمكن أن تعالجها إصلاحات.. لقد غدت منظومة الفساد متكاملة ببشاعتها، وتعمّ كلّ البيئات العراقية اليوم، ولا تستوي أبداً مع قيم العراقيين وأخلاقياتهم التاريخية..) إن المواطن العراقي لم يلمس إلى الآن أية نتائج لما بات يعرف بـ(الحرب الموازية على الفساد) التي كان العبادي قد تعهّد بشنها ضد أوكار الفساد في برنامج حكومته المُقدّم في أيلول/سبتمبر 2014، وكرّر تعهّده في حزمة الإصلاحات التي أعلنها في أغسطس (آب) 2015 ، إذ أنها لم تمس كبار المفسدين من قيادات حزبه (الدعوة) وفي المقدمة منهم (نوري المالكي) .. على الرغم من اندلاع وتواصل أكبر حركة احتجاجية في تاريخ العراق، التي وكان من شعاراتها الرئيسية مكافحة الفساد وملاحقة الفاسدين والمُفسدين واستعادة الأموال المُستحوذ عليها.. هذا هو الدليل الذي سيؤكد مصداقية حملة العبادي من عدمها إن تحقيق استقلالية ونزاهة القضاء، واعتماده معايير واحدة أولا، وحدها الكفيلة بمواجهة الفساد، كما إن تمكين الرقابة الشعبية على ممارسات القضاء، يقتضي توافر حرية الإعلام (كونه السلطة الرابعة)، لاسيما إبراز مخرجات عمل الأجهزة الرقابيَّة الوطنيَّة المكلفة بملاحقة الفساد، وتقييمها، فذلك من مستلزمات تحقيق الشفافيَّة التي أصبحت شعارا يرفعه الكثيرون.. بل أنها معيار معتمد للحكم على صوابية مسارات مختلف أنظمة الحكم في العالم، فمن خلاله يمكن تحديد المفسدين، وتعزيز الجرأة على ايقاع العقاب بهم وحماية الدولة والمجتمع من شرورهم تعد العملية السياسية في العراق من العمليات متعددة القيادة, حيث القيادة الدينية والتي تمارس دورها مرجعية السيستاني ومؤسساتها الدينية كافة هذا من جهة ومن جهة أخرى القيادة السياسية التي تتمثل بالكتل والأحزاب الحاكمة والتي أغلبها أيضاً تابع لمرجعية السيستاني من حيث مسألة ” التقليد ” أو من حيث الرجوع إليها بالتوجيه والنصح والإرشاد, وهذا من أجل كسب الشارع من جهة وكسب ود هذه المرجعية من جهة أخرى لأنها أكبر أداة تمكن هذا السياسي أو ذاك من الصعود إلى القمة أو الهبوط في الحضيض, ولنا ما حصل مع السفاح المالكي خير شاهد, حيث وصل إلى القمة على مدى ثمان سنوات بفتوى من السيستاني الذي حرم على الشعب التظاهر ضد المالكي سنة 2011, وهذا من حسنات التقرب من هذه المرجعية أما من يريد التقاطع معها من السياسيين فهذا يعني إنه لا يريد أن يدخل عالم السياسة أصلاً لما تملكه هذه المرجعية من مؤسسة إعلامية تستطيع من خلالها إسقاط وتشويه صورة أي إنسان مهما كانت منزلته رفيعة
عودة على أصل قيادة العملية السياسية في العراق, فنحن نلاحظ إن هذه العملية هي تسير وفق توجيهات مرجعية السيستاني منذ عام 2003 والى يومنا هذا, وكان له الدور الكبير في تنصيب كل السراق والمفسدين من الطبقة السياسية الحاكمة على كرسي الحكم في العراق, وفق مبدأ تبادل المنفعة, السياسي الفاسد يحصل على دعم ومباركة السيستاني ومؤسسته من أجل الحصول على المنصب, والسيستاني بدوره يحصل على نسبة كبيرة من الصفقات بالإضافة إلى تسليمه العتبات المقدسة ووارداتها المالية والتي تعتبر من أكبر موارد خزينة الدولة العراقية وعدم درجها ضمن مصادر الدخل القومي العراقي, بالإضافة إلى فتح المجال أمام مؤسساته إلى عقد وإبرام صفقات تجارية مشبوهة تحت عنوان بناء مؤسسات خيرية أو مؤسسات دينية وما إلى ذلك من عناوين.
فأصبحت الواردات المالية العراقية وأموال خزينة الدولة العراقية حكراً على السياسيين الفاسدين وأبنائهم وحاشيتهم والمقربين منهم وعلى السيستاني ومؤسسته الدينية ” اللادينية ” وعلى أبنائه وأصهاره والمقربين منه, فهذا شارع الصهرين في لندن, وهذه مؤسسة الخوئي في لندن, بالإضافة إلى الأرصدة المالية الكبيرة في والعقارات والسندات المالية وما إلى ذلك , يقول المرجع العراقي الصرخي في المحاضرة الأولى من بحث ( السيستاني ما قبل المهد إلى ما بعد اللحد ) والذي يقع ضمن سلسلة محاضرات ” التحليل الموضوعي في العقائد والتاريخ الإسلامي ” ….
