الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نحو انهيار شامل للمنظومة الأخلاقية في ظل هيمنة النظام الرأسمالي العالمي والأفكار النيوليبرالية:

بحضاض محمد

2020 / 10 / 1
العولمة وتطورات العالم المعاصر


لعل كل المهتمين من المتتبعين للوضع العالمي في المرحلة الراهنة، يكادون يجمعون على أن العالم ينزلق بشكل خطير إلى العدم، وما يشهده المعمور في وقتنا الراهن من كوارث طبيعية وآفات بيئية ومظاهر اجتماعية شادة بالإظافة إلى التفسخ الأخلاقي وشبه انعدام القيم الإنسانية، لخير دليل على هذا الطرح وأبرز ما يعزز فحواه..
والأكيد أن ورغم اختلاف أنواع كل هذه المظاهر وتنوع أسبابها، إلا أنها تصب من منبع واحد، ألا وهو النظام الرأسمالي العالمي والتفشي شبه المطلق للأفكار النيوليبرالية التي تمثل تمظهرا من تمظهرات هذا النظام الرأسمالي العالمي، والمشجع الأكبر على كل ما سبق من آفات، بحماية من طرف النظام المذكور..
ولعل أبرز المفكرين الذين نظروا لليبرالية ابتداء من عصر التنوير في أوروبا، ومطالبتهم بفسح المجال أمام البشر لكي يمارسوا حريتهم شبه المطلقة والمقصود هنا الحريات الفردية وليس السياسية والإقتصادية، لكي يطلقوا العنان لتفريغ شهواتهم التي كبتتها الكنيسة لعقود، وإن كانت هذه الحرية شبه المطلقة مأطرة في شكل تعاقد بين المواطن والدولة..
ومنذ ذلك الحين، برز إلى الواجهة منظرين كثر ممن دافعوا عن هذه الأطروحات الليبرالية، حتى وطدت أقدامها وأسسها في دول أوروبا الغربية، مستغلة التفاعل الإيجابي الكبير من طرف الأوروبيين، الذين عانوا لقرون من القمع والحرمان والتضييق الذي مارسته عليهم الكنيسة الكاثوليكية، وصاروا كمن أطلق ثيران هائجة من حظيرتها، ليتنافسوا فيما بينهم حول من يذهب بحريته الممنوحة لأبعد الحدود..
وبالتزامن مع هذه الأفكار، ظهر مفكرين آخرين "كطوماس مالتوس" الذي أوصى بضرورة خلق توازن ما بين الموارد المتاحة والبشر المتواجدين على الأرض، تفاديا لاختلال التوازن بين العنصرين، وضمانا لبقاء الأقوى والمقصود هنا الطبقات الحاكمة من البورجوازية وحلفائها، من أجل مواصلة نهبهم لخيرات الأرض والشعوب المستضعفة متوسلة في ذلك بالحركة الإمبريالية باعتبارها تجسيدا لأعلى مراحل الرأسمالية..
واقترح مالتوس لتحقيق هذه الغايات مجموعة من السياسات غير الإنسانية وغير الأخلاقية والتي لا يختلف عاقلان في مدى بشاعتها، من قبيل التنقيص من أعداد البشر على الكوكب عن طريق نشر فيروسات وأوبئة قاتلة، ونهب خيرات الشعوب المستضعفة تاركين هذه الشعوب تموت جوعا ومرضا، وهذا ما حدث بالفعل ولا يزال سيحدث في المستقبل في ظل هيمنة الرأسمالية المتوحشة عدوة الشعوب..
فالرأسمالية إذا لا تزال مستمرة في نهبها وسيطرتها على العالم بقبظة من فولاذ، تزداد شدة وقوة في كل حين، ولكن الأكيد هو أنه في نموها تنمو معها بذور فنائها، ولعل الأزمات البنيوية والدورية التي لا تفارق هذا النظام باعتباره نظاما متأزما بطبعه، ما فتئت تهز دعائمه التي ورغم متانتها إلا أنها تتكئ على أساس واهن، مفاده حتمية تجاوز هذا النظام والتعويض عنه بنظام أكثر رقيا وأكثر إنسانية وأكثر قدرة على استيعاب نمو قوى الإنتاج..
فالرأسمالية إذا نظام زائل، والأكيد أنه مع اقتراب زواله، مثله مثل الفريسة، فأنه يزداد ضراوة، ويزداد تعفنا وتفسخا ووحشية وانحطاطا، وهذا النظام في المرحلة الراهنة يمكن القول بأنه يلعب بآخر أوراقه، في محاولة يائسىة منه لتجاوز أو على الأقل للتنفيس عن أزمته، والأكيد أن هذا الأمر سيكون على حساب شعوب العالم المستضعفة..
فالسنوات الأخيرة أبانت وبشكل لا يترك مجالا للشك، على أن الرأسمالية تلفض آخر أنفاسها النتنة، وما الكوارث الطبيعية المدمرة التي تسببت فيها من حرائق وفيضانات وغزو للدول التي أبت التخندق في خندقها الضيق، وانتشار رهيب للأوبئة والفيروسات، ونهب مستمر لخيرات الشعوب إما بطرق فاضحة وهنا أتحدث عن الغزو، أو بطرق غير مباشرة عبر حلفائها الذيليين العملاء المنصبين على رأس دول الاستعمار الجديد وشبه المستعمرات إلا دليل يعزز هذا الطرح..
