الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هكذا يُفْسِد أعداء المادية مفهوم -المادة-!

جواد البشيتي

2020 / 10 / 1
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


للدِّين (وللمثالية على وجه العموم) نفوذ قوي ومتنامٍ في عِلْم الكون، وفي كثيرٍ من النظريات الكوزمولوجية الحديثة؛ فالحريصون على ديمومة استبداد المُعْتَقَد الدِّيني بعقول الشباب في القرن الحادي والعشرين يَعْتَقِدون أنَّ التعبير عن الفكرة الدِّينية نفسها بلغة فيزيائية هو السبيل إلى بقاء مملكة الأوهام الدِّينية والمثالية بمنأى عن خطر الانهيار؛ وإنَّ غايتهم أنْ يَسْمَح لهم "العِلْم" بالقول دائما: وها هو "العِلْم (الحديث)" يُثْبِت ويؤكِّد صواب المُعْتَقَد الدِّيني القديم.
ومدار ما يبذله بعض علماء الكون من جهد نظري فيزيائي هو دائماً إثبات قابلية خَلْق "المادة"، أيْ خروجها (أو إخراجها) إلى الوجود مِمَّا يسمونه "العدم"؛ فـ "المادة" مِنَ "العدم" تأتي، وإلى "العدم" تَذْهَب، ويجب أنْ تَذْهَب.
ومع ذلك، نراهم يُبْدون حرصاً على بقاء قانون "المادة (في الكون) لا تزيد، ولا تنقص" في الحفظ والصَّوْن.
إنَّهم الآن يقولون بـ "مادة ثانية (أو أُخْرى)" تشبه "الهَيُولى" في الفلسفة القديمة؛ "مادة" عديمة الشكل، قابلة للتشكيل والتصوير؛ منها صَنَع الله الأشياء جميعاً.
وفي لغة فيزيائية يقولون إنَّ "مادة" على شكل "أزواج من الجسيمات"، كمثل الإلكترون وضديده البوزيترون، تنبثق (تنشأ) في استمرار من "العدم" Nothingness؛ لكنَّها لا تبقى على قَيْد الحياة إلاَّ زمناً من الضآلة بمكان؛ فكلا الجسيمين المتضادين يفني الآخر بتصادمهما، ويعودان، من ثمَّ، إلى "العدم".
إنَّهما يبقيان على قَيْد الحياة زمناً تَكْبُره الثانية الواحدة بملايين المرَّات؛ فلا "يَشْعُر" قانون "حِفْظ المادة" بوجودهما؛ وتظل "كمية المادة (في الكون)"، من ثمَّ، ثابتة، لا تزيد، ولا تنقص. وهذه "المادة (الهَيُولى)" يسمونها "جسيمات افتراصية" Virtual Particles.
ولو سألتهم "أين يَقَع هذا العدم؟"، لأجابوك عن هذا السؤال السخيف على البديهة قائلين: إنَّه يَقَع في "الفضاء الفارغ (الخالي، الخالص)" Empty Space، أو في "الفراغ" Vacuum؛ لا بَلْ إنَّه هو نفسه هذا الفضاء الفارغ من "المادة"؛ وكأنَّ الكون (أو كوننا) الذي جاء وانبثق من "العدم"، على ما يزعمون، ما زال ينطوي على "العدم"، في "فضائه الخالص (من المادة)"!
قانون "حِفْظ المادة" لا "يَشْعُر" بوجود هذه "الجسيمات الافتراضية"، الآتية من "العدم"، الذَّاهبة إليه سريعاً؛ أمَّا هُم فـ "يَشْعرون"، ويؤسِّسون لهذه "المادة (الافتراضية)" نظريات؛ ثمَّ يتَّخِذون من وجودها، الذي هو في حاجة إلى الإثبات، "مُسلَّمة"؛ ثمَّ يَبْتَنون من هذه "المُسلَّمة" نظرية لتفسير تبخُّر وتلاشي "الثقب الأسود" Black Hole؛ مع أنَّ هذا "الثقب" ما زال وجوده (وتبخُّره، من ثمَّ) افتراضاً!
في "الثقب الأسود"، وفي "مركزه"، أو "نقطته المركزية" Singularity، على وجه الخصوص، تتركَّز (على ما يزعمون) مادة ليست بمادة، ولا يمكننا أبداً معرفة ماهيتها؛ فهذه "النقطة" عديمة الحجم، لانهائية الكثافة. ومع ذلك، أسَّسوا نظرية لتبخُّر "الثقب الأسود"، أسموها "إشعاع هوكينج".
وبحسب هذه النظرية، تنبثق دائماً من "العدم (أو ما يسمونه "الفراغ")" جسيمات افتراضية؛ فلو انبثق جسيمان متضادان، كمثل الإلكترون وضديده البوزيترون، على مقربة من "الحدِّ الخارجي" Event Horizon لـ "ثقب أسود"، فإنَّ أحدهما (وقبل أنْ يتصادما، ويفني كلاهما الآخر) قد يسقط في جوف "الثقب الأسود"، بسبب الجاذبية الهائلة لـ "الثقب"؛ فإذا سقط، فإنَّ نَزْراً من مادة "الثقب الأسود" يتبخَّر منه؛ وهذه "المادة المُتَبَخِّرة" تذهب إلى الجسيم (الافتراضي) الآخر "المُنْتَظِر" على مقربة من "الحدِّ الخارجي" لـ "الثقب"، فيُحوِّله إلى "جسيم حقيقي".
وفي هذه الطريقة (المسماة "إشعاع هوكينج") يتبخَّر "الثقب الأسود"، من غير أنْ تزيد (أو تنقص) مادة الكون.
لقد افترضوا أوَّلاً وجود "الثقب الأسود"، بماهيته وخواصه الميتافيزيقية، والتي يَمْسَخون بها مادية المادة؛ ثمَّ اشتدت لديهم الحاجة النظرية إلى اكتشاف طريقة لـ "تَبَخُّره"، فاستحدثوا مفهوم "الجسيمات (المتضادة) الافتراضية"، المنبثقة من "العدم"؛ ثمَّ ابتنوا من هذا المفهوم نظرية (حيلة) لتبخُّر "الثقب الأسود"، مجاملين، في الوقت نفسه، قانون "حِفْظ المادة"!
واشتطوا أكثر في "تديين" الفيزياء، فاشتقوا من مفهوم "الجسيمات الافتراضية" نظرية لخلق أكوان من "العدم"؛ فَلِمَ لا تنبثق من "العدم" أكوان غير كوننا ما دام "العدم" منبعاً لا ينضب لـ "الجسيمات الافتراضية"؟!
لكن، أين تُخْلق وتفنى هذه الأكوان؟