{{…. لقد قدموا أمرهم, قدموا منافعهم, قدموا الأموال والرشا التي أخذوها, قدموا حساباتهم في المصارف البنكية في الشرق والغرب, قدموا أرحامهم, أزواج بناتهم, قدموا أبنائهم, قدموا الفاسدين ممن يعطيهم من الأموال, ممن يسرق من الأموال, الآن فقط أريد الإشارة إلى شيء الخزينة العراقية التي سُرقت, تتحدثون عن خزينة العراق, عن أموال العراق, عن المليارات التي ذهبت, أكثر من 90 % من هذه الأموال ذهبت في كروش وبطون وبنوك وفي حسابات هذه العمائم العفنة, هذه العمائم المنحرفة, لذلك يسكتون عن الفاسدين, وسكتوا عن الفاسدين, ولا يوجد حل للعراق إلا بكشف هؤلاء الفاسدين وهذه العمائم الفاسدة السارقة, حتى لا يُرجع ويتكأ ويُعتمد عليها ويُغرر الناس بهذه العمائم الفاسده إن واحداً من أهم الأسباب الرئيسة لاستفحال الفساد المالي والإداري في العراق وتغوله واستهتاره وانتشاره كأي مرض سرطاني خبيث هو ما بات يُعرف بـ(اللاعب السياسي) أو الأغطية أو المظلات أو الأذرع التي باتت تحمي أبطال هذا الفساد وشياطينه وتوفر لهم دروعاً واقية وداعمات فولاذية وحتى قبباً حديدية لتفادي الصواريخ الأرضية ليكونوا بمنأى عن أي محاسبة قانونية أو محاكمات وإن حصلت فهي على استحياء وبأحكام خفيفة بوزن الريشة لا تتناسب مع حجم (الجيفة) ولا ترتقي إلى مستوى الفعل الإجرامي المرتكب والمتمثل بنهب المال العام….}}.
إن هناك مساعي تُبذل لأجل تعطيل عمل القضاء في الكثير من قضايا الفساد المتورط بها مسؤولون كبار سواء أكانوا في الحكومة الحالية (حكومة تصريف الأعمال) أم الحكومات السابقة، حيث يجري التستر على ملفاتهم والحيلولة دون تقديمهم للقضاء بغية مساءلتهم عما اقترفوه. وترى الشديدي أن الأحكام التي أصدرها القضاء بحق كبار المسؤولين تؤكد وجود لاعب سياسي مؤثر فيه، وعدّت التستر على الفساد بمثابة الانتحار السياسي وهذا هو رئيس هيئة النزاهة يتحدث بكل صراحة عما يجري ويدور بالأرقام فيقول إن العام الحالي (2019) شهد إصدار أوامر قبض واستقدام بلغت (4544) وإن عدد القضايا التي أحيلت بأمر قضائي إلى محاكم أخرى بلغ (817) قضية وأنه يأسف لأن تأتي الأحكام (متواضعة) كي لا تعكر مزاج المفسدين من كبار المسؤولين كوزير أو عضو مجلس نواب أو وكيل وزارة أو محافظ أو عضو مجلس محافظة أو مدير، إذ شملت الأحكام (5) وزراء أدين واحد منهم فقط وأفرج عن أربعة (استلم أغاتي)!! وإن الأحكام التي شملت (6) من أعضاء مجلس النواب تم الإفراج عنهم جميعاً (طلقاء في سبيل الله)! وهناك وكيل وزارة لا يوجد حكم نهائي بحقه باستثناء واحد مكفّل، أما من كانوا في منصب محافظ فقد حكم على ثلاثة منهم بالإدانة وأفرج عن (6)، أما من هم بدرجة مدير عام فقد أدين (30) منهم وأفرج عن (39)، أما أعضاء مجلس المحافظة فقد أدين منهم (7) وأفرج عن (43).. إلى هنا انتهى الفيلم، وما عليك أيها العراقي إلا أن تقرأ الفاتحة على روح المال العام المنهوب، وإنا لله وإنا إليه راجعون








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل دعا نتنياهو إلى إعادة استيطان غزة؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. روسيا تكثف الضغط على الجبهات الأوكرانية | #غرفة_الأخبار




.. إيران تهدد.. سنمحو إسرائيل إذا هاجمت أراضينا | #غرفة_الأخبار


.. 200 يوم من الحرب.. حربٌ استغلَّها الاحتلالِ للتصعيدِ بالضفةِ




.. الرئيس أردوغان يشارك في تشييع زعيم طائفة إسماعيل آغا بإسطنبو