الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


زمن موناليزا الحزينة: الفصل التاسع/ 2

دلور ميقري

2020 / 9 / 29
الادب والفن


الكلمات المعسولة لكلتا المرأتين الماكرتين، مرّت بسلام في سمع فَدو. قبل ذلك، وفي منزل مَن ستغدو عروسه، سمع من أخيها غير الشقيق عباراتٍ غامضة عنها. الأخ، " طراد آغا "، أُعطيَ اسمَ جدّه، الذي كان في زمنه آمراً خطير الشأن في سلاح الدرك. لو كان والدُ فَدو، الحاج حسن، ما زال حياً، لتذكّرَ ذلك الآمر، كونه اقترنَ من إحدى قريباته؛ وهيَ " فاتي "، عمّة والدة السيّدة ريما. كان الرجلُ الوجيه قد جعلها ضرّةً لأم أولاده، لكنها ما لبثت أن توفيت دون أن تنجب له ذرية. في هذا الشأن، ثمة أسطورة في العائلة، تداولتها النساءُ كما لو كانت حكاية حقيقية.
الآمرُ العتيد، كان قد حضرَ مرةً إلى الحارة للتحقيق في حادثة تسمم، ذهبت ضحيتها زوجة أخ فاتي، واتهمت هيَ بأنها المتسببة فيها عن طريق الخطأ. في مضافة الحاج حسن، أين جرى التحقيق، حضرت فاتي مع قريبتها، شملكان، لكي تدليان بشهادتيهما. هذه الأخيرة، ملكت يومئذٍ فؤادَ المحقق بجمالها النادر، وكانت آنذاك قد أصبحت في سنّ الآنسات. لكنه أعتقدَ، نتيجة سوء فهم، أنّ اسمها فاتي. وعلى هذا الأساس، أرسل بعد بضعة أيام قريباته كي يطلبوها زوجةً له. لاحقاً، لما أكتشفَ الرجلُ خطأه الجسيم، تعامل مع زوجته الجديدة كما لو أنها خادمة، فبقيت لديه في هذه المنزلة لحين وفاتها.

***
لمحض المصادفة أيضاً، كان اختيارُ فَدو لشريكة حياته ضمنَ ملابساتٍ شبيهة نوعاً ما بتلك الحكاية القديمة، الحزينة. لكنه لم يرَ الفتاة، بل سمع عنها أولاً من أخيها غير الشقيق. طراد آغا، وكان قد غدا مثل جدّه آمراً في سلاح الدرك، تعرّفَ على صهر المستقبل لما خدم هذا تحت إمرته في قلعة دمشق. برغم أن فَدو خلعَ سريعاً الملابسَ الرسمية وعاد إلى عمله في البستان، كناطور ثم ملّاك، فإن صلته بقيت وثيقة مع معلّمه السابق. إلى أن كانت أمسية، جمعتهما معاً بصُحبة الكأس في منزل الأخير. جرى الحديث عندئذٍ عن أحوال البلد، المضطربة على أثر إنقلاب عسكريّ قام به قائد الجيش. لم يكن فَدو من المهتمين بالسياسة، لكنه انجذبَ إلى الحديث كون قائد الإنقلاب من بني جلدته وكذلك العديد من مساعديه العسكريين والمدنيين. إنهما على هذا المنوال يتبادلان الحديث، وإذا ضجّة تتناهى إليهما من داخل الدار.
" هكذا هيَ الأمورُ في البيت، بسبب العداء الأبديّ بين الزوجة وابنة حميها "، تكلّم المضيفُ في شيء من الحَرَج مُتكلّفاً نبرة مرحة. ثم ما لبثَ لسانه أن انطلقَ، ربما بتأثير الشراب، للحديث عن أختٍ غير شقيقة تتحمل بصبر خدمةَ نساء المنزل. ثم خلصَ إلى القول: " برغم طيبتها وهمّتها، لم يتقدّم إليها طالبُ قربٍ مناسبٌ ". هز فَدو رأسه، ولم يجد أن من اللائق التعليق على الموضوع. بيد أن ذهنه، في المقابل، انشغل بسيرة الفتاة. عدا عن تأثره بالسيرة، كان بالفعل يبحث عن شريكة حياة عقبَ فقدانه امرأته الأولى. مع ذلك، لم يرَ من اللائق أن يرسل في الغد مَن يخطب له الفتاة قبل مفاتحة أخيها بالأمر. هذا الأخير، وقد أُخِذَ على غرّة، قال لضيفه: " أعذرني، فأنا تكلمتُ عن أختي دونَ أن يخطر لي ببال عرضها للزواج ". ربتَ فَدو على يد المضيف، وردّ بالقول مبتسماً: " هوَن عليك، يا صديقي، فإنّ الناس يتزوجون بهذه الطريقة أيضاً ".