لقد بَذَروا بذورها في "مكان" اخترعوا مفهومه مِنْ قَبْل في سعيهم إلى تخطِّي وحل "التناقض المنطقي" الذي انطوت عليه نظريتهم في "تمدُّد الكون"؛ وهذا "المكان" هو "الفضاء الآخر"، أيْ الفضاء الذي ليس بجزء من كوننا، أو من فضائنا الكوني، والذي لا يمكننا أبداً الاتِّصال به، أو إدراك وجوده (Hyperspace).
الكون (أيْ كوننا) على ما عرَّفوه هو كل شيء يَقَع على (أو يتموضع في) السطح من "البالون الكوني"؛ فكوننا، بفضائه ومجرَّاته ونجومه..، لا وجود له إلاَّ على هذا "السطح"، الذي هو المكان بأبعاده الثلاثة.
و"البعد المكاني الرابع (الذي اخترعوه هو أيضاً)" إنَّما هو ذاك "الممر" إلى "الفضاء الآخر الميتافيزيقي (Hyperspace)" الذي يمثِّل جوف، أو باطن، كُرَتنا (أو بالوننا) الكونية، والذي فيه يتمدَّد كوننا أيضاً (بتمدُّد الفضاء بين مجموعات المجرَّات). وينبغي لكَ أنْ تسافِر في "البعد (المكاني) الرابع" إذا ما أردت مغادرة كوننا؛ وهذا ضَرْب من المستحيل.
وفي ذاك "الفضاء الميتافيزيقي (Hyperspace)"، تنبثق من "العدم"، وتتلاشى وتختفي في "العدم"، أكوان لا عدَّ لها، ولا حصر، بعضها قصير العُمْر، وبعضها طويله.
وكل كون من هذه الأكوان يأتي من "نقطة (Singularity)"، ومن طريق "الانفجار الكبير" Big Bang، الذي على يديه يُوْلَد كل شيء (جسيمات وأجسام وطاقة وقوى ومكان وفضاء وزمان..). ونهاية كل كون هي نفسها، فـ "الانسحاق الكبير" Big Crunch، يعيده إلى "العدم"!
إنَّهم، وعلى كثرة ما بذلوه من جهود نظرية لإثبات قابلية خلق "المادة" من "العدم"، وعودتها إلى "العدم"، لم يتوصَّلوا إلى تعريف هذا "الشيء"، أي "المادة"، الذي يقولون بخلقه من "العدم"، وبفنائه؛ فكيف للمرء أنْ ينفي وجود شيء لا يعرف حتى ما هو؟!
قُلْ لي ما هي "المادة" قَبْل أنْ تُحدِّثني عن خلقها من "العدم"، أو عن فنائها؛ وإنَّ مَنْ عرَّف "المادة" على أنَّها "غير الطاقة"، أو "غير الفضاء"، أو على أنَّها "ذرَّة"، أو "جسيم أوَّلي" كمثل الإلكترون أو الكوارك أو النيوترينو، أو "خيط"، لا يحقُّ له أبداً أنْ يُحدِّثنا عن "مادة" تأتي من "العدم"، وتذهب إليه!
هل تفنى "المادة"؟
ليس من سؤالٍ لَجَّ بأذهان الناس (وفي مقدَّمهم الفلاسفة والعلماء) منذ القِدَم كمثل سؤال "هل تفنى المادة؟"، والذي يُبْعَثُ حيَّاً بعد كل إجابةٍ، ظَنُّوا أنَّها أماتته، أيْ أَنْهَت الحاجة إلى الاستمرار في إثارته وطرحه.
وإنِّي لأرى أنَّ الاستعصاء في الإجابة (القاطعة الحاسمة) يكمن في مَعْنَيَيِّ "الفناء" و"المادة"؛ فكيف لكَ أنْ تجيب عن السؤال وأنتَ لم تُجِبْ، مِنْ قَبْل، عن سؤاليِّ: "ما الفناء؟"، و"ما المادة؟".
في فيزياء القرن العشرين، نَقِف على معنى "الفناء"، أيْ "فناء المادة"، في مثال ما يسمَّى "جسيم المادة" و"ضديده"؛ فلو تَصادم إلكترون مع الجسيم المضاد له، وهو جسيم يسمَّى "بوزيترون"، لَفَنِيَ الجسيمان معاً؛ لكن ما معنى هذا "الفناء"؟
كلاهما (في تًصادمهما) يَفْني الآخر؛ فبعد تبادلهما الفناء (وهو فناء متزامِن) لا نرى إلكتروناً، ولا نرى بوزيتروناً؛ لكنَّنا نرى "الطاقة"؛ نرى جسيمات من النوع الذي لا كتلة (كتلة سكون) له، ويسير، من ثمَّ، أو يستطيع السير، بسرعة الضوء.
بهذا المعنى لـ "الفناء"، تَفْنى المادة؛ وبهذا المعنى لـ "المادة"، نقول إنَّ فناءها ممكن، لا بَلْ حتمي.
لكنَّ هذا "الفناء" لا يعني أبداً "العدم" Nothingness؛ وهذه "المادة ("جسيمات المادة" و"أضدادها")" هي "جزء" من المادة، وليست "كل" المادة؛ وإنَ مفهوم "المادة"، في الفيزياء، لا تُسْتْثْنى منه "الطاقة"؛ ومع تحرِّي الدِّقة، نقول إنَّ "المادة على هيئة كتلة" تتحوَّل إلى "مادة على هيئة طاقة"، وإنَّ "المادة على هيئة طاقة" تتحوَّل إلى "مادة على هيئة كتلة".
لقد تَصادَم إلكترون وبوزيترون؛ فهل تمخَّض تَصادمهما (أو تبادلهما "الفناء") عمَّا يمكن تعريفه (فيزيائياً) على أنَّه "العدم"؟!
وإذا ما رَأَيْنا إلكتروناً وبوزيتروناً ينشآن، أو يُوْلدان؛ فهل للفيزياء أنْ تقيم الدليل على أنَّ "الطاقة"، التي منها جاءا إلى الوجود، هي نفسها "العدم"؟!
هذا المثال، اتُّخِذ دليلاً على "فناء المادة"، أو على "المادة الفانية"؛ لكنَّه، وعلى ما تبيَّن لنا، يَصْلُح دليلاً على "استحالة فناء المادة".
"فناء المادة" ما عاد بالفكرة الغريبة عن الفيزياء (والنظريات الكوزمولوجية) المعاصرة، أو المجافية لها، مع أنَّ الفيزياء ما زالت على استمساكها بأحد أهم مبادئها (أو قوانينها) الحديثة، ألا وهو مبدأ "استحالة فناء المادة، أو خلقها (من العدم)".
وما زلتُ أذْكُر تلك العبارة (الدينية) التي تُلْصَق بهذا المبدأ، أو القانون، في كُتُب الفيزياء التي درسناها في المدرسة، والتي "يُوَضِّحون" فيها أنَّ المادة لا تفنى ولا تُخْلَق "على أيدي البشر فحسب".
