الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البساطة والعمق في قصيدة -بلادي- كميل أبو حنيش

رائد الحواري

2020 / 9 / 30
الادب والفن


في عصر الهزائم والقهر، يبحث المتلقي أن المتعة، ليريح نفسه قليلا من الثقل الواقع عليه، وفي الوقت ذاته مهمة الأديب/الشاعر إيصال رسالته للآخرين، ضمن هذه المعادلة، الكاتب/الشاعر يحاول أن يعمل ويكتب القصائد، فكثرة المآسي ترهق الكاتب/الشاعر لأكثر من سبب، منها أنه يحمل مشاعر واحاسيس مرهفة، وهذا يجعله ينفعل عند كل شيء/فعل/حدث، وأيضا عليه ان يصيغ ذلك الحدث بطريقة أديبة، بعد ان (يحبس) انفعاله وغضبه، وعليه أن يقدمه بشكل تقبله الجماهير، وأيضا يلبي طموح ورغبات الشاعر الأدبية والابداعية، وهنا تكمن عبقرية الشاعر المبدع، تقديم حدث مؤلم/ساخن، وتلبية رغبة الجماهير وإيصال رسالة، واشباع رغبته في الابداع، كل هذا نجده في قصيدة "بلادي" للشاعر كميل أبو حنيش.
"بلادي و إنْ أجهَضُوا، حِلمَها
سوفَ تُنجِبُ حُلماً جديداً
و يحكي الوليدُ :
ألا فاسمعيني
أيا مريمُ الأرضُ و الأغنياتُ،
و هزِّي إليكِ بجذعِ الزَّمانِ
ليُزهِرَ هذا المكانُ
و نطوي الجَّفافَ الطَّويلا"
يتشكل هذا المقطع من ألفاظ بيضاء باستثناء "أجهضوا، الجفاف" وهذا يعود إلى أثر عنوان وفاتحة القصيدة "بلادي" على الشاعر، فرغم أن لفظ "أجهضوا" القاسي جاء بعد "بلادي وإن"، إلا أن الشاعر يستدرك ضرورة بقاء القصيدة ناعمة وهادية لهذا نجده يتمسك بالبياض، مضيفا إليه التراث الديني الذي اقرنه بالمكان، فجاء التناص مع قصية مريم والمسيح وربطه بالمكان/بلادي "مريم الارض، يزهر المكان" وإذا ما توقفنا عند هذا الاستخدام سنجد فيه بعدا تراثيا اسطوريا، فهو يأخذنا إلى "عشتار" ودورها وأثرها على خضرة ونماء الأرض، وقد (أوضح) الشعر البعد الاسطوري من خلال "ونطوي الجَّفافَ الطَّويلا" وبهذا نكون أمام حالتين من لتراث الديني، واحدة متعلقة بمريم أم السيد المسيح، والثانية بعشتار، فعشتار كانت حاضرة من خلال "الاغنيات، ليزهر المكان، نطوي الجفاف"، "ومريم" حاضرة من خلال "هزي إليك بجذع"، هنا استحضارها الشاعر بالبعد الإسلامي والمسيحي معا، فالتناص جاء مع القرآن الكريم، وليس مع الانجيل، وبهذا يكون قد تناول اديان المنطقة بفقرات قصيرة وقليلة وبصورة أدبية بعيدا عن اسهاب الخطاب الديني وطوله.
***