***
في صيف العام نفسه، وكانت البلد ضاجّة بخبر إنقلابٍ عسكريّ جديد، زُفّت " مزيّن " إلى فَدو في عرسٍ بهيج، تحدّى حالة الأحكام العرفية بإطلاق غزير للرصاص. نزلت العروسُ أولاً من سيارة أخيها غير الشقيق، ثم سارت بخطى متعثرة ومترددة إلى مكان الحفل. النسوة هنالك، المتميّزات بالنظر الثاقب في مثل هكذا أحوال، لحظنَ ولا شك طريقتها الغريبة في المشي، التي تجعل أحد الكتفين أقصر من الآخر. لترتفع على الأثر همساتهن الخبيثة: " العروسُ حدباء! "
" وهيَ إلى ذلك، كبيرة في السنّ "
" يا له من حظٍ تعس، لمَن يُعد أجمل فتيان الحارة "
لكنهن انشغلن عنها باستقبال العروس الأخرى، التي قدمت بَدورها في سيارة أبيها، وكانت مُجللة بخمار أبيض شفاف، برزَ من تحته وجهها الجميل والفتيّ. عرسُ النساء، جرى في منزل العريسين، المحروم بعدُ من نعمة الكهرباء. لكن شموعاً عديدة، أشعلت في الدهليز المظلم، علاوة على أنوار فوانيس غاز كبيرة في أرض الديار. هنالك في صدر الإيوان، وضعت سدّةٌ خشبية مرتفعة، مفروشة بسجادة، انتصبت عليها أريكةٌ عريضة لجلوس العرسان.
أما عرس الرجال ( التلبيسة )، فإنه استُضيفَ في منزل المرحوم " نيّو "، عم السيّدة ريما، الكائن في مدخل الزقاق. ثمة، في ساحة المنزل السماوية، أبدعَ بالرقص شقيقُ العريسين، سلو، وكان صيته ذائعاً في الحارة في هذا المضمار. وإنه هوَ، مَن سبقَ ووضع كأساً مترعاً بالعرَق أمام أصغر العريسين، قائلاً له بدعابة: " إشربْ، أيها الناسك، لكي يقوى قلبك في ليلة الدخلة! ".
غبَّ انتهاء الحفل في ساعةٍ متأخرة ليلاً، بقيت بعضُ نسوة الأقارب خارجَ حجرة كل من العريسين مثلما جرت العادة. رابعة وهَدي، ما لبثتا أن سمعتا اسميهما يُذكران على لسان فَدو، متبوعاً بصياحه من داخل الحجرة: " لا وفّقَ اللهُ الغشاشَ!! ".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان أحمد عبد العزيز ينعى صلاح السعدنى .. ويعتذر عن انفعال


.. االموت يغيب الفنان المصري الكبير صلاح السعدني عن عمر ناهز 81




.. بحضور عمرو دياب وعدد من النجوم.. حفل أسطوري لنجل الفنان محمد


.. فنانو مصر يودعون صلاح السعدنى .. وانهيار ابنه




.. تعددت الروايات وتضاربت المعلومات وبقيت أصفهان في الواجهة فما