واليوم نرى مزيداً من الجهد، يبذله علماء وفيزيائيون، هذه المرَّة، للتوفيق بين مبدأ "استحالة فناء المادة" وفكرة "فناء المادة".
وأستطيع التأكيد أنَّ بعضاً من عناصر ومكوِّنات، ومن منطق، نظرية "الانفجار الكبير" Big Bang، قد سمح لكثير من العلماء والفيزيائيين والكوزمولوجيين بإنشاء وتطوير نظريات وتصوُّرات مدارها جميعاً فكرة "فناء المادة"، فـ "المادة" Matter، على ما يريدون قوله وتأكيده، ليست ممكنة الفناء والزوال فحسب؛ بل واجبة الفناء والزوال.
وعلى كثرة ما "أبدعوه" من تلك النظريات والتصوُّرات، ظلُّوا مُقَصِّرين منطقياً؛ فَهُم لم يُعَرِّفوا لنا هذا الذي يمكن، ويجب، أن يفنى، فإنَّ سؤال "ما هي المادة؟" ظلَّ بلا جواب عندهم.
وفي المنطق ليس إلاَّ نقول إنَّ المرء لا يحقُّ له أنْ يتكلَّم (بلهجة علمية واثِقة) عن فناء، ووجوب فناء، "المادة" إذا لم يُجِبْ، من قبل، عن سؤال "ما هي المادة؟"، فكيف لكَ أنْ تحدِّثنا عن فناء شيء وأنتَ تجهل ماهية هذا الشيء؟!
هؤلاء المُغْرِضون فلسفياً (ولاهوتياً ودينياً) في كلامهم (الفيزيائي الرَّصين) عن "المادة ("نشوءاً" و"زوالاً"، "ولادةً" و"موتاً")"، عرَّفوا الكون (الذي خلقه "إله فيزيائي" يسمُّونه "الانفجار الكبير") بما يسمح بتصوُّر "المادة" على أنَّها "مخلوق فانٍ لا محالة"؛ فالكون، في تعريفهم له، هو "كل شيء"؛ هو المجرَّات والنجوم..، والفضاء نفسه، وهو الزمان والمكان والقوى والكتلة والطاقة..
قبل ولادة الكون، على ما يزعمون، لم يكن من وجود لأيِّ شيء؛ فإنَّ "البيضة الكونية" Singularity التي منها، أو من "انفجارها" الذي يسمُّونه "الانفجار الكبير"، وُلِدَ الكون، قبل نحو 13.7 بليون سنة، لم تكن بالشيء الذي يمكن تصوُّره على أنَّه "مادة".
ولقد بذلوا وسعهم لكَسْوِ هذه "البيضة" بخواص يكفي أنْ تكسوها بها حتى لا يبقى من فَرْق بينها وبين "العدم" Nothingness.
من بعضٍ من نظرياتهم الكوزمولوجية، المجافية للعِلْم والمنطق، وإنْ بدت علمية ومنطقية، أستطيع أنْ أتصوَّر "وجوداً" للكون لا وجود فيه للمادة، ويمكن خلقها فيه من العدم!
تخيَّلوا معي أنَّ كل شيء في الكون (كل المجرَّات والنجوم والكواكب..) قد فَنِيَ، ولم يبقَ من وجودٍ فيه إلاَّ لذاك الشيء الذي يسمُّونه "الثقب الأسود" Black Hole، ولتلك الجسيمات التي يسمُّونها "الجسيمات الافتراضية" Virtual particles.
"الثقب الأسود"، في تعريفهم له، هو "مادة سُحِقَت حتى خرجت من الوجود"؛ إنَّه "المادة في كثافتها المُطْلَقَة (أو اللانهائية)"، أي "المادة التي بَقِيَت كتلةً، وزالت حجماً"، والتي على الرغم من زوالها حجماً ظلَّ لهذا الشيء (أي "الثقب الأسود") نصف قطرٍ، يَعْظُم بِعِظَم كتلته، ويَصْغُر بِصِغَرِها.
ونصف القطر هذا (Schwarzschild radius) هو المسافة بين مركز (Singularity) هذا "الثقب" وسطحه المسمَّى "أُفْق الحدث" Event Horizon.
وثمَّة خاصية عجيبة لهذا الجسم هي أنَّه يظلُّ محتفِظاً بماهيته، أي يظلُّ "ثقباً أسود"، ولو "أطْعَمْتَه" كل مادة الكون، فهو يتغيَّر فحسب في "الكتلة"، أي تزيد كتلته، وفي "نصف قطره"، أي يزداد طول نصف قطره.
و"الثقب الأسود" أكان صغير الكتلة (وصغير نصف القطر من ثمَّ) أم عظيم الكتلة (وعظيم نصف القطر من ثمَّ) لا يسمح لأيِّ شيء (ولا حتى للضوء نفسه) بالخروج منه، والإفلات من قبضة جاذبيته الهائلة؛ أمَّا المادة التي يلتهمها (إذا ما كانت في متناول جاذبيته) فتُسْحَق في جوفه، وتَخْرُج نهائياً من الوجود، وكأنَّ هذا الجسم هو "المقبرة الفيزيائية للمادة".
إنَّ "الثقب الأسود"، بحسب تعريفهم له، وبحسب خواصِّه تلك، هو "المادة الفانية"، أو "فناء المادة"، بهذا "المعنى الفيزيائي" للفناء.
في نظرية "الثقب الأسود" جعلوا لـ "العدم"، أو لـ "فناء المادة"، مفهوماً فيزيائياً، فهذا الشيء، الذي له "كتلة" و"نصف قطر"، وليس له "حجم"، هو الذي فيه، وبه، تُسْحَق المادة حتى تَخْرُج من الوجود.
ثمَّ جاء الفيزيائي البريطاني الشهير ستيفن هوكينج بنظرية "التبخُّر"، فـ "الثقب الأسود"، بحسب وجهة نظر هوكينج، عُرْضَة لِمَا يشبه "التبخُّر".
ومُخْتَصَر هذه النظرية هو أنَّ "الفراغ" Vacuum، أو "الفضاء الفارغ (أو الخالي)" Empty space، مُفْعَمٌ دائماً بـ "الجسيمات الافتراضية"، التي تنشأ وتزول في استمرار، ولا تبقى على قَيْد الحياة إلاَّ زمناً في منتهى الضآلة، ولضآلته "لا يَشْعُر" قانون "حفظ المادة" بوجودها؛ فوجودها (الذي لا يطول) لا يتسبَّب بزيادة كمية المادة في الكون.
و"الجسيمات الافتراضية" تَظْهَر في "الفضاء الفارغ" على هيئة "أزواج"، فكل جسيم افتراضي يَظْهَر مع ضديده الافتراضي، أي أنَّ "الإلكترون الافتراضي" يَظْهَر مع ضديده "البوزيترون الافتراضي"؛ وما أنْ يَظْهرا إلى الوجود حتى يختفيا منه، فهما يتصادمان، فيفني كلاهما الآخر.