"أُحِبُّ بلادي
و إن أورثتني الصَّليبَ
و إكليلَ شوكٍ يُزيِّنُ رأسي
سَأنهضُ قبلَ القيامةِ جهراً
و أُعلِنُ أنَّ البشارةَ تَقضي
بحملِ السِّلاحِ
و أتلو نشيدي
الذي سوفَ يبقى
و يغدو البَديلا"
المنحى الذي اتبعه الشاعر في المقطع الأول يستخدمه في المقطع الثاني، فالبياض يعمم المقطع لكن هناك القليل من السواد: "الصليب، شوك، السلاح"، اللافت أنه يخلو من ذكر/تناول جمال الطبيعة، كما فعل في المقطع الأول، فجاءت هنا مقرونة بالأذى والقسوة "أكليل شوك"، وكأن حياة (المدينة) وما فيها من (صخب) انعكست على المقطع، فجاء أقرب إلى (الجفاف)، وكانت القسوة فيه لافته وواضحة، وهذا يستدعي من الشاعر استخدام أحد عناصر التخفيف/الفرح، والتي تكون من "المرأة، الطبيعة، الكتابة، التمرد" وبما أنه يتحدث عن الواقع والمجتمع الآن، فهذا يعني أنه في (المدينة)/العصر، وعليه أن يستخدم مفهوم يتناسب وطبيعة المكان والعصر، فكان التمرد هو الشكل الأنسب لإحداث التخفيف/الفرح، فها هو يخالف تعاليم المحبة والسلام والتسامح التي جاء بها السيد المسيح ، ويتحدث عن القيام قبل موعد/وفت القيامة، ويأتي ببشارة جديدة/"حمل السلاح"، وينهي تعاليم المسيح كاملة بحيث "يبقى...البديل" فهذا التمرد على الفكرة الدينية اعتبره الشاعر بمثابة الطريق الصحيح لمواجهة الواقع.
***
"سأكتبُ سِفراً جديداً
يليقُ بهذا النَّشيدِ البليغِ
و إن صَلبوني
سأولدُ ثانيةً من بتولٍ
لأهوى بلادي
و أمشي على مائِها كالمسيحِ
و أمسحُ دمعَ اليتامى
و أكتبُ هذا الخلاصَ الجَّميلا"
يبدو أن الشاعر في هذا المقطع وكأنه علم أنه (تمادى) في (تمرده) فاراد (تهدئة) الأجواء ومصالحة المتلقي، الذي (انزعج) من وجود هذا التمرد وبهذه الطريقة، فنجد يقلل من استخدام الألفاظ القاسية، التي جاءت أقل مما جاء في المقطع الثاني، والمعنى أخف وأهدأ منه، فالقسوة مقتصرة على "صلبوني، دمع، اليتامى" فقط، لكننا لا نجد (تراجع) الشاعر عن تمرده، بل يؤكده، لكن بطريقة جديدة، (يتصالح) بها مع المتلقي، فنجد يؤكد على تماثله مع السيد المسيح من خلال ولادته من العذراء/البتول، ومن خلال "السير على الماء وازالة ألم/مرض/وجع الناس، ومن خلال حمله رسالة الخلاص.
من هنا نجد أن الشاعر يعمل على الموازنة بين مطالب الجماهير وبين حاجته/رغباته كشاعر، فيحافظ على (شعرة معاوية) ويبقى القصيدة متألقة وفي الوقت ذاته يعمل على اشباع/تلبية رغبات الجمهور ومزاجه.
***
"بلادي و إن سيَّجوا
أرضَها بالحِرابِ
و إن أمطروا أُفقها بالدُّخانِ
ستغدو بهِمَّة أبنائِها حرةً
و يعودُ الصَّفاءُ لأجوائِها
ثمَ تنمو الشَّقائقُ فوقَ التِّلالِ
و يبقى الجَّليلُ الجَّميلُ جليلاً"
في خاتمة القصيدة يتجه الشاعر بكليته إلى الجماهير، بحيث (يتجاهل/ينسى) استخدام أي محسنات جمالية، ويتحدث بطريقة خطاب المنابر والمهرجانات الشعبية، وكأنه بهذا يريد (استقطاب) الجمهور من جديد، ملبيا مطالبهم ورغباتهم ومستجيب لها، حتى لو كانت على حساب فنية وجمالية القصيدة، وهنا يكون الشاعر قد أنكر ذاته كشاعر في سبيل الجماهير، فهل فعل الصوب؟ أم أن لنفسه عليه حق؟.
القصيدة منشورة على صفحة شقيق الأسير كمال أبو حنيش.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فنانو مصر يودعون صلاح السعدنى .. وانهيار ابنه


.. تعددت الروايات وتضاربت المعلومات وبقيت أصفهان في الواجهة فما




.. فنان بولندي يعيد تصميم إعلانات لشركات تدعم إسرائيل لنصرة غزة


.. أكشن ولا كوميدي والست النكدية ولا اللي دمها تقيل؟.. ردود غير




.. الفنان الراحل صلاح السعدنى.. تاريخ طويل من الإبداع