وقطعا أن كل هذه الآفات، هي تطبيق عملي لما أوصى به "مالتوس" أعلاه، وكذا ما جاء به من بعده من الجنود المدافعين عن الرأسمالية ووحشيتها والمتسترين في جلباب العلم والمعرفة، غير المكترثين بمصير الإنسان والإنسانية ومستقبلها على هذه الأرض التي عاث فيها الإمبرياليون فسادا وأثقلوا كاهلها بحروبهم المدمرة ونشروا فيها من الأوبئة ما أضر بها ولا يزالون مصرين على السير بها نحو الهلاك..
بالرجوع إلى الليبرالية باعتبارها إيديولوجية البورجوازية التي هي نفسها حامية النظام الرأسمالي والساهر على استمراره كونه يخدم مصالح هذه الطبقة وحلفائها، فكما أسلفنا، فإن الأفكار الليبرالية في شقها الاجتماعي والشخصي، لاقت استحسان وقبولا كبيرا في أوساط الأوروبيين، وسنحت لهم الفرصة للإنغماس في تلبية شهواتهم، ومبتعدين بذلك عن الاهتمام بالحياة السياسية والاقتصادية، ما زاد من هيمنة هذه الأفكار على المستويين المذكورين والذهاب نحو تطبيق أوسع لهم من طرف الحكومات البورجوازية..
فتغييب الوعي الجماعي، وأقصد هنا الوعي السياسي بالخصوص، ما هو إلا استراتيجية للإلهاء، تمكنها من مواصلة مسلسل النهب والغطرسة، في النظام العالمي الجديد تحت مسمى العولمة بقيادة الإمبراطورية الإمبريالية الأمريكية، امتدت فروعه لتصل إلى كل الأطراف، وتحكم قبضتها عليها، وكل من أبى الاصطفاف في صفها والقبول بشروط اللعبة المكشوفة، وأقصد هنا بعض الحكومات التي رفضت الانصياع، يتم غزوها بالقوة أو إثارة الفوضى داخلها واصطناع ثورات مفبركة للفتك بتلك الحكومات والاستعاضة عنها بحكومات أخرى رجعية وعميلة تخدم مصالح البورجوازية..
وتتوسل البورجوازية في نشر هذه الأفكار في مختلف بلدان العالم، بترسانة إعلامية موجهة ضخمة، وجمعيات تدعي الدفاع عن حقوق "المتفسخين"، من مثليين وشواذ وساديين وبيدوفيل، تحت ذرائع مضحكة، تسمح لشرائح كبيرة من المجتمع بإطلاق العنان لغرائزهم الحيوانية من دون قيود، تحت ذريعة الحرية المطلقة وبحماية من جمعيات "حقوقية" وحتى بعض الحكومات البورجوازية نفسها..
لذلك نجد العالم اليوم، ينزلق نحو انهيار شامل للمنظومة الأخلاقية، ليس هذا فقط، بل الكوكب نفسه يسير نحو الخراب، فالرأسمالية بطبعها ميالة نحو الربح، بل إنها هدفها الأساسي هو تكديس الأرباح، وإن كان عبر الإتجار بالبشر، أو نهب خيرات الشعوب، أو تدمير جزء كبير من قوى الإنتاج، أو عبر حروبها اللصوصية، والأفضع من ذلك عبر تخريب الكوكب نفسه، فكل ما يشهده العالم من تخريب وتفسخ وحروب وكوارث وأوبئة، ما هو إلا دليل قاطع على فشل النظام الرأسمالي العالمي في حماية الإنسان والكوكب..
فمعاناة الإنسانية والكوكب إذا مستمرة في ظل هيمنة هذا النظام المتعفن، لكن إلى حين، فحتمية التاريخ تكشف لنا بوضوح، أنه ما من حال يبقى على حاله، وأنه حتى أعتى الدول وأشسع الإمبراطوريات وأعنف الأنظمة، سائرة نحو الزوال، حتى وإن عمرت لقرون ممتدة، فالتغيير آت حتما، ولو أنه يأتي بسيرورة بطيئة ومتأنية وحركته في مد وجزر، إلا أنه آت وسيكون عنيفا وجذريا، هذا إيمان مطلق منا، نحن الذين نعاني الويلات في ظل هذا النظام السالب لكل شيء قدسيته وحرمته وقيمته، لكننا مستمرون في المقاومة لأننا على يقين تام بأن لا شيء لنا لنخسره وأن أمامنا عالم لنظفر به، عالم خال من القهر والاستبداد، يسوده نظام يرجع للإنسان قيمته باعتباره أثمن رأسمال في الوجود..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الوساطة القطرية في ملف غزة.. هل أصبحت غير مرحب بها؟ | المسائ


.. إسرائيل تستعد لإرسال قوات إلى مدينة رفح لاجتياحها




.. مصر.. شهادات جامعية للبيع عبر منصات التواصل • فرانس 24


.. بعد 200 يوم من الحرب.. إسرائيل تكثف ضرباتها على غزة وتستعد ل




.. المفوض العام للأونروا: أكثر من 160 من مقار الوكالة بقطاع غزة