هوكينج يتوقَّع (أو يتحدَّث عن) نتائج مختلفة إذا ما ظَهَر زوج من "الجسيمات الافتراضية" في ضواحي، أو في جوار، "ثقب أسود".
إذا حَدَث ذلك (وهو يحدث دائماً) فإنَّ "البوزيترون الافتراضي"، مثلاً، يسقط في فم "الثقب الأسود" قبل أنْ يفنى (من خلال تصادمه مع ضديده "الإلكترون الافتراضي").
هوكينج يعلِّل هذه الظاهرة قائلاً إنَّ "الثقب الأسود"، ولِفَرْط جاذبيته، يلتهم "البوزيترون الافتراضي"، فيترتَّب على هذا الالتهام "تبخُّر" جزء من كتلة "الثقب الأسود"؛ وهذا "الجزء المتبخِّر" يمتَّصُه "الإلكترون الافتراضي" المُنْتَظِر في جوار "الثقب الأسود"، فيتحوَّل، من ثمَّ، إلى إلكترون (فعلي، حقيقي، واقعي).
"المادة الميتة" في جوف "الثقب الأسود" تُبْعَث بعد موتها؛ فالمختفي (أي المتبخِّر) من كتلة "الثقب الأسود" يَظْهَر في "الجسيمات الافتراضية"، محوِّلاً إيَّاها إلى "جسيمات حقيقية، فعلية، واقعية".
إنَّ المزج بين نظريتي "الثقب الأسود" و"الجسيمات الافتراضية" يفضي، على ما رأيْنا، وإذا لم تُنَقَّيا من شوائبهما الميتافيزيقية، إلى "كوزمولوجيا لاهوتية"، نتصوَّر فيها وجوداً فعلياً للكون، تنتشر فيه "مقابر للمادة"، هي "الثقوب السوداء"؛ ثمَّ يتولَّى "إشعاع هوكينج" بَعْث المادة بعد موتها، أي خلقها ثانية من هذا "العدم (الفيزيائي)"، فـ "الثقب الأسود"، الذي فيه، وبه، فنيت المادة، أو سُحِقَت حتى خرجت من الوجود، "يتبخَّر"؛ وهذا "البخار" يتكاثف في "أشباح"، هي "الجسيمات الافتراضية"، فتتحوَّل هذه "الأشباح"، أو "الجسيمات الافتراضية"، إلى "مادة حقيقية فعلية ملموسة"!
ما هي "المادة" Matter؟
إجابة هذا السؤال هي نفسها "تعريف" المادة؛ لكن، ما هو تعريف "التَّعْريف"؟
لو عَرَّفْتَ "الإنسان"، لَقُلْتَ، في مستهل تعريفكَ له، إنَّه "حيوان"؛ ولو عَرَّفْتَ "الهيدروجين"، لَقُلْتَ، في مستهل تعريفكَ له، إنَّه "غاز"؛ ولو عَرَّفْتَ "النحاس"، لَقُلْتَ، في مستهل تعريفكَ له، إنَّه "معدن".
الإنسان حيوان..؛ وهذا يعني أنَّ كل إنسان حيوان؛ لكن ليس كل حيوان إنسان؛ الهيدروجين غاز..؛ وهذا يعني أنَّ كل هيدروجين غاز؛ لكن ليس كل غاز هيدروجين؛ النحاس معدن..؛ وهذا يعني أنَّ كل نحاس معدن؛ لكن ليس كل معدن نحاس.
منطق "التعريف" هو نفسه منطق صِلَة "الخاص" بـ "العام"؛ فالشيء المُراد تعريفه، يُسْتَهَل (ويجب أنْ يُسْتَهَل) تعريفه بوَصْلِه بـ "العام"؛ فالإنسان حيوان، والهيدروجين غاز، والنحاس معدن.
بما يُوافِق هذا المنطق، هل يمكن تعريف "المادة"؟
كل شيء (إنسان، حيوان، هيدروجين، غاز، نحاس، معدن، بروتون، إلكترون، ذرَّة، نهر، كوكب) يُمْكِنكَ أنْ تقول، في مُسْتَهِل تعريفكَ له، إنَّه "مادة.."؛ لكنْ، هل ثمَّة شيء (في الكون) أَعَم من "المادة" حتى نَصِل "المادة" به، أو نَنْسبها، ونردها، إليه؟
كلاَّ، لا شيء في الكون أَعَم من "المادة" حتى ننسبها إليه؛ فإنَّ "المادة" ليست بـ "جزءٍ من كُلٍّ" حتى نَرُد هذا "الجزء" إلى "كُلِّه".
"المادة" ليست الذرَّة، وليست الإلكترون، وليست البروتون، وليست الكوارك، وليست النيوترينو، وليست الفوتون، وليست البوزيترون؛ وهي ليست الكوكب، أو النجم، أو المجرة، أو عنقود المجرَّات، أو الطاقة، أو الطاقة الداكنة، أو المادة الداكنة، أو النجم النيوتروني، أو "الثقب الأسود". إنَّها جوهر هذه الأشياء جميعاً، وجوهر كل شيء؛ فـ "الشيء" هو "المادة بإحدى صًوَرِها".
لا تُميِّزوا "الطاقة" من "المادة" في قولٍ من قبيل "المادة تتحوَّل إلى طاقة؛ والطاقة تتحوَّل إلى مادة"؛ فإنَّ "الطاقة" هي جزءٍ من كُلٍّ، يسمَّى "المادة"؛ ولا تتحدَّثوا عن "جسيمات مادية" وأخرى "لامادية"؛ ولا تُعرِّفوا "المادة" على أنَّها "كل شيء يشغل حيِّزاً، وله كتلة"؛ فإنَّ "الحيِّز نفسه (والمكان والفضاء)" هو جزء من "المادة"، وإنَّ بعضاً من "المادة"، كجسيم الفوتون، ليس له كتلة سكونية.
"المادة"، في مفهومها، لا تُطابِق (لا تساوي، ولا تَعْدِل) شيئاً ما (ومهما صَغُر).
المادة تَلِد مادة (وتَلِدُ حتى "مادة مفكِّرة"). لا مادة تأتي إلاَّ من مادة، ولا مادة تَذْهَب إلاَّ بمعنى تحوِّلها إلى مادة أخرى؛ فـ "العدم" لم يكن أوَّلاً، ولن يكون آخِراً.
إنَّ العقل الإنساني لن يدخل ملكوت الحرية إلا عندما يُرْفَع التحريم عن السؤال، ويتحرَّر السائل من كل قيد في بحثه عن الجواب، فلا سؤال محرَّم، ولا جواب يُحْكَم على صاحبه بما، وكما، حُكِم على آريستاركوس.
لقد بدأ رجل الدين حواراً عقلانياً مع السائل المتشكِّك، الذي تشجَّع، فسأل رجل الدين: "وماذا كان يفعل الله قَبْلَ خلقه الكون؟"، فاغتاظ رجل الدين، وأجاب مُنْهياً الحوار العقلاني: "كان يُعِدُّ جهنَّم لكل مَنْ تسوِّل له نفسه أن يسأل مثل هذا السؤال"!
مِنْ أين جاء الكون؟
هل مِنْ مُوجِدٍ له؟
وإذا زعمتَ أنْ لا مُوجِد له، فأي عقل يصدِّق أنَّ هذا الكون العظيم لم يُخْلَق، أو أنَّه أوْجَدَ نفسه بنفسه؟!
هل مصادفةً وُجِدَ هذا الكون؟!
أليس لكل موجود مُوجِد؟!
إذا كان هذا الشيء التافه قد صنعه صانع، فكيف هذا الكون العظيم، المنظَّم تنظيماً مُحْكماً مُتْقَناً؟!
أسئلة كثيرة مِنْ هذا النمط، يسألها المؤمن، وغير المؤمن، ولكنْ كلاهما لا يجرؤ على الادعاء بأنَّ لديه مِنَ الأجوبة القاطعة المُقْنِعة المُفْحِمة ما يمنع الآخر مِنَ الاستمرار في السؤال.
لو كُنْتَ غير مؤمن فربَّما تجيب المؤمن، قائلاً: "الفيزياء، وفي أحد أهم قوانينها، تقول إنَّ المادة لا تُخْلَق ولا تفنى، إنَّما تتحوَّل مِنْ شكل إلى آخر".
لو قُلْتَ ذلك لما أقنعته؛ لأنَّه سيردُّ عليكَ قائلاً: "المادة لا تُخْلَق ولا تفنى على أيدي البشر فحسب".
ولو قُلْتَ له إنَّ المادة سرمدية Eternity أزلية أبدية، لما أقنعته؛ لأنَّه يرى بعينيه، أنَّ كل شيء في هذا الوجود ينشأ ثمَّ يزول، يولد ثمَّ يموت، فكيف له أنْ يصدِّق زعمكَ ويكذِّب عينيه؟!
قد تَنْظُر إلى معتقده على أنَّه مِنْ أساطير الأوَّلين؛ ولكنَّه، الآن، سيُشهِر في وجهك سيف العِلْم الذي في أحدث وأهم منتجاته وهو "نظرية الانفجار الكبير" Big Bang يؤكِّد لكل المتشكِّكين أنَّ الكون أبصر النور قَبْلَ نحو 14 مليار سنة، وأنَّه قَبْلَ ذلك لم يكن مِنْ وجود لـ "المادة" Matter أو "الفضاء" Space أو "الزمان" Time؛ فكلُّ ما في الكون مِنْ مادة كان "قَبْلَ" الانفجار العظيم (بداية الخَلْق) مركَّزاً في "نقطة" Singularity لا شيء يشبهها سوى "العدم" Nothingness الذي تحدَّث عنه الدين، ولو في غموض وإبهام، قَبْلَ أنْ "تؤكِّده" بعض التصوُّرات والنظريات الفيزيائية والكوزمولوجية.
هذه "النقطة" Singularity وبقوَّة يجهل طبيعتها أصحاب النظرية ومؤيِّدوها انفجرت انفجاراً لا مثيل له، في الفهم والتجربة البشريتين، فوُلِد الكون. ومع ولادة هذه النظرية الكوزمولوجية الكبرى صار للدين سند قوي في الفيزياء، التي لا تنكر أنَّ الدين أوحى إليها بالفكرة الجوهرية في هذه النظرية.
الخَلْق Creation هو، في الأصل، مفهوم ديني؛ لكن بعض الفيزيائيين والكوزمولوجيين حاولوا إلباسه اللبوس الفيزيائي، متَّخذين بعض الجوانب الجوهرية مِنْ نظرية، أو فرضية، "الانفجار العظيم" Big Bang سبيلاً إلى ذلك.
هؤلاء لم يُوَفَّقوا في محاولتهم هذه؛ لفشلهم في توضيح وتحديد مفهومين مهمَّين، هما في منزلة الضلعين مِنْ "مُثلَّث الخَلْق". وهذان المفهومان، هما: "المادة" Matter و"العدم" Nothingness؛ فما هي المادة؟ وما هو العدم؟
لا أحسبُ أنَّني أُغالي إذا قلتُ إنَّ الفيزياء والفلسفة لم تتوصَّلا بَعْد، على الرغم مِنْ جهودهما المضنية في هذا الصدد، إلى جلاء الغموض عن مفهوم "المادة".
الفيزياء تشوَّش عليها الأمر، فأخْرَجَت "الطاقة" Energy مِنْ مفهوم "المادة" Matter إذ عرَّفت المادة، مِنْ قَبْل، على أنَّها "كل شيء يشغل حيِّزاً وله كتلة". وبَعْدَ ذلك، عرَّفتها على أنَّها "كل شيء يشغل حيِّزاً وله خاصيَّة الجاذبية Gravitation وخاصيَّة القصور الذاتي Inertia". ثمَّ خلطت مفهوم "المادة" بمفهوم "الكتلة" Mass إذ قالت إنَّ المادة (وكان ينبغي لها أنْ تقول "الكتلة") تتحوَّل إلى طاقة.
وقد بلغ التشوُّش مبلغه بجَعْل المادة، في "أصلها"، أو "أبجديتها"، مُطابِقة لعنصر مادي ما (الذرَّة Atom ثمَّ جُسيْم Particle مِنْ جسيماتها).
وقد ظلَّ بعض الفيزيائيين، وربَّما غالبيتهم العظمى، في بحثٍ مضنٍ، ولكنْ غير مُجدٍ، عن "المادة الأوَّلية"، أو "الجسيم الأوَّلي" Elementary Particle؛ فالفيلسوف الإغريقي القديم ديمقريطس Democritus غرس في عقولهم فكرة الجسيم الأوَّلي Atom التي بموجبها يمكن أنْ ينحل كل جسم مادي ويتفكَّك وينقسم حتى يبلغ، في آخر المطاف، ذلك الجسيم الأوَّلي (البسيط، غير المركَّب) الذي عنده يبلغ الانحلال أو التفكُّك أو الانقسام نهايته.
هذا التصوُّر الفلسفي، الذي جاء به حَدْس ديمقريطس، ما زال مسيطراً على طريقة التفكير لدى فئة واسعة مِنَ الفيزيائيين والكوزمولوجيين، الذين ينتظرون، كمَنْ ينتظر شروق الشمس مِنْ مغربها، أو سقوط السماء، العثور على جسيم ديمقريطس (الخرافي) ليعلنوا، بَعْدَ ذلك، أنَّهم أمسكوا، أخيراً، بـ "الأصل المادي"، الذي منه تركَّبت، أو بُنِيَت، كل الأجسام والجسيمات، والذي لا يتألَّف هو ذاته مِنْ جسيمات، مثله مثل "الحرف" لجهة علاقته بـ "الكلمة".
هُم، الآن، وبعدما خيَّب انقسام الذرَّة سعيهم وأملهم، يعلِّقون آمالهم على جسيمات يسمُّونها "أوَّلية" كمثل الكوارك Quark أو الإلكترون Electron معتقدين أنَّ كلا الجسيمين غير قابل للانقسام، أي لا يتكوَّن مِنْ جسيمات، ولا يمكن، من ثم، تصوُّر فراغ Vacuum أو فضاء Space في داخله، كمثل الفراغ أو الفضاء في داخل الذرَّة. وهكذا ظلَّ مفهوم "المادة" هو ذاته مفهوم "الجسيم الأوَّلي البسيط غير المركَّب"، فظلَّ التشوُّش في الفهم والنظر سائداً ومسيطراً في الفيزياء والفلسفة.
وعلى سبيل التشبيه نقول إنَّ البحث عن "المادة"، في هذه الطريقة، أي في "طريقة ديمقريطس"، هو كالبحث عن "الفاكهة"، فأنتَ مهما بحثتَ لن تعثرَ إلا على "البرتقالة"، أو "التفاحة".. فـ "الفاكهة" إنَّما هي "المُجرَّد" الذي يتجسَّد في نوع بعينه من الفاكهة.
في "العالم المادي"، ليس مِنْ وجود فعلي إلا لـ "الأشياء"، أي لكل ما هو "ملموس"، و"عيني"، و"محدَّد".
لا وجود فيه إلا لـ "الشيء الفرد، المتفرِّد، الذي لا نظير له"، فما يشبه، أو يماثل، "البصمة" هو، وحده، مِنَ الأشياء، الذي يُوْجَد وجوداً فعلياً في "العالم المادي".
ولمزيدٍ مِنَ التوضيح، أقول ليس في "العالم المادي" مِنْ وجود فعلي لـ "البرتقالة العامة"، فالبرتقالة الموجودة بالفعل إنَّما هي "هذه البرتقالة التي أمسك بها الآن..". وليس فيه مِنْ وجود فعلي لـ "الإنسان العام"، فهذا الشخص، المدعو "عمر بن.. بن.. بن.."، والذي يجلس إلى جانبي، الآن، هو الموجود وجوداً فعلياً.
والبحث عن "المادة" في "العالم المادي" لا يعني، ويجب ألا يعني، أنْ نبحث عن "شيء بعينه"، فـ "المادة" هي جوهر كل شيء فرد، متفرِّد، لا نظير له؛ ولكنها ليست "شيئاً بعينه".
والبحث عن "الأصل المادي" للوجود لا يعني، أبداً، أنْ نبحث عن "شيء فرد، متفرِّد، لا نظير له"، مثل "الكوارك".. عن شيء تتألَّف منه كل الأشياء، ولا يتألَّف هو مِنْ أي شيء؛ فليس في "العالم المادي" مِنْ شيء، مهما صغر، يمكن أنْ ننظر إليه على أنَّه "الأصل المادي" للوجود، أو أحد أصوله المادية (القليلة). إنَّ "الأصل"، أو "الجوهر"، المادي للوجود ليس بشيء محدَّد، ملموس.. ليس بشيء فرد، متفرِّد.
قُلْنا إنَّ "المادة الأوَّلية" هي "جسيم خرافي"، فوجود "الجسيم الأوَّلي" إنَّما هو المستحيل بعينه. وكلُّ القائلين بوجوده، والذين ينظرون إلى "الإلكترون" و"الكوارك" على أنَّهما مِنَ "الجسيمات الأوَّلية"، لم يكلِّفوا أنفسهم عناء البحث في "ماهيَّته"، أو عناء إجابة أسئلة من قبيل: ما هو "محتواه"؟ ومِمَّ يتألَّف "باطن" هذا الجسيم؟
بحسب "المعنى الفيزيائي" لـ "المادة الأوَّلية"، والذي اخترعوه، لا تُعدُّ المادة "أوَّلية" إذا كانت "تتألَّف مِنْ جسيمات"؛ فـ "باطنها" يجب أنْ يخلو تماماً مِنَ "الجسيمات"؛ فهل مِنْ "فضاء"، أو "فراغ"، تشتمل عليه "المادة الأوَّلية"؟
لا جواب عندهم عن هذا السؤال.
لنفترض أنَّ "الباطن" مِنَ "المادة الأوَّلية"، والذي يخلو تماماً مِنَ الجسيمات، على ما يزعمون، يشتمل على "فضاء"، فما هي ماهيَّة وخواص هذا "الفضاء"؟
هذا "الفضاء" الافتراضي، والذي يخلو تماماً مِنَ الجسيمات إنَّما هو "فضاء ميتافيزيقي"، أو "فضاء خالص". والقول بمثل هذا الفضاء إنَّما يُناقِض اكتشافاً مِنْ أهم الاكتشافات الفيزيائية والكوزمولوجية وهو أنْ لا وجود في الكون لـ "الفضاء الخالص"، أي للفضاء الذي لا أثر فيه لـ "المادة"!
نحن نَعْلَم أنَّ "الإلكترون"، الذي يحسبونه "جسيماً أوَّلياً"، "يؤثِّر" و"يتأثَّر" بغيره مِنَ الجسيمات، وبالأجسام. ونَعْلَم، أيضاً، أنَّ "التأثير" يحتاج إلى "جسيمات" تَحْمِله وتَنْقُله، عَبْر "الفضاء" مِنْ مادة إلى مادة.
هذا يعني أنَّ "الإلكترون" ينبغي له أنْ "يُطْلِق"، وأنْ "يمتص"، تلك "الجسيمات الناقلة (أو الحاملة) للتأثير".. يعنى أنَّ في داخل الإلكترون مِنَ "المادة" ما يُفْقِدُ صفة "الأوَّلي" معناها؛ ويكفي أنْ يُطلِق "الجسيم الأوَّلي" ويمتص مادة متناهية في الصِغَر حتى تَفْقِد صفة "الأوَّلي" معناها. وهكذا يقود مفهوم "المادة الأوَّلية"، أي المادة التي لا تتألَّف مِنْ جسيمات، إلى مفهوم خرافي وميتافيزيقي آخر هو مفهوم "المادة عديمة القوى". وهذا النوع الخرافي مِنَ "المادة" هو عينه "المادة التي لا تؤثِّر ولا تتأثَّر بغيرها".
ولو كان "الإلكترون" مِنْ هذا النمط مِنَ "المادة" لاستحال وجود "الذرَّة"، التي ينبغي لنا أنْ ننظر إلى وجودها على أنَّه، في جانب مِنْ جوانبه الأساسية، ثمرة تفاعل بين الإلكترون و"النواة",
"الأوَّلي" مِنَ "المادة"، إذا ما افتَرَضْنا وجوده، لا بدَّ مِنْ أنْ يكون مادة يستحيل انحلالها وتفكُّكها، كما يستحيل اتِّحادها مع غيرها. وغني عن البيان أنَّ وجود مادة كهذه لا يسمح بوجود الكون.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - أزواج هوكنج من نوع آخر
حسن عبد اللطيف ( 2020 / 10 / 1 - 15:05 )

أولا - هذان الزوجان وإن كانا يختلفان فى الشحنة الا أن كتلة (سكون) كل زوج منها موجبة وطاقة سكونه (موجبة) وتعدل 0.51 مليون الكترون فولت ..

ثانيا - هذه الأزواج يتم تحضيرها فى المعامل بكل سهولة ويمكن منعها من الاندماج ببعضها أيضا بكل سهولة لاستخدام كل منها على حدة كما نشاء .. وهذا التحضير (سواء فى المعمل أو فى الكون الخارجى) يتطلب فوتونا ذا طاقة لا تقل قيمتها عن 1.02 مليون الكترون فولت .. وهذه بالضبط ضعف كتلة سكون الالكترون

ثالثا - إذا فرضنا وجود عملية فى الطبيعة الطبيعة تسمح بظهور هذين الزوجين من العدم (أى بدون فوتون مسبق) فلابد فى هذه الحالة أن تكون طاقة سكون أحد الجسيمين موجبة والأخرى سالبة (وهذا لا يتحقق للالكترون والبوزيترون العاديين المعروفين لنا) بمعنى أن مجموع طاقتيهما وكتلتيهما يساوى صفرا ولابد ان عودة اندماجهما لا ينجم عنه ظهور فوتون .. فهم من عدم والى عدم !!

رابعا - فى هذه الحالة (فقط) اذا ابتلع الثقب الاسود الجسيم ذا الطاقة السالبة فإن طاقته وبالتالى كتلته تنخفض .. أما اذا ابتلع بوزيترون عادى ذو كتلة موجبة كالذى نعرفه فى المعامل فلن تنخفض طاقة وكتلة الثقب الاسود


2 - المادة هي الجوهر , ماهو الجوهر؟
منير كريم ( 2020 / 10 / 1 - 15:41 )
تحية للاستاذ جواد المحترم
لقد عدت الى المربع الاول , فبعد كل هذه التفاصيل عرفت المادة بالجوهر(جوهر العالم)ه
الفلسفات المتافيزيقية تقبل فكرة الجوهر
اما الفلسفة العلمية لاتقبل فكرة الجوهر لانها غير قابلة للتحقق تجريبيا او رياضيا
الجوهر مقولة ميتافيزيقية وحسب
عزيزي لا تجهد نفسك لاتعريف فلسفي للمادة لابد من الاعتماد على العلوم الطبيعية مباشرة في فهم المادة ثم تاتي مهمة الفلسفة بدراسة المفهوم العلمي هذا , لاتاتي الفلسفة قبل العلم وتعرف المادة
اكثر ما تستطيع فعله ان تعتبر المادة حسب تعريفك فرضية لا اكثر
شكرا


3 - تصويب
حسن عبد اللطيف ( 2020 / 10 / 1 - 15:48 )

فى السطر الأول من التعليق السابق كنت أتحدث عن الأزواج المعروفة فى الفيزياء وهى الالكترونات والبوزيترونات التى تُخلق بمرور فوتون جاما طاقته لا تقل عن 1.02 مليون الكترون فولت بجوار احدى الانوية الثقيلة ولا تخلق من العدم كما يدعى هوكنج


4 - معضلات هائلة تفرض علينا الاتضاع
حسن عبد اللطيف ( 2020 / 10 / 1 - 16:16 )

الصورة أمام العقل لا تزال غير مكتملة بشكل مريع .. وأن عليه عدم التسرع بإصدار أحكام فى مسائل مصيرية كقضايا الخلق ووجود الخالق.. لا يزال أمامنا معضلات فيزيائية هائلة لم تُحل بعد كالطاقة المظلمة والكتلة المظلمة مثلا .. وهما كيانان يشكلان نحو 95 بالمائة من الكون ومع ذلك لا ندرى عنهما شيئا تقريبا .. وبالطبع لا ندرى شيئا عن علاقتهما بالثقوب السوداء ولا ندرى ان كانا يتفاعلان بنوع اخر من الضوء المظلم ولا نعرف شيئا عن سرعة ذلك الضوء فى حال وجوده .. هذا الجهل العارم بماهية 95 بالمائة من الكون يجعلنا فى حرج بالغ عندما نتجرأ على اصدار أحكام باتة وقاطعة وونهائية فى قضايا المادة والعدم ووجود الخالق


5 - رد على السيدين حسن عبد اللطيف ومنير كريم
جواد البشيتي ( 2020 / 10 / 1 - 18:14 )

السيد حسن، تحية
كل ما تفضَّلْتَ في إيراده من تفاصيل فيزيائية إنَّما يؤكِّد ولا ينفي فكرة أنَّ المادة لا تأتي إلاَّ من مادة، وأنَّ العدم فكرة خرقاء.
السيد منير، تحية
-الجوهر (المادي)- ليس فكرة ميتافيزيقية؛ بل هو أساس كل علم؛ فكل مفاهيم الفيزياء مثلاً مؤسسة على فكرة -الجوهر-؛ فمفاهيم: الذرة والجسيم والجزيء والكوكب والنجم.. لا وجود لها في الواقع العياني الذي فيه يوجد فحسب ذرة أوكسجين أو كوكب المريخ أو نجم الشمس. إذا كان ممكناً أنْ تقول لا وجود للذرة ولا وجود للكوكب أو النجم فعندئذ يمكنك أن تقول لا وجود للمادة؛ فما الفرق في هذه الحالة بين مفهوم -المادة- وبين مفهوم -النجم- مثلاً؟!


6 - تعريف العدم
حسن عبد اللطيف ( 2020 / 10 / 1 - 21:25 )

الاستاذ جواد المحترم - اشكرك على الرد
كل ما أردت توضيحه بالتعليق هو ان ما يبتلعه الثقب الاسود وتنخفض به كتلته لا يمكن ان يكون بوزيترونا عاديا مما نعرف ولكنه نوع اخر من الجسيمات لم نلتق به من قبل يحمل كتلة
سالبة وطاقة سالبة .. وأن أزواج هوكنج اذا ابتلعت بعضها البعض فإنها لا تطلق إشعاعا كالأزواج العادية التى نعرفها وذلك بسبب حقيقة أن مجموع طاقتها وكتلتها يساوى صفرا ...

وبخصوص ان العدم فكرة خرقاء فهذا ما لا برهان لأحد عليه حتى الآن

ولئن كان فراغ هوكنج النابض بأزواج الجسيمات هو ذلك العدم المقصود فذلك بالفعل تعريف أخرق للعدم .. لإنه ان كان ولابد من تعريف للعدم فينبغى ان يكون هو ذلك الفراغ الميت الفارغ من كل شىء - حتى من تلك النبضات .. لماذا ؟ - ببساطة لأنه قد جاء على ذلك الفراغ النابض حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا .. ربما قبل البج بانج مثلا وان كنت اعلم انك قد تعترض على كلمة قبل هذه

مع خالص التحية والتقدير


7 - رد على السيد حسن عبد اللطيف
جواد البشيتي ( 2020 / 10 / 1 - 22:32 )

السيد حسن، تحية
إنك تقول: كل ما أردت توضيحه بالتعليق هو ان ما يبتلعه الثقب الاسود وتنخفض به كتلته لا يمكن ان يكون بوزيترونا عاديا مما نعرف ولكنه نوع اخر من الجسيمات لم نلتق به من قبل
وأنا أقول: صح 100%
إنك تقول: وأن أزواج هوكنج اذا ابتلعت بعضها البعض فإنها لا تطلق إشعاعا كالأزواج العادية التى نعرفها
وأنا أقول: صح 100%
إنك تقول: ولئن كان فراغ هوكنج النابض بأزواج الجسيمات هو ذلك العدم المقصود فذلك بالفعل تعريف أخرق للعدم
وأنا أقول: صح 100%

اخر الافلام

.. قبل عمليتها البرية المحتملة في رفح: إسرائيل تحشد وحدتين إضاف


.. -بيتزا المنسف- تثير سجالا بين الأردنيين




.. أحدها ملطخ بدماء.. خيول عسكرية تعدو طليقة بدون فرسان في وسط


.. سفينة التجسس بهشاد كلمة السر لهجمات الحوثيين في البحر الأحمر




.. صراع شامل بين إسرائيل وحزب الله على الأبواب.. من يملك مفاتيح